هذا الكتاب النقدي الخامس لـ "فراس حج محمد" فقد سبقه "في ذكرى محمود درويش"، "ملامح من السرد المعاصر- قراءات نقدية في القصة القصيرة جدا"، و"شهرزاد ما زالت تروي"، و"ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الراوية"، وهذا الكتاب؛ "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد".
لا يتناول الناقد شكلا بعينه، بل يمكننا القول إنه يتناول كافة أنواع النثر الأدبي، وحتى أنه يتحدث عن كتب نقدية في الفصل الأول، لهذا فهو كتاب غير متخصص بشكل أدبي معين، وهذا التعدد والتنوع انعكس على طبيعة الكتاب، فمثلا يجد القارئ متعة عندما تحدث عن عيوب النقد، "للنقد أمراضه المعدية كذلك"، وكشف فيه حالات المغالاة ـ نقصا أم مديحا ـ للأعمال الأدبية، وحالات إبراز
العضلات من خلال قوله: "يتكركب في قراءتها، وإذا ما فتشت بين السطور لا تجد كلاما مفهوما ولا معاني واضحة، وما هي إلا سلاسل حجرية ملتوية ناتئة، لا تؤدي إلا إلى أرض بور في نهاية المطاف" ص9، فدور الناقد أن ينقد وأن يوجه، لا أن يتجاهل، لهذا نجد "فراس حج محمد" يجلد زملاءه النقاد، مبينا الخلل الذي يمارس في الساحة الأدبية، ولا يتوقف عند هذه العيوب بل نجده يتوغل أكثر كاشفا عن "أمراض النقاد" التي تكمن في: "عندما يتناول ناقد صغير الكتابة عن مبدع كبير، ويكتب فيع ليتسلق،... أو عندما يمارس الناقد الصغير دور المعلم الملهم وأن رأيه هو الرأي السديد، ... عندما يحشر نافد كبير نفسه في ذات الكاتب الكبير، ولا يرى أن الكتابات الجديدة والأصوات الشابة تستحق القراءة والكتابة عنها". ص10و11.
أعتقد أن مثل هذه المكاشفة مهمة وضرورية ـ هذا إذا أردنا أن يكون هناك نصوص أدبية متألقة، وإذا أردنا أن يكون هناك كتاب أدب متألقون، وما يتبعه من وجود نقاد مبدعين حياديين وموضوعيين، ومن المشاكل التي تلازم عملية النقد، هو أن يحشر الناقد نفسه ضمن مدرسة أدبية أو نهج تحليلي معين، بحيث يكون النص النقدي (حاشر/ محاصر) للنص الأدبي، وليس العكس، بمعنى أنه على الناقد أن يجد النهج/ المدرسة المناسبة لهذا النص، خاصة إذا علمنا أن النصوص الأدبية لا تخضع كتابتها لمدرسة أو لشكل محدد، يوضح الناقد هذه العيوب بقوله: "ما الذي يريده الناقد من النص؟ لماذا يصر الناقد على تجنيس النص المقروء، وحشر الكاتب في زوايا لم يصنعها؟ ولماذا يستميت الناقد في سجن المبدع ضمن هاتيك السجون القيدية من تلك المواصفات البائسة؟ ولماذا لا يقرأ النص بوصفه أدبا فقط؟" ص14، أعتقد أن تناول الكتاب لهذه العيوب يفتح شهية القارئ للكتاب أكثر، فنحن في أمس الحاجة إلى النقد، ليس النقد الأدبي المجرد، بل النقد الذاتي، النقد لسلوكنا وتعاطينا مع المجتمع، مع الزملاء.
وفي حديثه "عن النقد والنقاد الكبار" يواجه هؤلاء (الكبار) بهذه الأسئلة: "من مستعد من النقاد (الكبار) أن ينفق (مبلغا زهيدا) ليتواضع ويشتري كتابا لكاتب جديد؟ كيف يمكن أن نكتشف كاتبا جديدا ناشئا، صاحب موهبة تستحق الإشادة؟" ص19، من يتابع الحركة الأدبية في فلسطين يجد الهوة الكبيرة التي تفصل بين تلك الإنتاجات وبين (الكبار)، (فالكبار) يمثلون المجتمع البرجوازي/ الطبقة الراقية ولا يجوز أن تختلط بالعامة/ (الصغار)، فهل أصبح الواقع الثقافي مماثلاً للواقع الطبقي؟ وعليه، هل على (الصغار) أن يشكلوا حزبا ويتبنوا أيديولوجيا لمواجهة (الكبار) وانتزاع (الملكية) منهم وتوزيعها على عامة الشعب؟
فالأيديولوجيا الأدبية/ الطبقية حاضرة عند هؤلاء (الكبار) من خلال قول أحدهم: "إذا أردت أن تكون كبيرا، فاكتب عن الكبار" ص19، ويرد "فراس" على هذا القول من خلال الحالة المرضية التي ستنشأ فيقول: "... أما الصغار فلهم ما لهم من صغار، وعليهم ما عليهم من درن الانتظار" ص19، "فراس" ينحاز لطبقته، لطبقة (الصغار) فيعري نهج (الكبار) وسلوكهم من خلال هذا السؤال: "يا ترى كم مؤلفا أهدى ناقدا محنكا كتابه الذي يفتخر به؟" ص 19، وهو لا يكتفي بالانحياز للطبقة (الصغار) بل يدعو لتشكيل حزب والقيام بثورة/ تمرد على طبقة (الكبار) بقوله: "لذلك كله أخي الأديب الجديد، حطم أصنامك، وشمر عن ساعديك، واركل برجلك كل متجبر من جبابرة النقد، وتأمل ما حولك واكتب، ولا تحفل بهم، فالغد سيكون لمن جد واجتهد" ص20، من يتأمل هذا القول يتأكد أمام دعوة للقيام بثورة منظمة على (الكبار)، فالواقع الأدبي الجديد يتطلب خلق حالة وأفكار وسلوك ومفاهيم جديدة، قادرة على مواكبة العصر وما فيه من (صراعات) بحيث نضع لأنفسنا مكانا على الأرض، ونتحرر من كوننا مستهلكين للنظريات وللنقد.
وأما في الفصل الثاني "عودة إلى الراوية" فيتناول الناقد في التحليل بعض الروايات، وقد أبدع في تحليله لرواية "من يتذكر تاي" لياسين رفاعية، ورواية "وارث الشواهد" لوليد الشرفا"، وكان متواضعا/ خجولا في تناوله لرواية "توليب" لخلود نزال، ومن يقرأ ما كتبه "فراس" عن "من يتذكر تاي" يتأكد أنه أمام ناقد يوازن بين النظرية والتطبيق، فهو يطبق ما يقوله في النقد على النصوص، وما جاءت به الدراسة يشير إلى قدرة الناقد على الدخول والتفكيك، لكن أعتقد أن الناقد أخفق عندما تحدث بطريقة مباشرة لكتاب الراوية: "إن الإنترنت والهاتف والبريد الإلكتروني أشد أعداء الكتاب، ... والأهم من ذلك الكتابة بخط اليد أو على الآلة الكاتب التقليدية، ومن المهم مراجعة وقراءته مرات متعددة" ص46، أعلم أن هذا الكتاب في النقد، ومع هذا أصر على عدم توجيه النصائح بهذا الشكل المباشر، وكان على الناقد أن يجد مخرجا ما، ليحرره من المباشرة.
ومن المهم أن يتم ربط الأدب بالعصر، فالإنترنت وما فيه من فضاء يفرض شكلا وطريقة بعينها على الأديب، ومن هنا نجد ظهور واضح للقصة القصيرة جدا، والناقد يحلل لنا نصين، ورغم أن الأولى جاءت بأربعة سطور إلا أن كاتبه ـ حسب وتحليل الناقد ـ لم يكن موفقا فيه، أما النص الثاني وهو: "قلبي ليس حذاء لرجل تائه في طريق وعر" ص105، فإن ـ الناقد ـ يجد فيه تكثيفا واختزالا وفكرة، ثم يتحدث عن كتاب هاني أبو نعيم "أرواح شاحبة" الذي ينطبق عليه تجنيس "الومضة"، أو "القصة القصيرة جدا" مبينا أهمية هذا النوع من الأدب، وأيضا الصعوبة والمهارة التي يجب أن تتوفر في الكاتب. هذه الأفكار كانت مجال بحث في الفصل الثالث المعنون بـ "عودة إلى الأدب الإلكتروني والقصة القصيرة جدا".
ويخصص الناقد الفصل الرابع لدراسة مجموعة من كتب محمود شقير؛ فيتحدث في هذا الفصل عن تجربة تستحق أن يتوقف عندها التي تمثلت بالزيزفونة والكتابة للأطفال والناشئة، وهو يشير إلى حالة التأثير بين ما كتبه "محمود شقير" ومدير الزيزفونة الكاتب "شريف سمحان" كما أنه يربط بين "شقير" والمكان "القدس ورام الله" بطريقة تجعل المتلقي يتأكد أن أهمية المكان عند الفلسطيني تتماثل مع الإنسان.
وفي الفصل الخامس يتحدث عن الحالة الفلسطينية وأثر السجن على الأدباء، ويبين لنا العدد الكبير من الأدبيات التي أنتجت في فلسطين عن السجن، ويتوقف عند ما كتبه جمعة الرفاعي، والمتوكل طه، وعائشة عودة، بتفاصيل، تكشف النواحي الجمالية والأدبية في هذا الأعمال، ثم يحدثنا عن الأدبيات العربية كما هو الحال في "شرق المتوسط مرة أخرى" أو "الآن هنا" وما تبعها من سوء تفاهم بين "عبد الرحمن منيف وسارد الأحداث الحقيقي، ويتناول كتاب "خيانات اللغة والصمت" للكاتب السوري "فرج بيرقدار"، ويحدثنا عن أدب السجون عالميا من خلال رواية "الفراشة" لهنري شارير، ورواية "تحت أعواد المشانق" لبوليوس فوتشيك" التشيكي، لكن الناقد أخطأ عندما قال عنه "...يوليوس فوتشيك في الأدب السوفيتي" ص160، على العموم تبقى أهمية هذا الفصل في أنه يتحدث عن حالة ما زالت مستمرة، إن كان على الصعيد الفلسطيني أو على الصعيد العربي أو على صعيد العالم، خاصة في ظل هيمنة الغرب الذي ينظر إلينا نظرة دونية.
وكان في الكتاب وقفة مع الحكاية الشعبية وذلك في الفصل السادس، إذ يقدم لنا حكاية "البس والفأر" وما تحمله من دلالات ويحلل الشكل الذي قدمت فيه، ويتحدث عن أهمية الحكاية عند الشعوب ودورها في ثقافة الشعب.
ويتناول في الفصل السابع المذكرات من خلال كتابين، هما: كتاب "أيلول الأسود" لشريف سمحان، وكتاب "زمن جميل مضى" لجابر عصفو، وأعتقد أن الناقد كان موفقا في اختيار هذين الكتابين، لأن الأول موجها للناشئة والثاني للراشدين.
وكان للأعمال الدرامية وقفة في الفصل الثامن، فتحدث الناقد فيه عن أفلام "Mr Deeds" ويدخلنا إلى ذروة الإنسانية التي يطرحها الفيلم، دون أن يخوض في تفاصيل التصوير والأضواء والصوت، واكتفى بالحديث عن الفكرة التي يطرحها الفيلم، وتناول الفيلم الهندي "My name is khan" ثم يتحدث عن الأفلام العربية "حلاوة روح"، وفيلم "محروس بتاع الوزير" والطريقة البائسة التي ما زالت تستخدمها السينما المصرية، ويتحدث عن المسلسل الإيراني "يوسف الصديق" محاولا أن يفند ما طرحه "جبر خضير" عن أهمية المسلسل، وأعتقد أن الناقد لم يكن موفقا في الطريقة التي تحدث فيها عن المسلسل، حيث دخل في السياسة بطريقة فجة، ما جعل الحديث يخرج عن مساره. وكان للخطبة حضور في الفصل التاسع، فتناول الناقد إحدى الخطب في قريته، إلا أن التحليل لم يكن مقنعا، وكان هناك انحياز لشخص الخطيب أكثر من الخطبة نفسها.
وفي آخر الفصول يقف عند الكتابة الغرافيتية، فيستحضر الناقد حوادث عربية جاءت في كتاب "تاريخ جرجان" وجاء فيه: "وجدت ببلد قرب الهند حجرا منقوشا بالعبرية ببلد سرنديب يقال اهبط آدم:
"أنا الموجود فاطلبني تجدني/ فإن تطلب سواي فلا تجدني
تجدني أين تطلبني عتيدا/ قريبا منك فاطلبني تجدني" ص212.
أعتقد أن نقل هذا الفقرة دون تحليل دقة حدوثها لا يخدم فكرة النقد، فمن أين جاءت العبرية إلى الهند؟ وهل كان في الهند يهود؟ وأعتقد كان على الناقد أولا أن ينبه إلى عدم حقيقة الحدث قبل أن يبدأ بتحليله، وهذا الأمر ينطبق على ما نقله عن الأصمعي في الخبر الذي يرويه الأشبيهي.
أعتقد أننا إذا ما توقفنا عند واقعية الحادثة، سنجدها من خيال الشاعر، وإلا فكيف وجد الحجر في البادية/ الصحراء؟ وكيف عاد إليه؟ ألم يكن في رحلة؟ أعتقد محاولة الناقد أن يربط الكتابة الغرافيتية بالعرب لم تكن موفقة، كان عليه الاكتفاء بالحديث عنها في العصر الحالي من خلال الانتفاضة الفلسطينية، وما يكتب في الأماكن العامة وعلى مقاعد الحافلات التي لم يتطرق إليها الناقد.
الكتاب من منشورات مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، فلسطين، الطبعة الأولى 2019.
لا يتناول الناقد شكلا بعينه، بل يمكننا القول إنه يتناول كافة أنواع النثر الأدبي، وحتى أنه يتحدث عن كتب نقدية في الفصل الأول، لهذا فهو كتاب غير متخصص بشكل أدبي معين، وهذا التعدد والتنوع انعكس على طبيعة الكتاب، فمثلا يجد القارئ متعة عندما تحدث عن عيوب النقد، "للنقد أمراضه المعدية كذلك"، وكشف فيه حالات المغالاة ـ نقصا أم مديحا ـ للأعمال الأدبية، وحالات إبراز
العضلات من خلال قوله: "يتكركب في قراءتها، وإذا ما فتشت بين السطور لا تجد كلاما مفهوما ولا معاني واضحة، وما هي إلا سلاسل حجرية ملتوية ناتئة، لا تؤدي إلا إلى أرض بور في نهاية المطاف" ص9، فدور الناقد أن ينقد وأن يوجه، لا أن يتجاهل، لهذا نجد "فراس حج محمد" يجلد زملاءه النقاد، مبينا الخلل الذي يمارس في الساحة الأدبية، ولا يتوقف عند هذه العيوب بل نجده يتوغل أكثر كاشفا عن "أمراض النقاد" التي تكمن في: "عندما يتناول ناقد صغير الكتابة عن مبدع كبير، ويكتب فيع ليتسلق،... أو عندما يمارس الناقد الصغير دور المعلم الملهم وأن رأيه هو الرأي السديد، ... عندما يحشر نافد كبير نفسه في ذات الكاتب الكبير، ولا يرى أن الكتابات الجديدة والأصوات الشابة تستحق القراءة والكتابة عنها". ص10و11.
أعتقد أن مثل هذه المكاشفة مهمة وضرورية ـ هذا إذا أردنا أن يكون هناك نصوص أدبية متألقة، وإذا أردنا أن يكون هناك كتاب أدب متألقون، وما يتبعه من وجود نقاد مبدعين حياديين وموضوعيين، ومن المشاكل التي تلازم عملية النقد، هو أن يحشر الناقد نفسه ضمن مدرسة أدبية أو نهج تحليلي معين، بحيث يكون النص النقدي (حاشر/ محاصر) للنص الأدبي، وليس العكس، بمعنى أنه على الناقد أن يجد النهج/ المدرسة المناسبة لهذا النص، خاصة إذا علمنا أن النصوص الأدبية لا تخضع كتابتها لمدرسة أو لشكل محدد، يوضح الناقد هذه العيوب بقوله: "ما الذي يريده الناقد من النص؟ لماذا يصر الناقد على تجنيس النص المقروء، وحشر الكاتب في زوايا لم يصنعها؟ ولماذا يستميت الناقد في سجن المبدع ضمن هاتيك السجون القيدية من تلك المواصفات البائسة؟ ولماذا لا يقرأ النص بوصفه أدبا فقط؟" ص14، أعتقد أن تناول الكتاب لهذه العيوب يفتح شهية القارئ للكتاب أكثر، فنحن في أمس الحاجة إلى النقد، ليس النقد الأدبي المجرد، بل النقد الذاتي، النقد لسلوكنا وتعاطينا مع المجتمع، مع الزملاء.
وفي حديثه "عن النقد والنقاد الكبار" يواجه هؤلاء (الكبار) بهذه الأسئلة: "من مستعد من النقاد (الكبار) أن ينفق (مبلغا زهيدا) ليتواضع ويشتري كتابا لكاتب جديد؟ كيف يمكن أن نكتشف كاتبا جديدا ناشئا، صاحب موهبة تستحق الإشادة؟" ص19، من يتابع الحركة الأدبية في فلسطين يجد الهوة الكبيرة التي تفصل بين تلك الإنتاجات وبين (الكبار)، (فالكبار) يمثلون المجتمع البرجوازي/ الطبقة الراقية ولا يجوز أن تختلط بالعامة/ (الصغار)، فهل أصبح الواقع الثقافي مماثلاً للواقع الطبقي؟ وعليه، هل على (الصغار) أن يشكلوا حزبا ويتبنوا أيديولوجيا لمواجهة (الكبار) وانتزاع (الملكية) منهم وتوزيعها على عامة الشعب؟
فالأيديولوجيا الأدبية/ الطبقية حاضرة عند هؤلاء (الكبار) من خلال قول أحدهم: "إذا أردت أن تكون كبيرا، فاكتب عن الكبار" ص19، ويرد "فراس" على هذا القول من خلال الحالة المرضية التي ستنشأ فيقول: "... أما الصغار فلهم ما لهم من صغار، وعليهم ما عليهم من درن الانتظار" ص19، "فراس" ينحاز لطبقته، لطبقة (الصغار) فيعري نهج (الكبار) وسلوكهم من خلال هذا السؤال: "يا ترى كم مؤلفا أهدى ناقدا محنكا كتابه الذي يفتخر به؟" ص 19، وهو لا يكتفي بالانحياز للطبقة (الصغار) بل يدعو لتشكيل حزب والقيام بثورة/ تمرد على طبقة (الكبار) بقوله: "لذلك كله أخي الأديب الجديد، حطم أصنامك، وشمر عن ساعديك، واركل برجلك كل متجبر من جبابرة النقد، وتأمل ما حولك واكتب، ولا تحفل بهم، فالغد سيكون لمن جد واجتهد" ص20، من يتأمل هذا القول يتأكد أمام دعوة للقيام بثورة منظمة على (الكبار)، فالواقع الأدبي الجديد يتطلب خلق حالة وأفكار وسلوك ومفاهيم جديدة، قادرة على مواكبة العصر وما فيه من (صراعات) بحيث نضع لأنفسنا مكانا على الأرض، ونتحرر من كوننا مستهلكين للنظريات وللنقد.
وأما في الفصل الثاني "عودة إلى الراوية" فيتناول الناقد في التحليل بعض الروايات، وقد أبدع في تحليله لرواية "من يتذكر تاي" لياسين رفاعية، ورواية "وارث الشواهد" لوليد الشرفا"، وكان متواضعا/ خجولا في تناوله لرواية "توليب" لخلود نزال، ومن يقرأ ما كتبه "فراس" عن "من يتذكر تاي" يتأكد أنه أمام ناقد يوازن بين النظرية والتطبيق، فهو يطبق ما يقوله في النقد على النصوص، وما جاءت به الدراسة يشير إلى قدرة الناقد على الدخول والتفكيك، لكن أعتقد أن الناقد أخفق عندما تحدث بطريقة مباشرة لكتاب الراوية: "إن الإنترنت والهاتف والبريد الإلكتروني أشد أعداء الكتاب، ... والأهم من ذلك الكتابة بخط اليد أو على الآلة الكاتب التقليدية، ومن المهم مراجعة وقراءته مرات متعددة" ص46، أعلم أن هذا الكتاب في النقد، ومع هذا أصر على عدم توجيه النصائح بهذا الشكل المباشر، وكان على الناقد أن يجد مخرجا ما، ليحرره من المباشرة.
ومن المهم أن يتم ربط الأدب بالعصر، فالإنترنت وما فيه من فضاء يفرض شكلا وطريقة بعينها على الأديب، ومن هنا نجد ظهور واضح للقصة القصيرة جدا، والناقد يحلل لنا نصين، ورغم أن الأولى جاءت بأربعة سطور إلا أن كاتبه ـ حسب وتحليل الناقد ـ لم يكن موفقا فيه، أما النص الثاني وهو: "قلبي ليس حذاء لرجل تائه في طريق وعر" ص105، فإن ـ الناقد ـ يجد فيه تكثيفا واختزالا وفكرة، ثم يتحدث عن كتاب هاني أبو نعيم "أرواح شاحبة" الذي ينطبق عليه تجنيس "الومضة"، أو "القصة القصيرة جدا" مبينا أهمية هذا النوع من الأدب، وأيضا الصعوبة والمهارة التي يجب أن تتوفر في الكاتب. هذه الأفكار كانت مجال بحث في الفصل الثالث المعنون بـ "عودة إلى الأدب الإلكتروني والقصة القصيرة جدا".
ويخصص الناقد الفصل الرابع لدراسة مجموعة من كتب محمود شقير؛ فيتحدث في هذا الفصل عن تجربة تستحق أن يتوقف عندها التي تمثلت بالزيزفونة والكتابة للأطفال والناشئة، وهو يشير إلى حالة التأثير بين ما كتبه "محمود شقير" ومدير الزيزفونة الكاتب "شريف سمحان" كما أنه يربط بين "شقير" والمكان "القدس ورام الله" بطريقة تجعل المتلقي يتأكد أن أهمية المكان عند الفلسطيني تتماثل مع الإنسان.
وفي الفصل الخامس يتحدث عن الحالة الفلسطينية وأثر السجن على الأدباء، ويبين لنا العدد الكبير من الأدبيات التي أنتجت في فلسطين عن السجن، ويتوقف عند ما كتبه جمعة الرفاعي، والمتوكل طه، وعائشة عودة، بتفاصيل، تكشف النواحي الجمالية والأدبية في هذا الأعمال، ثم يحدثنا عن الأدبيات العربية كما هو الحال في "شرق المتوسط مرة أخرى" أو "الآن هنا" وما تبعها من سوء تفاهم بين "عبد الرحمن منيف وسارد الأحداث الحقيقي، ويتناول كتاب "خيانات اللغة والصمت" للكاتب السوري "فرج بيرقدار"، ويحدثنا عن أدب السجون عالميا من خلال رواية "الفراشة" لهنري شارير، ورواية "تحت أعواد المشانق" لبوليوس فوتشيك" التشيكي، لكن الناقد أخطأ عندما قال عنه "...يوليوس فوتشيك في الأدب السوفيتي" ص160، على العموم تبقى أهمية هذا الفصل في أنه يتحدث عن حالة ما زالت مستمرة، إن كان على الصعيد الفلسطيني أو على الصعيد العربي أو على صعيد العالم، خاصة في ظل هيمنة الغرب الذي ينظر إلينا نظرة دونية.
وكان في الكتاب وقفة مع الحكاية الشعبية وذلك في الفصل السادس، إذ يقدم لنا حكاية "البس والفأر" وما تحمله من دلالات ويحلل الشكل الذي قدمت فيه، ويتحدث عن أهمية الحكاية عند الشعوب ودورها في ثقافة الشعب.
ويتناول في الفصل السابع المذكرات من خلال كتابين، هما: كتاب "أيلول الأسود" لشريف سمحان، وكتاب "زمن جميل مضى" لجابر عصفو، وأعتقد أن الناقد كان موفقا في اختيار هذين الكتابين، لأن الأول موجها للناشئة والثاني للراشدين.
وكان للأعمال الدرامية وقفة في الفصل الثامن، فتحدث الناقد فيه عن أفلام "Mr Deeds" ويدخلنا إلى ذروة الإنسانية التي يطرحها الفيلم، دون أن يخوض في تفاصيل التصوير والأضواء والصوت، واكتفى بالحديث عن الفكرة التي يطرحها الفيلم، وتناول الفيلم الهندي "My name is khan" ثم يتحدث عن الأفلام العربية "حلاوة روح"، وفيلم "محروس بتاع الوزير" والطريقة البائسة التي ما زالت تستخدمها السينما المصرية، ويتحدث عن المسلسل الإيراني "يوسف الصديق" محاولا أن يفند ما طرحه "جبر خضير" عن أهمية المسلسل، وأعتقد أن الناقد لم يكن موفقا في الطريقة التي تحدث فيها عن المسلسل، حيث دخل في السياسة بطريقة فجة، ما جعل الحديث يخرج عن مساره. وكان للخطبة حضور في الفصل التاسع، فتناول الناقد إحدى الخطب في قريته، إلا أن التحليل لم يكن مقنعا، وكان هناك انحياز لشخص الخطيب أكثر من الخطبة نفسها.
وفي آخر الفصول يقف عند الكتابة الغرافيتية، فيستحضر الناقد حوادث عربية جاءت في كتاب "تاريخ جرجان" وجاء فيه: "وجدت ببلد قرب الهند حجرا منقوشا بالعبرية ببلد سرنديب يقال اهبط آدم:
"أنا الموجود فاطلبني تجدني/ فإن تطلب سواي فلا تجدني
تجدني أين تطلبني عتيدا/ قريبا منك فاطلبني تجدني" ص212.
أعتقد أن نقل هذا الفقرة دون تحليل دقة حدوثها لا يخدم فكرة النقد، فمن أين جاءت العبرية إلى الهند؟ وهل كان في الهند يهود؟ وأعتقد كان على الناقد أولا أن ينبه إلى عدم حقيقة الحدث قبل أن يبدأ بتحليله، وهذا الأمر ينطبق على ما نقله عن الأصمعي في الخبر الذي يرويه الأشبيهي.
أعتقد أننا إذا ما توقفنا عند واقعية الحادثة، سنجدها من خيال الشاعر، وإلا فكيف وجد الحجر في البادية/ الصحراء؟ وكيف عاد إليه؟ ألم يكن في رحلة؟ أعتقد محاولة الناقد أن يربط الكتابة الغرافيتية بالعرب لم تكن موفقة، كان عليه الاكتفاء بالحديث عنها في العصر الحالي من خلال الانتفاضة الفلسطينية، وما يكتب في الأماكن العامة وعلى مقاعد الحافلات التي لم يتطرق إليها الناقد.
الكتاب من منشورات مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، فلسطين، الطبعة الأولى 2019.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق