⏪ نباتات طبيعية مبهرة تزين الأفنية والمناطق الداخلية للمنازل السورية التقليدية
توطئة:.
تعتبر باحة الدار أو فناءه من أكثر الطوابع المعمارية التي تميز منطقة ما، فهي سمة تتخطى كل الحدود السياسية والأحداث التاريخية وحتى التغيرات الثقافية التي تمر بها منطقة ما.
فهذا الحيز من المنزل يعمل على إحداث توازن فيما بينه وبين البيئة المحيطة به بكل ما فيها من نمط إجتماعي وترابط أسري، ليتجسد على شكل أسلوب معماري فريد.
إن الاهتمام في بناء الفناء ووجوده ضمن المنازل المبنية تبعاً للعمارة الإسلامية يرسخ مفهوم الحجب “الحجاب” وذلك لأنه بكل بساطة يقوم بالتركيز على هذه المساحة الداخلية من المنزل (المتمثلة في الغرف والأفنية) والتي لا يمكن أن يتم رؤيتها من خارجه.
ويعتبر فناء المنزل أو ما يعرف بـ (أرض الدار) أسلوباً معمارياً عريقاً تم تشييده لأول مرة قبل ثلاثة آلاف عام في كل من البيوت والأبنية السورية والعراقية.
هذا الفناء ظهر لدى العرب البدو حيث اعتمدوه خلال ترحالهم، إذ قاموا بنصب خيامهم حول مساحات مركزية توفر مكاناً آمناً لهم ومنطقة تبقى ضمنها مواشيهم.
ومع التطور في العمارة العربية والإسلامية؛ تم جعل بناء الفناء من الأساسيات النموذجية، ويُظن أنها كانت نوعاً من التأثر بالحياة البدوية السابقة عبر إضافة مساحات حرة في المنازل الدائمة.
فيمكن اعتبار أنه يلبي حاجة متجذرة لوجود مساحة مفتوحة في قلب المنازل.
وهذه المقالة ستقوم بوصف فناء المنزل السوري مع عرض بعض الأمثلة الموجودة في مدينة حلب الشهباء الواقعة شمالي البلاد ذات العمق الحضاري الكبير.
⏪أقسام المنزل السوري التقليدي:.
يتكون المنزل السوري ذو الفناء عادة من ثلاثة أقسام رئيسية هي:
القبو أو الطابق السفلي، الطابق الأرضي وفيه يوجد غُرف وأقسام المعيشة الأساسية التي تسمى بالسلملك “السرملك” وطابق أول يضم الغرف والمجالس الخاصة وعادة تُسمى بمنطقة الحرملك.
يتميز الطابق السفلي في هذه المنازل بدرجات حرارة معتدلة ومتساوية طيلة العام مما يجعلها مناطق مميزة للسكن والعيش خلال فترات البرد الشتوية وأيام الحر الشديد في الصيف.
فيعمل هذا المستوى من المنزل كمُنظمٍ حراري يقوم بالتبريد في الحرارة العالية، فهو يقوم بتبريد الهواء الساخن وتلطيفه عبر التبادل الحراري، ثم يقوم بإعادة الهواء الرطب إلى الفناء ذو المساحة المفتوحة.
ولا بد من ذكر أنه ضمن الطابق السفلي؛ يتم تخزين الموارد والمؤون الغذائية السنوية للعائلة، وهذا ما تجده في الكثير من الدور الحلبية، هذه المدينة التي تمكن أهلها ومنازلها من الصمود خلال العديد من الحروب.
عند دخولك من الباب الخارجي للمنزل السوري؛ ستجد مساحة صغيرة تقودك مباشرة نحو مساحة رائعة تُمثل فناء الدار، وغالباً يكون الباب الخارجي مكوناً من باب متواضع وصغير مفرد أو من باب مزدوج مصنوع من الخشب المثبت بمعدن صُلب بألواح رصاص كبيرة.
إن صغر حجم الباب هذا يعبر عن التواضع وهو السبب في عدم تزيين النوافذ الخارجية للمنزل.
في الحقيقة لن تتمكن أبداً أن تحدد مدى ثروة أصحاب المنزل أو فقرهم وحالتهم المادية عبر شكل الباب الخارجي لمنزلهم.
غالباً وبعد دخولك من الباب الخارجي ستمر ضمن ممر ضيق يُفتح في نهايته على باب آخر آو ربما ستارة تقود إلى باحة الفناء، وهذا يُخبر عن مدى خصوصية هذا الجزء من المنزل ويمنعه عن أن يكون مكشوف بصرياً لخارج المنزل، حتى وإن كان باب المنزل مفتوحاً ، وهو أمر ممكن الحدوث في الحارات القديمة من المدينة والتي كانت تتمتع بدرجات أمان عالية.
عند الدخول من باب المنزل البسيط والمتواضع إلى الفناء والغرف الرئيسية؛ لا بد من أن تشعر بالتناقض وكأنك تدخل بوابة مكانية تفصل بين مستويين معيشيين مختلفين.
⏪زينة تميز المنزل:.
حيث ستبهر بالزينة الداخلية المترفة مع النافورة المركزية والواجهات المذهلة داخل المنزل (في بعض المنازل قد تجد بئراً خاصاً ومستقلاً للمنزل).
لا بد من أن تبهر بطبيعة النباتات الطبيعية التي تزين الفناء والمناطق الداخلية للمنازل السورية التقليدية، حيث ستجد دوماً نوعاً من النباتات المتسلقة على الجدران كشجيرات الياسمين أو الورد الجوري معطرةً المنزل بروائحها والتي تنسجم مع بعض أشجار النارنج والبرتقال أو الليمون والتي تزرع بقربها.
وتكمل الصورة بنوع من الزينة الهندسية التي تزين جدران المنزل والغرف الداخلية بشكل مدروس فيه بعض التعقيد.
من الفناء تُطل على الإيوان، وهو المكان المفتوح والمغطى الذي يضم مكاناً للجلوس، والذي يمكن لك من خلاله أن تتمتع بجمالية الفناء، فتجد الإيوان في منطقة ترتفع ما بين درجة أو درجتين، وغالباً ما يتم استعمالها كمنطقة لاستقبال وجلوس مريحة في الهواء الطلق المحجوب ومنطقة تجتمع في العائلة أو الاصحاب مساءً وتصدح منها أصوات الموسيقا التقليدية والقدود الحلبية.
غالباً ما يكون الإيوان في المنازل السورية محدد في شمال الفناء حتى يتم الاستفادة من النسيم البارد في فترات الصيف، وغالباً يكون هذا الإيوان محصوراً بين غرفتين متقابلتين ويمتد بين حائطيهما قوس حجري مزين بالزخارف ليضع حداً فاصلاً بين الإيوان وباحة الفناء، حتى أن الأرضية تختلف بين منطقة الإيوان وبين الفناء فكل منهما يتميز بتصميم أرضية مزين بأسلوب مميز وكأنه سجادة حجرية مختلفة عن الثانية.
في الطرف المقابل للأيوان؛ ستجد غرفة الاستقبال الرئيسية في المنزل والتي تستعمل بشكل كبير في المناسبات الخاصة والأعياد، وتعتبر هذه الغرفة الأكثر تزيناً وأكثر الغرف التي يوجد فيها قطع أثاث فخم.
وفي مدينة حلب؛ ستجد في بعض المنازل – مثل بيت الغزالي، منزل آل وكيل ومنزل باسل- قاعة الضيوف هذه بسقف على شكل قبة.
وضمن الطابق الأرضي؛ ستجد -بالإضافة إلى الإيوان وغرفة الاستقبال الرئيسية- مرافق لخدمة المنزل من الحمامات والمطبخ.
أما بالنسبة للطابق الأول والذي يُسمى بالحرملك، والتي هي كلمة تركية الأصل تعني القسم النسائي من المنزل؛ ستجد في المنازل السورية التقليدية عامة والحلبية على وجه الخصوص ميلاً لفصل غُرف المعيشة عن قسم غرف النوم بشكل تام.
ويصل بين القسمين الأرضي والأول درج ظاهراً في الفناء، وفي الطابق الأول قد تجد بعض الشقق الصغيرة والمستقلة ضمن الدار الكبيرة وذلك في العائلات الكبيرة التي يعيش بها الآباء والابناء مع الأحفاد في نفس المنزل.
كما أنه في بعض الأحيان قد يتضمن الطابق الأول بعض التراسات المطلة على الفناء، والتي تسمح للشمس أن تنير الفناء ليكون مساحة مفتوحة في الطابق الأول والأرضي.
والتي تعتبر مساحات مميزة لمحبي الاستمتاع بالهواء اللطيف في أمسيات الصيف.
وغالباً ما يكون الفناء محاطاً بالجدران المرتفعة لتوفر المزيد من الحماية والخصوصية لأهل المنزل.
⏪العناصر المعمارية المميزة للمنزل السوري:.
المشربية، وهي عبارة عن الشرفة الخشبية التي تجدها في واجهة المنزل السوري الخارجية والتي تقوم بتوفير نافذة مفتوحة (كالشاشة تماماً) تسمح للنساء برؤية خارج المنزل دون أن يتم رؤيتهن، وغالباً ما تكون المشربيات هذه مستترة خلف شبكة من الألواح الخشبية الحاجبة والمثبتة عبر الجدار الخارجي.
⏪نوافذ المنزل السوري:.
أما النوافذ؛ فتنقسم في المنزل السوري إلى قسمين هما: النوافذ التي توجد على واجهات المنزل الخارجية وتلك التي تطل على الفناء الداخلي، حيث تكون نوافذ الواجهات الخارجية صغيرة وغالباً تكون مرتفعة فقط من الطابق الأول حتى لا يتم كشف المنزل من المارة في الحارات الخارجية الضيقة.
بينما نوافذ المنزل الداخلية والمطلة على الفناء تكون أكبر بكثير ومزينة كما أنها تسمح للضوء بالوصول إلى جميع الغرف وتقوم على تهويتها.
في الطابق الأرضي؛ تكون النوافذ بسماكة الجدران الداخلية مع أبواب خشبية في الجزء الخارجي للجدار مع ترك مسافة من النافذة داخلية.
وتكون هذه النوافذ مقوية من الأعلى بدون أية تصاميم أو ديكورات، وتكون هي المنفذ الوحيد لتهوية الغرف السفلى في الطابق الأرضي، وإدخال الشمس إليها.
أما أبواب الغرف في الطابق السفلي؛ فتكون أبواباً خشبية تتألف من مصراعين أثنين فيهما القليل من الزخارف، في حين تخلو أبواب الطابق الأول من أي زخارف أو إضافات.
أما عن الزينة داخل الغرف؛ فضمن غرفة الاستقبال الرئيسية يتم استعمال العديد من الخزائن المتصلة والتي تكون ثابتة من أصل الحائط وعبر رفوفها يتم استعراض التحف بالإضافة إلى الزخارف الخشبية (الموزاييك) وتُغطى الجدران المحيطة بهذه الخزانة بطبقة من الخشب المزين بنفس التطعيمات والزينات الخشبية.
حتى أن السقف يتم تزيينه وتلوينه عبر العديد من الأشكال الهندسية ذات الأنماط المعقدة.
فقط تخيل سقفاً عالياً في هذه الغرفة المميزة الذي يقوم على ألواح خشبية متقاطعة فيما بينها مع نقوش غنية وزخارف متكررة مطلية بالذهب.
كما أن وجود النباتات في الفناء ونافورة المياه يساهم في زيادة رطوبة الأجزاء الداخلية، وما يعزز من هذه الرطوبة هو البناء باستعمال الحجر السميك الذي يقوم بالعزل الحراري.
وما يضيف من برودة المنازل في المناخ الحار هو التكوين للشوارع والأزقة القديمة المتقاربة وذات الممرات التي تقود بين المنازل.
⏪عوامل تؤثر على المنازل السورية وتصميم بنائها:.
أولاً: العوامل الاقتصادية:
كنا قد ذكرنا سابقاً أن المنازل السورية الحلبية على التحديد تكون بشكلها الخارجي متشابهة فيما بينها بشكل كبير من حيث تواضعها، إلى أن هذا التشابه يتلاشى ما إن تدخل إلى داخل المنزل حيث تبدأ بالتمايز تبعاً لثروة العائلة المقيمة في المنزل وذلك يظهر عبر التزيين وأسلوب الديكور الداخلي للمنزل.
وهنا من الممكن أن نميز ثلاثة فئات للمنازل وهي ذات الفناء الكبير والذي يكون لدى العائلات الغنية، المتوسطة والتي تكون منازل التجار والحرفيين غالباً ، والأخير المنازل الصغيرة والتي تكون بيوت العمال.
ثانياً : عامل مواد البناء وأسلوبه:
يعتمد بناء المنزل السوري على طبيعة المواد المتاحة في المحيط، فقد ساهمت وفرة الحجارة في حلب؛ في الاعتماد عليها كأساس في بناء المنازل الحلبية، فالجدران بشكل خاص تكون من الحجارة البيضاء والسوداء والتي معا ًتشكل صفة تميز الفناء وباحات الدار السورية.
ثالثاً: العامل الاجتماعي:.
إن العامل التقليدي والاجتماعي انعكس بشكل مباشر على تصميم وتفصيل المنازل وتكوين الفناء السوري، وهذا ما يظهر في توزيع النوافذ وتوزيع الغرف الداخلية من حيث الفصل بين مناطق وجود الضيوف ومناطق معيشة الأسرة.
وما يجب ذكره أن الفناء يجمع الأسرة الكبيرة حتى وإن كان المنزل يتألف من شقق متعددة حيث يعمل الفناء على جمع العائلة الكبيرة وإبقائها متواصلة.
ومن القديم وإلى اليوم؛ يميل الشعب السوري عموماً والحلبي على وجه الخصوص إلى حسن الضيافة واستقبال الضيف مع الترفيه بعزف الموسيقى والغناء الشعبي، ويجب الذكر أن الجلسات والجمعيات النسائية التي كانت تقام على شكل أسبوعي في الفناء أو الغرفة الرئيسية تعزز أوصر المحبة وعلاقات المجتمع.
الخلاصة:.
بعد هذه الجولة الفنية والمعمارية في الفناء السوري التقليدي والسمات التي يتميز بها؛ نجد أنه مازال يقدم اليوم بعض منها في المنازل المعاصرة.
ومع ذلك فقد تغيرت العديد من مميزات البنية الإجتماعية التي ناسبت هذا النوع من المنازل في الماضي وذلك بسبب:
انخفاض عدد أفراد العائلة، وتغير طبيعة جلوس السيدات في المنازل حيث أصبحت شريحة واسعة منهن عاملات.
تغير هيكل الأسرة من العائلات المتعددة التي تقيم في منزل واحد لتصبح العائلات مستقلة بنفسها وبمكان إقامتها بشكل تام.
وبالإضافة إلى كل ذلك؛ فاليوم تعتمد الأسر على السكن الطابقي كحل مقبول التكلفة بالمقارنة مع الأثمان الباهظة للمنازل ذات الفناء، فهذا المنزل السوري التقليدي قد أصبح اليوم من السمات الأثرية للمدن القديمة، والتي لا يمكن المحافظة على تقليد السكن فيها مع التغيرات الثقافية والتطور الكبير اليوم. بالإضافة إلى كونها تحتاج إلى ثروة لتتمكن من شراء منزل بفناء على الطريقة السورية التقليدية.
*المصادر:.
The Courtyard Houses of Syria
توطئة:.
تعتبر باحة الدار أو فناءه من أكثر الطوابع المعمارية التي تميز منطقة ما، فهي سمة تتخطى كل الحدود السياسية والأحداث التاريخية وحتى التغيرات الثقافية التي تمر بها منطقة ما.
فهذا الحيز من المنزل يعمل على إحداث توازن فيما بينه وبين البيئة المحيطة به بكل ما فيها من نمط إجتماعي وترابط أسري، ليتجسد على شكل أسلوب معماري فريد.
إن الاهتمام في بناء الفناء ووجوده ضمن المنازل المبنية تبعاً للعمارة الإسلامية يرسخ مفهوم الحجب “الحجاب” وذلك لأنه بكل بساطة يقوم بالتركيز على هذه المساحة الداخلية من المنزل (المتمثلة في الغرف والأفنية) والتي لا يمكن أن يتم رؤيتها من خارجه.
ويعتبر فناء المنزل أو ما يعرف بـ (أرض الدار) أسلوباً معمارياً عريقاً تم تشييده لأول مرة قبل ثلاثة آلاف عام في كل من البيوت والأبنية السورية والعراقية.
هذا الفناء ظهر لدى العرب البدو حيث اعتمدوه خلال ترحالهم، إذ قاموا بنصب خيامهم حول مساحات مركزية توفر مكاناً آمناً لهم ومنطقة تبقى ضمنها مواشيهم.
ومع التطور في العمارة العربية والإسلامية؛ تم جعل بناء الفناء من الأساسيات النموذجية، ويُظن أنها كانت نوعاً من التأثر بالحياة البدوية السابقة عبر إضافة مساحات حرة في المنازل الدائمة.
فيمكن اعتبار أنه يلبي حاجة متجذرة لوجود مساحة مفتوحة في قلب المنازل.
وهذه المقالة ستقوم بوصف فناء المنزل السوري مع عرض بعض الأمثلة الموجودة في مدينة حلب الشهباء الواقعة شمالي البلاد ذات العمق الحضاري الكبير.
⏪أقسام المنزل السوري التقليدي:.
يتكون المنزل السوري ذو الفناء عادة من ثلاثة أقسام رئيسية هي:
القبو أو الطابق السفلي، الطابق الأرضي وفيه يوجد غُرف وأقسام المعيشة الأساسية التي تسمى بالسلملك “السرملك” وطابق أول يضم الغرف والمجالس الخاصة وعادة تُسمى بمنطقة الحرملك.
يتميز الطابق السفلي في هذه المنازل بدرجات حرارة معتدلة ومتساوية طيلة العام مما يجعلها مناطق مميزة للسكن والعيش خلال فترات البرد الشتوية وأيام الحر الشديد في الصيف.
فيعمل هذا المستوى من المنزل كمُنظمٍ حراري يقوم بالتبريد في الحرارة العالية، فهو يقوم بتبريد الهواء الساخن وتلطيفه عبر التبادل الحراري، ثم يقوم بإعادة الهواء الرطب إلى الفناء ذو المساحة المفتوحة.
ولا بد من ذكر أنه ضمن الطابق السفلي؛ يتم تخزين الموارد والمؤون الغذائية السنوية للعائلة، وهذا ما تجده في الكثير من الدور الحلبية، هذه المدينة التي تمكن أهلها ومنازلها من الصمود خلال العديد من الحروب.
عند دخولك من الباب الخارجي للمنزل السوري؛ ستجد مساحة صغيرة تقودك مباشرة نحو مساحة رائعة تُمثل فناء الدار، وغالباً يكون الباب الخارجي مكوناً من باب متواضع وصغير مفرد أو من باب مزدوج مصنوع من الخشب المثبت بمعدن صُلب بألواح رصاص كبيرة.
إن صغر حجم الباب هذا يعبر عن التواضع وهو السبب في عدم تزيين النوافذ الخارجية للمنزل.
في الحقيقة لن تتمكن أبداً أن تحدد مدى ثروة أصحاب المنزل أو فقرهم وحالتهم المادية عبر شكل الباب الخارجي لمنزلهم.
غالباً وبعد دخولك من الباب الخارجي ستمر ضمن ممر ضيق يُفتح في نهايته على باب آخر آو ربما ستارة تقود إلى باحة الفناء، وهذا يُخبر عن مدى خصوصية هذا الجزء من المنزل ويمنعه عن أن يكون مكشوف بصرياً لخارج المنزل، حتى وإن كان باب المنزل مفتوحاً ، وهو أمر ممكن الحدوث في الحارات القديمة من المدينة والتي كانت تتمتع بدرجات أمان عالية.
عند الدخول من باب المنزل البسيط والمتواضع إلى الفناء والغرف الرئيسية؛ لا بد من أن تشعر بالتناقض وكأنك تدخل بوابة مكانية تفصل بين مستويين معيشيين مختلفين.
⏪زينة تميز المنزل:.
حيث ستبهر بالزينة الداخلية المترفة مع النافورة المركزية والواجهات المذهلة داخل المنزل (في بعض المنازل قد تجد بئراً خاصاً ومستقلاً للمنزل).
لا بد من أن تبهر بطبيعة النباتات الطبيعية التي تزين الفناء والمناطق الداخلية للمنازل السورية التقليدية، حيث ستجد دوماً نوعاً من النباتات المتسلقة على الجدران كشجيرات الياسمين أو الورد الجوري معطرةً المنزل بروائحها والتي تنسجم مع بعض أشجار النارنج والبرتقال أو الليمون والتي تزرع بقربها.
وتكمل الصورة بنوع من الزينة الهندسية التي تزين جدران المنزل والغرف الداخلية بشكل مدروس فيه بعض التعقيد.
من الفناء تُطل على الإيوان، وهو المكان المفتوح والمغطى الذي يضم مكاناً للجلوس، والذي يمكن لك من خلاله أن تتمتع بجمالية الفناء، فتجد الإيوان في منطقة ترتفع ما بين درجة أو درجتين، وغالباً ما يتم استعمالها كمنطقة لاستقبال وجلوس مريحة في الهواء الطلق المحجوب ومنطقة تجتمع في العائلة أو الاصحاب مساءً وتصدح منها أصوات الموسيقا التقليدية والقدود الحلبية.
غالباً ما يكون الإيوان في المنازل السورية محدد في شمال الفناء حتى يتم الاستفادة من النسيم البارد في فترات الصيف، وغالباً يكون هذا الإيوان محصوراً بين غرفتين متقابلتين ويمتد بين حائطيهما قوس حجري مزين بالزخارف ليضع حداً فاصلاً بين الإيوان وباحة الفناء، حتى أن الأرضية تختلف بين منطقة الإيوان وبين الفناء فكل منهما يتميز بتصميم أرضية مزين بأسلوب مميز وكأنه سجادة حجرية مختلفة عن الثانية.
في الطرف المقابل للأيوان؛ ستجد غرفة الاستقبال الرئيسية في المنزل والتي تستعمل بشكل كبير في المناسبات الخاصة والأعياد، وتعتبر هذه الغرفة الأكثر تزيناً وأكثر الغرف التي يوجد فيها قطع أثاث فخم.
وفي مدينة حلب؛ ستجد في بعض المنازل – مثل بيت الغزالي، منزل آل وكيل ومنزل باسل- قاعة الضيوف هذه بسقف على شكل قبة.
وضمن الطابق الأرضي؛ ستجد -بالإضافة إلى الإيوان وغرفة الاستقبال الرئيسية- مرافق لخدمة المنزل من الحمامات والمطبخ.
أما بالنسبة للطابق الأول والذي يُسمى بالحرملك، والتي هي كلمة تركية الأصل تعني القسم النسائي من المنزل؛ ستجد في المنازل السورية التقليدية عامة والحلبية على وجه الخصوص ميلاً لفصل غُرف المعيشة عن قسم غرف النوم بشكل تام.
ويصل بين القسمين الأرضي والأول درج ظاهراً في الفناء، وفي الطابق الأول قد تجد بعض الشقق الصغيرة والمستقلة ضمن الدار الكبيرة وذلك في العائلات الكبيرة التي يعيش بها الآباء والابناء مع الأحفاد في نفس المنزل.
كما أنه في بعض الأحيان قد يتضمن الطابق الأول بعض التراسات المطلة على الفناء، والتي تسمح للشمس أن تنير الفناء ليكون مساحة مفتوحة في الطابق الأول والأرضي.
والتي تعتبر مساحات مميزة لمحبي الاستمتاع بالهواء اللطيف في أمسيات الصيف.
وغالباً ما يكون الفناء محاطاً بالجدران المرتفعة لتوفر المزيد من الحماية والخصوصية لأهل المنزل.
⏪العناصر المعمارية المميزة للمنزل السوري:.
المشربية، وهي عبارة عن الشرفة الخشبية التي تجدها في واجهة المنزل السوري الخارجية والتي تقوم بتوفير نافذة مفتوحة (كالشاشة تماماً) تسمح للنساء برؤية خارج المنزل دون أن يتم رؤيتهن، وغالباً ما تكون المشربيات هذه مستترة خلف شبكة من الألواح الخشبية الحاجبة والمثبتة عبر الجدار الخارجي.
⏪نوافذ المنزل السوري:.
أما النوافذ؛ فتنقسم في المنزل السوري إلى قسمين هما: النوافذ التي توجد على واجهات المنزل الخارجية وتلك التي تطل على الفناء الداخلي، حيث تكون نوافذ الواجهات الخارجية صغيرة وغالباً تكون مرتفعة فقط من الطابق الأول حتى لا يتم كشف المنزل من المارة في الحارات الخارجية الضيقة.
بينما نوافذ المنزل الداخلية والمطلة على الفناء تكون أكبر بكثير ومزينة كما أنها تسمح للضوء بالوصول إلى جميع الغرف وتقوم على تهويتها.
في الطابق الأرضي؛ تكون النوافذ بسماكة الجدران الداخلية مع أبواب خشبية في الجزء الخارجي للجدار مع ترك مسافة من النافذة داخلية.
وتكون هذه النوافذ مقوية من الأعلى بدون أية تصاميم أو ديكورات، وتكون هي المنفذ الوحيد لتهوية الغرف السفلى في الطابق الأرضي، وإدخال الشمس إليها.
أما أبواب الغرف في الطابق السفلي؛ فتكون أبواباً خشبية تتألف من مصراعين أثنين فيهما القليل من الزخارف، في حين تخلو أبواب الطابق الأول من أي زخارف أو إضافات.
أما عن الزينة داخل الغرف؛ فضمن غرفة الاستقبال الرئيسية يتم استعمال العديد من الخزائن المتصلة والتي تكون ثابتة من أصل الحائط وعبر رفوفها يتم استعراض التحف بالإضافة إلى الزخارف الخشبية (الموزاييك) وتُغطى الجدران المحيطة بهذه الخزانة بطبقة من الخشب المزين بنفس التطعيمات والزينات الخشبية.
حتى أن السقف يتم تزيينه وتلوينه عبر العديد من الأشكال الهندسية ذات الأنماط المعقدة.
فقط تخيل سقفاً عالياً في هذه الغرفة المميزة الذي يقوم على ألواح خشبية متقاطعة فيما بينها مع نقوش غنية وزخارف متكررة مطلية بالذهب.
كما أن وجود النباتات في الفناء ونافورة المياه يساهم في زيادة رطوبة الأجزاء الداخلية، وما يعزز من هذه الرطوبة هو البناء باستعمال الحجر السميك الذي يقوم بالعزل الحراري.
وما يضيف من برودة المنازل في المناخ الحار هو التكوين للشوارع والأزقة القديمة المتقاربة وذات الممرات التي تقود بين المنازل.
⏪عوامل تؤثر على المنازل السورية وتصميم بنائها:.
أولاً: العوامل الاقتصادية:
كنا قد ذكرنا سابقاً أن المنازل السورية الحلبية على التحديد تكون بشكلها الخارجي متشابهة فيما بينها بشكل كبير من حيث تواضعها، إلى أن هذا التشابه يتلاشى ما إن تدخل إلى داخل المنزل حيث تبدأ بالتمايز تبعاً لثروة العائلة المقيمة في المنزل وذلك يظهر عبر التزيين وأسلوب الديكور الداخلي للمنزل.
وهنا من الممكن أن نميز ثلاثة فئات للمنازل وهي ذات الفناء الكبير والذي يكون لدى العائلات الغنية، المتوسطة والتي تكون منازل التجار والحرفيين غالباً ، والأخير المنازل الصغيرة والتي تكون بيوت العمال.
ثانياً : عامل مواد البناء وأسلوبه:
يعتمد بناء المنزل السوري على طبيعة المواد المتاحة في المحيط، فقد ساهمت وفرة الحجارة في حلب؛ في الاعتماد عليها كأساس في بناء المنازل الحلبية، فالجدران بشكل خاص تكون من الحجارة البيضاء والسوداء والتي معا ًتشكل صفة تميز الفناء وباحات الدار السورية.
ثالثاً: العامل الاجتماعي:.
إن العامل التقليدي والاجتماعي انعكس بشكل مباشر على تصميم وتفصيل المنازل وتكوين الفناء السوري، وهذا ما يظهر في توزيع النوافذ وتوزيع الغرف الداخلية من حيث الفصل بين مناطق وجود الضيوف ومناطق معيشة الأسرة.
وما يجب ذكره أن الفناء يجمع الأسرة الكبيرة حتى وإن كان المنزل يتألف من شقق متعددة حيث يعمل الفناء على جمع العائلة الكبيرة وإبقائها متواصلة.
ومن القديم وإلى اليوم؛ يميل الشعب السوري عموماً والحلبي على وجه الخصوص إلى حسن الضيافة واستقبال الضيف مع الترفيه بعزف الموسيقى والغناء الشعبي، ويجب الذكر أن الجلسات والجمعيات النسائية التي كانت تقام على شكل أسبوعي في الفناء أو الغرفة الرئيسية تعزز أوصر المحبة وعلاقات المجتمع.
الخلاصة:.
بعد هذه الجولة الفنية والمعمارية في الفناء السوري التقليدي والسمات التي يتميز بها؛ نجد أنه مازال يقدم اليوم بعض منها في المنازل المعاصرة.
ومع ذلك فقد تغيرت العديد من مميزات البنية الإجتماعية التي ناسبت هذا النوع من المنازل في الماضي وذلك بسبب:
انخفاض عدد أفراد العائلة، وتغير طبيعة جلوس السيدات في المنازل حيث أصبحت شريحة واسعة منهن عاملات.
تغير هيكل الأسرة من العائلات المتعددة التي تقيم في منزل واحد لتصبح العائلات مستقلة بنفسها وبمكان إقامتها بشكل تام.
وبالإضافة إلى كل ذلك؛ فاليوم تعتمد الأسر على السكن الطابقي كحل مقبول التكلفة بالمقارنة مع الأثمان الباهظة للمنازل ذات الفناء، فهذا المنزل السوري التقليدي قد أصبح اليوم من السمات الأثرية للمدن القديمة، والتي لا يمكن المحافظة على تقليد السكن فيها مع التغيرات الثقافية والتطور الكبير اليوم. بالإضافة إلى كونها تحتاج إلى ثروة لتتمكن من شراء منزل بفناء على الطريقة السورية التقليدية.
*المصادر:.
The Courtyard Houses of Syria
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق