اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

لا كَما يحدُث فِي كُتبِ الحَوادِيت .. قراءة في المجموعة القصصيّة "جرابُ الحَاوي "

*محمد أبوالدهب
في مجموعته القصصية (جراب الحاوي) الصادرة حديثاً عن دار بدائل بالقاهرة، لا يدَع القاص الدكتور عمرو صلاح قارئه في حالِه، لا يتركه علي راحته بموجب صكّ التسليم والتّسلُّم الذي يقدّمه طواعيةً الطيّبون من الكُتَّاب: (هذه قصصي فرغتُ منها، صارت ملكك، افعل بها ما تشاء!).. لم يتنازل عمرو صلاح عن مِلكيّة قصصه، وإنْ لقاريءٍ يتمنّي رضاه، بل راح يناوره ويشاكسه ويستفزّه، يعاكس توقّعاته بعد أن استبقها، يُوهمه
أن المسألة بسيطة ثم ينسحب بعد أن يُحكم تعقيدها، وفي النهاية يلقمُه حجَراً بآخِر قصصه (قصة يرويها الجميع) ليتنازل ويسكت. حالةُ شغَب تُقارب -استئناساً بمزاج المجموعة- عَرْض الحاوي بجرابه، الجراب الذي قال عمرو صلاح إننا نجد فيه كل شيء إلا الحقيقة. لا بأس، نحن لا نقرأ قصصاً لنحوذ الحقيقة، لكنْ لنتعامَي عنها!.. تُري هل نتنازل ونسكت لأننا صادفنا هذه المرّة كاتباً متعدّد الأقنعة أو بالأَوْلَي حاوياً خفيف اليد؟!
تنقسم قصص مجموعة (جراب الحاوي) إلي ثلاثة أقسام: الأول (قصص قصيرة عادية) ويضمّ عشر قصص، والثاني (قصص قصيرة مجنونة) ويتكوّن من خمس قصص، ونفس العدد في الثالث (قصص لا تصنيف لها)، وإنْ قرأتُ القصة الأخيرة كقسمٍ رابعٍ وحدها، أنهي بها الكاتب مناوراته واستأنفها في آنٍ معا، محاولاً تسوية أموره العالقة مع القاريء، مرّةً باستدرار تعاطفه: (سئمتُ كل شيء، الحكي والسرد واللغة والشخصيّات والإيقاع... كتابة مجموعة قصصية ليس بالأمر الهيّن).. ومرّةً بترغيبه وتقديره ومنْحه شارة القيادة: (كلا لن أقص شيئاً جديداً، ستحكون أنتم، أنتم من احتملتُم كل تلك الصفحات) لكنّه، كما قلنا سابقاً، يقدّم هداياه دون أن تتركها يداه، فيستدرك سريعاً: (أنا فقط سأمنحكم نقطة البداية، وقد أتدخل في المنتصف، أو في النهاية) يعني أنه قد يتدخّل في كل المراحل!.. ومرّةً ثالثة بترهيبه والافتئات عليه وتحدّيه، حتي لو كان القاريء ناقداً متخصّصاً: (تتهمني بأن ما أكتبه ليس بقصص قصيرة، فلا حبكة ولا تكثيف ولا لغة ولا لقطة واحدة ولا وحدة مكان وزمان ولا بتنجان مقلي فوقه زيت التموين، لماذا لا تجرّب معنا وتسير في الصحراء بدلاً عن السير علي أوتار الفضاء السردي والباذنجان اللغوي!).. وأخيراً بمباغتته بواقعِ أنه كان مضحوكاً عليه طول الوقت: (أنا لست قاصّاً ولا روائياً ولا كاتباً ولا مؤلفاً ولا مبدعاً ولا أي شيء من هذا.. أنا في الواقع بائع أقنعة الوحوش في خيمة الصحراء) ليجبرَه علي العودة إلي (جراب الحاوي) ليعيد حساباته!.. لكن المؤكّد، وبرغم ما زعمناه، أن تصانيفه الثلاثة حفّزت القاريء وأدخلته في اللعبة بلا تمهيد، إذ يروح يلاحق الكاتبَ موافقاً أو مخالفاً: نعم هذه قصة عادية، وهذه كان يجب أن تنتقل إلي القسم المجنون، وتلك التي بلا تصنيف كان لابد أن تُصنَّف، مع التسليم بحق الكاتب -الذي بدا لا يفرّط في حقوقه!- في إظهار استئثاره بمقاصده من (العاديّة والمجنونة والتي بلا تصنيف) وحقّنا في التباهي بكشف السِّر من خلال قراءةٍ شاملة لمعطيات عمله.
***
في أعماله السابقة، تجلّتْ استفادة القاص عمرو صلاح من رحلاته العديدة إلي مدنٍ مختلفة من دول العالم، فكان يُبرز احتفاءً وصفيّاً بمعالم وشوارع وأحوال في تلك المدن يخدم به مسار عمله، ويَعِد ضِمناً بكتاب قادم في أدب الرحلات أو قريباً منه. كتب عمرو صلاح (جراب الحاوي) كتاب رحلاته الموعود، سِفْر حواديته الجديد، لكنه ليس عن مدن زارها بجسده وشاهدها بعينيه، إنما عن مدنٍ اخترعها، خاصة في القسم الأول -الأروع بين الثلاثة- مع ترحيل قصة (ميكروفون الجامع) إلي قسم آخر.. مدن أسّسها وعيُه المستوعب لما أتيح له من تراث القصّ، وأقامها قلقُه الوجوديّ الباهظ، وشيّدها ضجرُه الطافح المتكوّم من حاضره المخيِّب، من الضجيج المتهافت والأسفلت الطريح بلا نهاية كإلهٍ ميّت والأبراج الخرسانية المتوحّشة المُوحشة والهواتف المحمولةِ علي أعصاب أصحابها والإيقاع السريع الفارغ، وبالطبع من مرتكبي ذلك الإيقاع.. استغني عنه كله بمدينةٍ قابعة خلف النهر، وأخري ملقاة في عمق الصحراء، وببلدانٍ مسالمة يطوف بها (بائع الأحاجي) ليبيع أحاجيه دون أن يفسّرها، وبكوخ بسيط منعزل وراء التلال والسهول تسكنه فتاةٌ جميلة.. استغني عنه بمدنٍ لا عمل فيها للأشرار، مدن للطِّيبة والسعادة، بلا سحَرة وبلا هواتف!.. صاغ بمدنه المخترَعة حواديته التي بدتْ تخصّنا مع أنها بدتْ أيضا تدور في دنيا غير الدنيا وأوانٍ غير الأوان، حتي لَنكاد نشعر أننا صرنا قريبين من أحاييل (ألف ليلة وليلة)، وكأن ريحاً منها تلطش مخيّلتنا، برغم أن عمرو صلاح لم يستلهم أيّاً من صفحاتها ولا صفحات أيّ تراث إلا تراث التراكُم!، وبرغم أنه جاهدَ بإشاراته ورموزه وطبيعة سرده و"ضجره العصريّ" ليمنع عنا تلك الريح.. فهل استراح عمرو صلاح وأراح؟.. مدينة الطِّيبة فقدتْ برَكتها وحلّتْ اللعنة محلّها بسبب كِذبةٍ اضطراريّة للحفاظ علي هويّتها ليلة وفاة طيِّبها الكبير، ومدينة السعادة ظهرتْ علي حقيقتها كمستقَرٍّ لضياعٍ دائم تهيم فيه روحٌ كافكاويّة بامتياز، ومدينة السحَرة أبادتْ سحَرتها "الشعبويّين" في غدْرةٍ سلطويّة، ومدينةٌ مطمئنةٌ يختفي ملاكها الحارس الذي لا يعرف أهلها له اسماً، فقط يعرفون أنه (مَن يأتينا بالصباح الجميل، ويخرج مع الأحلام لتسكن مخيّلتنا في المساء البعيد، عندما نأوي إلي فراشنا).. وطوابير الخلاص في المدن الأخري ذهابٌ بلا عودة!

***
أسعدتني -علي نحوٍ خاص- قراءة قصة (عودة عاهرة عجوز).. تلك المغامرة السرديّة التي لا أشكّ أن عمرو صلاح استمتع بكتابتها مثلما أمتعتْنا قراءتها. عاهرةٌ في الستّين، انتهي أمرها تقريباً وتعيش علي ذكريات الذي كان، يتّصل بها زبون ليقول: (أعشق الكبيرات، ولك ما تريدين).. لا أدري -أو لَعلّي أدري- لماذا أحالتني القصة سريعاً إلي رواية ماركيز (ذكري عاهراتي الحزينات).. ربما لأن عنوان ماركيز يناسب قصتنا تماماً، بعد التصرُّف: (ذكري عاهرة حزينة) أو نفس عنوان ماركيز بعد التخلّص من ياء النسَب و(ال) التعريف.. وربما لأن باعث الأزمة ومُحرِّكها واحد وإنْ كانتْ عناصرها معكوسة، فعند ماركيز رجل تجاوز الثمانين يطلب عاهرةً صغيرة عذراء لم تكد تشقّ طريقها!.. كتب عمرو صلاح قصته ثلاث مرّات -مخلخِلاً توقّعاتنا بسبب مفردة (عودة) في العنوان- محافظاً علي نصفها الأوّل، مُعدِّلاً نصفها الثاني في كل مرة، بناءً علي صراعٍ بين أملٍ باهتٍ في استقبال عهدٍ جديد ويأسٍ مكينٍ من استعادة أمجاد الماضي. ومِرآةُ العجوز، بدلالتها الرّقابيّة، حاضرةٌ في الأطوار الثلاثة. يمكن قراءة القصة علي أنها ثلاث قصص لثلاث عاهرات عجائز واجهْن نفس الظرْف ولم تُصِبْن نفس المصير، ويمكن قراءتها علي أنها لواحدةٍ دفعها ارتباكُ لحظتها النفسيّ إلي افتراض سيناريوهات ثلاثة محتمَلة، ولا مانع من قراءتها علي أن عمرو صلاح يقطع الطريق علي الدخلاء كما جرَتْ عادته في (جراب الحاوي)!
***
اعتمد الكاتب، غالباً، علي حقيقةِ وأَوَّليَّة ما تعبّر عنه مكوّنات اللغة، مفردات وجمل وتراكيب، زاهداً في مجازها إلي أبعد حدّ. قلّما يستخدم وسائط بيانيّة كالتشبيه والاستعارة وغيرها، لكنه صنع/اقتنص بالحقيقة المجرّدة مجازه الخاص الصادم المزحوم بالإسقاطات، الذي يولّد تشابيهه واستعاراته من داخله، وكأن المجاز صار الأصل/القاعدة لذا لا تحتاج الإشارة إليه إلي وسائط، خاصّة اللغوية منها، والتي قد تلهي عنه بوجوهها المتعدّدة (المنافقة) بدلاً عن الإحاطة به. سأنقل قصة (متجر الأشباح) كاملة عساها أن تدلّل علي ما أريد: (في متجر الأشباح يقف الشبح في فاترينة العرض، معلقاً تلك اللافته.. "اشتر شبحاً واحصل علي الآخر مجانا".. المشتري، أيا كان، سيعجبه العرض ويدخل ويشتري. الشبح سيصطحب المشتري داخل المدينة، وفي الصحراء، وفي الفضاء، وفي الدنيا كلها. في صباح اليوم التالي سيعود الشبح منهكاً، ويقف في فاترينة العرض ويعلق اللافتة.. اشتر شبحا واحصل علي الآخر مجانا).... وأرشّح أيضاً قصص (العقربان، صنارة وسمكة، في قاع بئر مظلمة، الرجل مات) مع تأكيدي علي ضرورة التفريق بين توصيف الحدَث وتوصيف اللغة التي نقلتْه.
أخذتْنا مجموعة (جراب الحاوي)، خلال قصصها العشرين، من خدعة إلي أخري كما لو أن الحياة لا تفرز إلا خدَعاً مُحكمَة، وفضحتْ دعوَي شعورنا البليد بالأمان، ووخزتْ أعصابنا لننتفض مكتشفين كوْننا أسرَي للرتابة والآليّة والمصائر المستنسخة.. وقدّمتْ دليلاً خامساً -بعد ثلاث روايات ومجموعة قصصيّة- علي أن لعمرو صلاح مشروعاً قصصياً ناجزاً وحقيقياً، وعلي وعيه بطرائق القَصّ، وشغفه بالفن عموماً، غير أنه يُنضج أسرار مشروعه هذا علي نارٍ هادئة، كأنما لا يريد أن يجود بها دفعة واحدة.

*محمد أبوالدهب




ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...