اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

واقعية العبث وعبثية الواقع: قراءة فى رواية “المُتَمْثَلون” للكاتب إسماعيل بهاء الدين سليمان(1)

⏪بقلم: الناقد والقاص زكريا صبح
القاهرة
المُتَمْثَلون، بضمّ الميم الأولى وتسكين الثانية وفتح الثاء، يقول الراوي في حوار دالّ في ص 142 و143: (نظر الابن إلى أرملة المرحوم بغضب بالغ، أعاد حقيبته إلى ما بين ركبتَيْه وأجاب: لا شأن لك بي. قالت: لم يكن سؤالي موجهًا إليك وحدك، ولم أسأل ماذا
تنوي، قلت إلى أين؟ قال: إلى هناك. قالت: وأين يكون هذا الهناك؟ قال: أيُّ مكان ليس هنا. ولماذا؟؟ لأنجو بنفسي قبل أن تتهاوى على رأسي. تتهاوى على رأسك؟؟ نعم وعلى رؤوس الجميع. لا أفهم ماذا تقصد؟ أقصد تلك الجدران العجوز.) هذا الحوار دار بين شابٍ ماتَ والدُه مقتولًا (في دولة صغيرة عريقة تقع على شاطئ البحر الأعظم يشقُّها النهرُ الأعظم، وقد تعاقبت على حكم هذه الدولة سلسلةٌ طويلة من الزعماء الذين تفاوتت شخصياتُهم ما بين حقير وعظيم ،غير أن تَتابُع الزعماء وتَبايُنهم لم يُنقص من عظمة هذه البلاد مثقال ذرة).

هذه المقدمة البسيطة ربما تفتح لنا فرجة صغيرة نستطيع أن نطل منها على عالم كبير. كما اختار الكاتب أن يطلعنا على عالمه الافتراضي الذي شيَّده خصيصًا من أجل أن يهمس في ضمائرنا بما يحمله المستقبل المظلم لنا جميعًا. كما اختار الكاتب حيلة فنية بسيطة لكنها عظيمة الأثر في التعبير عن مضمون الرواية، فقد اختار أن يدخلنا قاعة فيها شاشةٌ بالية كبيرة للعرض، ورجلٌ وحيد مُتعب دائمُ البكاء، يقوم باختيار بوبينتَيْن كي يعرض من خلال جهاز العرض كل هذه الأحداث. والحقيقة أن هذه الحيلة، رغم بساطتها، إنما تكمن عظمتها في الآتي: نحن أمام فيلم مسجَّل على هذه البوبينة منذ زمن بعيد، والإشارة إلى وضعه على رفٍّ يحتوي على مخلَّفات سينمائية يعطينا يقينًا تامًا أن هذه الأحداث قد وقعت منذ زمن بعيد، لكن الرجل الذي يعيد عرض هذه المشاهد يعرضها في زمن لاحق يفصله عن زمن تسجيل هذه المشاهد زمنٌ بعيد. وكأن الكاتب أراد أن يقول، رغم أن ما ترونه الآن من مشاهد قد وقعت في عصرٍ ماضٍ، فهي تعيش حاضرًا، وقد وصلتنا في مستقبلنا الذي هو الآن، ثم أنها مرشحة أن تصل إلى مستقبل آخر الذي هو الغد، أي أن ما حدث قد حدث وسوف يحدث. لكن، ترى ما الذي حدث؟ وأين حدث؟ يقول الراوي في ص 11: (كان يا ما كان، في سالف العصر والزمان، ويا ما سيكون، في قادم العصر والزمان…) إذن فقد وضعنا الكاتب في مأزق حقيقي. فلسنا ندري على وجه الدقة متى حدث ما حدث. وقد سبق أن قال إن ما حدث قد حدث في دولة صغيرة عريقة ………..إلخ، ص 11 أيضًا. هنا يلعب الكاتب معنا لعبة غاية في الروعة، فقد استند إلى وقائع، ربما يستشعر القارئ أنها قد وقعت بالفعل وفي زمننا نحن وأمام أعيننا، وربما كنا شهودًا عليها. لكنه يصور كل هذه الأحداث التي تجري في أزمنة أخرى، من خلال بَشَر من نوع آخر ربما يشبهون بعضنا ولكنهم في الآن ذاته وبكل تأكيد ليسوا نحن.

الكاتب إسماعيل بهاء الدين سليمان
الكاتب إسماعيل بهاء الدين سليمان
شيَّد الكاتب عالمًا كبيرًا. شيَّد وحده دولة تحدُّها حدود جبلية ويخترقها نهر وتطل على بحر. فهل تذكِّرك هذه الدلالات بدولة تعرفها؟ ربما تكون ما قصدت، وربما يظن آخر عكس ما قصدت. حالة من التيه والتشوش وعدم اليقين يلعب فى ظلها الكاتب لعبته الفنية. دولة وصل حال أهلها إلى عبادة حكامها أحياء، بل وصلوا إلى حد تحنيطهم وجعلهم تماثيل يعبدونها ويتودَّدون إليها كنوعٍ من الوفاء العظيم. دولة، والحالة فيها كذلك، يثور بعض ذوي الرشد من أهلها في محاولة منهم أن يكونوا أحرارًا ويكونوا بشرًا، فيقوم أصحاب المعاول والفوؤس والهرّوات بثورة ضد هذه الأحوال، لكن سرعان ما يتم احتواء الثوار وعلى رأسهم مفجِّر الثورة، وتنصيبه ملكًا عليهم، فلا يكون منه إلا أن يحذو حذو مَن سبقه، ثم يكرّ الذين أصبحوا مومياوات في متاحف التاريخ كَرّة أخرى على مَن ثاروا ضدهم ويستطيعون غزو المدينة والسيطرة عليها. هل تذكرك هذه الأحداث بشيء ما؟ ببلد ما؟؟ هل يذكرك نظام الحكم هذا بنظام ما؟ ربما تكون على حق، فقد يحدث هذا في دول كثيرة، لكنها بالتأكيد تتشابه تمامًا مع هذه الدولة التي شيَّدها كاتبُنا. ربما يكون هذا هو ما سعى إليه الكاتب عبر راويه العليم، أن يرصد طبيعة صراع الأجنحة داخل دولته وكيف تدار هذه الدولة.

أما في الجزء الثاني من الرواية، فإن الكاتب يريد أن يخبرنا بعواقب عودة المومياوات إلى حكم البلاد. يقول الراوي في ص 88: (يلقي الشقيق الصغير نظرة أخيرة على حجرته مودِّعًا محتوياتها القليلة، ثم تتوقف نظراته عند صورة قديمة بالية لطويل العمر فخامة القائد والزعيم والمعلم باعث نهضة الأمة ومُخلِّصها، وهو يردد بمرارة: هل تَرى إلى أين أوصلتَنا بعد خمسة وستين عامًا من انفرادك بالحكم؟) ربما كان للرقم 65 دلالته، لكن المؤكد هو تلك المرارة التي يتكلم بها الشاب الصغير وهو يستعد للرحيل بعيدًا عن أسرته التي باعت أخته بعد أن قطعت لسانها، وكانت تستعد لبيع أخته الأخرى.

هل توقف الأمر عند ذلك؟ بالطبع لا، فقد استطاع الكاتب أن يرسم ملامح المملكة وكيف أنها صارت مرتعًا للخنافس والعناكب والفئران والديدان، كيف انقلبت فيها الأمور رأسًا على عقب، فأصبح الشرطي المَنوط به حماية الفضيلة يرعى الرذيلة ويقف في وجه مَن يحاول وأدها، وكيف أصبح رجال المطافئ الموكول إليهم إطفاء الحرائق يقومون هم بإشعالها لمَن يدفع أكثر، وكيف أصبح البغاء والشذوذ والسحاق عيانًا جهارًا وعلى رؤوس الأشهاد، بمباركة رجل الشرطة المُتمنطِق دائمًا بسيفه الطويل. أصبح اختطاف الأطفال أمرًا اعتياديًا. انتشر مصاصو الدماء وآكلو لحوم البشر. انتشرت سيارات تجمع مخلَّفات آدمية، بقايا بشرية، نفايات إنسانية. انتشرت حالة التحرش في المواصلات العامة. الإعلام أصبح إعلامًا تعريضيًا. التعليم يعلِّم الفتيات الرقص منذ نعومة أظافرهن. رجال الدين لا يتورعون عن اغتصاب الفتيات. تواطأ رجل الشرطة مع الطب الشرعي ومع النيابة العامة أثناء التحقيق في مقتل مواطن ما. صرخات حزينة وأجراس إنذار أطلقها الكاتب في ضمائرنا ونحن نتابع ما آلت إليه أحوال تلك المملكة التي قد تشعر في لحظة ما، أو قد تتأكد طوال الوقت، أنها تشبه دولة ما.

يدهشنا في هذه الرواية غياب أسماء الشخصيات. وبقدر متعتنا بالتعرف عليهم من خلال صفاتهم وسلوكهم، فنحن دائمًا أمام حاكم مغرم بالألقاب، وأمام آلة حكم تتفنَّن في خلع الألقاب على الحكام، فتارةً هو الأخ الرئيس أو الأخ الزعيم أو الزعيم القائد أو فخامة الزعيم القائد المعلِّم أو طويل العمر باعث نهضة الأمة ومخلِّصها. فهل نحتاج بعد ذلك لاسمه؟ ونحن أمام مرحوم وأرملته وابنته، وأمام ضابطٍ شاب وطبيبٍ شرعي ونائبٍ عام وشرطي مُتمنطِق بسيفه، وفتاة تخلع ثيابها تحت التمثال الأكبر لزعيم الأمة. إننا بالقطع لا نحتاج إلى أسمائهم، وتكفينا صفاتهم التي لا شك يتصف بها كل مَن هم على شاكلتهم.

استطاع الكاتب أن يدير كاميرته بشكل احترافي، فرأينا الرواية كلها مقسمة إلى مشاهد قصيرة، يصور في كل مشهد منها حالة، ويرصد فيها وضعًا مزريًا. حوار أشبه ما يكون بحوار المسرح المكثف الدالّ. جُمل قصيرة، استطاع من خلالها إقناعنا بأننا نعيش العبث واقعًا حقيقيًا.

لم يغب عن الرواية الحس الساخر من كل شيء. والرمزية هي سمتها الرئيسية. فمثلًا، يتحدث الراوي عن أصحاب الفؤوس والمعاول والهروات. ألستَ ترى أنها ترمز إلى فئات الشعب المختلفة التي تئن تحت وطأة الحكم المستبدّ؟ يحدثنا مثلًا عن رمزية الرقم 65، رمزية الفائدة الكبرى لفتاة مقطوعة اللسان، رمزية أن يكون الشعار الأشهر في المملكة نجمة داود وقد ابتلعت هلالًا وصليبًا، رمزية الرجال الشقر الذين يتجوّلون بحرية في شوارع المملكة، رمزية هجوم الديدان وابتلاعها كل شيء في طريقها. في النهاية، أقول: نحن أمام معمار روائي أقامه صاحبه بحرفة صانع ماهر، طوف بنا في عالمه راصدًا أدق التفاصيل. وتبقى دلالة العمل مرهونة بخلفية كل قارئ الثقافية، ومرهونة أيضًا بضميره وانتصاره للحق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواية “”المُتَمْثَلون” للكاتب إسماعيل بهاء الدين سليمان (322 صفحة)، صدرت عن دار الأدهم للنشر والتوزيع، في القاهرة مطلع عام 2020.

(2) أُلقيت في ندوة عن الرواية والمؤلف، نظمتها “ورشة الزيتون” في القاهرة يوم 27 كانون الثاني/يناير 2020. أدارت الندوة الكاتبة منى رامز، وقدم كل من القاص والناقد زكريا صبح، والقاص والناقد هاني مَنسِي، والشاعر هشام العربي، مراجعات نقدية عن الرواية. ورشة الزيتون هي ندوة أدبية انطلقت منذ 40 سنة، تعقد أسبوعيًا لمناقشة أعمال إبداعية وبحثية من رواية وقصة وشعر ونقد. أسسها ويشرف عليها الكاتب المصري الكبير شعبان يوسف، ويشارك فيها نخبة من الكتّاب والكاتبات.

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...