حملها على سيارته الفارهة من نوع "4×4" الرباعية الدفع ..لا ينبس ببنت شفة وكأن على رأسه حط الطير .. وأمه تتحدث إليه وبين كل كلمة وكلمة منها تخرج تنهيدة ترتجف لها الأبدان ويسمعها حتى من بالقبور إلا آذان إبنها الفاطمي ..
واسترسلت في حديثها الشجي.. حملتك وَهْنا على وَهَن وقد توفي والدك في حادثة سير مفجعة . وأنت مضغة قطعة من لحم لم تكتمل في أحشائي بعد .
ولم أتزوج بعد وفاته حرصا مني عليك .. فاشتغلت خادمة في البيوت وحقول القطن وبمعامل تصبير السمك .. أحمل إليك اللقمة والفرحة ، و ما كان يبدد شقائي ويذهب عني الحزن غير ابتسامة أراها على شفتيك فأسعى جاهدة من أجل أن تكبر مثل أقرانك، لا آكل حتى تشبع ولا أنام حتى تنام .. واشتد عودك، وأصبحت يافعا، تحسدني الأمهات عليك، وأتباهى بك وأنت تتقدم بنجاح تلو نجاح في دراستك وجامعتك؛ إلى أن صرت على ما أنت عليه من الحظوة بين الناس، عندك خدم وحشم يأتمرون بأمرك ويمتثلون لنهيك ولك من الجاه والسلطان والقوة والبأس، ومكانتك العلمية يشهد لك بها .
رفع الفاطمي من صوت مذياع السيارة حتى لا يسمع مزيدا من كلام أمه ، وعند منعرج خطر يسمى في المنطقة الشرقية للبلاد "بالكًربوز" أوقف محرك عربته، وأنزل أمه وأجلسها على حافة المنحدر ، ووضع رسالة على ركبتيها وقال لها :
انتظريني سأعود حالا ؛ سأجلب فقط بعضا من البنزين المهرب وقود السيارة وأعود .
مرت الساعات ، وأرخى الليل بظلاله، ولا حركة لأقدام البشر غير ضجيج السيارات والشاحنات العابرة بسرعة فائقة .
وفي إطار الحملة التمشيطية التي تقوم بها دورية الدرك الملكي باعتبار المنطقة حدود مغلقة بين الدولتين المغرب والجزائر، لفت انتباههم تواجد امرأة عجوز في هذا المكان الخطر وفي هذه الساعة المتأخرة .
نزل رجال الدرك من سيارتهم، يتقدمهم رئيسهم متجهين نحو المرأة، وما أن لمحتهم حتى قامت مفزوعة صارخة ومستفسرة:
هل من مكروه اصاب ابني ؟ هل وقع له حادث ..؟
هدأ الرقيب من روعها ، وسألها بلطف :
ماذا تفعلين في هذا المكان، وفي هذه الساعة من الليل..؟
فردت العجوز:
أنتظر ولدي
قال الدركي:
من هو ولدك ..؟
ولدي تحفة المجالس وزينة رجال المدينة وسيد من أسيادها ..
من تقصدين يا خالة؛ قال الضابط .
فأجابت باعتزاز وافتخار
أنا أم الأستاذ الفاطمي ..
علت الدهشة الوجوه وفغرت الأفواه وقال أحدهم: الأستاذ الفاطمي الدكتور المفكر والأديب صاحب ديوان رئيس مجلس ..!؟
فقاطعته الخالة رقية:
وصاحب البر والإحسان ابني فلذة كبدي .
نظر الضابط إلى الرسالة وقد سقطت منها عند قدميها، فانحنى وأخذها وفتحها فقرأ ما كًتب بها، فسالت الدمعة من عينيه .. وحمل العجوز على متن " الجيب " العسكرية واتصل في الحين بالسيد الوكيل العام للملك عبر جهاز اللآسلكي وأطلعه على الحالة .
فأصدر معاليه أمره بتقديم وإحضار الأستاذ الفاطمي على هيئته ، داهم رجال الدرك مقر سكناه ؛ وتم تقديمه للسيد الوكيل العام، وواجهه بالمنسوب إليه متهما إياه بإهمال والدته وبتعريض حياة إنسان للخطر ، وطلب منه أن يقرأ على مسامعه ما كتب بالظرف .
لم يتمالك الأستاذ الفاطمي نفسه وخر ساقطا، والضابط يقرأ نص الرسالة: من وجد هذه السيدة فلينزلها بدار المسنين وأجره على الله .
أجهش الفاطمي بالبكاء وقال : في لحظة ضعف كنت مجبرا تحت ضغط وإكراه من زوجتي، وأنتم تعلمون أن والدها هو الحاج أبو نزار وقد خيرتني بينها وبين أمي .. وخشيت على مكانتي وضياع هيبتي ومصالحي مع أبيها ووسوس الشيطان إلي وقادتني نفسي الأمارة بالسوء إلى هذه النتيجة .
نظر الجميع إليه باستخفاف وازدراء .. وأمر الوكيل العام بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق من أجل تعميق البحث والمتابعة إلى حين عرضه على قاضي الموضوع لتقول العدالة كلمتها .
وفي صباح اليوم الموالي، ورد نبأ نعي إلى المحكمة بوفاة الخالة رقية المهملة على إثر نوبة قلبية .
وانقضت الدعوة العمومية وعند الله القضية مستمرة والحقوق لا تضيع
واسترسلت في حديثها الشجي.. حملتك وَهْنا على وَهَن وقد توفي والدك في حادثة سير مفجعة . وأنت مضغة قطعة من لحم لم تكتمل في أحشائي بعد .
ولم أتزوج بعد وفاته حرصا مني عليك .. فاشتغلت خادمة في البيوت وحقول القطن وبمعامل تصبير السمك .. أحمل إليك اللقمة والفرحة ، و ما كان يبدد شقائي ويذهب عني الحزن غير ابتسامة أراها على شفتيك فأسعى جاهدة من أجل أن تكبر مثل أقرانك، لا آكل حتى تشبع ولا أنام حتى تنام .. واشتد عودك، وأصبحت يافعا، تحسدني الأمهات عليك، وأتباهى بك وأنت تتقدم بنجاح تلو نجاح في دراستك وجامعتك؛ إلى أن صرت على ما أنت عليه من الحظوة بين الناس، عندك خدم وحشم يأتمرون بأمرك ويمتثلون لنهيك ولك من الجاه والسلطان والقوة والبأس، ومكانتك العلمية يشهد لك بها .
رفع الفاطمي من صوت مذياع السيارة حتى لا يسمع مزيدا من كلام أمه ، وعند منعرج خطر يسمى في المنطقة الشرقية للبلاد "بالكًربوز" أوقف محرك عربته، وأنزل أمه وأجلسها على حافة المنحدر ، ووضع رسالة على ركبتيها وقال لها :
انتظريني سأعود حالا ؛ سأجلب فقط بعضا من البنزين المهرب وقود السيارة وأعود .
مرت الساعات ، وأرخى الليل بظلاله، ولا حركة لأقدام البشر غير ضجيج السيارات والشاحنات العابرة بسرعة فائقة .
وفي إطار الحملة التمشيطية التي تقوم بها دورية الدرك الملكي باعتبار المنطقة حدود مغلقة بين الدولتين المغرب والجزائر، لفت انتباههم تواجد امرأة عجوز في هذا المكان الخطر وفي هذه الساعة المتأخرة .
نزل رجال الدرك من سيارتهم، يتقدمهم رئيسهم متجهين نحو المرأة، وما أن لمحتهم حتى قامت مفزوعة صارخة ومستفسرة:
هل من مكروه اصاب ابني ؟ هل وقع له حادث ..؟
هدأ الرقيب من روعها ، وسألها بلطف :
ماذا تفعلين في هذا المكان، وفي هذه الساعة من الليل..؟
فردت العجوز:
أنتظر ولدي
قال الدركي:
من هو ولدك ..؟
ولدي تحفة المجالس وزينة رجال المدينة وسيد من أسيادها ..
من تقصدين يا خالة؛ قال الضابط .
فأجابت باعتزاز وافتخار
أنا أم الأستاذ الفاطمي ..
علت الدهشة الوجوه وفغرت الأفواه وقال أحدهم: الأستاذ الفاطمي الدكتور المفكر والأديب صاحب ديوان رئيس مجلس ..!؟
فقاطعته الخالة رقية:
وصاحب البر والإحسان ابني فلذة كبدي .
نظر الضابط إلى الرسالة وقد سقطت منها عند قدميها، فانحنى وأخذها وفتحها فقرأ ما كًتب بها، فسالت الدمعة من عينيه .. وحمل العجوز على متن " الجيب " العسكرية واتصل في الحين بالسيد الوكيل العام للملك عبر جهاز اللآسلكي وأطلعه على الحالة .
فأصدر معاليه أمره بتقديم وإحضار الأستاذ الفاطمي على هيئته ، داهم رجال الدرك مقر سكناه ؛ وتم تقديمه للسيد الوكيل العام، وواجهه بالمنسوب إليه متهما إياه بإهمال والدته وبتعريض حياة إنسان للخطر ، وطلب منه أن يقرأ على مسامعه ما كتب بالظرف .
لم يتمالك الأستاذ الفاطمي نفسه وخر ساقطا، والضابط يقرأ نص الرسالة: من وجد هذه السيدة فلينزلها بدار المسنين وأجره على الله .
أجهش الفاطمي بالبكاء وقال : في لحظة ضعف كنت مجبرا تحت ضغط وإكراه من زوجتي، وأنتم تعلمون أن والدها هو الحاج أبو نزار وقد خيرتني بينها وبين أمي .. وخشيت على مكانتي وضياع هيبتي ومصالحي مع أبيها ووسوس الشيطان إلي وقادتني نفسي الأمارة بالسوء إلى هذه النتيجة .
نظر الجميع إليه باستخفاف وازدراء .. وأمر الوكيل العام بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق من أجل تعميق البحث والمتابعة إلى حين عرضه على قاضي الموضوع لتقول العدالة كلمتها .
وفي صباح اليوم الموالي، ورد نبأ نعي إلى المحكمة بوفاة الخالة رقية المهملة على إثر نوبة قلبية .
وانقضت الدعوة العمومية وعند الله القضية مستمرة والحقوق لا تضيع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق