⏪⏬
عرف مصطلح الجمالية تطورا عبر العصور وكانت بداياته عند الإغريق فهو مصطلح فني عريق اشتق من كلمةAsthesis اليونانية وتعني الشعور أو الحس ويعتبر من أقدم العلوم التي تطرق إليها الفلاسفة والمختصون بشؤون الفكر والفن والأدب وعلى رأسهم
الفلاسفة الذين أولوه اهتماما كبيرا فهم يعتبرونه مادة الفن وقد ظهرت أولى مصطلحات علم الجمال في أشعار هوميروس على وجه التحديد .
ومن أهم التعبيرات الجمالية التي استعملها هوميروس نجد:الرائع ،الجمال،التناسق،لذا إن كل ما هو رائع ومتناسق بالنسبة لهوميروس هو موضوعي واقعي يمكن أن يفهمه الإنسان ويلمسه بحواسه.
ومن الفلاسفة أيضا الذين عملوا على تطوير الرؤية الجمالية لهذا الفن نجد هرقليط Heraklit ؛فالجمال بالنسبة إليه هو صفة للعالم الموضوعي الملموس وهو أيضا نسبي باعتباره أن أجمل قرد هو قبيح بالنسبة للجنس البشري.
فسبب اعتقاد هيرقليط وجود نسبية في الجمال ناجم عن اختلاف الأنواع ،فالقرد يختلف نوعيا عن الإنسان لكون الجمال حسب قوله هو يشتمل على التناسق الذي هو وحدة الأضداد الذي يظهر من خلال الصراع.
إن هذا الأمر نجد أرسطو حاول أن يحلل مفاهيمه من خلال كتابه العالم الذي ينطلق فيه بفكرة أن الطبيعة تحاول آن تنزع الأضداد التي فيها يتكون التناسق .
أما دمقريط فنجده حدد الجمالية في الشيء الرائع؛ أي الشيء المتناسق المحدد من كل الوجوه الذي يعتمد على النظام الصارم و التناسق والتناسب والانسجام بين الأجزاء .
بالإضافة إلى دمقريط نجد هناك فيلسوف آخر اهتم بهذه المسألة وهو أفلاطون Platon الذي جعل له "مثالا" هو الجمال بالذات؛أي ذاك الذي يحتذيه الصانع في خلقه للعالم وتشارك فيه المثل.
وقد ذهب أرسطو على خلاف أفلاطون لانتقاده لفلسفة أفلاطون المثالية وخصوصا ما يتعلق بنظرياته حول علم الجمال.
إن أرسطو رغم كونه كان يتقلب في رأيه بين المثالية والمادية إلا أنه في النهاية كان يميل إلى المثالية معترفا بوجود صورة للشكل.
ومن أهم إنتاجاته :نجد كتاب "فن الشعر" الذي حلل فيه الإنتاج الفني في عصره وقدم فيه الأسس وقوانين الخلق الفني.
لقد كان أرسطو كمعظم الفلاسفة الذين سبقوه يضع مسألة "الرائع" في مركز أبحاثه فهي صفة موجودة واقعيا في الموضوعات والأشياء التي يحددها في معيارات الترتيب والتناسب والوضوح التي تشكل أسمى تعبير عن الرائع.
أما الجمالية في عهد الرومان فتمت معالجتها على يد الفيلسوف الأبيقوري كان لوكريشيوس (99-55 ق.م) في قصيدته عن" طبيعة الأشياء" التي تعتبر من أعظم المؤلفات في ذلك العصر.
ففيها يعالج بعض المسائل في علم الجمال على أساس الفهم المادي للعالم مدافعا بذلك عن قوانين الطبيعة الأزلية، فالكون حسب اعتقاده ليس من صنع الآلهة إنما هو نتيجة لحركة الجواهر المنفردة .
لكن في العصر الوسيط نجد أن معالم علم الجمال بدأ يبلغ مداه في الحضارة الصينية ،حيث عمل مجموعة من الفلاسفة في أبحاثهم الفلسفية على تعاليم الفلاسفة القدماء، أمثال : كونفوشيوس ، لاو،تسي ،فان تشون وغيرهم.
ومن أهم الفلاسفة الصينيين القدماء الذين بحثوا في علم الجمال الفيلسوف"فان-تشون (27-97م)" الذي طور الفلسفة الصينية القديمة ووضع فيها أساس فلسفة العصور الوسطى،وذلك في كتابه "محاكمات انتقادية"الذي بحث فيه عن الحقيقة الفنية مفسرا إياها بتطابق أشكال الفن للواقع.
إن أهم ما يميز المفهوم الجمالي عند الفلاسفة القرون الوسطى الصينيين هو تأكيدهم على علاقة الفن بالأساس المادي الذي هو تسي الذي ساهم في تبلور بعض الافكار الجمالية،وذلك على يد الفيلسوف (سي-خي479 -502م) في كتابه "ملاحظات انتقادية على الرسم القديم "الذي يضع فيه المبادئ الستة لفن الرسم المشهورة المتمثلة فيما يلي:
1- تعبير المحتوى عن ظواهر الحياة. 2- الرسم هو رسالة الفرشاة. 3- تطابق الصورة والرسم المادي. 4- استعمال الألوان بحيث تعبر عن صفات الأشياء. 5- تطابق ترتيب الأشياء. 6- التعبير عن أفضل الأشياء في الماضي.
في حين نجد أن الجمالية في الفلسفة الهندية نالت اهتماما على غرار نظيرتها في الصين فرغم عدم كثرة اتجاهاتها فإنها جذبت الاهتمام لتأثرها بالفلسفة الدينية والروحية.
إن هذه الفلسفة نجدها كانت تظهر الآلهة بشكل خرافي تجريدي غير محدد يطبع عليها الطابع الروحي الميتافيزيقي الذي يكون ميالا إلى الأشكال التجريدية التي تفتقر إلى التحديد والوضوح .ومن أشهر الكتب التي بحثت في علم الجمال الهندي نذكر كتاب "ناتيا شاسترا" الذي ظهر في القرن الأول الميلادي لمؤلفه الحكيم الخرافي المدعو "بخارتي الذي تطرق فيه إلى بعض الإرشادات العملية والنصائح حول تربية الممثلين والفنانين.وكذلك نجد كتاب آخر" شيلبا –شاسترا" الذي ظهر في القرن السادس مشتملا على إرشادات عملية وتعليمات حول بناء القرى والمساكن والهياكل والقصور وتزيينها بالتماثيل.
أما في القرن العاشر فقد أخذت الفلسفة الجمالية الهندية طابع مغاير اتسم بالجدية والعمق، ومن فلاسفة هذا العصر نذكر: (أناندا فردخان) الذي اهتم بمحتوى الشعر الداخلي؛ أي بالفكرة التي تحتوي على التناقض .
إلا أن الجمالية عند العرب لعبت دورا مهما لقيامها على مفهوم التناسق ؛ التناسق الكوني الذي ظهر في المفاهيم الفيتاغورية ولقي انعكاسا في أعمال كثير من الفلاسفة العرب وخصوصا في مؤلفات "إخوان الصفا" خلال القرن العاشر لتطويرهم له بشكل يتفق مع أبحاثهم حول نظريات الموسيقى.
ومن الفلاسفة العرب الذين عملوا على تطوير تعاليم الإغريق القدماء حول النظريات الموسيقية إلى درجة أنهم أبدعوا فيها وتناولوا مسائل ذات أهمية كبيرة ،نذكر مثلا: لا للحصر الكندي (800-870): في أحد مؤلفاته عن الموسيقى يضع فيه تعميما عن التذوق الجمالي للألحان والألوان والروائح بحيث أن الألوان المختلفة حسب رأيه: هــي، مثل :الألحــان تــستــطيع أن تعــبر عــن هـــذا الـــشعور أو ذاك وتثــيره كــما تــوجد بــين أنواع مــعــينة مــن الألوان والألحان من حيث تأثيرها النفسي.وكــذلك الــحــال بــالــنسبة للــروائح الـــتي يـــعـــتبــرهــا الـــفيــلسوف الـــموسيـــقى الـــصامـــتــة.
فعناصر المفهوم الجمالي للموسيقى نجدها أيضا ظهرت في أعمال الفيلسوف الرواقي ابن رشد في شرحه لجمهورية "أفلاطون" حينما أشار إلى أن الهدف الرئيسي للفن الموسيقي هو التربية .
أما الجمالية في عصر النهضة نجدها تقدمت بشكل ملحوظ في أعمال رفائيل وليوناردو وتيتسيان ومزاتسو وأندريه ديل سارتو وغيرهم إلى درجة اتصفت الفنون فيه وخصوصا فن النحت بالواقعية الديمقراطية .
فقد كان مركز اهتمام الفنانين هو الإنسان والطبيعة الشيء الذي مكنهم من فهم واقعهم والتعبير عنه بأجمل تعبير إلى درجة أنهم أولوا اهتماما فائقا بالهارمونية ورشاقة وجمال أشكال الواقع المحسوس و فتشوا عن أكثر الوسائل تأثيرا من أجل إعادة تجسيد أشكال العالم الواقعي تجسيدا يجمع بين الفن والوضوح. ومن أشهر المؤلفين :ألبيرتي وبيروديل فرانتشيسكا غيبرتي ولوقا باتشولي،ليوناردو دي فينتشي،فينولا،باللادو ودجوفاني وغيرهم.
وفي منتصف القرن السادس عشر أخذ علم الجمال منحنى آخر حيث شغل الأدب ؛كالتراجيديا الكلاسيكية والكوميديا والشعر المكانة الأولى وشغل المركز الثاني المسرح والهندسة المعمارية.
إن بوالو في كتابه الأدب الشعري نجده صاغ فيه الأسس الأساسية للفكر الجمالي واعتمد في مناقشته على فلسفة الشك الديكارتية وكذلك على الأعمال الفنية لكورنيه وراسين وموليير الذين اعتبروا في ذلك الوقت من أشهر الكتاب.
لقد كان معيار قياس الجمال عند بوالو يتسم بالوضوح ؛لذلك نجد أن الأشياء غير المفهومة عنده لا تكون جميلة إذ وضوح الفكرة ووضوح التعبير هما عنده من شروط الجمال الأساسية.
لتصبح الجمالية في عصر التنوير منبعا لتوليد الأفكار الأساسية لعلم الجمال بحيث كانت أهم صفة يمتاز بها علم الجمال في عصر التنوير في انكلترا هو تحليله للإنسان تحليلا واقعيا بدفاعه عن المبادئ العاطفية والتجريبية المفعمة جزئيا بالمادية ورفضه للاتجاه البوريتالي antipuritanism المعادي للفن وخصوصا المسرح.لأن المـــسرح فـــي رأيــــهم يــلهــي عــن الصلاة ويــنمي الكسل ويــساعــد عـلى إفلاس الناس والإخلال بالنظام.
لذلك سعــى النظريون الانكليــز والأخلاقيون علــى تخــطــي هـــذه النـــظــرة الــبــدائية الــمــتعــصبة باعتبار الفن دليل موجه إلى الأخلاق الحميدة.
ومن أكبر منظري النظرية الجمالية للتنوير الانكليزي نذكر شيفستبري (1671-1713) الذي ساهم بشكل كبير في تطور النظرية الجمالية.
ففي تحليله لنظرية الجمال نجده يـــعتبر أن الشيء الذي يكون موجودا منذ البداية يكون معدا للخير والجــمال أو مــــا يصطلح عليه بالمشاعر الخلقية التي بواسطتها يستطيع الإنسان أن يميز بين الخير والشر والجمال والقبح بصورة طبيعية .
ليظهر بعد ذلك أنضج ميل حسي في علم الجمال الانكليزي في القرن الثامن عشر عند ادمون بيورك(1729-1797) وذلك في كتابه "بحث فلسفي حول منشأ تصوراتنا عن العظمة والرائع".
إن هذا الكتاب أعطى قفزة نوعية لبيورك في التفكير الجمالي الألماني إلى درجة أن دراسته كانت تمتاز بطابع ديمقراطي ذات طابع حسي مادي.
وهكذا نجد أن علم الجمال في عصر التنوير الانكليزي قد عكس آمال ومصالح البورجوازية الانكليزية المنتصرة في الثورة،و ساعد أيضا على توطيد الفن الواقعي الذي مصدره هو التأثير على المفاهيم الجمالية الفرنسية والألمانية.
فبالرغم من النواقص التي نجدها فيه إلا أنه لعب دورا إيجابيا وكان بمثابة نقطة الانطلاق إلى علم الجمال الفرنسي والألماني.
لقد تميزت المفاهيم الجمالية للمنورين الفرنسيين بالذكاء الجدلي والإحساس القوي إلى درجة أنهم وضعوا الفن والأدب في خدمة النضال السياسي الذي استفاد منه المنورون الفرنسيون بشكل واسع تبعا لصفات الحسية والمادية التي تمتاز بها المفاهيم الجمالية عند المنورين الانجليز.
إن هذا الاتجاه التجديدي الجديد نجده ظهر عند الكاهن ديوبو(1670-1742) في مؤلفه الجمالي الأساسي "أفكار انتقادية حول الشعر والرسم والموسيقى" .
ففيه يشير إلى المتطلبات الإنسانية التي يرتكز عليها هذا الفن من عواطف ورغبات ناهيك عن الهدف الأساسي المتمثل في إنارة المشاعر عند الإنسان وإعطائه الشعور بالتلذذ .
أما علم الجمال في عصر التنوير الألماني فنجده قد بلغ أوجه في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر في البحوث النظرية لكانت وفيخته وشيلينغ وهيجل.
ويعد كانت(1724-1804) من مؤسسي الكلاسيكية المثالية الألمانية الذي اعتبر الجمال هو الجزء الأعلى من النظام الفلسفي .
إن هذه النتيجة التي توصل إليها كان نتيجة تحليله للظواهر الجمالية المتعلقة بمسألة الرائع والبحث عن الأسس الموضوعية لهذا الجمال.فلقد حاول أن يتجاوز كل علاقة له بهذه التقاليد وأن يصب اهتمامه حول تحليل الظروف الذاتية لإدراك الرائع.
يقول كانت:" إنه لا يوجد علم حول الرائع بل هناك نقد للرائع وليس هناك علم فني بل نقد فني".
بهذا نجد أن كانت حاول من هنا أن يبرز لنا التناقض الموجود بين ما هو تجريبي وما هو عقلي وتوضيح المسائل المعرفية والأخلاقية والجمالية، إذ أن مفاهيمه الجمالية لا ترضى بعقلانية باومهاوتن ولا حسية المفاهيم الجمالية لعصر التنوير الانكليزي.
وبالتالي فالفن حسب مذهب هيجل هو وضع الفكرة أو المضمون في مادة أو صورة وتشكيل هذه المادة على مثال لها.
وهذا ما دفع هيجل أن يقسم الفنون إلى نوعين: الفن الموضوعي :كالـــعمارة والنحت والتـــصـــوير ، والـــفن الذاتي: كالموسيقى والشعر .
ففي فن العمارة نجد التمايز بين الفكرة وصورتها، بحيث يمكن أن نصف العمارة بأنها فن رمزي يدل على فكرة ولا يعبر عن تعبير مباشر.
فمثلا:الهرم والمسجد كلها رموز جميلة إلا أن المسافة بينها وبين ما ترمز إليه تكون بعيدة بعد السماء عن الأرض، إذ العمارة يمكن أن تترجم إلى القوة النابضة واللانهائية الدائمة إلا أنها تعجز عن تأدية حركة الحياة ونبضاتها.
أما في النحت فنجد أن هناك تقاربا بين الصورة والفكرة إلى حد ما على اعتبارها ضرب من ضروب التعبير إلا أنها تعجز عن التعبير عن النفس كما يظهر لنا في مجال الحياة والحركة وفي عنفوانها الباطن.
بينما يستخدم فن التصوير موادا أكثر لطافة ويقتصر على رسم سطح الجسم الذي يوحي بالعمق عن طريق السطح إلا أنه لا يعبر إلا عن لحظة معينة من لحظات الحياة،أما في الموسيقى فإننا نبلغ الفن الذاتي الذي يترجم إلى انفعالات النفس وألوانها مستخدمة في ذلك الصوت .
وقد حاول بعض الفلاسفة فيما بعد هيجل أن يطورا النظرة الجمالية لهذا العلم وذلك على يد الفيلسوف هربارت الذي أسماه علم الجمال الصوري Formal Asthetics فبفضله تنتسب إليه الدفعة القوية في ظهور الدراسات الجمالية المعاصرة.
-
* حليمة داحة
المغرب
عرف مصطلح الجمالية تطورا عبر العصور وكانت بداياته عند الإغريق فهو مصطلح فني عريق اشتق من كلمةAsthesis اليونانية وتعني الشعور أو الحس ويعتبر من أقدم العلوم التي تطرق إليها الفلاسفة والمختصون بشؤون الفكر والفن والأدب وعلى رأسهم
الفلاسفة الذين أولوه اهتماما كبيرا فهم يعتبرونه مادة الفن وقد ظهرت أولى مصطلحات علم الجمال في أشعار هوميروس على وجه التحديد .
ومن أهم التعبيرات الجمالية التي استعملها هوميروس نجد:الرائع ،الجمال،التناسق،لذا إن كل ما هو رائع ومتناسق بالنسبة لهوميروس هو موضوعي واقعي يمكن أن يفهمه الإنسان ويلمسه بحواسه.
ومن الفلاسفة أيضا الذين عملوا على تطوير الرؤية الجمالية لهذا الفن نجد هرقليط Heraklit ؛فالجمال بالنسبة إليه هو صفة للعالم الموضوعي الملموس وهو أيضا نسبي باعتباره أن أجمل قرد هو قبيح بالنسبة للجنس البشري.
فسبب اعتقاد هيرقليط وجود نسبية في الجمال ناجم عن اختلاف الأنواع ،فالقرد يختلف نوعيا عن الإنسان لكون الجمال حسب قوله هو يشتمل على التناسق الذي هو وحدة الأضداد الذي يظهر من خلال الصراع.
إن هذا الأمر نجد أرسطو حاول أن يحلل مفاهيمه من خلال كتابه العالم الذي ينطلق فيه بفكرة أن الطبيعة تحاول آن تنزع الأضداد التي فيها يتكون التناسق .
أما دمقريط فنجده حدد الجمالية في الشيء الرائع؛ أي الشيء المتناسق المحدد من كل الوجوه الذي يعتمد على النظام الصارم و التناسق والتناسب والانسجام بين الأجزاء .
بالإضافة إلى دمقريط نجد هناك فيلسوف آخر اهتم بهذه المسألة وهو أفلاطون Platon الذي جعل له "مثالا" هو الجمال بالذات؛أي ذاك الذي يحتذيه الصانع في خلقه للعالم وتشارك فيه المثل.
وقد ذهب أرسطو على خلاف أفلاطون لانتقاده لفلسفة أفلاطون المثالية وخصوصا ما يتعلق بنظرياته حول علم الجمال.
إن أرسطو رغم كونه كان يتقلب في رأيه بين المثالية والمادية إلا أنه في النهاية كان يميل إلى المثالية معترفا بوجود صورة للشكل.
ومن أهم إنتاجاته :نجد كتاب "فن الشعر" الذي حلل فيه الإنتاج الفني في عصره وقدم فيه الأسس وقوانين الخلق الفني.
لقد كان أرسطو كمعظم الفلاسفة الذين سبقوه يضع مسألة "الرائع" في مركز أبحاثه فهي صفة موجودة واقعيا في الموضوعات والأشياء التي يحددها في معيارات الترتيب والتناسب والوضوح التي تشكل أسمى تعبير عن الرائع.
أما الجمالية في عهد الرومان فتمت معالجتها على يد الفيلسوف الأبيقوري كان لوكريشيوس (99-55 ق.م) في قصيدته عن" طبيعة الأشياء" التي تعتبر من أعظم المؤلفات في ذلك العصر.
ففيها يعالج بعض المسائل في علم الجمال على أساس الفهم المادي للعالم مدافعا بذلك عن قوانين الطبيعة الأزلية، فالكون حسب اعتقاده ليس من صنع الآلهة إنما هو نتيجة لحركة الجواهر المنفردة .
لكن في العصر الوسيط نجد أن معالم علم الجمال بدأ يبلغ مداه في الحضارة الصينية ،حيث عمل مجموعة من الفلاسفة في أبحاثهم الفلسفية على تعاليم الفلاسفة القدماء، أمثال : كونفوشيوس ، لاو،تسي ،فان تشون وغيرهم.
ومن أهم الفلاسفة الصينيين القدماء الذين بحثوا في علم الجمال الفيلسوف"فان-تشون (27-97م)" الذي طور الفلسفة الصينية القديمة ووضع فيها أساس فلسفة العصور الوسطى،وذلك في كتابه "محاكمات انتقادية"الذي بحث فيه عن الحقيقة الفنية مفسرا إياها بتطابق أشكال الفن للواقع.
إن أهم ما يميز المفهوم الجمالي عند الفلاسفة القرون الوسطى الصينيين هو تأكيدهم على علاقة الفن بالأساس المادي الذي هو تسي الذي ساهم في تبلور بعض الافكار الجمالية،وذلك على يد الفيلسوف (سي-خي479 -502م) في كتابه "ملاحظات انتقادية على الرسم القديم "الذي يضع فيه المبادئ الستة لفن الرسم المشهورة المتمثلة فيما يلي:
1- تعبير المحتوى عن ظواهر الحياة. 2- الرسم هو رسالة الفرشاة. 3- تطابق الصورة والرسم المادي. 4- استعمال الألوان بحيث تعبر عن صفات الأشياء. 5- تطابق ترتيب الأشياء. 6- التعبير عن أفضل الأشياء في الماضي.
في حين نجد أن الجمالية في الفلسفة الهندية نالت اهتماما على غرار نظيرتها في الصين فرغم عدم كثرة اتجاهاتها فإنها جذبت الاهتمام لتأثرها بالفلسفة الدينية والروحية.
إن هذه الفلسفة نجدها كانت تظهر الآلهة بشكل خرافي تجريدي غير محدد يطبع عليها الطابع الروحي الميتافيزيقي الذي يكون ميالا إلى الأشكال التجريدية التي تفتقر إلى التحديد والوضوح .ومن أشهر الكتب التي بحثت في علم الجمال الهندي نذكر كتاب "ناتيا شاسترا" الذي ظهر في القرن الأول الميلادي لمؤلفه الحكيم الخرافي المدعو "بخارتي الذي تطرق فيه إلى بعض الإرشادات العملية والنصائح حول تربية الممثلين والفنانين.وكذلك نجد كتاب آخر" شيلبا –شاسترا" الذي ظهر في القرن السادس مشتملا على إرشادات عملية وتعليمات حول بناء القرى والمساكن والهياكل والقصور وتزيينها بالتماثيل.
أما في القرن العاشر فقد أخذت الفلسفة الجمالية الهندية طابع مغاير اتسم بالجدية والعمق، ومن فلاسفة هذا العصر نذكر: (أناندا فردخان) الذي اهتم بمحتوى الشعر الداخلي؛ أي بالفكرة التي تحتوي على التناقض .
إلا أن الجمالية عند العرب لعبت دورا مهما لقيامها على مفهوم التناسق ؛ التناسق الكوني الذي ظهر في المفاهيم الفيتاغورية ولقي انعكاسا في أعمال كثير من الفلاسفة العرب وخصوصا في مؤلفات "إخوان الصفا" خلال القرن العاشر لتطويرهم له بشكل يتفق مع أبحاثهم حول نظريات الموسيقى.
ومن الفلاسفة العرب الذين عملوا على تطوير تعاليم الإغريق القدماء حول النظريات الموسيقية إلى درجة أنهم أبدعوا فيها وتناولوا مسائل ذات أهمية كبيرة ،نذكر مثلا: لا للحصر الكندي (800-870): في أحد مؤلفاته عن الموسيقى يضع فيه تعميما عن التذوق الجمالي للألحان والألوان والروائح بحيث أن الألوان المختلفة حسب رأيه: هــي، مثل :الألحــان تــستــطيع أن تعــبر عــن هـــذا الـــشعور أو ذاك وتثــيره كــما تــوجد بــين أنواع مــعــينة مــن الألوان والألحان من حيث تأثيرها النفسي.وكــذلك الــحــال بــالــنسبة للــروائح الـــتي يـــعـــتبــرهــا الـــفيــلسوف الـــموسيـــقى الـــصامـــتــة.
فعناصر المفهوم الجمالي للموسيقى نجدها أيضا ظهرت في أعمال الفيلسوف الرواقي ابن رشد في شرحه لجمهورية "أفلاطون" حينما أشار إلى أن الهدف الرئيسي للفن الموسيقي هو التربية .
أما الجمالية في عصر النهضة نجدها تقدمت بشكل ملحوظ في أعمال رفائيل وليوناردو وتيتسيان ومزاتسو وأندريه ديل سارتو وغيرهم إلى درجة اتصفت الفنون فيه وخصوصا فن النحت بالواقعية الديمقراطية .
فقد كان مركز اهتمام الفنانين هو الإنسان والطبيعة الشيء الذي مكنهم من فهم واقعهم والتعبير عنه بأجمل تعبير إلى درجة أنهم أولوا اهتماما فائقا بالهارمونية ورشاقة وجمال أشكال الواقع المحسوس و فتشوا عن أكثر الوسائل تأثيرا من أجل إعادة تجسيد أشكال العالم الواقعي تجسيدا يجمع بين الفن والوضوح. ومن أشهر المؤلفين :ألبيرتي وبيروديل فرانتشيسكا غيبرتي ولوقا باتشولي،ليوناردو دي فينتشي،فينولا،باللادو ودجوفاني وغيرهم.
وفي منتصف القرن السادس عشر أخذ علم الجمال منحنى آخر حيث شغل الأدب ؛كالتراجيديا الكلاسيكية والكوميديا والشعر المكانة الأولى وشغل المركز الثاني المسرح والهندسة المعمارية.
إن بوالو في كتابه الأدب الشعري نجده صاغ فيه الأسس الأساسية للفكر الجمالي واعتمد في مناقشته على فلسفة الشك الديكارتية وكذلك على الأعمال الفنية لكورنيه وراسين وموليير الذين اعتبروا في ذلك الوقت من أشهر الكتاب.
لقد كان معيار قياس الجمال عند بوالو يتسم بالوضوح ؛لذلك نجد أن الأشياء غير المفهومة عنده لا تكون جميلة إذ وضوح الفكرة ووضوح التعبير هما عنده من شروط الجمال الأساسية.
لتصبح الجمالية في عصر التنوير منبعا لتوليد الأفكار الأساسية لعلم الجمال بحيث كانت أهم صفة يمتاز بها علم الجمال في عصر التنوير في انكلترا هو تحليله للإنسان تحليلا واقعيا بدفاعه عن المبادئ العاطفية والتجريبية المفعمة جزئيا بالمادية ورفضه للاتجاه البوريتالي antipuritanism المعادي للفن وخصوصا المسرح.لأن المـــسرح فـــي رأيــــهم يــلهــي عــن الصلاة ويــنمي الكسل ويــساعــد عـلى إفلاس الناس والإخلال بالنظام.
لذلك سعــى النظريون الانكليــز والأخلاقيون علــى تخــطــي هـــذه النـــظــرة الــبــدائية الــمــتعــصبة باعتبار الفن دليل موجه إلى الأخلاق الحميدة.
ومن أكبر منظري النظرية الجمالية للتنوير الانكليزي نذكر شيفستبري (1671-1713) الذي ساهم بشكل كبير في تطور النظرية الجمالية.
ففي تحليله لنظرية الجمال نجده يـــعتبر أن الشيء الذي يكون موجودا منذ البداية يكون معدا للخير والجــمال أو مــــا يصطلح عليه بالمشاعر الخلقية التي بواسطتها يستطيع الإنسان أن يميز بين الخير والشر والجمال والقبح بصورة طبيعية .
ليظهر بعد ذلك أنضج ميل حسي في علم الجمال الانكليزي في القرن الثامن عشر عند ادمون بيورك(1729-1797) وذلك في كتابه "بحث فلسفي حول منشأ تصوراتنا عن العظمة والرائع".
إن هذا الكتاب أعطى قفزة نوعية لبيورك في التفكير الجمالي الألماني إلى درجة أن دراسته كانت تمتاز بطابع ديمقراطي ذات طابع حسي مادي.
وهكذا نجد أن علم الجمال في عصر التنوير الانكليزي قد عكس آمال ومصالح البورجوازية الانكليزية المنتصرة في الثورة،و ساعد أيضا على توطيد الفن الواقعي الذي مصدره هو التأثير على المفاهيم الجمالية الفرنسية والألمانية.
فبالرغم من النواقص التي نجدها فيه إلا أنه لعب دورا إيجابيا وكان بمثابة نقطة الانطلاق إلى علم الجمال الفرنسي والألماني.
لقد تميزت المفاهيم الجمالية للمنورين الفرنسيين بالذكاء الجدلي والإحساس القوي إلى درجة أنهم وضعوا الفن والأدب في خدمة النضال السياسي الذي استفاد منه المنورون الفرنسيون بشكل واسع تبعا لصفات الحسية والمادية التي تمتاز بها المفاهيم الجمالية عند المنورين الانجليز.
إن هذا الاتجاه التجديدي الجديد نجده ظهر عند الكاهن ديوبو(1670-1742) في مؤلفه الجمالي الأساسي "أفكار انتقادية حول الشعر والرسم والموسيقى" .
ففيه يشير إلى المتطلبات الإنسانية التي يرتكز عليها هذا الفن من عواطف ورغبات ناهيك عن الهدف الأساسي المتمثل في إنارة المشاعر عند الإنسان وإعطائه الشعور بالتلذذ .
أما علم الجمال في عصر التنوير الألماني فنجده قد بلغ أوجه في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر في البحوث النظرية لكانت وفيخته وشيلينغ وهيجل.
ويعد كانت(1724-1804) من مؤسسي الكلاسيكية المثالية الألمانية الذي اعتبر الجمال هو الجزء الأعلى من النظام الفلسفي .
إن هذه النتيجة التي توصل إليها كان نتيجة تحليله للظواهر الجمالية المتعلقة بمسألة الرائع والبحث عن الأسس الموضوعية لهذا الجمال.فلقد حاول أن يتجاوز كل علاقة له بهذه التقاليد وأن يصب اهتمامه حول تحليل الظروف الذاتية لإدراك الرائع.
يقول كانت:" إنه لا يوجد علم حول الرائع بل هناك نقد للرائع وليس هناك علم فني بل نقد فني".
بهذا نجد أن كانت حاول من هنا أن يبرز لنا التناقض الموجود بين ما هو تجريبي وما هو عقلي وتوضيح المسائل المعرفية والأخلاقية والجمالية، إذ أن مفاهيمه الجمالية لا ترضى بعقلانية باومهاوتن ولا حسية المفاهيم الجمالية لعصر التنوير الانكليزي.
وبالتالي فالفن حسب مذهب هيجل هو وضع الفكرة أو المضمون في مادة أو صورة وتشكيل هذه المادة على مثال لها.
وهذا ما دفع هيجل أن يقسم الفنون إلى نوعين: الفن الموضوعي :كالـــعمارة والنحت والتـــصـــوير ، والـــفن الذاتي: كالموسيقى والشعر .
ففي فن العمارة نجد التمايز بين الفكرة وصورتها، بحيث يمكن أن نصف العمارة بأنها فن رمزي يدل على فكرة ولا يعبر عن تعبير مباشر.
فمثلا:الهرم والمسجد كلها رموز جميلة إلا أن المسافة بينها وبين ما ترمز إليه تكون بعيدة بعد السماء عن الأرض، إذ العمارة يمكن أن تترجم إلى القوة النابضة واللانهائية الدائمة إلا أنها تعجز عن تأدية حركة الحياة ونبضاتها.
أما في النحت فنجد أن هناك تقاربا بين الصورة والفكرة إلى حد ما على اعتبارها ضرب من ضروب التعبير إلا أنها تعجز عن التعبير عن النفس كما يظهر لنا في مجال الحياة والحركة وفي عنفوانها الباطن.
بينما يستخدم فن التصوير موادا أكثر لطافة ويقتصر على رسم سطح الجسم الذي يوحي بالعمق عن طريق السطح إلا أنه لا يعبر إلا عن لحظة معينة من لحظات الحياة،أما في الموسيقى فإننا نبلغ الفن الذاتي الذي يترجم إلى انفعالات النفس وألوانها مستخدمة في ذلك الصوت .
وقد حاول بعض الفلاسفة فيما بعد هيجل أن يطورا النظرة الجمالية لهذا العلم وذلك على يد الفيلسوف هربارت الذي أسماه علم الجمال الصوري Formal Asthetics فبفضله تنتسب إليه الدفعة القوية في ظهور الدراسات الجمالية المعاصرة.
-
* حليمة داحة
المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق