⏪⏬
ظل صغير يمشي مترنحا مخترقا كثافة بخار الغرفة الوسطى باتجاه الغرفة الساخنة، تحمل في يدها خرقة سوداء و عجين بني تفوح منه رائحة الورد والخزامى. توقفت عند شابة جميلة الوجه مشدودة الجسد ،لازالت تحتفظ بآثار خيوط الشمس على ظهرها . وانحنتتدعك جسمها بعجين الصابون و تعتذر عن التأخر، تبرره وتستسمح الفتاة التي جمعت خصلات شعرها البني مثل زهرة فوق رأسها لتحرر رقبتها من قيود شعر غجري مجنون، كانت يد المرأة النحيلة المجعدة وسط الكيس الأسود تدفع بخفة ورشاقة في اتجاهات منظمة من جدع الفتاة لتقشر الجلد من خلاياه الميتة وتنشط حركة دورته الدموية. والماء ينزل قطرات متعبة من تجاعيد وجه يأسف غدر الزمان. استجابت الفتاة لدفقات المياه الساخنة بين يدي العجوز كدمية تقلبها يمينا وشمال لا تنبس بكلمة. واستمرت المرأة تتكلم دون توقف في مواضيع لا رابط بينها. وتمسح بكتفها العرق . تسرق نظرات خاطفة في جاراتها، وتعود في حركة خفيفة إلى الضغط على الخرقة السوداء لتحظى بسمعة طيبة بين "الطيابات" ولتقول اني لازلت قادرة على العمل فلا تفكروا في التخلص مني. هنا بيتي وهذه أرضي.
تساءلت إلى متى ستظل هذه العجوز المنهكة تعمل في ظروف غير صحية ، وتتحمل قذارات الشابات والعجائز مثلها مقابل بعض المال. ما قيمة الحياة !؟ وآه من كسرة عيونها وهي تنظر إلى بقية النساء اللواتي انشغلن بشطف شعورهم وتبتسم كطفلة، تخفي بيد جفت و فقدت كل معالم الأنوثة بقايا أسنان رحلت وبقيت بعض الشواهد تقول ها أنا ذا. ولما انتهت من عملها الذي تفننت فيه حتى تحظى برضا وكرم الزبونة، انصرفت مقوسة الظهر نحو أنبوب الماء الجامح الذي لم يتوقف عن الجريان ، ماء ساخن منهمر من أنبوب تغاظى مالك الحمام عن إصلاحه يشهد على آهاتها وبؤسها. حملت دلوين وجاءت بمثلهما وانصرفت راضية ومتمايلة نحو جسد آخر ملطخ بالحناء ينتظر في الزاوية المقابلة.شرعت في الدعك والحكي و تطل بين الفينة والأخرى على الزبونة الاولى في محاولة لإرضائها .
ألم تتعب هذه المرأة المسنة؟ألم تشعر بالتقزز من خلايا الزبائن المنثورة فوق رجليها وحول يديها؟ أما آن الأوان أن تجلس في بيتها عزيزة مكرمة دون أن تفكر في قوت يومها وقد بلغت أرذل العمر!؟
خرجت تدب نحو الغرفة الخارجية الباردة، والتفت في منديل حول صينية شاي وبعض الفطائر أحضرتها إحدى السندريلات وتقاسمت مع جماعتها الحديث والفطائر سعيدة وراضية أو هكذا كان يبدو من ضحكاتها المرتفعة .
* لبنى المجيدي
كلية علوم التربية . الرباط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق