⏪⏬
ضربات عنيفة وأصوات مدوية، قلبي يرتجف من الفزع، تراكض الجميع مذعورين، تحوّل المكان إلى قطعة من الجحيم، أنفاسي تتلاحق، المرئيات اختلطت أمام ناظريّ، دوامة شديدة تدور بي تتركني بلا وعي ولا إدراك ولا قدرة على التصرف، صراخ عال
كضربات السياط، أنا وهي الآن محشورتان معًا في خزانة واحدة وهو يقترب، بعد قليل سيفتح الباب علينا وسنلقى مصيرنا، أيعقل أن نجتمع معًا ونجري راكضتين نحو نفس المخبأ ؟ التقت عينانا وأخذ تنفسنا يسرع ويتعالى..
اقترابه يزداد.. صوته يشدّنا إلى هاوية عميقة، أمسينا بلا حراك ولا نطق، وكأنّما التصق زورانا وتصلبت أعضاؤنا وفقدنا القدرة على الحس والإدراك، أعصابنا مشدودة، ودموعنا تسيل كالغيث المنهمر في الخارج...
تذكرت كيف كنت منذ صغري أخاف من الصوت الذي تحدثه الثلاجة بين آونة وأخرى، لقد كان يصدر في صمت الليل وظلمته صوتًا أشبه بصوت حيوان مفترس فأتوهم أنّ هناك وحشًا جاثمًا فاغرًا فاه يوشك أن يطبق عليّ بأسنانه وينشب فيّ مخالبه، وكنت حينها أنكمش وأغطي وجهي بالملاءة وأضع أصابعي في أذنيّ.
رافقني ذلك الصوت طيلة حياتي، أسمعه دائمًا، أحيانًا لاهثًا مبحوحًا وأحيانًا صارخًا هادرًا، أحس به يطاردني .. يتابعني، يحاصرني، يجتاحني، يثقل كاهلي، كأنّما هو يد ثقيلة تطبق على عنقي وتكتم أنفاسي، وكنت أحاول التهرب منه والابتعاد عنه، ولكنّه يصّر على اللحاق بي، لذا كنت دائمًا أجعل حياتي مليئة بالعمل والأمل في محاولة لنسيانه...
كانت لوحاتي وألواني وسيلة هروبي إلى عوالم أخرى، عوالم حالمة خلابة، وقد أتاح لي عملي كمعلمة للفنون أن أشارك في المعارض الفنيّة وأساهم في تنظيم المعارض، باختصار لم أكن من هؤلاء الناس الذين يأتون إلى الدنيا فقط لينتظروا رحيلهم عنها.
وعادت بي الذاكرة خمسة أعوام إلى الوراء، عندما التقيت بأحمد.. سحرتني رسومه، دفء الألوان ، سحر الخيال، خطوطه الأنيقة وظلاله الرائعة، كلّ ذلك جعلني أرى فيه فارسًا من القرون الماضية لا يحمل سيفًا بل يحمل ريشة يغزو بها كلّ يوم آفاقًا جديدة، لوحاته ذات دلائل ورسائل، وأكثر ما كان يلفت نظري إلى لوحاته ذلك اللون الكثيف، وعدم وجود مساحات فارغة فيها عبر ذلك المزيج اللونيّ الغريب المُتعارِك.
أحببت الرسم من خلاله وسعيت لتعلمه في الجامعة وأقمت معارض لأعمالي لكنّ هذه المعارض لم يكتب لها النجاح، إذ لم يكتب عنها خبر واحد، ولم يرها أحد إلاّ صديقاتي وأقربائي، ورغم ذلك بقيت طموحة متحمسة، أحاول وأجرب، وأعمالي تتراكم حولي، وأسرتي تنظر إليّ بسخرية، وملأني ذلك بشعور غير مريح لكنّني لم أيأس وسعيت للتعاون مع زملائي لإقامة معرض فنيّ مشترك لأعمالنا، وأرسلنا الدعوات ودعوت أحمد ...
كانت هذه هي المرة الأولى التي أساهم فيها في تنظيم معرض لي ولزملائي، وكمحبة للفن وعاشقة للمعرفة اعتبرت تنظيم هذا المعرض تحديّا بالنسبة لي، فهو في مدينتي التي أحب، تطوعت وزملائي، وصلنا الليل بالنهار، بحثنا في أدق التفاصيل ليكون المعرض حدثًا مميزًا يخدم الثقافة، استقبلنا فنانين عرب وفنانين أجانب بمحبة واحترام، ووفرنا أسباب الراحة لهم، وللمعرض كلّ أسباب النجاح الممكنة، فقد آمنّا أنّ الثقافة حياة لا يمكن محاصرتها بالحواجز، وأنّ للإبداع أفكار مجنحة، كان الحضور للمعرض لافتًا كثيفًا لكنّه ورغم هذا النجاح غمرني شعور مباغت بالحزن لا أعرف مصدره ولا أدرك كنهه...
ودخلت يارا تختال في المعرض، وانقبض قلبي منذ لحظة دخولها، فها هي تتجول في أنحائه، تجري أحاديث صحفيّة وتحاور الفنانين لتكتب نقدًا فنيًّا عن اللوحات المعروضة، يارا صديقتي اللدودة! واقتربت مني:
-ها أنت ثانية !
-أهلاً عزيزتي يارا، لا شك أنّ القدر جمعنا اليوم.
واقترب أحمد، وارتفعت دقات قلبي، بصوته الهادئ والمشع بالدفء يحييني...
-تحياتي يا أميرة...لوحاتك مذهلة تحكي الكثير.
لكم أحببت أعوامه الأربعين التي تنساب تجاعيد في أعلى خديه، أحبّ هذا التعب.. تعب الأيام الذي يسوّر شفتيه.. أحبّ آثار التفكير العميق في جبهته..
-أشكرك على التشجيع.
-إنّها الحقيقة، لديك إحساس جميل بالطبيعة، ورسوماتك مليئة بلحظات من الحزن والغموض، كما أنّ مزجك للون الأسود بتدرجاته يعجبني.
وتتدخل يارا : جميع اللوحات المشاركة في المعرض جميلة.
يقاطعها أحمد: لكنّ ما يميّز فنان عن آخر هو كيفية صياغة فكرة ما ومدى تأثيرها ومقدار ما يحمل من مسؤوليات تجاه محيطه، بحيث يمكن أن يؤجّج مشاعر الناس وينقلها لمستوى آخر.
فجأة ...ترددت صرخات في المكان، تدافع الجمهور وتوالت أصوات الرصاص، ركض الجميع كلّ في اتجاه، وارتفعت صرخة حادة بالقرب مني، ووقع أحمد على الأرض مضرجًا بدمائه، واقتربت منه وحاولت أن أصرخ لكنّ صوتي اختفى تمامًا، حاولت أن أتكلم لكنّ الكلمات لم تخرج من فمي وانحبست مخارج الحروف في حلقي.
أردت فقط أن أقول له أنّني أحبه، وأنّ الحياة بدونه ستكون قاسية، وأنّه احتل كلّ ذرة في كياني وكلّ نقطة من دمي.
نظر إليّ وقال قبل أن يلفظ أنفاسه : أهربي...
ونظرت إليه وأحسست أنّه لا فائدة من الصراخ، وسيطر عليّ الصمت، صمت ذليل عقيم، صمت صامد في وجه الموت، وتذكرت لوحة فنيّة تصور وجه رجل .. كانت عينا الرجل تحدقان بهلع وفمه يصرخ، الوجه استطال وتشوه من شدة الخوف، ملامح وجهه مطموسة كالعينين والحاجبين والأنف، عندما رأيت اللوحة للمرة الأولى تبادر إلى ذهني عدة تفسيرات، اليوم فقط أدرك مغزاها...اليوم أدرك كيف يمكن للعينين أن تصرخ؟ وكيف يمكن أن تمتنع الشفتان عن أيّة همسة؟
تعالى الصراخ ثانية، دفعتني يارا وقالت: أركضي ...
وركضت وراءها ولم أجد نفسي إلاّ في خزانة خشبيّة محشورة معها، أنا ويارا في خندق واحد يا للعجب!
كلّ شيء من حولي متخاذل، خواطر كثيرة تجول في رأسي تنتهي حيث تبدأ، أحس كأنّما وحشًا ضاريًا يجثم على صدري يوشك أن يزهق أنفاسي، تقلصت عضلات وجه يارا واختلجت شفتاها وقالت بصوت يشبه الفحيح تحاول أن تخافت به خشية أن يبلغ آذانه: إنّه يقترب...
ومرت حياتي أمامي كفيلم سينمائي لم ينتج بعد، فيلم أفسدته رداءة الصورة وبشاعة الصوت، الأفكار تندفع إلى رأسي أحاول ترتيبها وفرزها ولكنّها أقوى من أن تبتلعني فأعود إلى اللا شيء، لم أتوقع يومًا أن تكون خاتمتي على هذا النحو، إنّه يقترب ..وساد صمت صارخ مليء بصخب الصدور، عاجزة أنا عن فعل شيء، انتابتني حالة من الذهول وارتسم على وجهي منظر غريب.
الشمس تنساب وراء الأفق كأنهّا قرص جمر تفيض حمرته على كلّ ما حوله، كلّ ما حولي يضيق ويسود، أمسكت يارا يدي، تحدّثت عينانا، لماذا نستمر في الصمت؟ فهو لا يفعل شيئًا سوى نفي عذابات الآخرين، لطالما كتمنا صرخات الضمائر، لكنّنا لم نستطع أن نخفي عذاب الضحية ومعاناتها، ولن نستطيع أن نجعلها لا مرئيّة، فهي واضحة تماماً.
لم يعد ثمّة مكان لكتْم الصرخات، رفعنا أيدينا عن فمنا، صرخاتنا لا يمكن لأحد أن يكتمها، فتحنا الخزانة وخرجنا واخترقت صرخاتنا الفضاء.
*د. نجوى غنيم
ضربات عنيفة وأصوات مدوية، قلبي يرتجف من الفزع، تراكض الجميع مذعورين، تحوّل المكان إلى قطعة من الجحيم، أنفاسي تتلاحق، المرئيات اختلطت أمام ناظريّ، دوامة شديدة تدور بي تتركني بلا وعي ولا إدراك ولا قدرة على التصرف، صراخ عال
كضربات السياط، أنا وهي الآن محشورتان معًا في خزانة واحدة وهو يقترب، بعد قليل سيفتح الباب علينا وسنلقى مصيرنا، أيعقل أن نجتمع معًا ونجري راكضتين نحو نفس المخبأ ؟ التقت عينانا وأخذ تنفسنا يسرع ويتعالى..
اقترابه يزداد.. صوته يشدّنا إلى هاوية عميقة، أمسينا بلا حراك ولا نطق، وكأنّما التصق زورانا وتصلبت أعضاؤنا وفقدنا القدرة على الحس والإدراك، أعصابنا مشدودة، ودموعنا تسيل كالغيث المنهمر في الخارج...
تذكرت كيف كنت منذ صغري أخاف من الصوت الذي تحدثه الثلاجة بين آونة وأخرى، لقد كان يصدر في صمت الليل وظلمته صوتًا أشبه بصوت حيوان مفترس فأتوهم أنّ هناك وحشًا جاثمًا فاغرًا فاه يوشك أن يطبق عليّ بأسنانه وينشب فيّ مخالبه، وكنت حينها أنكمش وأغطي وجهي بالملاءة وأضع أصابعي في أذنيّ.
رافقني ذلك الصوت طيلة حياتي، أسمعه دائمًا، أحيانًا لاهثًا مبحوحًا وأحيانًا صارخًا هادرًا، أحس به يطاردني .. يتابعني، يحاصرني، يجتاحني، يثقل كاهلي، كأنّما هو يد ثقيلة تطبق على عنقي وتكتم أنفاسي، وكنت أحاول التهرب منه والابتعاد عنه، ولكنّه يصّر على اللحاق بي، لذا كنت دائمًا أجعل حياتي مليئة بالعمل والأمل في محاولة لنسيانه...
كانت لوحاتي وألواني وسيلة هروبي إلى عوالم أخرى، عوالم حالمة خلابة، وقد أتاح لي عملي كمعلمة للفنون أن أشارك في المعارض الفنيّة وأساهم في تنظيم المعارض، باختصار لم أكن من هؤلاء الناس الذين يأتون إلى الدنيا فقط لينتظروا رحيلهم عنها.
وعادت بي الذاكرة خمسة أعوام إلى الوراء، عندما التقيت بأحمد.. سحرتني رسومه، دفء الألوان ، سحر الخيال، خطوطه الأنيقة وظلاله الرائعة، كلّ ذلك جعلني أرى فيه فارسًا من القرون الماضية لا يحمل سيفًا بل يحمل ريشة يغزو بها كلّ يوم آفاقًا جديدة، لوحاته ذات دلائل ورسائل، وأكثر ما كان يلفت نظري إلى لوحاته ذلك اللون الكثيف، وعدم وجود مساحات فارغة فيها عبر ذلك المزيج اللونيّ الغريب المُتعارِك.
أحببت الرسم من خلاله وسعيت لتعلمه في الجامعة وأقمت معارض لأعمالي لكنّ هذه المعارض لم يكتب لها النجاح، إذ لم يكتب عنها خبر واحد، ولم يرها أحد إلاّ صديقاتي وأقربائي، ورغم ذلك بقيت طموحة متحمسة، أحاول وأجرب، وأعمالي تتراكم حولي، وأسرتي تنظر إليّ بسخرية، وملأني ذلك بشعور غير مريح لكنّني لم أيأس وسعيت للتعاون مع زملائي لإقامة معرض فنيّ مشترك لأعمالنا، وأرسلنا الدعوات ودعوت أحمد ...
كانت هذه هي المرة الأولى التي أساهم فيها في تنظيم معرض لي ولزملائي، وكمحبة للفن وعاشقة للمعرفة اعتبرت تنظيم هذا المعرض تحديّا بالنسبة لي، فهو في مدينتي التي أحب، تطوعت وزملائي، وصلنا الليل بالنهار، بحثنا في أدق التفاصيل ليكون المعرض حدثًا مميزًا يخدم الثقافة، استقبلنا فنانين عرب وفنانين أجانب بمحبة واحترام، ووفرنا أسباب الراحة لهم، وللمعرض كلّ أسباب النجاح الممكنة، فقد آمنّا أنّ الثقافة حياة لا يمكن محاصرتها بالحواجز، وأنّ للإبداع أفكار مجنحة، كان الحضور للمعرض لافتًا كثيفًا لكنّه ورغم هذا النجاح غمرني شعور مباغت بالحزن لا أعرف مصدره ولا أدرك كنهه...
ودخلت يارا تختال في المعرض، وانقبض قلبي منذ لحظة دخولها، فها هي تتجول في أنحائه، تجري أحاديث صحفيّة وتحاور الفنانين لتكتب نقدًا فنيًّا عن اللوحات المعروضة، يارا صديقتي اللدودة! واقتربت مني:
-ها أنت ثانية !
-أهلاً عزيزتي يارا، لا شك أنّ القدر جمعنا اليوم.
واقترب أحمد، وارتفعت دقات قلبي، بصوته الهادئ والمشع بالدفء يحييني...
-تحياتي يا أميرة...لوحاتك مذهلة تحكي الكثير.
لكم أحببت أعوامه الأربعين التي تنساب تجاعيد في أعلى خديه، أحبّ هذا التعب.. تعب الأيام الذي يسوّر شفتيه.. أحبّ آثار التفكير العميق في جبهته..
-أشكرك على التشجيع.
-إنّها الحقيقة، لديك إحساس جميل بالطبيعة، ورسوماتك مليئة بلحظات من الحزن والغموض، كما أنّ مزجك للون الأسود بتدرجاته يعجبني.
وتتدخل يارا : جميع اللوحات المشاركة في المعرض جميلة.
يقاطعها أحمد: لكنّ ما يميّز فنان عن آخر هو كيفية صياغة فكرة ما ومدى تأثيرها ومقدار ما يحمل من مسؤوليات تجاه محيطه، بحيث يمكن أن يؤجّج مشاعر الناس وينقلها لمستوى آخر.
فجأة ...ترددت صرخات في المكان، تدافع الجمهور وتوالت أصوات الرصاص، ركض الجميع كلّ في اتجاه، وارتفعت صرخة حادة بالقرب مني، ووقع أحمد على الأرض مضرجًا بدمائه، واقتربت منه وحاولت أن أصرخ لكنّ صوتي اختفى تمامًا، حاولت أن أتكلم لكنّ الكلمات لم تخرج من فمي وانحبست مخارج الحروف في حلقي.
أردت فقط أن أقول له أنّني أحبه، وأنّ الحياة بدونه ستكون قاسية، وأنّه احتل كلّ ذرة في كياني وكلّ نقطة من دمي.
نظر إليّ وقال قبل أن يلفظ أنفاسه : أهربي...
ونظرت إليه وأحسست أنّه لا فائدة من الصراخ، وسيطر عليّ الصمت، صمت ذليل عقيم، صمت صامد في وجه الموت، وتذكرت لوحة فنيّة تصور وجه رجل .. كانت عينا الرجل تحدقان بهلع وفمه يصرخ، الوجه استطال وتشوه من شدة الخوف، ملامح وجهه مطموسة كالعينين والحاجبين والأنف، عندما رأيت اللوحة للمرة الأولى تبادر إلى ذهني عدة تفسيرات، اليوم فقط أدرك مغزاها...اليوم أدرك كيف يمكن للعينين أن تصرخ؟ وكيف يمكن أن تمتنع الشفتان عن أيّة همسة؟
تعالى الصراخ ثانية، دفعتني يارا وقالت: أركضي ...
وركضت وراءها ولم أجد نفسي إلاّ في خزانة خشبيّة محشورة معها، أنا ويارا في خندق واحد يا للعجب!
كلّ شيء من حولي متخاذل، خواطر كثيرة تجول في رأسي تنتهي حيث تبدأ، أحس كأنّما وحشًا ضاريًا يجثم على صدري يوشك أن يزهق أنفاسي، تقلصت عضلات وجه يارا واختلجت شفتاها وقالت بصوت يشبه الفحيح تحاول أن تخافت به خشية أن يبلغ آذانه: إنّه يقترب...
ومرت حياتي أمامي كفيلم سينمائي لم ينتج بعد، فيلم أفسدته رداءة الصورة وبشاعة الصوت، الأفكار تندفع إلى رأسي أحاول ترتيبها وفرزها ولكنّها أقوى من أن تبتلعني فأعود إلى اللا شيء، لم أتوقع يومًا أن تكون خاتمتي على هذا النحو، إنّه يقترب ..وساد صمت صارخ مليء بصخب الصدور، عاجزة أنا عن فعل شيء، انتابتني حالة من الذهول وارتسم على وجهي منظر غريب.
الشمس تنساب وراء الأفق كأنهّا قرص جمر تفيض حمرته على كلّ ما حوله، كلّ ما حولي يضيق ويسود، أمسكت يارا يدي، تحدّثت عينانا، لماذا نستمر في الصمت؟ فهو لا يفعل شيئًا سوى نفي عذابات الآخرين، لطالما كتمنا صرخات الضمائر، لكنّنا لم نستطع أن نخفي عذاب الضحية ومعاناتها، ولن نستطيع أن نجعلها لا مرئيّة، فهي واضحة تماماً.
لم يعد ثمّة مكان لكتْم الصرخات، رفعنا أيدينا عن فمنا، صرخاتنا لا يمكن لأحد أن يكتمها، فتحنا الخزانة وخرجنا واخترقت صرخاتنا الفضاء.
*د. نجوى غنيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق