⏪⏬
قطرة ماء تنحدر على جبهتي، قطرة واحدة، لم أتذوق طعمَها لأنها لم تصل إلى شفتي، القطرة صفيقة وثقيلة، الحاجب الأيسر يقف حائلاً دون انحدارها ونزولها نحو الفم، هناك تستقر برهة لتزيد من عذابي.
القطرة بدأت تفقد حجمَها الأصلي، عند الصباح أجدها فوق مدمعي ناحية خدي الأيسر، قريبةً من قوس أنفي، ثم تزداد انحداراً نحو الشارب الذي نما بشكل طبيعي. عند هذا الحاجب الآخر تستقر، ثم سرعان ما تنزلق نحو الشفتين، أتذوق طعمَها القلوي، إنه طعم لا يصعب على المرء استذكارَه واستحضاره.
أشعر بظمأٍ شديد سرعان ما تحول إلى عطشٍ، ثم إلى ظمأ أو صَدَى، أو هُيام، القَطرة لا تحل المشكلة، إنها تذكرني فقط بجرعة تملأ الفمَ والشدقيْن، هناك فى هذه الصحراء القاحلة ذات الرمال الناعمة والدقيقة التي تتكاثر، وتتحرك والتي تكون هذا العالمَ اللامحدود الذي يحيط بي. أشتاق إلى تدفق فوار من حنفية مفتوحة على مداها لأرتوي، وأشفي غليلي من هذا العطش القاتل.
العطش يثير فينا ردودَ فعلٍ متباينة، له تأثير بليغ على تفكيرنا، ونظرنا، الفمُ يصبح شبيهاً بقطراته، وليس هناك سوى فكرة واحدة مُستقرة، وثابتة، وملحة تتركز أساساً في هذا السراب الممتد أمام ناظري، وهذه الفكرة تحاول إقناعي عبثاً أن هذا السراب اللامع الذي يتراءى أمامي إنما هو واحة حقيقية.
أتململ، أتمايل، أتجرجر، وأجتر عبر الرمال، أعرف مسبقاً أن هذه البحيرة السراب التي تتراءى للعطشان فى الفلاة سوف تبدأ فى الابتعاد عني كلما دنوتُ منها، أعض الرمالَ لعلي أتذوق البللَ الذي فيها، فتزيد من حدة عطشي، أشعر بنوع من الهذيان .القطرة التي شعرتُ بها على جبهتي، هل كانت إعلاناً أو إيذاناً بمطر؟ هكذا خُيل لي. الآن تراني أتساءل: هل كان ذلك الشعور حقيقياً أم وهمياً؟ إذن ما هذه الخثرات المُشعة التي تشبه الأحجارَ الكريمة المتلألئة؟ إنني أتحسسها، أشعر بها، أتذوقها.. إنها مائية، زلالية، سائلة، سلسبيلية، منحدرة، منهمرة.. إنه الماء إذن، إنه الخلاص، إنه الإنقاذ، قطرةٌ واحدة تنحدر على جبهتي، إنها ما فتئت، تسيل وتسيل، وتتدحرج، وتتدحرج، وتنزل وتنزل.
*من مواليد 1938 في إسبانيا، من عائلة مناصرة للجمهوريين، هاجر خلال الحرب الأهلية الإسبانية لاجئاً إلى المكسيك واستقر فيها حتى وافته المنية فيها عام 2014، من أعماله: «كلمتان» و«أييندي الشجاع»، و«الحياة لا تنتهي فى مارس»، و«لبنة الغُراب»و»كل السنين شهر»، و«الفيلة خائفة» و«الوحـــش ذو الجلد المصبوغ».
*ترجمها عن الإسبانية محمد محمد الخطابي
٭ كاتب ومترجم من المغرب
عضو الأكاديمية الإسبانية- الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوتا- كولومبيا
قطرة ماء تنحدر على جبهتي، قطرة واحدة، لم أتذوق طعمَها لأنها لم تصل إلى شفتي، القطرة صفيقة وثقيلة، الحاجب الأيسر يقف حائلاً دون انحدارها ونزولها نحو الفم، هناك تستقر برهة لتزيد من عذابي.
القطرة بدأت تفقد حجمَها الأصلي، عند الصباح أجدها فوق مدمعي ناحية خدي الأيسر، قريبةً من قوس أنفي، ثم تزداد انحداراً نحو الشارب الذي نما بشكل طبيعي. عند هذا الحاجب الآخر تستقر، ثم سرعان ما تنزلق نحو الشفتين، أتذوق طعمَها القلوي، إنه طعم لا يصعب على المرء استذكارَه واستحضاره.
أشعر بظمأٍ شديد سرعان ما تحول إلى عطشٍ، ثم إلى ظمأ أو صَدَى، أو هُيام، القَطرة لا تحل المشكلة، إنها تذكرني فقط بجرعة تملأ الفمَ والشدقيْن، هناك فى هذه الصحراء القاحلة ذات الرمال الناعمة والدقيقة التي تتكاثر، وتتحرك والتي تكون هذا العالمَ اللامحدود الذي يحيط بي. أشتاق إلى تدفق فوار من حنفية مفتوحة على مداها لأرتوي، وأشفي غليلي من هذا العطش القاتل.
العطش يثير فينا ردودَ فعلٍ متباينة، له تأثير بليغ على تفكيرنا، ونظرنا، الفمُ يصبح شبيهاً بقطراته، وليس هناك سوى فكرة واحدة مُستقرة، وثابتة، وملحة تتركز أساساً في هذا السراب الممتد أمام ناظري، وهذه الفكرة تحاول إقناعي عبثاً أن هذا السراب اللامع الذي يتراءى أمامي إنما هو واحة حقيقية.
أتململ، أتمايل، أتجرجر، وأجتر عبر الرمال، أعرف مسبقاً أن هذه البحيرة السراب التي تتراءى للعطشان فى الفلاة سوف تبدأ فى الابتعاد عني كلما دنوتُ منها، أعض الرمالَ لعلي أتذوق البللَ الذي فيها، فتزيد من حدة عطشي، أشعر بنوع من الهذيان .القطرة التي شعرتُ بها على جبهتي، هل كانت إعلاناً أو إيذاناً بمطر؟ هكذا خُيل لي. الآن تراني أتساءل: هل كان ذلك الشعور حقيقياً أم وهمياً؟ إذن ما هذه الخثرات المُشعة التي تشبه الأحجارَ الكريمة المتلألئة؟ إنني أتحسسها، أشعر بها، أتذوقها.. إنها مائية، زلالية، سائلة، سلسبيلية، منحدرة، منهمرة.. إنه الماء إذن، إنه الخلاص، إنه الإنقاذ، قطرةٌ واحدة تنحدر على جبهتي، إنها ما فتئت، تسيل وتسيل، وتتدحرج، وتتدحرج، وتنزل وتنزل.
*من مواليد 1938 في إسبانيا، من عائلة مناصرة للجمهوريين، هاجر خلال الحرب الأهلية الإسبانية لاجئاً إلى المكسيك واستقر فيها حتى وافته المنية فيها عام 2014، من أعماله: «كلمتان» و«أييندي الشجاع»، و«الحياة لا تنتهي فى مارس»، و«لبنة الغُراب»و»كل السنين شهر»، و«الفيلة خائفة» و«الوحـــش ذو الجلد المصبوغ».
*ترجمها عن الإسبانية محمد محمد الخطابي
٭ كاتب ومترجم من المغرب
عضو الأكاديمية الإسبانية- الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوتا- كولومبيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق