⏪⏬
القلق الوحيد الذي كان يراودها عندما كانت تلوح في عينيها سحابة الخطوط البيضاء السريعة المصاحبة لصوت الطائرة اللعينة وخوفها من السقف الاسمنتي للبيت الصغير كي لا ينهار فوق صغارها ،
لم تنتظر القرار من زوجها ولم تهتم لحال المزرعة والمزروعات حتى نبتة الميرمية التي كانت تَدّخر تحت جذرها القروش القليلة لمستقبل مجهول لم تتذكرها في لحظات الرعب ، ركضت مسرعة نحو الحظيرة وسحبت تلك الشاة البيضاء ذات القرون الطويلة المسلوبة كجديلة فتاة في العقد الأول من العمر كان ذلك في صبيحة اليوم السابع من سخط حزيران سنة 1967، ربطت يدها في حبل رقيق علقته في رقبة الماعز وحملت طفلتها على ذراعها وصرة صغيرة فيها بعض الملابس والخرق البالية وكانت قد كلفت الولد الأكبر بحمل خيمة صغيرة هي عبارة عن أكياس من الخيش جمعتها وتم حياكتها سابقاً مبطنة من الداخل بمفرش بلاستيكي كانوا يغطون به أكياس الأعلاف والحنطة المصفوفة بمحاذاة البيت عند حلول الشتاء سلكت درب ترابي ممتلىء بالاشواك والصخور يبعد قليلا عن الغرفتين الصغيرتين لاعتقادها بأن القذيفة العمياء الحمقاء القادمة من السماء لن تحدث ضرراً بسقف من القماش ولن تتعرض وأطفالها للخطر ... ولحسن الحظ وجدت في أحدى (الموارس) عريشة غير مسقوفة كان بعض الحصادين يستخدمونها مكاناً يأويهم من حر الصيف يتناولون فيه الطعام ويستلقون قليلاً ، وضعت الطفلة على "طراحة" صغيرة في احدى زوايا السقيفة وبدأت بفرش السقف العاري بالأكياس والقماش يساعدها ابنها البكر ذو الأعوام العشرة حيث كان الباقين من الصغار يحملون بعض اواني الطبخ وابريق الماء الفخاري الذي هو بمثابة ثلاجة لماء الشرب في الحر الصيفي ، بحانب مدخل السقيفة حفرت حفرة صغيرة و ثبتت فيها "وتداً" من الحديد في الأرض كانت قد طرقته بصخرة ثقيلة لكي يغرز أكثر لتثبت فيه الحبل المربوط بالشاة كي لا تهرب الشاة او تُسرق أثناء الليل، صرخات الطفلة كانت تعلو مع كل طرقة وهي في حالة غضب من الخوف والضجيج والمجهول القادم ، زمجرت بلغة غاضبة : اسكتي اسكتي كله من أجلك
هذه الشاة هي أمك التي ترتوين من حليبها لم يرق لك حليب أمك ها،
يومين ....
هدأت الأحوال قليلا حيث ذهب أزيز الطائرة الملعونة لتطمئن قليلاً حيث ارسلت الصغار لتبيليغ والدهم بالهروب الى المكان حيث كان يعمل في اطراف قرية مجاورة في المحاجر وقطع الحجارة التي يحضرونها في بناء البيوت ، مكثوا اسبوعاً كاملاً في" العريشة "الفقيرة دون استحمام ولم يأتِ أي زائر يلتقون به بل اكتفت الأم بالاستماع لنشرات الأخبار المتفرقة والمتقطعة بسبب التشويش على موجات البث بينما لم يغادر زوجها البيت حيث مزرعة الخراف والدواجن وكان يكتفي بالضحك عندما يحضر للأطمئنان عليهم يومياً يبتسم ويقول لن يصيبكم أذى عودوا للبيت ولكن هي كانت ترمقه بحقد وتغادر الجلسة خارجاً متعذرة بإشعال اعواد الحطب واعداد الشاي والطبخ للاكلات البسيطة ،
كان حديث والدتي هذا لي قبل حفلة زفافي بأيام قليلة وهي باكية بحرقة :
كنت أخشى عليك وأشفق لحالك عندما ترفضين حليب أمك دوناً عن باقي اخوتك وأقول في نفسي سوف تكون بعيدة لم تحظى بالحنان ولن تكون حنونة يوماً ، مسحت دموعها وهي تتمتم مع ضجيج الأواني المنزلية والهدايا وهي تحركها وتنقلها من مكانها في خزانة المطبخ ، التفتت جانباً مدارية وجهها لناحية جانبية كي لا اشاهد حزنها المبتل على وجنتيها ناولتني رَضّاعة الحليب الزجاجية وقالت بصوت متحشرج بالكاد سمعته :
هذه لك احتفظت بها منذ كنتِ رضيعة ذكرى من أمك الماعز ،
*مريم حوامدة
القلق الوحيد الذي كان يراودها عندما كانت تلوح في عينيها سحابة الخطوط البيضاء السريعة المصاحبة لصوت الطائرة اللعينة وخوفها من السقف الاسمنتي للبيت الصغير كي لا ينهار فوق صغارها ،
لم تنتظر القرار من زوجها ولم تهتم لحال المزرعة والمزروعات حتى نبتة الميرمية التي كانت تَدّخر تحت جذرها القروش القليلة لمستقبل مجهول لم تتذكرها في لحظات الرعب ، ركضت مسرعة نحو الحظيرة وسحبت تلك الشاة البيضاء ذات القرون الطويلة المسلوبة كجديلة فتاة في العقد الأول من العمر كان ذلك في صبيحة اليوم السابع من سخط حزيران سنة 1967، ربطت يدها في حبل رقيق علقته في رقبة الماعز وحملت طفلتها على ذراعها وصرة صغيرة فيها بعض الملابس والخرق البالية وكانت قد كلفت الولد الأكبر بحمل خيمة صغيرة هي عبارة عن أكياس من الخيش جمعتها وتم حياكتها سابقاً مبطنة من الداخل بمفرش بلاستيكي كانوا يغطون به أكياس الأعلاف والحنطة المصفوفة بمحاذاة البيت عند حلول الشتاء سلكت درب ترابي ممتلىء بالاشواك والصخور يبعد قليلا عن الغرفتين الصغيرتين لاعتقادها بأن القذيفة العمياء الحمقاء القادمة من السماء لن تحدث ضرراً بسقف من القماش ولن تتعرض وأطفالها للخطر ... ولحسن الحظ وجدت في أحدى (الموارس) عريشة غير مسقوفة كان بعض الحصادين يستخدمونها مكاناً يأويهم من حر الصيف يتناولون فيه الطعام ويستلقون قليلاً ، وضعت الطفلة على "طراحة" صغيرة في احدى زوايا السقيفة وبدأت بفرش السقف العاري بالأكياس والقماش يساعدها ابنها البكر ذو الأعوام العشرة حيث كان الباقين من الصغار يحملون بعض اواني الطبخ وابريق الماء الفخاري الذي هو بمثابة ثلاجة لماء الشرب في الحر الصيفي ، بحانب مدخل السقيفة حفرت حفرة صغيرة و ثبتت فيها "وتداً" من الحديد في الأرض كانت قد طرقته بصخرة ثقيلة لكي يغرز أكثر لتثبت فيه الحبل المربوط بالشاة كي لا تهرب الشاة او تُسرق أثناء الليل، صرخات الطفلة كانت تعلو مع كل طرقة وهي في حالة غضب من الخوف والضجيج والمجهول القادم ، زمجرت بلغة غاضبة : اسكتي اسكتي كله من أجلك
هذه الشاة هي أمك التي ترتوين من حليبها لم يرق لك حليب أمك ها،
يومين ....
هدأت الأحوال قليلا حيث ذهب أزيز الطائرة الملعونة لتطمئن قليلاً حيث ارسلت الصغار لتبيليغ والدهم بالهروب الى المكان حيث كان يعمل في اطراف قرية مجاورة في المحاجر وقطع الحجارة التي يحضرونها في بناء البيوت ، مكثوا اسبوعاً كاملاً في" العريشة "الفقيرة دون استحمام ولم يأتِ أي زائر يلتقون به بل اكتفت الأم بالاستماع لنشرات الأخبار المتفرقة والمتقطعة بسبب التشويش على موجات البث بينما لم يغادر زوجها البيت حيث مزرعة الخراف والدواجن وكان يكتفي بالضحك عندما يحضر للأطمئنان عليهم يومياً يبتسم ويقول لن يصيبكم أذى عودوا للبيت ولكن هي كانت ترمقه بحقد وتغادر الجلسة خارجاً متعذرة بإشعال اعواد الحطب واعداد الشاي والطبخ للاكلات البسيطة ،
كان حديث والدتي هذا لي قبل حفلة زفافي بأيام قليلة وهي باكية بحرقة :
كنت أخشى عليك وأشفق لحالك عندما ترفضين حليب أمك دوناً عن باقي اخوتك وأقول في نفسي سوف تكون بعيدة لم تحظى بالحنان ولن تكون حنونة يوماً ، مسحت دموعها وهي تتمتم مع ضجيج الأواني المنزلية والهدايا وهي تحركها وتنقلها من مكانها في خزانة المطبخ ، التفتت جانباً مدارية وجهها لناحية جانبية كي لا اشاهد حزنها المبتل على وجنتيها ناولتني رَضّاعة الحليب الزجاجية وقالت بصوت متحشرج بالكاد سمعته :
هذه لك احتفظت بها منذ كنتِ رضيعة ذكرى من أمك الماعز ،
*مريم حوامدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق