لم أشاهد وجه الغيمة ، تساقطِ المطر يشعرني أن السماء لا تريدني أن ألتقط أنفاسي ، ركضتُ أخوضُ في الماء الذي غمر الأرصفة والشوارع المعبَّدة بالإسفلت ،أحملُ مظلَتي ، المطر الذي يهمي يشعرني أنه يسخر مني ،هربتُ نحو جدار يظللني ،لا فائدة، ملابسي تبلَّلت ولازمني رجيف شديد ، التصقت ملابسي بجسدي ، يُخَّيل إليَّ أني أسيرُ عارياً ، الشوارع أُقفرت والسيارات لاتُرى سوى أضواءها الشاحبة من بعيد ، رحتُ ابحث عنها ، خشيتُ أن تفتش هيَ عني ولاتجدني ، ماذا دهَّاني ، السماء كانت صافية كصفاء نيتَّي بعد دقائق قليلة تفصلني عن اللقاء بها ، تجمعت الغيوم بشكل غير معقول ثم اسودّت وأرعدت ونشرت بريقها ضاربة وجه السماء.
أخرجتُ هاتفي من جيبي ، ضغطتُ على زر الأسماء ، رنّ هاتفها،
_أين أنتِ يا سهام ؟
_الووووو
_أنا معك ...كلَّميني سهام أين انت ؟
انقطعَ الصوت،أعدتُ المحاولة ...الرقم مشغول ، جسدي بدا يختض واعترتني رجفة من رأسي حتى أخمص قدمي ، تَسوَّرني القلق .أين ذهبت حبيبتي في هذا الجو الماطر ، ماذا لوحدث لها مكروه أسالُ مَن عنها .؟ عبرتُ إلى الجهة الثانية من الشارع ، وجدتُ مظلُة لمحلِِ مغلق ...اختبأتُ تحتها أراقبُ المشهدَ ،أسمع ُصوت ارتطام حبَّات المطر بسقفها الحديدي ، الاضوية تشع بضوء باهت خجول ، مرَّت الدقائق ثقيلة ،هبَّت ريحٌ لفحت وجهي ، ريحٌ باردة تيَّبست على إثرها ملامحي ، أُمسكُ بالمظلَّة ويدي ترتجف من البرد .
وقفتُ كمنارة آيلة للسقوط . ثمَّ تركتُ مكاني، الطريق ينبذُ خطواتي والبلل يتكور تحت بنطالي وفي تجاويف حذائي ، داهمتني نوبة حزن عقيمة ، خطواتي ضاعت في الماء الذي غمر الأرصفة، عينايَّ ترنوان إلى البعيد ، لاشيء غير العتمة الموحشة ، مازلت أحثُّ الخُطى ، لا أعرف إلى أين أذهب ـافتشُ عن ملامح الطريق .
ابحثُ عن إمراة أنا من تسبَّبَ في ضياعها ، موعدنا كان هنا في هذا المكان ،قرب هذا المطعم الشهير ، المطعم مُغلق أول مرَّة أراه مغلقاً، كم من مرَّة تواعدنا هنا ،ياإلهي ماذا جرى ، كيف أعود إلى البيت وفتاتي لا أعرفُ مصيرها ؟عدتُ من جديد أضغطُ على زر الاسماء في الهاتف،..أسمعُ صوت طقطقة ... أجفلني صوت المذيعة وهو يقول يقول (لايمكنك المكالمة ) تضببَّت الرؤية كثيرا ، السماء مازالت ترعد وتنذر بسقوط أمطار غزيرة أخرى .
تعبتُ من المسير وسط الاوحال ، الساعة قاربت الثانية عشرَ ليلاً ، موعدنا كان في الساعة العاشرة ،أختها الكبرى تعلم بموعدنا ، ماذا ساقول لها لو سالتني عنها ؟ ليتني احتفظتُ برقم هاتف أختها .
بغتةً ظهرَ لي شبح من بين الظلام ، لم أكن أميّز الأشياء التي أمامي البتة ، لا أعلم من أين ظهر لي ، رجل ضخم الجثة يرتدي جاكيتة أكبر من حجمه ، وجهه مكفهرا، لحيته مبعثرة ، سحنته سمراء قاتمة ، قسمات وجهه تدل أنه رجل خمسيني ، اقتربَ مني بهدوء و قال لي بصوت أجشَّ :
_اعطني الفُ دينار ؟
قالها ومدَّ يده نحوي ، حركة يده تؤكد أنه متيقن أني سأعطيه ما يطلب ،
اعطيته ورقة فئة الألف دينار ، تفحصَّها و وضعها في جيبه وقال :
_سأردَّها لك في المرّة القادمة .
قالها وراح يجرَّجر قدميه بصعوبة...بعد قليل ابتلعه الظلام، مرَّت لحظات أشدُّ قسوة من سابقاتها..شعورٌ بالإحباط يتملَّكني حد اللعنة ، غشى بصري ضوء من بعيد قادم نحوي ، أضواء سيارة لم أتبين شكلها إلا بعد أن اقتربت منَّي ، أخرج السائق رأسه وصاحَ بي :
_تاكسي ؟
_نعم
_اصعد؟
_لمْ تسالني إلى أين؟
_أصعد ...سأوصلك إلى أي مكان يعجبك.
جلست في المقعد الملاصق له دون أن أنظر إليه ، ما أن تحرَّكت السيارة حتَّى
رنَّ هاتفي ، أخرجته بسرعة ..قرَّبته من عينيَّ، ظهرَ لي إسم المتصل ،
_الوووو سهام.... أين انتِ؟!
_أعذرني لم أستطع تحمَّل قسوة الطقس ..ورصيدي نفد ...لم أكن املك المال لشراء الرصيد فتأخرتُ عليك بالرَّد .
_أين أنتِ الآن ..في أي مكان ؟
_أنا في البيت لمْ أخرج..... سامحني حبيبي ،
لم أجبها ،المهم أني اطمئننتُ عليها ، تنفستُ الصعداء وارحتُ رأسي على مسند الكرسي، أغمضتُ عينيَّ برهة ثم فتحتهما، شيء ما جعلني التفتُ نحو السائق ، فوجئتُ بذات الرجل الذي داهمني في عمق الظلام وطلب مني الألف دينار.. هوَّ بعينه ..أدار وجهه نحوي وابتسمَ كاشفاُ عن أسنان مهدَّمة ، أردتُ أن أسأله عن مغزى فِعلَته معي واستدانته المال منَّي ، إلا أني أحجمتُ عن ذلك، لمحتهُ يرفع البنطال ليكشفَ لي عن ساقين رفيعتين يغطيهما وبرٌ كوبر البعير تنتهيان بقدمين كالخُفَّ..خُفَّا بَعير تماماً ، ألجمتني المفاجأة ، روادتني صرخة أرادت أن تنطلق من أعماقي ، جاهدتُ في أن ألجمُ خوفي،وبحركة سريعة فتحتُ البابَ وقفزتُ بكل ما أملك من قوَّة ، ارتطمَ جسدي بمخاضة الماء التي غمرت الشارع ، نهضتُ أجري صوب الجَزرةُ المكتضَّة بالأشجار.. بعد قليل ، رأيتُ السيارة تنطلق بأقصى سرعتها قاطعةً الشارع الطويل وتختفي خلف البنايات البعيدة .
.
عادل المعموري
أخرجتُ هاتفي من جيبي ، ضغطتُ على زر الأسماء ، رنّ هاتفها،
_أين أنتِ يا سهام ؟
_الووووو
_أنا معك ...كلَّميني سهام أين انت ؟
انقطعَ الصوت،أعدتُ المحاولة ...الرقم مشغول ، جسدي بدا يختض واعترتني رجفة من رأسي حتى أخمص قدمي ، تَسوَّرني القلق .أين ذهبت حبيبتي في هذا الجو الماطر ، ماذا لوحدث لها مكروه أسالُ مَن عنها .؟ عبرتُ إلى الجهة الثانية من الشارع ، وجدتُ مظلُة لمحلِِ مغلق ...اختبأتُ تحتها أراقبُ المشهدَ ،أسمع ُصوت ارتطام حبَّات المطر بسقفها الحديدي ، الاضوية تشع بضوء باهت خجول ، مرَّت الدقائق ثقيلة ،هبَّت ريحٌ لفحت وجهي ، ريحٌ باردة تيَّبست على إثرها ملامحي ، أُمسكُ بالمظلَّة ويدي ترتجف من البرد .
وقفتُ كمنارة آيلة للسقوط . ثمَّ تركتُ مكاني، الطريق ينبذُ خطواتي والبلل يتكور تحت بنطالي وفي تجاويف حذائي ، داهمتني نوبة حزن عقيمة ، خطواتي ضاعت في الماء الذي غمر الأرصفة، عينايَّ ترنوان إلى البعيد ، لاشيء غير العتمة الموحشة ، مازلت أحثُّ الخُطى ، لا أعرف إلى أين أذهب ـافتشُ عن ملامح الطريق .
ابحثُ عن إمراة أنا من تسبَّبَ في ضياعها ، موعدنا كان هنا في هذا المكان ،قرب هذا المطعم الشهير ، المطعم مُغلق أول مرَّة أراه مغلقاً، كم من مرَّة تواعدنا هنا ،ياإلهي ماذا جرى ، كيف أعود إلى البيت وفتاتي لا أعرفُ مصيرها ؟عدتُ من جديد أضغطُ على زر الاسماء في الهاتف،..أسمعُ صوت طقطقة ... أجفلني صوت المذيعة وهو يقول يقول (لايمكنك المكالمة ) تضببَّت الرؤية كثيرا ، السماء مازالت ترعد وتنذر بسقوط أمطار غزيرة أخرى .
تعبتُ من المسير وسط الاوحال ، الساعة قاربت الثانية عشرَ ليلاً ، موعدنا كان في الساعة العاشرة ،أختها الكبرى تعلم بموعدنا ، ماذا ساقول لها لو سالتني عنها ؟ ليتني احتفظتُ برقم هاتف أختها .
بغتةً ظهرَ لي شبح من بين الظلام ، لم أكن أميّز الأشياء التي أمامي البتة ، لا أعلم من أين ظهر لي ، رجل ضخم الجثة يرتدي جاكيتة أكبر من حجمه ، وجهه مكفهرا، لحيته مبعثرة ، سحنته سمراء قاتمة ، قسمات وجهه تدل أنه رجل خمسيني ، اقتربَ مني بهدوء و قال لي بصوت أجشَّ :
_اعطني الفُ دينار ؟
قالها ومدَّ يده نحوي ، حركة يده تؤكد أنه متيقن أني سأعطيه ما يطلب ،
اعطيته ورقة فئة الألف دينار ، تفحصَّها و وضعها في جيبه وقال :
_سأردَّها لك في المرّة القادمة .
قالها وراح يجرَّجر قدميه بصعوبة...بعد قليل ابتلعه الظلام، مرَّت لحظات أشدُّ قسوة من سابقاتها..شعورٌ بالإحباط يتملَّكني حد اللعنة ، غشى بصري ضوء من بعيد قادم نحوي ، أضواء سيارة لم أتبين شكلها إلا بعد أن اقتربت منَّي ، أخرج السائق رأسه وصاحَ بي :
_تاكسي ؟
_نعم
_اصعد؟
_لمْ تسالني إلى أين؟
_أصعد ...سأوصلك إلى أي مكان يعجبك.
جلست في المقعد الملاصق له دون أن أنظر إليه ، ما أن تحرَّكت السيارة حتَّى
رنَّ هاتفي ، أخرجته بسرعة ..قرَّبته من عينيَّ، ظهرَ لي إسم المتصل ،
_الوووو سهام.... أين انتِ؟!
_أعذرني لم أستطع تحمَّل قسوة الطقس ..ورصيدي نفد ...لم أكن املك المال لشراء الرصيد فتأخرتُ عليك بالرَّد .
_أين أنتِ الآن ..في أي مكان ؟
_أنا في البيت لمْ أخرج..... سامحني حبيبي ،
لم أجبها ،المهم أني اطمئننتُ عليها ، تنفستُ الصعداء وارحتُ رأسي على مسند الكرسي، أغمضتُ عينيَّ برهة ثم فتحتهما، شيء ما جعلني التفتُ نحو السائق ، فوجئتُ بذات الرجل الذي داهمني في عمق الظلام وطلب مني الألف دينار.. هوَّ بعينه ..أدار وجهه نحوي وابتسمَ كاشفاُ عن أسنان مهدَّمة ، أردتُ أن أسأله عن مغزى فِعلَته معي واستدانته المال منَّي ، إلا أني أحجمتُ عن ذلك، لمحتهُ يرفع البنطال ليكشفَ لي عن ساقين رفيعتين يغطيهما وبرٌ كوبر البعير تنتهيان بقدمين كالخُفَّ..خُفَّا بَعير تماماً ، ألجمتني المفاجأة ، روادتني صرخة أرادت أن تنطلق من أعماقي ، جاهدتُ في أن ألجمُ خوفي،وبحركة سريعة فتحتُ البابَ وقفزتُ بكل ما أملك من قوَّة ، ارتطمَ جسدي بمخاضة الماء التي غمرت الشارع ، نهضتُ أجري صوب الجَزرةُ المكتضَّة بالأشجار.. بعد قليل ، رأيتُ السيارة تنطلق بأقصى سرعتها قاطعةً الشارع الطويل وتختفي خلف البنايات البعيدة .
.
عادل المعموري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق