اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

الجاذبية بين امرئ القيس و نيوتن ... **خالد حميد محمد بن نويهر الغانمي

    ملخص البحث:
الجاذبية الأرضية من الموضوعات العلمية الهامة، والتي لها صداها في الأوساط العلمية، حيث يعدُّ الذي سُجِّل للعالم نيوتن إنجازًا علميًا له أهميته، ومن ثمَّ بُنِي عليه العديد من النظريات العلمية والقوانين الفيزيائية.
إلاَّ أنَّ التاريخ الأدبي له رأي آخر، فقد رُؤِي أنَّ أمير الشعر الجاهلي امرأ القيس قد تعرَّض لقضية الجاذبية الأرضية في أشعاره وعلى وجه التحديد في معلقته الشهيرة، والتي تعدُّ من أهم المعلقات الشعرية في العصر الجاهلي، وهذا ما دفع الباحث للوقوف
على ظاهرة الجاذبية الأرضية، والربط بين حقائق هذه الظاهرة، وما جاء به امرؤ القيس في معلقته؛ لنتبيَّن من خلال الربط بين هذا وذاك العلاقة القوية بين النظرة العلمية لدى نيوتن، وكذلك رؤية هذا الشاعر العربي الجاهلي، والتي نتعرَّف عليها من خلال الوقوف على بعض الأبيات الشعرية التي تعطِي دلالات وإشارات على سبقه في الاهتداء إلى الجاذبية الأرضية.
من أجل ذلك، فإنَّ الباحث سيعرض في هذه الورقة البحثية للتعريف بالجاذبية لغةً واصطلاحًا، ثم يقف على القضية من زاوية علمية لتقصِّي حقيقتها، ومن ثمَّ يستجلي ما جاء به امرؤ القيس في هذا الصدد، من خلال شرح هذه الأبيات، وتسليط الضوء على ما يمكن استنتاجه من أمر استشعاره بهذه الجاذبية الأرضية.
ولكي يستطيع الباحث الوقوف على هذه الحقائق، فإنه يسترشد ببعض المقالات والتحليلات في هذا المجال، من خلال استعراض بعضها، ثم الربط بينها وبين الدراسة الحالية.
وقد اختار الباحث لموضوعه المنهج الوصفي التحليلي؛ حيث يرى اتِّفاقه مع طبيعة الموضوع، من خلال رصد الفكرة، ومن ثمَّ تحليلها؛ بُغية الوصول إلى الحقائق المرجوَّة، والوصول إلى النتائج التي يمكن أن تسفر عنها الدراسة الحالية.
في ضوء ما سبق، سوف يدور البحث في فلك الأُطُر التالية:-
أولاً: مفهوم الجاذبية الأرضية
ثانيًا: تاريخ ظاهرة الجاذبية الأرضية، ورأي علماء العرب فيها
ثالثًا: الجاذبية الأرضية عند امرئ القيس؛ دراسة تحليلية

Summary

Gravity is one of the important scientific topics, which resonates in scientific circles, where it is considered.

Which recorded to the world Newton a scientific achievement of importance, and then built on it many scientific theories and laws of physics.

However, the literary history has another opinion, it was seen that the Emir of pre-Islamic poetry Qais has been subjected to the cause of gravity in the earth poetry and specifically in the famous comment, which is one of the most important poetic pagans in the pre-Islamic era, which prompted the researcher to identify the phenomenon of gravity, And link between the facts of this phenomenon, and what came by the people of Qais in his comment; to show by linking this and that strong relationship between the scientific view of Newton, as well as the vision of this poet Arab ignorance, which we recognize by standing on some poetic verses that give indications and signals On the previous p I am attracted to gravity.
In order for the researcher to identify these facts, he is guided by some articles and analyzes in this area, by reviewing some of them, and then linking them to the subject of the current study.

The researcher chose the analytical descriptive approach, where he sees his agreement with the nature of the subject, by monitoring the idea and then analyzing it in order to reach the desired facts and reach the results that can result from the current study.

In light of the above, the research will explore the following frameworks:
First: the definition of gravity language and terminology
Second: The history of gravity
Third: the gravity of the man of measurement; analytical study

مقدمة:

كلُّ ما في الكون يشهد بحقائقه على قدرة الله تعالى، ويظل العالم إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها يبحث في مكنونات الأشياء والجمادات والمخلوقات؛ فيخرج علينا كل يومٍ بجديد، ممَّا لا يدع مجالاً للشك في عظمة خلق الله تعالى.

ومن بين هذه الحقائق هذه الظاهرة العلمية العجيبة، والشاهدة على قدرة الله تعالى في التحكُّم في الكائنات؛ من خلال الجاذبية الأرضية، والتي من شأنها تحفظ توازُن الإنسان والكائنات الحية والجامدة على ظهر الأرض من أن تطيش في الهواء الجوي، ومن ثمَّ كانت هذه الظاهرة جديرة بهذا الاهتمام الإنساني من لدُن العلماء على مرّ العصور، إلى يومنا الذي نحياه.

ومع التفكُّر والتأمُّل، وجد البعض أنَّ هناك ارتباط شديد بين هذه الظاهرة والتي يعدُّ مكتشفها هو العالم الشهير إسحاق نيوتن؛ من خلال ما رُوِي عن قصة "التفاحة" الشهيرة وبين ما تناقلته الروايات مؤخَّرًا عن أنَّ هذا الشاعر الجاهلي "امرأ القيس" هو أول مَن تناولت أفكاره الشعرية وخواطره الإبداعية ظاهرة الجاذبية الأرضية؛ ممَّا حدا بالشاعر إلى تناوُل هذه القضية بالشرح والتعليق، والوقوف على تلك المحطات الشعرية في معلقة امرئ القيس، بما يُلقِي الضوء على هذه الإرهاصات والتتنبُّؤات.

من أجل ما سبق، تحاول الدراسة الحالية سبر أغوار هذا الموضوع (الجاذبية الأرضية عند امرئ القيس)، من خلال تناول تعريفًا بالظاهرة، ثم الوقوف على تاريخ هذه الظاهرة عند علماء هذا الميدان، وفي النهاية رصد ما جاء من أبيات شعرية، يتبيَّن منها التفاتة امرئ القيس لهذه الظاهرة.

وإن كان الباحث مطالبًا في هذه الدراسة بالوقوف على الظاهرة لرصدها، وشرح ما سيق من كلام حولها، واستيضاح ما جاء عنها في شعر امرئ القيس، فإنَّه سيجد الفرصة سانحة للوصول إلى خلاصة ما يراه تعليقًا على القضية، واستخلاص أهم النتائج.

أولاً: مفهوم الجاذبية الأرضية

عرَّفت معاجم اللغة الجاذبية تعريفات قريبة من بعضها البعض؛ من ذلك ما ورد بالمعجم الوسيط من تعريف الجاذبية على أنها: الْحَالة الَّتِي يجذب بهَا صَاحبهَا غَيره يُقَال فلَان لَهُ جاذبية يستميل غَيره إِلَيْهِ.. و(فِي المغنطيسية) قُوَّة تجاذب الْأَجْسَام عِنْد دلكها وفركها.

و(الجذب) (فِي اصْطِلَاح الصُّوفِيَّة) حَال من أَحْوَال النَّفس يغيب فِيهَا الْقلب عَن علم مَا يجْرِي من أَحْوَال الْخلق ويتَّصل فِيهَا بالعالم الْعلوِي، و(عِنْد أفلاطون) الْخَيْر الأسمى ويسمِّيه بعض متصوِّفي الْإِسْلَام الوجد، و(فِي علم الرياضة) قُوَّة الجذب هِيَ الْقُوَّة الَّتِي يُؤثر بهَا جسم على آخر دون أَن يكون هُنَاكَ اتِّصَال ظَاهر بَين الجسمين( ).

وعند ابن منظور: الجذب: مدُّك الشيء، والجبذ لغة تميم. المحكم: الجذب: المد. جذب الشيء يجذبه جذبًا وجبذه، على القلب، واجتذبه: مدَّه. وقد يكون ذلك في العرض. سيبويه: جذبه: حوَّله عن موضعه، واجتذبه: استلبه.

وقال ثعلب قال مطرف، قال ابن سيده -وأراه يعني مطرف بن الشخير-: وجدت الإنسان ملقى بين الله وبين الشيطان، فإن لم يجتذبه إليه، جذبه الشيطان. وجاذبه كجذبه. وقوله:

ذكرت، والأهواء تدعو للهوى، ... والعيس، بالركب، يجاذبن البرى

قال: يكون يجاذبن هاهنا في معنى يجذبن، وقد يكون للمباراة والمنازعة، فكأنه يجاذبنهنَّ البرى. وجاذبته الشيء: نازعته إيَّاه. ( )

وهذا قريبٌ ممَّا جاء في تاج العروس( ): (جَذَبَهَ) أَي الشَّيْءَ (يَجْذِبُهُ) ، بالكسْرِ، جَذْباً، وجَبَذَهُ، عَلَى القَلْبِ لُغَةُ تَمِيم (: مَدَّهُ، كاجْتَذَبَه) وَقد يكونُ ذَلِك فِي العَرضِ (و) رُوِيَ عَن سيبويهِ: جَذَبَ (الشَيءَ: حَوَّلَهُ عَن مَوْضِعِه) واجْتَذَبَهُ: اسْتَلَبَه، كَذَا فِي الْمُحكم، وجَذَبَه (كَجَاذَبَه) .

فسواءٌ كان الجذب بمعنى المدّ أو الاستمالة، أو على ما جاء عند الصوفية من اتِّصال القلب بالعالم العلوي، أو في قوة تأثير جسم على جسم آخر، كما يُرى ذلك في الرياضة، أو تحويل الشيء عن موضعه كما رُوِي عن سيبويه، فالموارد متعددة، ولكن المعنى واحد.

ثانيًا: تاريخ ظاهرة الجاذبية الأرضية، ورأي علماء العرب فيها

من النظريات العلمية ذات الاهتمام الكبير في عالم الفيزياء، وهي جديرة بالبحث والوقوف على أهم تفصيلاتها، وكذلك تتبُّع تاريخ هذه الظاهرة؛ وكيف مرَّت بمحاولات تاريخية في سبيل الوصول إلى حقيقتها.

وسوف يتم تتبُّع هذه الظاهرة بالبحث والتأصيل لها من خلال محوريْن:

الأول: بعض الروايات التي عُنِيت بالظاهرة

الثاني: الجاذبية الأرضية في نظر علماء المسلمين

1) بعض الروايات التي عُنِيت بالظاهرة:

شغلت الظاهرة الأوساط العلمية والفكرية لأمد طويل، من أجل ذلك، فقد وقف حيالها العديد من المفكرين والباحثين، وأطلقوا الآراء هنا وهناك، من ذلك: (ظنَّ الكثير من الناس أنَّ مكتشف الجاذبية الارضية هو العالم الإنكليزي إسحاق نيوتن، ولكن هناك الكثير من الأبحاث والدراسات تشير إلى أنَّ هناك علماء سبقوا إسحاق نيوتن بقرون في التفكير في قانون الجاذبية.

صاغ نيوتن قوانين الحركة وقانون الجذب العام التي سيطرت على رؤية العلماء للكون المادي، كما أثبت أنَّ حركة الأجسام على الأرض والأجسام السماوية يمكن وصفها وفق نفس مبادئ الحركة والجاذبية .

وقد بدأ التفكير في الجاذبية الأرضية منذ عام 330 قبل الميلاد؛ حيث قال أرسطو أنَّ الماء والهواء والنار والأرض تتحرَّك باتجاه مواقعها الطبيعية، وأنَّ سرعتها تزيد عندما تقترب من مواقعها. وفي القرن العاشر للميلاد، وضح البيروني مفهوم الجاذبية الأرضية ودوران الأرض حيث قال: "الناس على الأرض منتصبو القامات على استقامة أقطار الكرة الأرضية وعليها أيضًا نزول الأثقال إلى الأسفل". وفي القرن الخامس عشر للميلاد شرح الهمداني الجاذبية الأرضية. ( )

وفي الشأن ذاته، ذكر ابن سينا في كتابه الإشارات والتنبيهات أنَّ القوة في الجسم الأكبر أقوى وأكثر من الجسم الأصغر، حتى لو تشابهت القوتان بالإطلاق، كما وقال الإدريسي أنَّ جاذبية الأرض تشبه جاذبية المغناطيس للحديد؛ حيث ذكر في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق أنَّ الأرض جاذبة لما في أبدانها من أثقل بمنزلة حجر المغناطيس الذي يجذب الحديد. ( )

وفي سنة 1687 م ، نشر عالم الفيزياء والرياضيات الإنكليزي إسحاق نيوتن نظريته الشهيرة، وهي أنَّ الأجسام تجذب بعضها البعض تبعاً لكتلتها ، وتعتمد قوة الجاذبية على مربع المسافة بين الجسمين المتجاذبين. وبكلماته: "استنتجت من هذا أنَّ القوة التي تُبقي الكواكب في مساراتها متعلقة بتربيع البعد بين مركزيهما. من هنا قارنت القوة التي تمسك القمر في مساره بالقوى على سطح الأرض، ووصلت إلى نتيجة قريبة جدًا".( )

2) علماء المسلمين واكتشاف قانون الجاذبية:

المشهور عند عموم الناس أيضًا في الشرق والغرب، ويدرسه طلاب المدارس والجامعات أنَّ مكتشف هذا القانون هو إسحاق نيوتن، وذلك عندما سقطت عليه يومًا تفاحة من شجرة كان يجلس تحتها، وحينها أخذ يفكر في سبب سقوطها حتى توصَّل إلى قانون الجاذبية هذا ووضع صياغته، والذي يُثبت فيه أنَّ كلَّ جسم مادِّي يجذب غيره من الأجسام المادِّيَّة، بقوَّة تزيد أو تنقص حسب الكتلة والمسافة بينهما!

لكن هل هذه هي الحقيقة؟ إنَّ طبيعة العلم التراكميَّة لَتُؤَكِّد أنه ما كان يمكن لنيوتن أن يتوصَّل إلى صياغة قانونه الشهير هذا -كما كان الحال مع قوانين الحركة الثلاثة- لولا أنه وقف على أكتاف سابقيه من جهابذة العلماء، وعلى مرِّ العصور، ولعلَّ في سرد الدكتور أحمد فؤاد باشا للقصَّة من أولها ما يُظهِر هذه الحقيقة المهمَّة.

يقول الدكتور أحمد فؤاد باشا بعد أن أشار إلى محاولةِ الفيلسوف اليوناني أرسطو النظريةِ لتفسير السقوط الحرِّ للأجسام: "وقد اهتدى علماء المسلمين -بفضل دينهم الحنيف- إلى المنهج العلمي السليم في تحصيل العلوم والمعارف، فلم يقبلوا تمامًا البراهين الفلسفيَّة للآراء التي يمكن اختبار صحَّتها تجريبيًّا، وفطنوا إلى أنَّ التفسير العلمي لظواهر الكون يكتسب دقَّته من مدى تعبيره عن الحقيقة العلميَّة الكامنة وراء سلوك هذه الظواهر، وقدَّموا لأول مرَّة في تاريخ العلم أساسًا مقبولاً لتفسير السقوط الحرِّ للأجسام تحت تأثير الجاذبيَّة الأرضيَّة. ( )

وقد بدأ الهمداني ( ) هذه الثورة العلميَّة بقوله في كتابه (الجوهرتين العتيقتين المائعتين من الصفراء والبيضاء) في سياق حديثه عن الأرض وما يرتبط بها من مياه وهواء: "فمن كان تحتها( )، فهو في الثابت في قامته كمن فوقها، ومسقطه وقدمه إلى سطحها الأسفل كمسقطه إلى سطحها الأعلى، وكثبات قدمه عليه، فهي بمنزلة حجر المغناطيس الذي تجذب قواه الحديد إلى كل جانب. ( )

وبهذا التوضيح يكون الهمداني قد أرسى أول حقيقة جزئيَّة في فيزياء ظاهرة الجاذبيَّة، وهي ما يُعرف -كما يقول الدكتور أحمد فؤاد باشا- بـ طاقة الموضع) أو (طاقة الكمون الناتجة أصلاً عن ارتفاع الأجسام عن الأرض، وإن لم يقل في النصِّ صراحة أن الأجسام تجذب بعضها البعض، وهو المعنى الأساسي الشامل لقانون الجذب العام لنيوتن.

ويأتي بعده أبو الريحان البيروني( ) ويؤكِّد ما سبق إليه الهمداني من أن الأرض تجذب ما فوقها نحو مركزها وذلك في كتابه (القانون المسعودي) ( )، كما ذَكَر الخازني في كتابه (ميزان الحكمة)( )" :أنَّ الجسم هو الذي يتحرَّك بقوَّة ذاتية أبدًا إلى مركز الأرض فقط، وكذلك فطن الرازي إلى تعميم فكرة الجاذبيَّة على جميع الأجسام الموجودة في الكون، ثم نجح هبة الله بن ملكا البغدادي في تصحيح الخطأ الجسيم الذي وقع فيه أرسطو، عندما قال بسقوط الأجسام الثقيلة أسرع من الأجسام الخفيفة، وسبق جاليليو في إثبات الحقيقة العلميَّة المهمَّة التي تقضي بأن سرعة الجسم الساقط سقوطًا حُرًّا تحت تأثير الجاذبيَّة الأرضية لا تتوقَّف إطلاقًا على كتلته، وذلك عندما تخلو الحركة من أي معوقات خارجيَّة، ويعبِّر عن هذه الحقيقة بكلماته في كتابه (المعتبر في الحكمة) فيقول: "... وأيضًا لو تحرَّكت الأجسام في الخلاء لتساوت حركة الثقيل والخفيف، والكبير والصغير، والمخروط المتحرِّك على رأسه الحاد، والمخروط المتحرك على قاعدته الواسعة في السرعة والبطء؛ لأنها إنما تختلف في الملاء بهذه الأشياء بسهولة خرقها لما تخرقه من المقاوم المخروق كالماء والهواء وغيرهما".( )

ومن ناحية أخرى، أضاف البغدادي حقائق جديدة عن ظاهرة الجاذبيَّة من خلال دراسته لحركة المقذوفات، من حيث إن حركتها إلى أعلى عند القذف تعاكس فعل الجاذبيَّة الأرضيَّة، أو أن القوَّة القسرية التي قُذِف بها الجسم إلى أعلى تعمل في تضادٍّ مع قوَّة الجاذبيَّة الأرضيَّة، فهو يقول: "... فكذلك الحجر المقذوف فيه ميل مقاوم للميل القاذف؛ إلا أنه مقهور بقوة القاذف؛ ولأنَّ القوة القاسرة عرضية فيه، فهي تضعف لمقاومة هذه القوة والميل الطبيعي ولمقاومة المخروق... فيكون الميل القاسر في أوَّله على غاية القهر للميل الطبيعي، ولا يزال يضعف ويُبطِئ الحركة ضعفًا بعد ضعف وبطئًا بعد بطء حتى يعجز عن مقاومة الميل الطبيعي، فيغلب الميل الطبيعي فيحرك إلى جهته".

يقول الدكتور أحمد فؤاد باشا معلِّقًا: وهنا تجدر الإشارة إلى أن البغدادي لا يستخدم مفهوم (الميل) كقوة خفيَّة) أو (وحشيَّة) طبيعيَّة في اتجاه الحنين إلى حضن الأمِّ كوكب الأرض، مثلما قال أرسطو، ولكنه عنى به القوة الماديَّة التي تتحكم علميًّا في حركة المقذوف صعودًا ضدَّ الجاذبيَّة وهبوطًا في اتجاهها، والسؤال الذي طرحه البغدادي فيما يتعلَّق بهذه القضية العلميَّة هو: هل يتوقف الحجر المقذوف عند أعلى نقطة يصل إليها حين يبدأ في الارتداد إلى سطح الأرض؟ ويجيب هو نفسه بالنصِّ الواضح الصريح: "مَنْ تَوَهَّم أن بين حركة الحجر علوًّا المستكرِهة بالتحليق وبين انحطاطه وقفةً فقد أخطأ، وإنما تضعف القوَّة المستكرِهة له وتقوى قوى ثقله، فتصغر الحركة، وتخفى حركته على الطرف، فيتوهَّم أنه ساكن. ( )

ويتابع الدكتور أحمد فؤاد باشا فيقول: "وتحدَّث الخازن عن التسارع أو العجلة في سقوط الأجسام نحو الأرض، وضمن كتابه (ميزان الحكمة) ما يدلُّ على معرفته بالعَلاقة الصحيحة بين السرعة التي يسقط بها الجسم نحو سطح الأرض والبُعد الذي يقطعه والزمن الذي يستغرقه، وهي العَلاقة التي تنصُّ عليها المعادلات الرياضية المنسوبة لجاليليو في القرن السابع عشر الميلادي.

وهكذا يتَّضح أن علماء الحضارة الإسلاميَّة قد نجحوا في التوصُّل إلى حقائق جزئيَّة على طريق استكمال التصوُّر الإنساني لظاهرة الجاذبيَّة، بعيدًا عن الآراء الفلسفيَّة القديمة، واستنادًا إلى ما أثبتوه من أن مناهج البحث في المعرفة تعتمد على طبيعة موضوعاتها، ولولا هذه الثورة الهائلة التي أحدثوها في منهجيَّة التفكير والبحث العلمي السليم لظلَّت خرافات القدماء قائمة حتى وقتنا هذا، ولما وجد إسحاق نيوتن مَنْ يقف على أكتافهم من عمالقة العلماء لكي يصنع مجده وشهرته. ( )

في ضوء ما سبق من تتبُّع تاريخ الظاهرة، فإنه يتعيَّن إعادة النظر في تاريخ قوانين الحركة، ومنها قانون الجاذبيَّة، وردّ الحقِّ إلى أصحابه، فضلاً عن إمكانية النظر في احتمالية موضوع البحث الحالي؛ من أنَّ إشراقات امرئ القيس من خلال أعماله الشعرية ذات دلالة قوية على وجود هذه الطاقة الهائلة التي أوجدها الله تعالى في الكون، وبفطرة الإنسان العربي الأصيل استطاع أن يومئ إليها ولو بطرف خفيّ...

ثالثًا: الجاذبية لدى امرئ القيس نظريًا، والدليل الشعري على ذلك:

إنَّ المتأمِّل في معلقة امرئ القيس، ليجد العديد من الأبيات تتعرَّض في تصويرات الشاعر للجاذبية، من خلال وصفه لما يلاقيه من أحاسيس ومشاعر بمرائي حسيَّة مباشرة، ومن ذلك قوله في مطلع وصفه للَّيل وظلمته، وما يعانيه من طوله وقسوته عليه:

وليل كموج البحر أرخى سدوله ... علي بأنواع الهموم ليبتلي

ففي تصوير الشاعر لليل بموج البحر المتلاطم، وكيف أنه أسدل أطراف ظلمته عليه ما يُوحِي بما تصنعه الجاذبية –في ضوء ما جاء به العلم الحديث-، ومن خلال شرح البيت، يتَّضح لنا المعنى: قوله كموج البحر أي في كثافة ظلمته، وسدوله أطرافه، وقيل ستوره واحده سدل، سدل ثوبه إذا أرخاه، ولم يضمه، وقوله: بأنواع الهموم أي يطرد بها كالحزن والجزع ونحوه والباء بمعنى مع، ليبتلي أي لينظر ما عندي من الصبر، ويبتلي بمعنى ليختبر، ومعنى البيت أنه يخبر أنَّ الليل قد طال عليه، وسدوله ينتصب بمرخ، وعليَّ تتعلق بمرخ، وكذلك الباء بأنواع الهموم( ).

فإذا ما ربطنا بين (أرخى سدوله عليّ) بما جاء في شرحها، وبين فعل الجاذبية الأرضية، تبيَّن أنَّ ذلك التصوُّر لم يكن ليحدث إلاّ إذا كان بفعل الجاذبية الأرضية، والتي لها ذلك التأثير؛ أي بانجذاب أطراف ظلام الليل البهيم على الشاعر؛ ابتلاءً له.

وفي البيت التالي امتداد لما جاء في البيت الأول، يقول الشاعر في البيت [48]:

فَقُلْتُ لَه لَمِّا تَمَطَّي بصُلْبِهِ وَأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بَكَلْكَلِ

تمطى أي: تمدَّد، ويجوز أن يكون التمطِّي مأخوذًا من المطا، وهو الظهر، فيكون التمطِّي مدّ الظهر، ويجوز أن يكون منقولًا من التمطُّط، فقُلِبت إحدى الطاءيْن ياء كما قالوا: تظنّي تظنيًا والأصل تظنن تظننًا، وقالوا: تقضّى البازي تقضيًا أي: تقضض تقضضًا، والتمطُّط التفعُّل من المطِّ، وهو المدّ.

وفي الصلب ثلاث لغات مشهورة، وهي: الصُّلْب، بضم الصاد وسكون اللام، والصُّلُب بضمهما، والصَّلَب بفتحهما؛ ومنه قول العجاج يصف جارية:

ريّا العظام فخمة المخدَّم ... في صَلَب مثل العنان المؤدم

ولغة عربية وهي الصالب، وقال العباس عم النبي -صلى الله عليه وسلم- يمدح النبي عليه السلام:

تَنَّقلَ من صالبٍ إلى رحمٍ ... إذا مضَى عالمُ بدا طبق

الإرداف: الإتباع والاتِّباع وهو بمعنى الأول ههنا. الأعجاز: المآخير، الواحد عَجُز وعَجِز وعَجْز. ناء: مقلوب نأى بمعنى بعد، كما قالوا: راء بمعنى رأى وشاء بمعنى شأى. الكلكل: الصدر والجمع كلاكل. الباء في قوله ناء بكلكل للتعدية، وكذلك هي في قوله: تمطى بصلبه، استعار لليل صلبًا واستعار لطوله لفظ التمطي ليلائم الصلب واستعار لأوائله لفظ الكلكل ولمآخيره لفظ الأعجاز.

يقول: فقلت لليل لما مد صلبه يعني لما أفرط طوله، وأردف أعجازًا يعني ازدادت مآخيره امتدادًا وتطاولًا، وناء بكلكل يعني أبعد صدره، أي: بَعُدَ العهد بأوله، وتلخيص المعنى: قلت لليل لَمّا أفرط طوله وناءت أوائله وازدادت أواخره تطاولًا، وطول الليل ينبئ عن مقاساة الأحزان والشدائد والسهر المتولد منها؛ لأن المغموم يستطيل ليله، والمسرور يستقصر ليله( ) .

ويبالغ الشاعر في وصف طول هذا الليل البهيم، فيستحضر ما فيه من همٍّ لطول الليل عليه ويصوِّر نجومه وكأنها شدَّت بحبال متينة قوية، فلا ينفلت وينقضي، يقول امرؤ القيس واصفًا ذلك في البيت [49]:

فيا لكَ من لَيْلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ ... بأمراسِ كتّانٍ إلى صُمّ جَندَلِ

الأمراس جمع مرس: وهو الحبل، وقد يكون المرس جمع مَرَسة وهو الحبل أيضًا، فتكون الأمراس حينئذ جمع الجمع، وقوله: بأمراس كتّان، من إضافة البعض إلى الكل، أي: بأمراس من كتان، كقولهم: باب حديد، وخاتم فضة، وجبّة خز. الأصم: الصلب، وتأنيثه الصمّاء، والجمع الصُمّ. الجندل: الصخرة، والجمع جنادل.

يقول مخاطبًا الليل: فيا عجبًا لك من ليل كأن نجومه شدت بحبال من الكتان إلى صخور صلاب، وذلك أنه استطال الليل فيقول: إن نجومه لا تزول من أماكنها ولا تغرب، فكأنها مشدودة بحبال إلى صخور صلبة، وإنما استطال الليل لمعاناته الهموم ومقاساته الأحزان فيه، وقوله: بأمراس كتان، يعني ربطت، فحذف الفعل لدلالة الكلام على حذفه. ( )

وكأنما امرؤ القيس في هذا البيت يغازل الجاذبية بصورة أقرب من غيرها، فهذا الشدّ من نجوم الليل إلى صخر صلد قويّ ما هو إلاّ انجذاب إليها، في تصوير من الشاعر لا يخلو أبدًا من التمازُج مع طبيعة الجاذبية التي نحن بصددها.

وحين ننتقل من وصف الليل وطوله ومعاناته فيه، يقف بنا المقام عند لوحة فنية أخرى؛ وهي لوحة وصف ناقته، وقد أفاض في وصف فرسه، حتى إنه قد وصف حدّ المبالغة الشديدة، يقول في مطلع هذه اللوحة الفنية:

وَقَدْ أَغْتَدِي، والطَّيرُ في وُكنَاتِهَا بِمُنْجَردٍ قَيْدِ الأوابِدِ هَيْكلِ

غدا يغدو غدوًا واغتدى اغتداءً واحدًا. الطير جمع طائر؛ مثل الشَّرْب في جمع شارب والتَّجْر في جمع تاجر والركب في جمع راكب. ثم يجمع على الطيور مثل بيت وبيوت وشيخ وشيوخ. الوكنات: مواقع الطير، واحدتها وكنة، وتقلب الواو همزة فيقال أكنة، ثم تجمع الوكنة على الوُكُنات، بضم الفاء والعين، وعلى الوُكَنات، بضم الفاء وفتح العين، وعلى الوُكْنات، بضم الفاء وسكون العين، وتُكَسَّر على الوُكَن، وهذا حكم فعلة نحو ظلمة وظُلُمات وظُلَمات وظُلَم. المنجرد: الماضي في السير، وقيل: بل هو القليل الشعر. الأوابد: الوحوش، وقد أبد الوحش يأبد أبودًا، ومنه تأبد الموضع إذا توحَّش وخلا من القُطَّان، ومنه قيل للفذ آبدة لتوحشه عن الطباع. الهيكل، قال ابن دريد: هو الفرس العظيم الجرم، والجمع الهياكل.

يقول: وقد أغتدي والطير بعد مستقرة على مواقعها التي باتت عليها على فرس ماضٍ في السير قليل الشعر، يقيّد الوحوش بسرعة لحاقه إياها عظيم الألواح والجرم؛ وتحرير المعنى: أنه تمدَّحَ بمعاناة دجى الليل وأهواله، ثم تمدَّحَ بتحمل حقوق العفاة والأضياف والزوار، ثم تمدح بطيّ الفيافي والأودية، ثم أنشأ الآن يتمدح بالفروسية. يقول: وربما باكرت الصيد قبل نهوض الطير من أوكارها على فرس هذه صفته. وقوله: قيد الأوابد جعل لسرعة إدراكه الصيد كالقيد لها لأنها لا يمكنها الفوت منه كما أن المقيد غير متمكن من الفوت والهرب( ).

ليصل بنا إلى هذا المعنى القريب الشبه بما يسمَّى بالجاذبية، يقول واصفًا فرسه:

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا كجُلمودِ صَخرٍ حطَّهُ السيلُ مِنْ عَلِ

الكر: العطف، يقال: كرّ فرسه على عدوه أي: عطفه عليه، والكر والكرور جميعًا الرجوع، يقال: كر على قرنه يكر كرًّا وكرورًا، والْمِكَر مفعل من كرّ يكرّ، ومفعل يتضمن مبالغة كقولهم: فلان مسعر حرب وفلان مقول ومصقَعَ، وإنما جعلوه متضمنًا مبالغة؛ لأن مفعلًا قد يكون من أسماء الأدوات نحو المعول والمكتل والمخرز، فجعل كأنه أداة للكرور وآلة لسعر الحرب وغير ذلك. مِفَرٍّ: مفعل من فرّ يفرّ فرارًا، والكلام فيه نحو الكلام في مِكَرّ. الجلمود والجلمد: الحجر العظيم الصلب، والجمع جلامد وجلاميد. الصخر: الحجر، الواحدة صخرة، وجمع الصخر صخور. الْحَطّ: إلقاء الشيء من علو إلى سفل، يقال: حطه يحطه فانحط. وقوله: من عَلِ أي: من فوق، وفيه سبع لغات، يقال: أتيته من علُ، مضمومة اللام، ومن علو بفتح الواو وضمها وكسرها، ومن عليْ، بياء ساكنة ومن عالٍ مثل قاضٍ، ومن معال، مثل معاد، ولغة ثامنة يقال من علا، وأنشد الفراء.

باتت تنوش الحوض نوشًا من علا ... نوشًا به تقطع أجواز الفلَا

وقوله: كجلمود صخر، من إضافة بعض الشيء إلى كله مثل باب حديد وجبّة خز، أي: كجلمود من صخر.

يقول: هذا الفرس مِكَرّ إذا أريد منه الكرّ، ومِفَرّ إذا أريد منه الفر، ومقبل إذا أريد منه إقباله، ومدبر إذا أريد منه إدباره، وقوله: معًا، يعني أن الكر والفر والإقبال والإدبار مجتمعة في قوته لا في فعله؛ لأن فيها تضادًا، ثم شبهه في سرعة مَرِّه وصلابة خلقه بحجر عظيم ألقاه السيل من مكان عالٍ إلى حضيض. ( )

ثم يأتي الشاعر في البيتيْن التالييْن بما يؤكّد ما فات، يقول:

فيَا لَـكَ مِنْ لَيْـلٍ كَأَنَّ نُجُومَـــــهُ بِـكُلِّ مَغَارِ الفَتْلِ شُدَّتْ بِيَذْبُلِ
كَأَنَّ الثُّرِيَّا عُلِّقَتْ فِي مَصَامِهَا بِأَمْرَاسِ كِتَّانٍ إِلَى صُمِّ جَنـْـــدَلِ

أمّا البيت الأول، فإنَّ شرحه: يقول مخاطبًا الليل: فيا عجبًا لك من ليل كأن نجومه شدت بحبال من الكتان إلى صخور صلاب، وذلك أنه استطال الليل فيقول: إن نجومه لا تزول من أماكنها ولا تغرب، فكأنها مشدودة بحبال إلى صخور صلبة، وإنما استطال الليل لمعاناته الهموم ومقاساته الأحزان فيه، وقوله: بأمراس كتان، يعني ربطت، فحذف الفعل لدلالة الكلام على حذفه؛ ويروى: كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل، وهذا أعرف الروايتين وأسيرهما. الإغارة: إحكام الفتل. يذبل: جبل بعينه. ( )

إنَّ وصف الشاعر لنجوم ليله الطويل الذي لا ينجلي وكأنما هي مشدودة بحبال إلى صخور صلبة، فقد صوّرها مشدودة بحبال إلى جبل يذبل، وهذا إنْ دلَّ على معاناة الشاعر وهمومه ومقاساته الأحزان، فإنما هنا –في إطار القول برؤية امرئ القيس الاستباقية للجاذبية) تبرهن على وجود الجاذبية تلك التي تجذب هذه النجوم فلا تملك الفرار والذهاب.

ويزيد البيت الثاني في هذا الوصف إيضاحًا وتوكيدًا، ولذا تجد شرحه في شرح المعلقات: الأمراس جمع مرس: وهو الحبل، وقد يكون المرس جمع مَرَسة وهو الحبل أيضًا، فتكون الأمراس حينئذٍ جمع الجمع، وقوله: بأمراس كتّان، من إضافة البعض إلى الكل، أي: بأمراس من كتان، كقولهم: باب حديد، وخاتم فضة، وجبّة خز. الأصم: الصلب، وتأنيثه الصمّاء، والجمع الصُمّ. الجندل: الصخرة، والجمع جنادل( ).

وللحديث عن هذيْن البيتيْن الأخيريْن، فإنَّ هنالك رواية مفادها أنَّ العالم الفيزيائي إسحاق نيوتن قد تأثَّر بصحائف للأدب العربي القديم؛ منها معلقة امرئ القيس كاملةً، وقد استقى منها أفكارًا ساقه القدر بسببها في أن يصبح من أعظم علماء التاريخ؛ حيث كان اكتشاف "الجاذبية الأرضية"، يقول راوي هذا السبق: إنَّ إسحق بن نيوتن كان يحفظ عدة صحائف من جلد الغزال العربي القديم تحت سريره مخطوطا عليها معلقة إمرئ القيس بكاملها. ومما لفت نظر ذا فاذر أوف ذا كيتين أن البيتين الواردين أعلاه كانا معلمين بحبر مصنوع من عصير التمر، ومكتوبا حولهما باللغة الإنكليزية : هذه هي، هذه هي، هذه هي. This is it , This is it , This is it

وفي نفس الرواية روى ذا فاذر أوف ذا كيتين أنه أدرك حينها لمذا احمر وجه سيده في حفل ترقيته إلى رتبة لورد عندما رأى على مكتبة الملكة نسخة مترجمة للمعلقات وظل هذا الارتباك مرافقًا إسحاق بن نيوتن طوال الحفلة وكان عرقه يتفصد، وأنه تلعثم وتأتأ باستمرار في خطاب قبول رتبة اللوردية. عندها فهم ذا فاذر أوف ذا كيتين بفطنته وحنكته، العلاقة بين نظرية نيوتن والصحائف العربية، فقام للتغطية على السرقة بإطعامها لبقرة كان نيوتن قد اشتراها أثناء رحلة إلى هولندا.

والآن نعود إلى المحتوى الفيزيائي لهذين البيتين والذين يكشفان دونما شك أنَّ امرأ القيس كان قد اكتشف نظرية الجاذبية قبل نيوتن بنحو من ألف عام، ويمكن استنتاج ما يلي:-

1- من الواضح في البيت الأول أن امرؤ القيس كان يتحدث عن الجاذبية ، وذلك بعد سقوط تمرة على رأسه. فنحن نرى من هذا البيت كيف أن جميع النجوم تجذب بعضها بعضًا ، وحتى يخاطب معاصريه بقدر علمهم ويقرب المعاني لفهمهم، فقد استخدم مثال أن النجوم "تشد" بعضها بعضًا بحبال مفتولة. أمَّا استخدام اسم جبل يذبل، فهي تعبير لطيف من بيئتهم المحيطة عن أن هذه النجوم تتبادل الجاذبية مع الأرض أيضًا.

2- وتشبيه الجاذبية بالربط بالحبال لا يدع مجالاً للشك أنه أدرك أن قوة الجاذبية تعمل على الخط الواصل بين كل جسمين متجاذبين.

3- في البيت الثاني يتعرَّض امرؤ القيس للتكوين الرياضي لقاعدة الجاذبية ، كما يستدل من استخدامه لكلمات "أمراس كتان" ، حين يقول "كأنَّ الثريا علقت في مصامها" مشيرًا إشارة مضللة إلى أنَّ هذه القوة تعتمد عكسيًا على البُعد بين الجسميْن المتجاذبيْن، ويستدل ذلك بسهولة ويسر إذا ما اعتبرنا أنَّ كلمة "مصامها" تدل على الشيء الأصم الذي يستوي في الأسفل؛ بمعنى مقام الكسر الرياضي. أمَّا الاعتماد على عكس مربع المسافة، فيستدل أنه استعمل بيتيْن من الشعر ولو كانت العلاقة مكعبة، لاستعمل ثلاثة أبيات.

4- إنَّ دهاء نيوتن وخفة قلبه في السرقة الفكرية، عجزتا أن تدركا المعنى الأعمق في هذيْن البيتين ، وكان لا بد من الانتظار نحوًا من ثلاثة قرون حتى يأتي آينشتين ، ويسرق النظرية النسبية العامة من هذيْن البيتيْن، فإنَّ استخدام كلمات دالة على الحبل (مغار الفتل، أمراس كتان) ، كانت تصبُّ في صميم النظرية النسبية العامة. فالحبل المعلق بين نقطتيْن يتَّخذ بسبب أثر الجاذبية عليه شكلاً محدَّباً يُسمَّى بلغة الرياضيات Catenary وكما يوضِّح الشكل التالي:

5-الشكل الذي يتخذه حبل امرئ القيس تحت تأثير الجاذبية عندما يعلق من نقطتين
ويسمى هذا الانحناءCatenary( )

الخاتمة والنتائج:

بعد حمد الله تعالى والاعتبار لقوته وقدرته، يتبيَّن ما للكون من عجائب وغرائب، استودعها الخالق سبحانه فيه؛ وما هذا وذاك إلاّ لسعادة البشرية، وتسخيرًا للقوى جميعها في سبيل خدمة بني الإنسان؛ لعلهم يشكرون.

إنَّ الجاذبية الأرضية شأنها شأن العديد من النظريات الإبداعية والحقائق الإلهية تشهد على دقة صنع الله في الكون...وقد استعرض البحث المتواضع دقائق هذه القضية، واسترسل في شرح الظاهرة وتفسيرها، وتاريخ اكتشافها عبر التاريخ، وما كان للعرب في ذلك من شأو بعيد في تحليلها والوقوف عليها بالبحث والدراسة.

وهذا التراث الأدبي التاريخي الخالد؛ ما بصدده البحث الحالي من شعر امرئ القيس "الجاهلي" يعدُّ سبقًا علميًا، تناولته خواطر وأفكار أدبية لأمير الشعر الجاهلي.

وفي ضوء ما سبق، فإنَّ الباحث يمكن له أن يلخص نتائج هذا العمل البحثي في النقاط التالية:-

• أنَّ الجاذبية الأرضية ظاهرة –لا شكَّ- في دقتها والإبداع في صنعها، أيًّا كانت طبيعة مُكتشفها، وأول الواصلين إلى تفسير كُنهها.

• أنَّ المتتبِّع لتفسير تاريخ الظاهرة يتبيَّن أنَّ هذه الظاهرة بدأ العقل الإنساني في تدبُّر حقيقتها، والتأمُّل فيها على فترات متباينة من عمر الإنسان؛ نظرًا لحكمة إلهية في الكون، والدعوة الدائمة من قِبَل المولى جلَّت قدرته في التفكُّر والتأمُّل.

• أنَّ أبيات امرئ القيس –محل الدراسة- وغيرها ممَّا يُعطي دلائل وقرائن على سبقه بمعرفة حقيقة الجاذبية الأرضية افتراضٌ واضحٌ من خلال دراسة الأبيات، والوقوف على شرح وتحليل معانيها، إلاَّ أنَّ امرأ القيس لم يقف على القضية بذاتها، وتحديد اسم الظاهرة، وهذا الرأي يتبنَّاه الشاعر؛ حيث إنَّ الشعراء العرب تناولوا الموضوعات جلُّها إن لم يكن كلها، وفي تصويراتهم وقفوا على ظواهر حياتية واجتماعية وتاريخية ومكانية وغير ذلك، وما كان يعنيهم في إنشادهم وتصويراتهم الشعرية سوى ذلك المجال الخصب من تلك الثروة الأدبية البلاغية الهائلة التي جمعوها، وتباروا فيها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
أولاً: المراجع العربية
1.         ابن منظور،  لسان العرب، الجزء الأول، المكتبة العصرية، لبنان، 2006م.
2.         أبو عمرو الشيباني (ت 206هـ)، شرح المعلقات التسع، الجزء الأول، ت: عبد المجيد همو، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط1، 1422هـ.
3.         أحمد حسن الزيات وآخرون، المعجم الوسيط، الجزء الأول، دار الدعوة، الإسكندرية، ط5، 2011م.
4.         أحمد فؤاد باشا: التراث العلمي الإسلامي.. ،  مجمع البحوث الإسلامية، 1990م.
5.         الحسن بن أحمد الهمداني، الجوهرتين العتيقتين المائعتين من الصفراء والبيضاء، تحقيق ودراسة د. أحمد فؤاد باشا، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 1430هـ.
6.         الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس،  الجزء الثاني، المطبعة الخيرية، مصر، 1888م.
7.         الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين، الجزء الثاني، دمشق، ط15، 2003م.
8.         السيوطي، بغية الوعاة، المكتبة العصرية، لبنان، الجزء الأول، المكتبة العصرية، لبنان، 1384هـ.
9.         صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي (المتوفى: 764هـ)، الوافي بالوفيات، الجزء الثامن، ت: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث، بيروت، 1420هـ- 2000م.
10.       المصطاوي (ت545م)، ديوان امرئ القيس، الجزء الأول، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1425هـ.
ثانيًا: مواقع الإنترنت
(1) امرؤ القيس والإعجاز العلمي، الواحة المصرية، 13/6/2014م)، www.egyptianoasis.net 
(2) https://abjadih.com, 27/5/2017
(3) Chandrasekhar, 2003: 1-2..


ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...