مثانة تكاد تنفجر ..
يحاول ضبط مياه يشعر أنّها ستنساب على قدميه،
يتحرقص لا مجال لديه أكثر ..
أشياء كثيرة يُمكن ضبطها
وأخرى تبقى بلا حيلة منها هذه القطرات المُحرجة
التي لا يملك المرء لها إرادة بعض أحيان..
هذا القميص الوردي الذي تمزق لبسه حين ذهب لمقابلتها
في مطعم أبو شفيق..
يتخيّلها بين صديقاتها تشاغب كعادتها
ويعلو ضجيج فرح وسط مكان يعجّ بأريج مرح أرجواني
وأناس تعشق بياض البساطة واخضرار الحياة ..
ما أحلى مُنتزه الربوة بجبله الساحر وأشجاره الباسمة
وما أحلى ضحكاتها العالية لولا صديقاتها ضممتها إلى صدري الآن وصرختُ: أحبّك كمَا أنت يا شقيّة ..
مَا كانَ يدري أنّها ستمتلك زوايا رأسه
وسكين حادّة تحزّ رقبته الطويلة،
للأسف لا يستطيع لمسها وهي تتربّع بكامل أناقتها مُقابل وجهه الحنطي الوسيم على مقربة مَا كان
ليتجرأ أنْ يحلم فيها ذات شهوة ..
ركلات قويّة بينَ كتفيه تجعله يُغيّر مسار تفكيره الأخضر، يشعرُ بألم جسد مربوط وروح تسبح هاربة في أمور بعيدة، تارة تبحرُ في لجّة باسمة ومرّة تعتصرُ مُهجة مُكتنزة
بدموع دفينة ..
يفكرُ على مضض كيف لفّ ذلك المُقنع يديه خلف ظهره العريض بحبل متين
وشيأه مع عمود خشبي مُلطخا بالدم
ويسيلُ قهره مَغمُوساً بعرق الدهشة ليغمر
مساحات مجهولة المعالم.
- ذنبي أنني طيّب كمَا يبدو، أوقفتُ سيارتي كي أنقلهم ظننتهم مقطوعين على الطريق، لعنة الله على هذه الحال
ما كنت أتخيّل الأمور واصلة إلى هذه الدرجة، آه واللحم في السيارة سيفسد خلال ساعات إنْ لمْ أسلمه ..
يسمعُ أنيناً خافتاً وراء حائط يعلو قامته الممشوقة لبنتين، يُحاول رفع رأسه إلى الأعلى يركله المقنع على عموده الفقري ركلة تفوق التحمل، يشدّ أعصاباً تكاد تخرج من آسر الجسد ..
- تراه أخي؟ أمْ أنّ هناك غيرنا بين أيديهم؟ لنْ أسامح نفسي إنْ حصل له مكروه
هو مريض بالقلب وفكرة السفر كانت فكرتي، يا الله هلْ ..؟
يَا ربّ تخلصنا على أهون سبب، ما الذنب الذي ارتكبنا كي نلاقي هذا المصير؟ أخ يا أمّي دخيل الله الظلم حرام لو يفك الحبال ويقاتلني رجل لرجل كي يرى لكن كيف سيهرب
مِن ربّ العالمين؟
تعود ذاكرته نحو أمّه بملامحها الدمشقيّة الطيبة الطريّة ..
- والله قلبي مقبوض مَن السفر لا تتأخروا (ياموا) كرمال الله لا تنسوا لبن الغنم مِن حماة.
نظرات جذابة تسحبه فيبتسمُ ابتسامة فستقيّة تغيظ المخلوق الفاقد الرحمة
فيزيد استعراض عضلاته على المُقيّد التعس ..
عطش إلى قطرة مِن عذب بردى وجوع إلى لقيمات
مِن صنع أمّ حنون
وشوق إلى سيجارة وضجيج عشق يسكن تفاصيله وضربات متتالية مهينة مُوجعة ..
رائحة نتنة تحيط مكاناً مُنعزلاً وذباب كثير وقلق أكثر مِن قادم مجهول النوايا..
صوت عريض أجش يملأ الفراغ البائس: - آخر مرّة راح أسألك أنت مع الرئيس يا حقير.
لا يُجيب.
- مَن أنا لأكون ضده أو معه؟ يسألُ ذاته قبلَ أنْ ينبس بحرف، ما لي أنا ولرئيس الجمهورية، أنا لا أتدخل بالسياسة مِن يوم يومي، مَاذا أقول لهذا المخلوق وماذا يفيده جوابي العقيم؟
يعود ويبتسم ابتسامة واضحة مُستصغراً وضعه الاجتماعي البسيط ويجنّ جنون المُقنع ..
يلبسه وحش كاسر، ينقضّ عليه وضربات تركعه على بلوك مُكسر غائباً عن الوعي ..
الحزن الحاضر يتعملق بكامل حضوره يتربع ويستطيل ويستدير ويتخلل المُخيّلة لقطات بيضاء ليبدو المشهد كرقعة شطرنج الفوز فيها للأعنف في زمن يتعامى ..
يستفيق على رائحة شواء ومياه فاترة بينَ قدميه تفوح وتستجير،
ينفضُ رأسه ويتذكر: -آه ليس كابوساً هذا واقع إذاً ..
يستدير قليلاُ ويتأمل المقنع الذي ينفث الدخان في وجه الفراغ المُريب.
- تراه مِن أين يأتي بكلّ هذه القسوة كأنه إسرائيلي المنبت؟
مَن أوصل بلدنا إلى هذا الجنون؟
يصرخ: - ماذا تريدون؟.
- سألتك أنت مع الرئيس؟.
- أنا مع الله وحده.
- سترى الله على أيّة حال يا كافر.
ضحكات شريرة تضجّ مع وخز سكينة جاحدة تنهال على ظهر مكشوف
مع رائحة دخان وطعم وجع فظيع تمرّ ثواني بلون حقد مُكفهر ومذاق مُعلقم.
أحدهم يأتي لاهثاً: خفيت السيارة ووزعت الفراريج بالتساوي وتركت مَا يكفينا اليوم ورايح صلّي المغرب، حاكم المغرب غريب يا أخي.
- صلي وتعال بسرعة لنشرب شاي ونشوف كيف راح نتصرف.
يخفض صوته: ( راح يجنني قرّب يفطس وعم يتبسم المجنون).
- والمنقوع بالطرف الثاني؟.
- اتكل مِن ساعة الله أخذ أمانته.
- رحمة الله عليه أخي أو أيّاً كان .
يتخيّل ابن أخيه يهرول حافياً: لا تتأخر بابا ولا تنسى حلاوة الجبن وبدي بوط رياضة كمان باقي للمدرسة يومين.
ينهض ويضرب بلا رحمة بعزم حيوان غابة وحشيّة
ودماء بلون شقائق النعمان تسقي بقعة أرض طيبة لكنها مُشققة ..
ربّمَا هي الثمن لغد جميل ..
يستدرجُ حبيبته كي يخرج مِن مصيدة العذاب
وتأتي مُلبيّة تلبس طيبتها الريفيّة وغنج أنثى راغبة ..
يبتسمُ ابتسامة كبيرة بحجم شوقه وبقدرة رحيمة ينعدمُ الألم ..
وحده يعومُ فوقَ غيمات طريّة الآن لا يزعجه أحد، يرى شجرة الياسمين الكبيرة القابعة على زاوية بيتها، تلك التي يقطف أزهارها الناصعة كلّ يوم ويلفها بمنديل أبيض وينثرها على وسادة
عطشى تنتظر أنفاسها ذات قدر ..
تدنو حبيبته برفق وترسمُ قبلة طويلة على شفتيه المفتوحتين ويرتوي عطش دفين ويستكين
وتبدأ بالغناء الشجي: "يا رايحين لحلب حبّي معكن راح، يامحملين العنب تحت العنب تفاح، كلّ مين وليفه معه وأنا وليفي راح، يا ربّي نسمة هوا تردّ الولف ليا .."
ينتشي ويبتسم أكثر فأكثر وأكثر ويحلّقُ بخفّة فوقَ جبل قاسيون،
مُرفرفاً يرقبُ جوامع دمشق وكنائسها الشامخة ويهطلُ مطر كثير يُبلل جميع السطوح
دون تمييز لتفوح رائحة زكية تتغلغل روح الأثير ..
بين عواء كلاب شاردة ومُقنع لئيم لا يزال يضربُ
بكلّ قوته على عمود خشبي
تتوزع ضربات عمياء على جسم الهواء ..
تلهث سماء
وطرقات وتتفتت تربة نديّة وثمّة ابتسامة بقيت حاضرة.
*هُدى محمد وجيه الجلاّب
يحاول ضبط مياه يشعر أنّها ستنساب على قدميه،
يتحرقص لا مجال لديه أكثر ..
أشياء كثيرة يُمكن ضبطها
وأخرى تبقى بلا حيلة منها هذه القطرات المُحرجة
التي لا يملك المرء لها إرادة بعض أحيان..
هذا القميص الوردي الذي تمزق لبسه حين ذهب لمقابلتها
في مطعم أبو شفيق..
يتخيّلها بين صديقاتها تشاغب كعادتها
ويعلو ضجيج فرح وسط مكان يعجّ بأريج مرح أرجواني
وأناس تعشق بياض البساطة واخضرار الحياة ..
ما أحلى مُنتزه الربوة بجبله الساحر وأشجاره الباسمة
وما أحلى ضحكاتها العالية لولا صديقاتها ضممتها إلى صدري الآن وصرختُ: أحبّك كمَا أنت يا شقيّة ..
مَا كانَ يدري أنّها ستمتلك زوايا رأسه
وسكين حادّة تحزّ رقبته الطويلة،
للأسف لا يستطيع لمسها وهي تتربّع بكامل أناقتها مُقابل وجهه الحنطي الوسيم على مقربة مَا كان
ليتجرأ أنْ يحلم فيها ذات شهوة ..
ركلات قويّة بينَ كتفيه تجعله يُغيّر مسار تفكيره الأخضر، يشعرُ بألم جسد مربوط وروح تسبح هاربة في أمور بعيدة، تارة تبحرُ في لجّة باسمة ومرّة تعتصرُ مُهجة مُكتنزة
بدموع دفينة ..
يفكرُ على مضض كيف لفّ ذلك المُقنع يديه خلف ظهره العريض بحبل متين
وشيأه مع عمود خشبي مُلطخا بالدم
ويسيلُ قهره مَغمُوساً بعرق الدهشة ليغمر
مساحات مجهولة المعالم.
- ذنبي أنني طيّب كمَا يبدو، أوقفتُ سيارتي كي أنقلهم ظننتهم مقطوعين على الطريق، لعنة الله على هذه الحال
ما كنت أتخيّل الأمور واصلة إلى هذه الدرجة، آه واللحم في السيارة سيفسد خلال ساعات إنْ لمْ أسلمه ..
يسمعُ أنيناً خافتاً وراء حائط يعلو قامته الممشوقة لبنتين، يُحاول رفع رأسه إلى الأعلى يركله المقنع على عموده الفقري ركلة تفوق التحمل، يشدّ أعصاباً تكاد تخرج من آسر الجسد ..
- تراه أخي؟ أمْ أنّ هناك غيرنا بين أيديهم؟ لنْ أسامح نفسي إنْ حصل له مكروه
هو مريض بالقلب وفكرة السفر كانت فكرتي، يا الله هلْ ..؟
يَا ربّ تخلصنا على أهون سبب، ما الذنب الذي ارتكبنا كي نلاقي هذا المصير؟ أخ يا أمّي دخيل الله الظلم حرام لو يفك الحبال ويقاتلني رجل لرجل كي يرى لكن كيف سيهرب
مِن ربّ العالمين؟
تعود ذاكرته نحو أمّه بملامحها الدمشقيّة الطيبة الطريّة ..
- والله قلبي مقبوض مَن السفر لا تتأخروا (ياموا) كرمال الله لا تنسوا لبن الغنم مِن حماة.
نظرات جذابة تسحبه فيبتسمُ ابتسامة فستقيّة تغيظ المخلوق الفاقد الرحمة
فيزيد استعراض عضلاته على المُقيّد التعس ..
عطش إلى قطرة مِن عذب بردى وجوع إلى لقيمات
مِن صنع أمّ حنون
وشوق إلى سيجارة وضجيج عشق يسكن تفاصيله وضربات متتالية مهينة مُوجعة ..
رائحة نتنة تحيط مكاناً مُنعزلاً وذباب كثير وقلق أكثر مِن قادم مجهول النوايا..
صوت عريض أجش يملأ الفراغ البائس: - آخر مرّة راح أسألك أنت مع الرئيس يا حقير.
لا يُجيب.
- مَن أنا لأكون ضده أو معه؟ يسألُ ذاته قبلَ أنْ ينبس بحرف، ما لي أنا ولرئيس الجمهورية، أنا لا أتدخل بالسياسة مِن يوم يومي، مَاذا أقول لهذا المخلوق وماذا يفيده جوابي العقيم؟
يعود ويبتسم ابتسامة واضحة مُستصغراً وضعه الاجتماعي البسيط ويجنّ جنون المُقنع ..
يلبسه وحش كاسر، ينقضّ عليه وضربات تركعه على بلوك مُكسر غائباً عن الوعي ..
الحزن الحاضر يتعملق بكامل حضوره يتربع ويستطيل ويستدير ويتخلل المُخيّلة لقطات بيضاء ليبدو المشهد كرقعة شطرنج الفوز فيها للأعنف في زمن يتعامى ..
يستفيق على رائحة شواء ومياه فاترة بينَ قدميه تفوح وتستجير،
ينفضُ رأسه ويتذكر: -آه ليس كابوساً هذا واقع إذاً ..
يستدير قليلاُ ويتأمل المقنع الذي ينفث الدخان في وجه الفراغ المُريب.
- تراه مِن أين يأتي بكلّ هذه القسوة كأنه إسرائيلي المنبت؟
مَن أوصل بلدنا إلى هذا الجنون؟
يصرخ: - ماذا تريدون؟.
- سألتك أنت مع الرئيس؟.
- أنا مع الله وحده.
- سترى الله على أيّة حال يا كافر.
ضحكات شريرة تضجّ مع وخز سكينة جاحدة تنهال على ظهر مكشوف
مع رائحة دخان وطعم وجع فظيع تمرّ ثواني بلون حقد مُكفهر ومذاق مُعلقم.
أحدهم يأتي لاهثاً: خفيت السيارة ووزعت الفراريج بالتساوي وتركت مَا يكفينا اليوم ورايح صلّي المغرب، حاكم المغرب غريب يا أخي.
- صلي وتعال بسرعة لنشرب شاي ونشوف كيف راح نتصرف.
يخفض صوته: ( راح يجنني قرّب يفطس وعم يتبسم المجنون).
- والمنقوع بالطرف الثاني؟.
- اتكل مِن ساعة الله أخذ أمانته.
- رحمة الله عليه أخي أو أيّاً كان .
يتخيّل ابن أخيه يهرول حافياً: لا تتأخر بابا ولا تنسى حلاوة الجبن وبدي بوط رياضة كمان باقي للمدرسة يومين.
ينهض ويضرب بلا رحمة بعزم حيوان غابة وحشيّة
ودماء بلون شقائق النعمان تسقي بقعة أرض طيبة لكنها مُشققة ..
ربّمَا هي الثمن لغد جميل ..
يستدرجُ حبيبته كي يخرج مِن مصيدة العذاب
وتأتي مُلبيّة تلبس طيبتها الريفيّة وغنج أنثى راغبة ..
يبتسمُ ابتسامة كبيرة بحجم شوقه وبقدرة رحيمة ينعدمُ الألم ..
وحده يعومُ فوقَ غيمات طريّة الآن لا يزعجه أحد، يرى شجرة الياسمين الكبيرة القابعة على زاوية بيتها، تلك التي يقطف أزهارها الناصعة كلّ يوم ويلفها بمنديل أبيض وينثرها على وسادة
عطشى تنتظر أنفاسها ذات قدر ..
تدنو حبيبته برفق وترسمُ قبلة طويلة على شفتيه المفتوحتين ويرتوي عطش دفين ويستكين
وتبدأ بالغناء الشجي: "يا رايحين لحلب حبّي معكن راح، يامحملين العنب تحت العنب تفاح، كلّ مين وليفه معه وأنا وليفي راح، يا ربّي نسمة هوا تردّ الولف ليا .."
ينتشي ويبتسم أكثر فأكثر وأكثر ويحلّقُ بخفّة فوقَ جبل قاسيون،
مُرفرفاً يرقبُ جوامع دمشق وكنائسها الشامخة ويهطلُ مطر كثير يُبلل جميع السطوح
دون تمييز لتفوح رائحة زكية تتغلغل روح الأثير ..
بين عواء كلاب شاردة ومُقنع لئيم لا يزال يضربُ
بكلّ قوته على عمود خشبي
تتوزع ضربات عمياء على جسم الهواء ..
تلهث سماء
وطرقات وتتفتت تربة نديّة وثمّة ابتسامة بقيت حاضرة.
*هُدى محمد وجيه الجلاّب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق