اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

ميتروهات وهدرات | الهدرة الثالثة: “المترو 5 ...* بقلم سونيا عبد اللطيف

⏪⏬
مللت الانتظار وملّني الانتظار، الوقت يمرّ هباء في هباء، وأنا لابدّ أن أعود إلى بيتي في أقلّ وقت ممكن، لديّ أعمال كثيرة تترقّبني، المطبخ، الموقد، إعداد العشاء، تنظيف البيت، التّرتيب، اللّوم، التّوبيخ، الزّوج، الأبناء، الكرّاسات والإصلاح…

هكذا دائما تضيع من عمري ساعات وساعات في الانتظار لا شيء غير الانتظار أين نحن من الدّول المتقدّمة أمثال اليابان وألمانيا في حرصهم على الوقت والمواعيد… حرام والله حرام…

كنت أنتظر القطار
تشاغلت بمسح ما علق بنظّارتي من غبار
أعدّد مشاغل النّهار
أعدّد ساعات الزّمن
أتصفّح الذّكريات…
هذه لابدّ أن أردّ لها الاعتبار
تلك تركتْ جرحا في قلبي
أخرى غشاها اصفرار
ملّتْ الكائنات وملّها الانتظار
كيف يخفّف من روعه عصفور
فقد الأشجار
كمْ مرّة وقع خلف القضبان
كم مرّة عبثت بريشه الصّبيان
كم مرّة أغوته الحبّات والدّيدان
كيف يقشّر العصفور عتمة السّماء؟
وكيف ينزل منها الماء الزّلال؟

ركبت الميترو رقم خمسة كما ركبه الآخرون المنتظرون الكثيرون… امتلأ الميترو حتّى عجّ وضجّ وصاح من وقع الزّحام وشدّة الظّلام ورفس ودوس الأقدام بالأقدام والتّدافع بالأيادي والمناكب والأكتاف…

كلّ راكب سارح مع خياله، في خياله، مع حاله، غارق في مشاغله مثلما غارقة أنا، وفي كلّ محطّة يزداد الزّحام أكثر ويحمى الكلام أكثر فيطول اللّسان وتضجر الأذان…

في الأثناء كنت أنظر إلى الوجوه… أتأمّلها: هذه مُسفرة، هذه مصفرّة، هذه ترهقها قطرة، هذا شيخ يلهث يفتّش بعينيه العجوزتين عن مقعد، أو قد تلتقي عيناه بعينيْ إنسان كريم فيخجل ويتنازل عن كرسيّه ويجود بمقعده له رأفة بحاله، وتلك سيّدة جاءتْ تعرج لا نعرف إن كان ذلك بسبب الثّقل الذي تحمله أم هو عرج ربّانيّ، حذو العمود الحديديّ فتاة تتصفّح صورا على شاشة جوّالها رغم الاكتظاظ، وذاك شابّ شعره أشعث وجهه أغبر يتفرّس الوجوه كأنّه يبحث عن شيء أضاعه…وهنالك مجموعة تلاميذ تقف حذو الباب، نعم هم تلاميذ لأنّهم يحملون محافظهم ويرتدون مداعاتهم، توقّف بصري عندهم، قمت بعدّهم: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة… و… ستّة… نعم ستّة. ولكن رغم التّشابه هم مختلفون، يختلفون في الشّكل والطّول والقصر والمنظر ولون البشرة والهندام و” اللّوك” الجديد وتسريحة الشّعر”المودارنْ ” إلخ…

الشّيء الوحيد الذي يجمع هؤلاء التّلاميذ هو بذاءة ألسنتهم، طولها وقبحها كذلك سوء أخلاقهم وقلّة أدبهم…

نعم، هكذا بدوا لي من أوّل وهلة ونظرة ومن خلال الفوضى التي أحدثوها في الميترو حالما صعدوه، فقد كثر ضحكهم وهرجهم ومناوشاتهم وكلامهم المدوّي الشّبيه بنهيق الحمير ووقفتهم العشوائيّة الغير المحترمة، واتّكاء أحدهم على أحد الرّكاب في لامبالاة، كانوا حذو الباب والنّافذة، كنت أبعدهم بثلاثة صفوف ما يقارب الثّلاثة أمتار، كنت أتابع حركاتهم وسكناتهم، أحدهم أخرج سيجارة، وضعها بين السّبابة والإبهام وثبّتها بين شفتيه القذرتين، الثّاني سحب من جيبه ولاّعة وأشعل لصديقه السّيجارة، شهق الشّاب نفسا عميقا، ليته ما استرجعه، خزّن الدّخان في أعماقه لحظة لحظتين وأكثر ثمّ التفت يمنة ويسرة واختار له الفضاء المناسب لينفث دخانه… كنت ظننت أنّه سيطلقه عبر النّافذة ليدع الدّخان يتصاعد إلى الخارج خصوصا أنّ التّدخين ممنوع في وسائل النّقل والأماكن العموميّة… لكن، ومع الأسف الشّديد تغيّرت النّاس بعد الثّورة من السوء إلى الأسوء فباسم الفهم الخاطئ للحريّة والدّيمقراطيّة أصبح كلّ واحد يعيش على هواه وعمّت الفوضى وقلّة الحياء في البلاد و تطبيق القانون واحترامه صار بدعة… حقيقة صدمتُ بما شاهدتْه عيناي… لقد اختار الفتى رأس امرأة في الخمسين كانت تجلس في مقعد قريب منه حيث هو يقف وكان ظهرها قبالته و وجهها عكس اتّجاهه كانت تضع على رأسها الحجاب، إلى جانبها تجلس فتاة في الثّلاثين، قبالتها سيّدتان في الأربعينيّات… قبالة الجميع شابّ ذو لحية كثيفة أسمر البشرة برفقة فتاة تضع الخمار يمسكان بالعمود الحديديّ للميترو…

التفت الجميع إلى الشّاب المتهوّر الذي يدخّن لكن لا أحد نطق أو تكلّم أو حرّك رأسه أو تزحزح رغم استيائهم لما اقترف… تناول صديق ثالث من فم رفيقه السّيجارة ووضعها بسرعة في فمه دون حتّى أن يمسح طرفها وسحب بدوره كتلة من الأكسيجين عبر السّيجارة لكن ليست بنفس العمق مثلما فعل رفيقهم ثمّ نفث الدّخان جانبا جهة الباب وأعاد السّيجارة لفم صديقه الأوّل فأعاد هذا الكرّة بنفس الوقاحة وقلّة الحياء وكأنّ شيئا لم يحدث بل كان يتعمّد ذلك إذ كان يردّد على مسامع صديقه وكلّ من يسمعه: “أنظر إليّ كيف أنفث الدّخان، أنفثه دوائر… دوائر، شيئا فشيئا فوق رأس المرأة..”

أحسست بالغيظ من جهة ورغبة في التّقيّؤ على وجهه من جهة أخرى لقلّة أدبه ووقاحته ولأنّ لا أحد من الرّكاب خصوصا الرّجال كلّمه وعاتبه… نظرت في أعين المتواجدين، قرأت فيها الاستياء تجاه هذا التصرّف والسّلوك المثير الشّنيع ولاحظت انزعاج المرأة وتقلّقها ليس من قلة الحياء فقط إنّما بسبب الاختناق من الدّخان، كذلك زميلاتها، لكنّهنّ استمررن في الصّمت… نظرت إلى رجل كان يقف قريبا من الأولاد مع زوجته إلاّ أنّه سرعان ما غيّر موقعه وابتعد… في الطّرف الآخر يوجد رجل وثان وثالث ورابع… كلّهم ينظرون ولا يبالون…

هيّا تكلّم أيّها الرّجل… تكلّم… قل شيئا… افعل شيئا… لماذا تسكت… تكلّم… أنت رجل… دافع عن حقّ أختك… دافع عن حقّك في الهواء النّقيّ… دافع عنّي وعنك… وعنّا جميعنا … أليس التّدخين ممنوع…؟؟ أم أنّه يا ترى أصبح ردع المخطئين والمخالفين هو الممنوع؟

مضى أكثر من ثلاثين عاما و أنا أمتـطي القطارات والميتروهات والحافلات و ما رأيت أحدا يوما يدخّن في ميترو ولا بهذه الطّريقة الوقحة ومن قبل فتيانا صغارا لا تقدّر ولا تحترم الكبار… فتى يافع في سنّ الأربعة عشر يتجرّأ على هذا الفعل والأسوأ أنّه يتعمّد ما يفعله وعن وعي تامّ، زيادة على ذلك ينظر في الوجوه ويتفرّس في العيون كأنّه يريد استفزاز الجميع بوقاحته فهو يدرك جيّدا أنّه مخطئ ومذنب وكأنّي بعينيه تخاطبان الحضور: ” الجريء منكم ينطق ويجرّب حظّه، سيرى منّي الشّتم والسّب، أنا قادر على فعل ما لا يخطر على بال أحدكم… ”

هكذا، كنت أنظر إلى الوجوه، أحلّل الشّخصيّات، أقرأ ما تضمره النّفوس وما تخبئه الرّؤوس… وفي ذات الوقت أهذي مع نفسي… سأتكلّم أنا وليحدث ما يحدث… سأنتظر فقط إن أعاد فعلته مرّة ثالثة ونفخ دخانه على رأس تلك المرأة أو في وجه أخرى… ليسبّني… ليتهجّم عليّ بالألفاظ البذيئة… ليهدّدني إن شاء… لكنّني سأكلّمه، هذا العاق، هذا الجاهل، هذا الحيوان… لابدّ أن أجد العبارات التي تلائمه… لا لن أفعل… أعرف هذه الوجوه وهذه الخلائق، قد رأيتها من قبل… أجل رأيتها ذات صباح و أنا أنتظر الميترو لأقصد عملي كانوا يتعلّقون بالأبواب ويزعجون الرّكاب بالصّراخ والبصاق والكلام الغير المباح ولا يدعون الباب ينغلق ولا الميترو ينطلق… والغريب أنّه لا أحد يتدخّل أو يمنعهم ممّا يضطرّ السّائق إلى النّداء بمضخّم الصّوت متوسّلا المشاغبين بترك الباب حتى لا يتأخّر النّاس عن مواعيد أعمالهم ولا التّلاميذ عن وقت دراستهم …

سأتكلّم أنا… سأتكلّم… لا يهمّ…. وإن كانوا مجرمين… ليفعلوا ما يريدون، حتّى إن ضربوني أو دفعوا بي وسرقوني… علما أنّه قد وقع سرقة حافظة أوراقي ونقودي بكلّ ما فيها كذلك جوّالي أكثر من مرّة من حقيبتي اليدويّة وفي حضرة الميترو الأخضر العزيز ووسط الزّحام الشّديد…

هيّا أيّها اللّعين أعد فعلتك الشّنيعة… دخّن… أنفث الدّخان كما فعلت على رأس المرأة وفي وجوه النّساء… سألعنك ستّين لعنة…
توقّف الميترو في المحطّة الموالية… فنزل من نزل وبقي من بقي…
بقي الباب مفتوحا كذلك العيون بقيت مفتوحة فقط الأفواه كانت مغلقة…
هيّا أغلق الباب أيّها السّائق وانطلق وواصل الطّريق…
أنت أيّها المراهق الوقح اسحب نفسا من سيجارتك وانفثها ثالثة… فأنا بدوري سأنفجر، فإنّي أختنق… والكلام في حنجرتي يختنق أيضا…

-انزلوا جميعكم هنا، في هذه المحطّة… لقد حدث عطب في الميترو…
هكذا صاح سائق الميترو فجأة…

أين اختفى الفتيان… بسرعة نزلوا واختفوا… كأنّ الأرض انشقّت وابتلعتهم… كذلك الرّكاب لا أثر لهم… سريعا تناثروا هنا وهناك… بقيت بمفردي في الميترو، أنتظر متى يعيد الفتى نفث دخانه في مرّة ثالثة على رأس السيّدة لكنّه لم يبق إلاّ عجاجه ورائحة دخانه…

* سونيا عبد اللطيف
 تونس

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

كل الشكر لصحيفة دروب الأدب على نشر هذه الهدرة وهي واحدة من أكثر عشرين هدرة من هدراتي قريبا ستنشر في كتاب تحت عنوان هدرات وميتروهات وهي عبارة عن أدب تسجيلي..لوقائع وأحداث واقعية يومية لكنها ترسخ في ذهني او لا استطيع محوها الا بكتابتها وتسجيلها.. لانها شدتني حقا... وقد تكتشفوا فيها قراءات اخرى خلف السطور.. مع خالص التقدير لكم

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...