⏫⏬
خانتني الشمس اليوم وغابت قبل أوبتي، كنت أعلم أنها يوماً ما ستفعل، لن يدوم الوفاق بيننا طويلاً فقلما دام لأحد قبلي، ففي بلدتي لا يجرؤ الرجال على الخروج منها أو دخولها ليلاً ناهيك عن النساء، فمدخل بلدتنا يمر بالمقبرة التي كثرت حولها الشائعات والأقاويل،
كم من أطفال تسللوا للعب ناحيتها وشباب استهانوا بما تناقله الأباء والأجداد وخرجوا لقضاء حوائجهم ليلاً، فوجدوا جثثهم في الصباح ملقاة على أعتاب المقبرة، ساقاي ترتعدان خوفاً كلما اقتربت من حدود البلدة، ماذا لو كان لي أقارب يقطنون خارجها أبيت ليلتي عندهم؟!
لأن أذهب للجحيم أهون علي من أن أخطو مدخل البلدة في ذلك الوقت، كانت حكايات المقبرة تتلى علينا ليل نهار في طفولتنا لترهيبنا من الإقتراب منها، لازلت أذكر صوت أمي المرتعش وهي تحكي لي ما سمعته من جدتها عن المقبرة بعد أن شاع في البلدة سقوط ضحية جديدة على أعتابها: تلك المقبرة تسكنها روح امرأة "سحارة" ذاع صيتها منذ مئات الأعوام، يأتيها الملوك والأمراء من كل حدب وصوب يستعينون بها وبقواها السحرية على أعدائهم ويخضعون شعوبهم.
لم تكتف بشهرتها وسلطتها تلك فسعت لحكم البلاد كافة، استولت على لب السلطان فأصبح عبداً لها تتحكم به كيفما شاءت، تزوجته لينصبها ملكة على البلاد تشاركه العرش بعد أن دست السم لزوجته وجعلت من أبنائه خدماً لها، ما لبثت أن أنجبت له ابن يقال أنها حملت به من أحد شياطينها، نموه غير الطبيعي كان ملحوظاً بشدة، حتى أنه أصبح يتحدث بطلاقة ويركض في أرجاء القصر قبل أن يتم شهره الثالث، كان شديد الوضوح أنه ليس طفلاً آدمياً طبيعياً وبالتأكيد ليس ابناً للسلطان.
أدركت أن عليها تسريع خطواتها لتصبح زمام الأمور بيديها قبل أن يتمكن أي من أبنائه أو وزرائه من اتخاذ خطوة ضدها تهدم كل ما بنته. استيقظ البلاط ذات صباح على خبر وفاة السلطان ووثيقة موقعة منه بوراثة حكم البلاد لابنه الأصغر وأمه وصية على العرش حتى يتولى شئون الحكم بنفسه، إمعاناً منها في ترهيب البلاط الملكي وإرضاخ الشعب ألقت بأبناء السلطان الشرعيين في السجون ليلقوا أشد العذاب على أيدي جلاديها، ولكن الشعب لم يقبل أن يرضخ لهذه المرأة وابنها الشيطان.
ثار الشعب عليها وخرج عن بكرة أبيه فور سماع الخبر إلى القصر حيث يقيما، أخذوهما على غرة منهما وأحرقوا القصر بمن فيه، لم يتمكنا من الهرب فماتا حرقاً، تحولت جثتيهما إلى رماد ولم يحظيا حتى بقبر يدفنا فيه، بمرور الزمن تحولت أطلال القصر إلى مقبرة، هي تلك المقبرة عند مدخل بلدتنا، لا زالوا يقولون أن روح تلك المرأة "السحارة" تجوب أرجاء المقبرة كل ليلة بعد غروب الشمس سعياً للانتقام، تسلب روح كل من يمر جوارها وتترك جثته مع آثار حروق متناثرة في أنحائها.
منذ خرجت للدنيا وأنا أسمع نفس الحكاية، من أمي تارة ومن أبي أخرى ومن كل كبار البلدة، يقولون أنهم وجدوا العديد من الجثث سابقاً، وإن كنت لم أر واحدة في حياتي إلا أن والدّي يقسمان أنهما رأيا العديد منها في طفولتهما وبعض من رفاقهما ماتوا على أعتاب المقبرة، دارت بذهني كل تلك الأقاويل والأحداث وأنا على أعتاب البلدة وزاد من رعبي أن كلما خطوت إليها تناهى إلى سمعي صوت خطوات على إثري ومهما تلفت لا أجد أحداً.
لم أجرؤ على التقدم خطوة أخرى؛ أطلقت ساقي للريح هاربة من المصير المحتوم وأنا أنظر لأثار المقبرة برعب غير منتبهة للطريق، صدمتني سيارة نقل عابرة، طار جسدي في الهواء ليسقط هامداً على أعتاب المقبرة!
*سارة الليثي
خانتني الشمس اليوم وغابت قبل أوبتي، كنت أعلم أنها يوماً ما ستفعل، لن يدوم الوفاق بيننا طويلاً فقلما دام لأحد قبلي، ففي بلدتي لا يجرؤ الرجال على الخروج منها أو دخولها ليلاً ناهيك عن النساء، فمدخل بلدتنا يمر بالمقبرة التي كثرت حولها الشائعات والأقاويل،
كم من أطفال تسللوا للعب ناحيتها وشباب استهانوا بما تناقله الأباء والأجداد وخرجوا لقضاء حوائجهم ليلاً، فوجدوا جثثهم في الصباح ملقاة على أعتاب المقبرة، ساقاي ترتعدان خوفاً كلما اقتربت من حدود البلدة، ماذا لو كان لي أقارب يقطنون خارجها أبيت ليلتي عندهم؟!
لأن أذهب للجحيم أهون علي من أن أخطو مدخل البلدة في ذلك الوقت، كانت حكايات المقبرة تتلى علينا ليل نهار في طفولتنا لترهيبنا من الإقتراب منها، لازلت أذكر صوت أمي المرتعش وهي تحكي لي ما سمعته من جدتها عن المقبرة بعد أن شاع في البلدة سقوط ضحية جديدة على أعتابها: تلك المقبرة تسكنها روح امرأة "سحارة" ذاع صيتها منذ مئات الأعوام، يأتيها الملوك والأمراء من كل حدب وصوب يستعينون بها وبقواها السحرية على أعدائهم ويخضعون شعوبهم.
لم تكتف بشهرتها وسلطتها تلك فسعت لحكم البلاد كافة، استولت على لب السلطان فأصبح عبداً لها تتحكم به كيفما شاءت، تزوجته لينصبها ملكة على البلاد تشاركه العرش بعد أن دست السم لزوجته وجعلت من أبنائه خدماً لها، ما لبثت أن أنجبت له ابن يقال أنها حملت به من أحد شياطينها، نموه غير الطبيعي كان ملحوظاً بشدة، حتى أنه أصبح يتحدث بطلاقة ويركض في أرجاء القصر قبل أن يتم شهره الثالث، كان شديد الوضوح أنه ليس طفلاً آدمياً طبيعياً وبالتأكيد ليس ابناً للسلطان.
أدركت أن عليها تسريع خطواتها لتصبح زمام الأمور بيديها قبل أن يتمكن أي من أبنائه أو وزرائه من اتخاذ خطوة ضدها تهدم كل ما بنته. استيقظ البلاط ذات صباح على خبر وفاة السلطان ووثيقة موقعة منه بوراثة حكم البلاد لابنه الأصغر وأمه وصية على العرش حتى يتولى شئون الحكم بنفسه، إمعاناً منها في ترهيب البلاط الملكي وإرضاخ الشعب ألقت بأبناء السلطان الشرعيين في السجون ليلقوا أشد العذاب على أيدي جلاديها، ولكن الشعب لم يقبل أن يرضخ لهذه المرأة وابنها الشيطان.
ثار الشعب عليها وخرج عن بكرة أبيه فور سماع الخبر إلى القصر حيث يقيما، أخذوهما على غرة منهما وأحرقوا القصر بمن فيه، لم يتمكنا من الهرب فماتا حرقاً، تحولت جثتيهما إلى رماد ولم يحظيا حتى بقبر يدفنا فيه، بمرور الزمن تحولت أطلال القصر إلى مقبرة، هي تلك المقبرة عند مدخل بلدتنا، لا زالوا يقولون أن روح تلك المرأة "السحارة" تجوب أرجاء المقبرة كل ليلة بعد غروب الشمس سعياً للانتقام، تسلب روح كل من يمر جوارها وتترك جثته مع آثار حروق متناثرة في أنحائها.
منذ خرجت للدنيا وأنا أسمع نفس الحكاية، من أمي تارة ومن أبي أخرى ومن كل كبار البلدة، يقولون أنهم وجدوا العديد من الجثث سابقاً، وإن كنت لم أر واحدة في حياتي إلا أن والدّي يقسمان أنهما رأيا العديد منها في طفولتهما وبعض من رفاقهما ماتوا على أعتاب المقبرة، دارت بذهني كل تلك الأقاويل والأحداث وأنا على أعتاب البلدة وزاد من رعبي أن كلما خطوت إليها تناهى إلى سمعي صوت خطوات على إثري ومهما تلفت لا أجد أحداً.
لم أجرؤ على التقدم خطوة أخرى؛ أطلقت ساقي للريح هاربة من المصير المحتوم وأنا أنظر لأثار المقبرة برعب غير منتبهة للطريق، صدمتني سيارة نقل عابرة، طار جسدي في الهواء ليسقط هامداً على أعتاب المقبرة!
*سارة الليثي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق