"لا تتوقعوا مني غير الذي رأيت، و لست مسؤولا عما أرويه باعتباري راويا و عسكريا برتبة كاتب وكشاهد لأحداث كنت قريبا جدا من الثّقب السّحري و من بعض زوار الليل الذين يأتون إلى هذه المقصورة المعزولة عن العالم. أنا عبد مأمور في كتيبة مهمتها
حراسة الجنرال في هذه المتاهة... ميت في بزتي الرثة، و الرشاش بين يدي مبديا حماسة شديدة في الذّود عليه وحرصا على حياته و إلى أخر هذه الكلمات الرنانة التي تصيبني بالغثيان. منذ الساعات الأولي من فجر خريفي لم يخرج من مقصورته إلا في جولات قليلة يقوم بها في حديقة خلف القصر، ثم يعود إلى مقره يستحم أملا في إزالة السمرة التي تقلقه في لحظة انتظار ثقيلة تشبه انشطار قنبلة. يطل بين الحين والأخر من الثقب متفقدا جنوده المرميين المتعبين حقا، من هذا الهوس الذي يعتري الجنرال في أيام غامضة ملتبسة، بالتأكيد لا أعرف السبب على كل،هو من جيل لا يثق أبدا في ظله وما بالكم في جنود ميؤوس من شفائهم تماما، من لعنة الخيانة التي تتكرر رغم كل الدراسات التي أقامها الجيش للوصول إلى عقار أو وصفة تزرع في الثكنات لضمان الولاء الأعمى، لم تنفع كل المحاولات وكل المحاضرات التي تستنسخ و توزع مجانا، كانوا يعلمون جيدا أن حياتهم على كف عفريت، إما بالخطأ أو بالقتل العمدي.
اطمأن أخيرا لجسده وهو يصرخ: ي.. ي.. ي.. نسي اسم الجندي فجأة، يا أنت، يا حقير يا ابن... يقصد الجندي الواقف عند المدخل، المستعد لتلبية رغبات السيد المسكون بالتلصص و فتح ملفات غيره و البحث عن كل صغيرة وكبيرة، إذ لا يرتاح قبل الوصول إلى أجمل الفضائح. وصل الجندي إلى باب الغرفة مرعوبا.وهو المتعب بأوامر الجنرال كالنزول إلى الطابق الأسفل في أوقات القيلولة، ليجد سيده شبه نائم يطلب منه الشيء المعتاد...الشيء الكريه في حياة الجندي. يخشى ذاك الهوس الذي ينتاب الجنرال في حالة يأسه، بالفعل رآه كما كان يتصور، كان عاريا تماما، و واقفا أمام مرآة كبيرة و ليس جديدا عليه أن يراه هكذا،عاريا أو نائما كاشفا عن عورته أو يطالبه بــ.. (كلمة مشطوبة)، أثناء هيجانه في الليالي المظلمات بسبب الفوضى الخلاقة.
طلب منه أن يفتح الدولاب ليختار له بذلة تليق بالزائرة القادمة. كان يثق في اختيارات الشّاب و في ذوقه، لولا رتبته الدنيا التي يعلقها على كتفيه لخاف من سلوكه الشاذ و المثير للريبة، هذا واضح. لم يتردد الجندي في اختيار بذلة سماوية جذابة، كأنه يراها لأول مرة "هه.. رائعة شكرا حبيبي، لولا العجالة التي أنا فيها لأمرتك أن تأخذ حقك أيضا من العسل هه... رائعة وأنت أروع حبيبي.. شكرا لا أنساك في الحفل القادم بمناسبة العيد الوطني، ستترقى بدرجة ثم أخرى...هه.. أنت.."
يشير بيده إلى الجندي الموفق في الاختيار، يناوله أيضا ربطة عنق حمراء، حريرية..ثم همّ لمساعدته في ارتداء البذلة بدل البزة العسكرية.كان يدور حول نفسه يمتدح هذا الجمال في يوم خريفي ولو أنه يتشاءم من فصل الانقلابات العسكرية و الجوية أيضا. أخيرا سأل الجنرال العريف:
ـ هل تصل في اعتقادك؟
ـ نعم سيدي.
ـ أحسنت، لأنك لو قلت عكس ذلك لكنت ضمن الموتى حالا، ستصل، أنا مطمئن، لكن أريد فقط اختبار ولائك وحرصك على سعادتي الشخصية. نعم ستصل ما يمنعها من المجيء إلي في آخر النهار؟ اخرج..
عرفنا حينها أن في الأمر مصيبة كبرى. ضحية، قتيل من يدري؟أحدنا قال هامسا للريح أو لجنية يخاطبها في تلك الساعة الحاسمة:
س..س..س... آخر الواقعات في مصيدته، لستم في حاجة لتقديمها لكم، شهرتها تفوق شهرة الجنرال. وليس جديدا أن تتسرب أوراق المحظيات إلى الصحافة ثم يخرجن بريئات، أو يخرج أبطال العفن من الشرك بأقل الأضرار لأن الجنرال يفعل و يساهم و و..و. هذا تعرفونه أيضا لستم بحاجة إلى سرد المزيد من قصص العار التي تصيبنا بالانهيار ونحن في التدحرج الأخير.
تسقط أوراق السيدة "س" بالكامل بين يديه، لم يستعمل الهاتف ككل السفهاء، هنا أعرف القليل من التفاصيل بحكم التلصص و التجربة، مرارا استعمل الجنرال الطريقة ذاتها في ابتزاز غير علني أو نحر غريمه بالطريقة التي تجعله ينام سعيدا، هو تقليد تبناه على كلّ. فالجنرال في اللحظة الحاسمة لم يجد سواها لارتمائه الأخير، صحيح سيبدأ مناورته من موقع قوة كرجل المخابرات قبل انتشار خبر إقالته، ثم...تأتي البقية، حلمه ورغبته فيها، و منصبه الهام الذي سيفقده إن لم يتحرك، سريعا، كل الطرق تؤدي إلى هلاكه يا ... ؟ في الثكنة لا فرق إن تقيل من منصبك أو تُُقتل، أو جيء بآخر.
عند الظهيرة الثقيلة، الترقب بلغ أشدّه، شملنا جميعا أو حاولنا إبداء ذاك الاهتمام الذي يريحه ولم نشكك مطلقا في مخططه،لا أحد منا يعرف أهم الأفكار التي تدور في ذهنه أو أي كمين يفكر فيه لرمينا هناك أو أي مشروع غامض سيدفعنا إليه، و الغموض من استراتيجيات الجنرال الثابتة...
اهتاج الرقيب بمجرد أنها ظهرت عند البوابة الخلفية لإقامته في ضواحي العاصمة.. "س..." الحرف الأول من اسمها الذي قرأه الجنرال على شفتي الرقيب، جعلته واقفا جالسا متلعثما هامسا في صورة الزعيم المعلقة أمامه مباشرة قائلا:
"سيدي سامحني لأني سأخدعك لمرة وحيدة، أخيرة، مرة واحدة فقط، تعرف إني ساعدك الأيمن لكن... والله أتألم لهذه الخيانة الصغيرة لكن لا تنسى سيدي أنها..... التي غيرتك وجعلتك أنيقا و فصيح اللسان، و لبقا عطوفا... ثم أنت السريع في أخذ قراراتك الخطيرة، في آخر المطاف ترسلني إلى مزبلة التاريخ؟ أنا يا ... الذي صنعك و صفقت لك الجماهير العريضة و هيأت لك ألف طريق للوصول آمنا إلى القصر. هل نسيت أم جننت أم أفقدتك صوابك؟ أفضل أني أصمت و أفعل ما يمليه عضوي عفوا ضميري" يعدل من هندامه، ثم يقوم بدورة كاملة في حالة زهو، هو الذي خطط بصبر طيلة أشهر لعملية مثالية و صيد فريد طري جميل ومن يصدق أن س ستخضع لابتزازه بلا ضغط يذكر؟
تأمل وجهه الحليق مليا، ستدخل حياته المظلمة فاتحة جديدة لهذه الشبكة السريالية التي هو فيها سعيدا رغم كل شيء، رغم نسيانه كل هذه السنين لجسده والجميلات اللواتي يجئن إلى المعسكر قبل كذا سنة في الصحراء، هاهو يستعيد مجده، رغم قرار إقالته غير المعلن، لكن أصدقاء السوء أذاعوا الخبر على عدد غير قليل من الإعلاميين لغرض ما، هو نفسه لم يفكك شيفرة هذا التسريب المشبوه وممكن جدا أن أعداءه تعمدوا ذلك و ربما الرئيس نفسه لا يعلم بقرار الإقالة.
ألم تكن هي؟ أقصد س اللعينة؟ يتساءل خلف الثقب السحري وهي تتمايل في الساحة في اتجاه مقصورته رفقة الرقيب الذي يحدثها بأدب و بحياد، كعسكري محترف، يحترم ضيوف قادته، يخدمهم ويرافقهم شخصيا إلى الهدف أو الصياد.
-"سيدي...هي..." يقول العريف بشعرية.
لم يقف ليبدو ضخما و ملتاعا بحضورها الطاغي:
-"سيدي.."
-"أعرف يا غشيم"
طويلة، كانت في الموعد، لم تتغير كثيرا، في يدها كل مفاتيح خزائن المدينة، لم تلتفت إلى الجنود الواقفين في طابور طويل، في تشكيل منسجم، كانوا على أهبة الاستعداد للدكّ بالمعادين...في إقامة ثانوية، القليل جدا من المسؤولين العسكريين يعرفون هذا العرين المحصن، ناهيك عن دخول هذه المتاهة بهندستها المعقدة في مساراتها الكثيرة و المظلمة، الضباط أنفسهم يجدون صعوبة في السّير بمفردهم داخل أروقتها المتشابكة، المتشابهة.
بلا شك كانت تضحك في قرارة نفسها من استقبالها بذاك الشكل التقليدي العادي وفيه علامات بارزة للضحالة التي يعيشها فيلق السيد، تعرف أن أحدهم في جهة ما أرسل الآن عيونا تراقبها، ربما الجنرال نفسه ضمن هذا المخطط للإطاحة بها آو التخلص منها؟ لم تكلم الرقيب المذهل بقامتها، بكعبيها العاليين، بصدرها الطبيعي الذي لم يعرف التجميل على غرار أخريات كن في السّابق من محظياته، لا شكّ أن الرقيب كان يتساءل من أين لهم بهذه الغادة:س...؟
فتح الباب الخشبي الضخم، أول شيء تراه العين ذاك العازل الصوتي، والموكيت الحمراء، روائح تعطر المكان، وهو هناك في كرسيه الكبير الضخم وقبعته العسكرية كعنوان لقوته وجبروته، كانت ستصدق ذلك لو لا موازين القوى التي تغيرت منذ اعتلاء سيدها السلطة منذ وطء قدميه القصر.
ـ "س العزيزة".
قالها بكل ثقة، لتسمع عرضه الأول و الأخير.
مدّت يدها النحيفة البيضاء، كأميرة تنتظر القبلة على تلك اليد الممدودة المنبسطة كل البسط، أخذها بيديه الخشنتين المشعرتين باحترام ولسانه يقول ملتاعا:
-"س..مرحبا... زيارتك أجمل شيء حدث لي في العشرية الأخيرة، صحيح أني تعلمت في أحسن المدارس العسكريةـ في الداخل و في الخارج، تلقيت الهدايا، الرشاوي و محظيات كثيرات يطلبن صداقتي، لكن أنت هنا في مكتبي بهذه السرعة لا أصدق كأني في حلم.."
قالها كالطفل الصغير السعيد. لا تزال واقفة تسمع بكل جوارحها خطابا مؤثرا، الرجل الحديدي الذي تنحني له الأسماء و الشخصيات و الأشجار و تفكر فيه العديد من الجهات للتخلص منه، تعرف أنه هدف مثالي لعسكريين غيورين، هدف لمعارضين أذلّهم و أسكنهم زنزانات قذرة في الربع الخالي من الصحراء الكبرى. بمجرد أنها جلست ووضعت إحدى رجليها على الأخرى، تعمدت إظهار الشيء المسموح من جسدها الأبيض، الأملس، أعلى ركبتيها بقليل، كمقبلات مسائية. تعمدت و هذا هو الأهم، أن تبدي ابتسامتها المغرية، صادقة في انتظار الآتي المنتظر. توهجت وجنتاها، قائلة:
ـ" أسمعك حضرات" كأنها تستعجل الموضوع المؤجل منذ أشهر.
كلمة "حضرات" تذكره حقا بجو الثكنات و الكمائن والمخططات و الحروب الكلاسيكية و المحاضرات التي لم يكتبها عندما كان طالبا، تذكر أناشيد الكليات العسكرية فيها الكثير من الكذب، تذكر أيامه الأولى من تجنيده كعسكري برتبة عريف، تذكر تقرب البعض منه بسبب وسامته، كان الضباط المشرفون على تدريبه لا يترددون على لمس وجنتيه، أو وضع أيديهم على كتف الطالب العريف، وسامته كانت بوابة ليصل إلى درجة سكرتير في مكتب العميد أول حياته المهنية بعد التخرج، يمسح الرونجاس لعسكريين كبار. مرّة طلب منه أحد قادة الثكنة بخلع بنطلونه تردد لحظة ثم زمجر الرائد الممدد على أريكة جانبية قائلا:
-"هذا أمر عسكري يا جندي" نزع أزرار البنطلون، ثم ملابسه الداخلية:
"اقترب...خلف.. در" دار العريف. تحسس الرائد مؤخرته، قال لا بأس سأ..... يا حبيبي، لا تخشى شيئا أنت حبيبي و أنيسي.. يلامسه برقة، واضعا الكريمات في الثقب يتأوه العريف، ستكون بمثابة زعيم، شعر العريف بشيء يخترقه متأوها كحيوان نحر للتو، الرائد ينسحب متتلذذا بصراخ العريف والدمعة في عينيه، قال أنت من الآن رقيبا. في الليل يتحسسّ .... الرائد، أعجبته كثيرا تلك النجوم الني تحصل عليها بمجرد أنه يملك مؤخرة سحرت قائده العسكري.. هي بداية الصعود تقول التقارير السرية التي تملك س بعضها، و البعض الآخر من السيرة رواها أحد أصدقائه في ليالي الأنس ليبعد شبح الجنرال الوسيم من دائرة اهتمامها، لا زال وسيما قد يؤذي الزعيم في س، بدليل رآها أكثر من مرة تتودد إليه..لم يحتمل و قالها بتشف: شاذ، مؤخرته تلك صنعت مجده، تاريخ الجمهورية مشوه بأمثاله لكني سأضع حدا لهم جميعا..هههه، ضحكت س لأنه يغار من أحد رجاله المخلصين، والله شاذ، كان خليل كل الضباط الذين تعاقبوا على الثكنة المهمة في البلد.
-"حضرات"
أعادته إلى الواقع، إلى س المبتهجة. قال لها بلا مقدمات طويلة أو مجاملات:
ـ "نصيبي منك..أنسيت وعدك بهذه السرعة؟"
قالها حافية جافة، ويده وصلت.. إليه، فاتحا أزرار بنطلونه، يتعرق من فرط ما تثقبه بعينيها الحادتين كصقر يتحين فريسته، اخترقت كامل جسده المترهل المتعرق. مع ذلك يده لم تتوقف من شده و مده يحاول إخراجه من القمقم.
ـ "ليس اليوم...المكان.."
قاطعها:
ـ "آمن والله، أكثر الأماكن أمنا في البلد، و بعدك الموت إن شاءت الأقدار. س بعدك الطوفان"
وقف مرعوبا من هدوئها..
سقط البنطلون، بقي عاريا كما ولدته أمه. لا مفر تقول حكايات القصر الأسطوري الموحش.
ـ "س حتى ولو أمرتني باحتلال مدينة سأفعل سأدك المدن العصية البعيدة، البعيدة، اطلبي سترين، سأحرر مدينة الــ ...لا هذه أصعب ومن يقدر و لا جيش عربي قادر اسأليه هو ....أطلبي غير هذا فقط سترين كم أنا مقدام من أجلك، حقي من ثمارك، القليل من عطاياك، أو أني أقل منه، أنا الذي من صنعه...يا س"
كانت شبه حيادية في كرنفال غريب مسائي، يتصرف كمجنون يتدرب على بروفة جديدة لم يألفها.
ـ" لكن أعلمت سيدك أني عندك الآن، قد يرسل ورائي جيشا لمراقبتي، أنت تعرف هذا "
ـ"لا يجرؤ، أعرفه، جبان لا يقدر على مواجهتي، هيأت لك عشا أسطوريا في الخلف، امنحيني نفسك و إلا..أنا الذي انتظرتك، كنتُ السبب في ظهورك في عطاياه لك... "
لم تفقد توازنها، عادي، تقول س أن يعرف الجنرال و الشعب إنها عشيقة السيد، نعم عادي جدا أن تعرف الصحافة أيضا أنه أهدى لها فيللا و أخرى، و تملك حسابا بنكيا.. أين الجديد في هذا سيادة الجنرال؟ و بإمكانها أن تعين الوزراء و تعزلهم، عادي جدا، لأنها العشيقة الجميلة التي زحف من أجلها و بكى حرائقه كلما جاءها ليلا في سيارته الفارهة ولن تمنح له أكثر من مداعبات سطحية عادي إن ...ثم لا تنسى انك شبه منبوذ يا جنرال و سيدك سيقيلك بين لحظة و أخرى"
ـ "أنا ..."
هه....هههه
وقال لي سيدك أيضا:
ـ" لا أعتمد على مزيفين ومؤخراتهم عارية. يقصد مؤخرتك على كل"
ـ"شششت. أرجوك"
وقفت عند عتبة المكتب و الغضب في عينيها.
" مع ذلك أسامحك، ربما البلد بحاجة إلى خدماتك الجليلة، سأفكر في الأمر من زاوية مختلفة، لا تحزن. أقدر جيدا وحشيتك، إقدامك، انس الأمر والمؤخرة، لست وحدك جميعكم، لكم أخطاء من هذا النوع.."
-"هل..؟"
-"انس الأمر"
-
*جيلالي عمراني
الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق