"قررت الشركة – النقل البحري- تحريك الباخرة إلى منطقة أبعد عن الممر المؤدي إلى رصيف ميناء جبل علي في الإمارات! بالفعل هو عكس ما كان متوقعاً. المرحلة الثالثة في التحرك أخطر؛ بعد أربع ساعات من الإبحار المتواصل وقفت الباخرة بتثاقل ملحوظ عكس اتجاه الريح وبسواعد طاقم السطحة تم إنزال المخطاف إلى قاع الخليج ليستقر بين الحجر والرمال. كانت المياه ضحلة وساخنة، وتياراته قوية جداً...".
هذا النص "اختطفته" من رواية (النوتي) للأديب حسن البحار، يحكي رحلة بحرية، ويدخل ضمن ما يسمى بـ (أدب الرحلات).
ولو شرعنا باديء ذي بدء بتعريف أدب الرحلات، لقلنا إنَّ النقاد وجدوا صعوبة في تعريف هذا الجنس الأدبي، للتداخل بينها وبين أجناس سردية أخرى مجاورة، ومنها: السيرة والرواية؛ المشتركة جميعها في عنصر الحكي، ممَّا يؤدي إلى صعوبة القبض على تعريف يجمع في حدِّه الخصوصيات والتنويعات التي تميز النصوص الرحلية عن غيرها، لذا تعدّ كتابة الرحلة على مستوى معرفة التجنيس نوعاً أدبياً غير واضح الحدود. ويمكن القول: انَّه فن سردي يكاد ينافس الرواية من حيث طبيعتها الاستيعابية للظاهرة النصية، وتزيد الرحلة على ذلك بانفتاحها المنهجي ما يجعل منها جنساً أدبياً ضاماً أنماطاً خطابية متنوعة، الأمر الذي يجعلنا نصفه بأنه شكل مائع لا هوية فنية تميزه؛ لمرونته إلى حدِّ كبير إضافة إلى شدة تعقده واحتماله لأنماط وأساليب ومضامين كتابية تبعده عن البساطة الظاهرة لتجعل منه جنساً مركباً وشمولياً وجنس الأجناس.
والكتابة عن رحلة في البحر شيء ممتع للغاية لاسيما للبيئة العراقية المحرومة منه.. فما بالك إذا كان الكاتب نفسه بحاراً؟
ومن المؤكد أنَّ الأديب سيبدع عند تناوله لمهنته فهو أعلم بتفاصيلها ودقائقها. وحسن البحار الذي أمضى شطراً طويلاً من حياته في البحر، وهو القادم من قلعة سكر من ذي قار بلا تجربة بحرية دشَّن مشهداً جديداً للساحة العراقية ألا وهو البحر. وسرد رواياته ونصوصه القصصية بتميز فريد فوقف نقاد عديدون ليتأملوا عمق تجربته البحرية، فروايته "النوتي" كتبت عنها الناقدة خديجة بشار السلالي، والدكتور خليل شكري، والناقد فاضل ثامر وآخرون يطيل المقام بذكرهم.
فالروائي والقاص "حسن البحار" العامل على ظهر البحار، يكتب لنا عن قلقه وخوفه وهواجسه من المحيطات والخلجان التي يجوبها، وعن الأمل والشعور بالأمان عند وقوفه في المراسي والمرافئ وعن مشاهداته ولقاءاته بأناس من مختلف الأجناس والسحنات والمعتقدات والثقافات، ويسرد لنا مشاهد حقيقية من مديات الحبكة الكتابية ودلالات السرد الرحلوي عن البِحار والمراسي في مختلف بقاع العالم، تحت مسمى رحلة.
وممَّا لاشك فيه أنَّ السفن التي تطفو على البحر تحتاج ملاحة وبحارة ماهرين للسيطرة عليه وعلى المشاعر والأحاسيس التي تتفجر في سفينة عائمة فوق بحر ومحيط بالإضافة إلى ثقل مسؤولية الركاب والبضائع، فتلك الحالة الإنسانية والحوار الذاتي معين لا ينضب للأديب للكتابة عنه بعمق وتفصيل كاتِّساع البحر.
فالفضاءات البحرية الواسعة المفتوحة على عوالم الغرابة والمغامرة تجذب الأديب ليبوح بمكنونات نفسه وقلقه وهواجسه، كما يقول القاص والروائي حسن علي البحار، ولها فعل عجيب في فتح عوالم الإبداع لقلمه ولخياله بل قد يستعير حتى ألوانه في سردياته كما حدث في رواية (بحر أزرق.. قمر أبيض).
وأخيراً وجد أدب الرحلات في العراق مَنْ يكتب عنه، وتسمية البحر وجدت لها من يتناولها بحسٍ مرهفٍ وينال قصب السبق فيها، فتجربة الروائي والقاص حسن البحار من التجارب القليلة في الأدب العربي وليس العراقي فحسب.
هذا النص "اختطفته" من رواية (النوتي) للأديب حسن البحار، يحكي رحلة بحرية، ويدخل ضمن ما يسمى بـ (أدب الرحلات).
ولو شرعنا باديء ذي بدء بتعريف أدب الرحلات، لقلنا إنَّ النقاد وجدوا صعوبة في تعريف هذا الجنس الأدبي، للتداخل بينها وبين أجناس سردية أخرى مجاورة، ومنها: السيرة والرواية؛ المشتركة جميعها في عنصر الحكي، ممَّا يؤدي إلى صعوبة القبض على تعريف يجمع في حدِّه الخصوصيات والتنويعات التي تميز النصوص الرحلية عن غيرها، لذا تعدّ كتابة الرحلة على مستوى معرفة التجنيس نوعاً أدبياً غير واضح الحدود. ويمكن القول: انَّه فن سردي يكاد ينافس الرواية من حيث طبيعتها الاستيعابية للظاهرة النصية، وتزيد الرحلة على ذلك بانفتاحها المنهجي ما يجعل منها جنساً أدبياً ضاماً أنماطاً خطابية متنوعة، الأمر الذي يجعلنا نصفه بأنه شكل مائع لا هوية فنية تميزه؛ لمرونته إلى حدِّ كبير إضافة إلى شدة تعقده واحتماله لأنماط وأساليب ومضامين كتابية تبعده عن البساطة الظاهرة لتجعل منه جنساً مركباً وشمولياً وجنس الأجناس.
والكتابة عن رحلة في البحر شيء ممتع للغاية لاسيما للبيئة العراقية المحرومة منه.. فما بالك إذا كان الكاتب نفسه بحاراً؟
ومن المؤكد أنَّ الأديب سيبدع عند تناوله لمهنته فهو أعلم بتفاصيلها ودقائقها. وحسن البحار الذي أمضى شطراً طويلاً من حياته في البحر، وهو القادم من قلعة سكر من ذي قار بلا تجربة بحرية دشَّن مشهداً جديداً للساحة العراقية ألا وهو البحر. وسرد رواياته ونصوصه القصصية بتميز فريد فوقف نقاد عديدون ليتأملوا عمق تجربته البحرية، فروايته "النوتي" كتبت عنها الناقدة خديجة بشار السلالي، والدكتور خليل شكري، والناقد فاضل ثامر وآخرون يطيل المقام بذكرهم.
فالروائي والقاص "حسن البحار" العامل على ظهر البحار، يكتب لنا عن قلقه وخوفه وهواجسه من المحيطات والخلجان التي يجوبها، وعن الأمل والشعور بالأمان عند وقوفه في المراسي والمرافئ وعن مشاهداته ولقاءاته بأناس من مختلف الأجناس والسحنات والمعتقدات والثقافات، ويسرد لنا مشاهد حقيقية من مديات الحبكة الكتابية ودلالات السرد الرحلوي عن البِحار والمراسي في مختلف بقاع العالم، تحت مسمى رحلة.
وممَّا لاشك فيه أنَّ السفن التي تطفو على البحر تحتاج ملاحة وبحارة ماهرين للسيطرة عليه وعلى المشاعر والأحاسيس التي تتفجر في سفينة عائمة فوق بحر ومحيط بالإضافة إلى ثقل مسؤولية الركاب والبضائع، فتلك الحالة الإنسانية والحوار الذاتي معين لا ينضب للأديب للكتابة عنه بعمق وتفصيل كاتِّساع البحر.
فالفضاءات البحرية الواسعة المفتوحة على عوالم الغرابة والمغامرة تجذب الأديب ليبوح بمكنونات نفسه وقلقه وهواجسه، كما يقول القاص والروائي حسن علي البحار، ولها فعل عجيب في فتح عوالم الإبداع لقلمه ولخياله بل قد يستعير حتى ألوانه في سردياته كما حدث في رواية (بحر أزرق.. قمر أبيض).
وأخيراً وجد أدب الرحلات في العراق مَنْ يكتب عنه، وتسمية البحر وجدت لها من يتناولها بحسٍ مرهفٍ وينال قصب السبق فيها، فتجربة الروائي والقاص حسن البحار من التجارب القليلة في الأدب العربي وليس العراقي فحسب.
*زينب فخري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق