ما إن خطت أولى خطواتها على متن الباخرة حتى قابلها وجهه الحزين فلمحت فيه قصصا و ملاحم الزمان مرتسمة على محياه الجميل فوجهت نحوه عدسة الكاميرا وقد صممت تدوين اللحظة قبل العودة إلى وطنها البعيد فهاج وماج وطلب منها تركه فهو في غنى عن صورها فاقتربت منه خفيفة الخطى كنسمة صيف و خاطبته بلغتها الأجنبية:”ارجوك لا تحرمني شرف اللحظة فالكاميرا أحبت وجهك ” و ما كانت تتصور أنه يتقن لغتها بدرجة كبيرة وطريقة أنيقة جعلتها تنزل التها عن وجهه وتنصت إليه في انبهار جلي… تحدث وتحدث ثم صاح:”ماذا تصورين ؟اتصورين وجهي أم ألمي ؟انا فار من بلدي تحت وابل اسلحتكم الموبوءة ،انا تركت عروسي بين أطنان الحديد والاسفلت في حلب ،اترين أنا فار ، أنا محزون ولكن سأعود يوما إلى بلدي ساحاربهم حرفا وكلمة و أفضح مؤامراتهم ودسائسهم فلا تظني أني جبان فنحن سلالة لا نهاب الموت ولكننا نعشق شربها كرامة وانفة و شرفا ” جلست على أرضية الباخرة وقابلته تتأمل نظرات التحدي في عينيه ودون استئذان شبكت أصابع يدها في يده وهتفت:” قف يا فتى ولا تجمعني وزمرة الشياطين فأنا صحفية حرة جئت هنا لأقف بنفسي على الحقائق بعيدا عن نشرات التسويف ولكن قلبي فر من ألم الأطفال والعجائز فدونت فظاعاتهم وارتميت في الباخرة لا خوفا بل ألما ووجيعة سأكون معك في بلدي فلا تبتئس يا ابن حلب ” تواصلت الرحلة حتى أطلت الباخرة على الشواطئ الايطالية وهناك بدأت حكاية النضال والعشق. اتصل بها ليلا ليشكرها على صنيعها فقال:”سيدتي انحني أمام مفرداتك وكلماتك المورقة جمالا و أعمالك النابضة صدقا و أتمنى أن تكوني صديقة القلب والروح فأنت امرأة كالوطن…” استمعت إلى كلماته المليئة حرارة الشرق فتوردت وجنتاها واجابته باقتضاب :”يا ويلي من جمال كلامكم و حرارة سلامكم. “وتركت الهاتف بعيدا عنها حتى لا تخونها العاطفة فتعاوده كي تتمتع بلذيذ صوته وقضت ليلتها ضاجة سابحة في أحلامها مع هذا الشرقي الجريء . وتواصلت رحلة النضال بينها فمنحته مساحة في مجلتها ووفرت له السكن وسعت معه الظفر بعمل يظمن كرامته فاحتلته واستوطنت قلبه وصار أسيرا لروحها الجميلة فبعث لها يبغي لقاءها على شاطئ البحر وهناك في الفضاء المفتوح على الريح أمسك بيديها وقال:”غاليتي يدفعني الشوق إليك يا سيدة العطر واميرة البنفسج ، أنت جنة وريحانة محبة ،انت أميرة مميزة عن كل النساء فهلا سمحت لي بتقبيل يدك الرقيقة… أميرتي أحلم أن اجالسك فجرا صحبة فنجان قهوة نتقاسمه ونتحدث عن انسدال عباءة الليل ونضح الحكايات فلقد بعثرتني ودخلت القلب دون استئذان وصرت قصيدة كتبت بماء الحب على جدار الجنة فلا تحرميني منك ودعيني أبحر فيك فإني أرى بداخلك ثورة ساقودها بنفسي و أحرر أحلامك المزروعة ظلا… أميرتي دعينا نلتقي ونتقاسم المساء ليولد الفجر بيننا على فنجان قهوة و صوت فيروز وندمج جنوب الضيم بشمال الحلم ولا تسأليني عن وطني فهو أبي وكل الدنيا وطني وسنعود يوما لنحتفل في حلب… أميرتي سأحتل قلاعك وأرفع فيها علم الحب ولست بمحتال جميلتي بل مغرم بك أيتها الساحرة والانسانة بامتياز…. اه منك يا صبية سادمنك وادمن عطرك وألوانك فاستفتي في عشقي قلبك وانسي أسرارك و سانسى اسراري ليكون سرنا الوحيد حبا صادقا يدوم…يا حلوتي أنت صديقتي و قصيدتي و حبيبتي و أميرتي وحين نلتقي مساء ستعشقين البقاء معي ولا تقولي أنني مغرور….” وانفجر ضحكا صادقا فتقدمت نحو مياه البحر وقالت في هدوء:”سنلتقي وستعشق البقاء معي ولا تقل عني مغرورة….”
تحميل كتاب مسمار جحا لـ على أحمد باكثير
-
تحميل كتاب مسمار جحا لـ على أحمد باكثير لتحميل الكتاب من قسم: مسرحيات عن
هذا الكتاب: هذه المسرحية نكتشف مذاق جديد يتجلى حس الفكاهة والسخرية على لسان
جحا و...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق