اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

المشعوذ_قصة قصيرة | نزار بهاء الدين الزين

كان أبو عادل من أبرز زبائن الأستاذ عبد الباقي ، المحامي ؛ الذي استظرفه الأستاذ و صحبه لما يرويه من مغامرات خلال رحلاته التجارية في مخيمات البدو المتنقلة و قرى حوران و الجولان ، و هكذا انضم إلى ثلة الأستاذ التي اعتاد أفرادها على الإجتماع في مكتبه ، في بعض أمسيات الصيف و خاصة منها أيام الخميس .
و يلفت أبو عادل النظر بشاربيه الأنيقين و المعقوفين إلى أعلى برأسين مدببين وبملابسه التقليدية المكونة من سروال فضفاض يميزه ذيل يكاد يلامس الأرض أشبه ما يكون بإلية الكبش و فوقه قميص بعدد كبير من العروات المطرزة مشبوكة بأزرار من نفس القماش ، و يحيط خصره زنار عريض من الحرير (الأغباني) و على رأسه يضع غالبا طاقية بيضاء صغيرة و لكن أحيانا كان يغطي رأسه بكوفية و عقال .


و أبو عادل هذا ، تاجر حبوب من تجار حي الميدان يتعامل أصلا مع فلاحي حوران و الزوية و له مصالح متشعبة في كل مكان منهما ، فبخلاف تجارة الحبوب ، يملك قطعان من الغنم في مناطق البدو و خاصة منها الزوية و سفوح جبل الشيخ ، و يبدو أن جودة المواسم في العامين الأخيرين ضاعفت من كميات الغلال التي يملكها ؛ فاضطر إلى التخزين في غرف منزله، إلا أن أمه و زوجته أبديتا تذمرهما لكثرة تردد عمال التحميل خلال النهار و ازدياد أعداد فرسان الليل من الفئران و الجرذان و النموس ، مما أرغمه على البحث عن مخزن كبير، فساقه الدلالون إلى الأستاذ عبد الباقي الذي يملك مخزنا مسقوفا إلى جوار منزله في حي الزينبية .
تردد أبو عادل في استئجار المخزن لبعده عن مركز عمله ، إلا أن ضخامة ما جمعه من الحبوب و السمن البلدي و امتلاء مخزنه القديم عن آخره ، إضافة إلى كثير من غرف منزله إضطرته لإستئجار مخزن يملكه المحامي الأستاذ عبد الباقي الحموي، و من هنا كانت بداية تعرفه على الأستاذ ، ثم تطورت العلاقة إلى صداقة بتعزيز من عدة قضايا قضائية أوكلها أبو عادل إليه، ما لبثت أن تكشفت عن شخصيته الحقيقية كواحد من كبار المرابين .
و لكن البطاقة الحقيقية التي خولته اقتحام مجالس ثلة الأستاذ عبد الباقي ، و أعضاؤها جميعا مثقفون ، كانت براعة حديثه و غناه دوما بمادة جديدة ، و خاصة منها مغامراته العاطفية خلال جولاته التجارية و التي لا تخلو من طرافة أو إثارة ، و أكثر ما يلفت النظر بهذا الرجل هو أصابعه التي لا تهدأ عن التمسح بشاربيه أو فتل رأسيهما المدببين .
و كان مكان هذه الندوات المسائية ينتقل إلى مقهى ( اللونابارك) من حين لآخر ، حيث تستمر السهرة حتى ساعة متأخرة من الليل فيشتبك اثنان منهم في مباراة ( نرد ) يتابعها عدد منهم بين مشجع و منحاز، بينما ينخرط الآخرون كعادتهم في مناقشة المستجدات السياسية و القضائية. و يوم يتقرر الذهاب إلى ( اللونابارك ) كان قلب سمير – ابن الأستاذ عبد الباقي- يخفق فرحا ، فهناك كان يستطيع طلب صحن ( مسبحة ) من ذلك السمين الذي يدور بين الطاولات مناديا بنغمة خاصة " عشي .... عشي " ، و كذلك كان بإمكانه أن يتناول ما شاء من مكعبات السكر الفائضة من طلبات الشاي أو قطع ( النوغا ) التي كان يعشقها و التي كانت تقدم مع الشاي أيضا، أو كان يتسلل من أحد الأبواب الجانبية إلى داخل السينما الصيفية المكشوفة و التي كانت تحمل نفس اسم المقهى ، حيث كانت تعرض الروايات السينمائية غالبا و المشاهد الاستعراضية أحيانا، و عندما يتعب يجلس على كرسي مجاور لأبيه متأملا ( أرغيلته ) المزينة كعروس و التي يشف زجاجها عن بضعة زهرات ياسمين أو فل تتراقص في مائها مع كل سحبة من دخانها المرطب ، و في أعلى هامتها بضعة جمرات ما أن تخبو أو تكاد، حتى يهرع نادل مختص لتبديلها بجمرات جديدة متوهجة من وعاء معدني معلق بأسلاك طويلة منضمة في أعلاها إلى حلقة تسهل حملها أو التلويح بها دائريا إلى أعلى و أسفل ليجعلها تتوهج دون أن تقع منها جمرة واحدة، مما كان يذهل سمير إلى أبعد الحدود ، و إذا مل من مراقبة (الأرغيلة) التفت إلى مراقبة الحركة من حوله و خاصة حركة الندال ، فهذا مختص بالجمر مناديا ( ناره ناره ) و ثان بتوزيع الماء المثلج ( ميه لمين يا عطشانين ) و ثالث يصغي للطلبات ثم يوصلها إلى خلية النحل التي تعدها صائحا : (( اثنين بريمو و أربعة عسملي وواحد مع الحليب )) هذا بخلاف المرتزقة كماسح الأحذية (البويجي ) و بائع الكعك أو بائع الجرائد ، أو بعض المتسولين ، و لكل نداؤه المميز.
أما في السياسة فقد كثر الحديث مؤخرا عن احتمال تجدد الثورة الفلسطينية بعد ظهور تقرير اللجنة الملكية البريطانية الذي أوصى بتقسيم فلسطين بين العرب و اليهود ، كما كثر الحديث عن الخلافات المزعجة التي حدثت بين قادة الثورة الفلسطينيين أو بينهم و بين إخوانهم الذين هبوا لنجدتهم من سورية و العراق بقيادة القاوقجي ، و قد انتشرت هذه الشائعات على أفواه المجاهدين العائدين ؛ إلا أن أبا عادل ما كان ليبدي أي اكتراث بمجريات الأمور السياسية و لا يلبث أن يشد حبل الحديث إلى مغامراته و قدرته على انتزاع حقوقه بقوة حيلته حينا و صلابة ذراعه حينا آخر ، أو باللجوء إلى القانون عندما تعجز هذه أو تلك ؛ كان يتكلم دوما عن الفلاحين و البدو بتعالٍ و فوقية واصما إياهم باللصوص ، و للنجاح معهم لا بد من العين اليقظة ، و الشخصية المسيطرة ، و الملاحقة المتواصلة ، و إملاء جيوب ممثلي السلطة ؛ و تتعقد تلك المشكلات على الأخص في المواسم ، حيث يلجأ الفلاحون – كما يدعي - إلى الأكاذيب للتهرب من إلتزاماتهم .

و هكذا فان ظروفه تحتم عليه السفر في ثلاثة مواسم على الأقل، في مطلع الخريف عند ( توزيع البذور ) ، و في منتصف الربيع حيث يبتدئ إنتاج الماشية من الحملان و اللبن الحليب و مشتقاته ، ثم في أوائل الصيف في موسم الحصاد و ( الدراس ) ؛ كما تحتم عليه استقبال عملائه في دكانه غالبا و في منزله أحيانا ؛ فمنذ أوائل أيلول ( سبتمبر ) يتوافد عليه هؤلاء مسجلين طلباتهم من البذور ( على الدفتر ) ، أو يطلبون قروضا مالية يقدمها إليهم عن طيب خاطر ليقوم الكاتب- من ثم - بتسجيل الطلبات و توقيع أصحابها ببصماتهم على سندات لا يكترثون لشروطها، و يعود الكثيرون إلى قراهم في نفس اليوم ، بينما يستضيف أبو عادل ذوي المكانة منهم في (المضافة) و هي غرفة خاصة بمنزله ، أفردها لهذا الغرض .

و في موسم الزرع يستأجر شاحنة أو ظهر إحدى الحافلات ( الباصات التي كانوا يسمونها بوسطات) ، يملؤها بأكياس البذور ثم يتوجه إلى قرى عملائه حيث يجدهم مع دوابهم بانتظاره على مفارق الطرق ، في يوم حدده لهم من قبل ، فيلقي لكلٍّ ما طلبه مقابل بصمة إبهامه على سندات معدة مسبقا بقيمة ما حصل عليه و كيفية السداد ، و هو في العادة يحتسب سعر البذور بما يناسب الأسعار الحالية – و فق تقديره - مع نسبة إضافية مقابل تعبه ، و نسبة إضافية أخرى مقابل تكاليف النقل تتضاعف حسب بعد القرية ، و هي إضافات لا يسمح لأحد بأن يجادله حولها ؛ أما السداد فيحتسب بأسعار الموسم القادم -كما يقدرها- هو أيضا - و هي في العادة نصف السعر الحقيقي أو أقل .

أما القروض النقدية فشروطها أقسى تحول المحتاج إلى عبد وشيك ؛ و هكذا فان أبا عادل يربح ضعف رأسماله عند التوزيع و أضعافه عند السداد .

و لكن على الرغم من هذا الدخل المتنامي فانه لم يكن يعرف طعم السعادة إلا في الأيام الأخيرة ، و لم يخف أسباب سعادته عن الأستاذ عبد الباقي و صحبه ، و لعله في ذلك اليوم الأغر قد أبلغ عشرين و نيف من الأقارب والأصحاب عن ثبوت حمل زوجته ؛ فقد تزوج قبل لطفية خمس مرات ، فلم تستطع أي من زوجاته السابقات أن تنجب له، إلا أن هذه الأخيرة نجحت بعد سنتين من الزواج ؛ و من فرط سعادته لم يستطع ذلك اليوم المكوث طويلا في المقهى ، فلم يكد يتلقى تهاني الحاضرين حتى انصرف مقسما أغلظ الأيمان بأن تكون جميع طلبات الثلة على حسابه .

***

دخل أبو عادل - و هذا هو لقبه مذ كان صبيا – دخل إلى بيته في حي الجزمانية ، و ما أن أغلق الباب حتى صاح مناديا زوجته التي ردت عليه من الطابق الثاني :

- (( نعم سيدي ! إني نازلة إليك حالا .))

و بعد أن صبت له ماء الوضوء تركته لتحضر له طعام العشاء ، أما هو فبعد أن أدى صلاة العشاء و المغرب قضاء ، صعد إلى حجرة والدته فقبل يدها طالبا رضاها ، ثم عاونها علي هبوط الدرج ؛ ثم أخذ الجميع يتناولون طعامهم ، بينما كان أبو عادل يسترق النظر إلى ( لطوف ) بوله و هيام لم يستطع إخفاءه ، و ردت له لطفية الابتسامة ، فهي الأخرى تشعر الآن أنها أسعد امرأة في الوجود ، فقد كفت حماتها عن الإساءة إليها ومعاملتها كخادمة ، و تغيرت معاملة زوجها ، و أخذت تدعو في سرها للشيخ أبو النور فهو سبب سعادتها.
كان شيخا مهيبا طفح النور من وجهه و برقت عيناه بومضات قدسية ، قرأ على رأسها و مسح على ظهرها بيديه و هو يتلو الأدعية و الأوراد فتفاءلت بالخير على يديه و شاركتها حماتها نفس الشعور .و بعد أشهر ستة التفت الشيخ المبروك إلى حماتها قائلا: - حانت الساعة ، كنتك مدعوة اليوم لمقابلة الأسياد !
أحست لطفية بشعور غامض مزيج من الخوف و الإيمان ، إلا أن ومضات النور التي انبثقت من عيني أبو النور دفعتها للمضي قدما ؛ و أجاب الشيخ على تساؤل حماتها :
- نعم يا أمي لقد كانت واقعة تحت تأثير سبع طلاسم ، و اليوم فقط أبطلت آخرها ؛ فلباني الأسياد منذ أول نداء .
و تساءلت الحماة :- هل هم ملائكة ؟ فأجابها : " بل جان و لكنهم جان مؤمنون ! "
ثم أمرها :
- ابق أنت هنا و ابتدئي التسبيح بهذه( الألفية ) على نية ولد ذكر تنجبه كنتها لطفية بنت رقية ، و إن قرع الباب لا تفتحي ، و إن زلزلت الأرض زلزالها إبقي في مكانك لا تتزحزحي ، و لا تكفي عن التسبيح حتى نظهر لك ثانية .

*****

النور خافت وشذى البخورعابق في أرجاء المكان ، و في إحدى الزوايا موقد توهجت جمراته و فوقها قبعت دلة ، كانت تسمع فورة ما احتوته من سائل ، ما لبث أن دعاها لترتشف منه ؛ فتناولت السائل بخشوع على الرغم من لسعة المرارة التي خالطت حلاوته و الحرارة التي أحرقت لسانها فاحتملتهما بصبر؛ ثم ما لبثت أن فارقت آخر خيوط الرهبة ، عندما أخذ يلقي على مسامعها أعظم الأسرار (( أنت يا لطفية يا ابنة رقية و حفيدة حواء الوفية ، أنت امرأة مؤمنة و صافية النية، هكذا قال عنك الأسياد الذين عثروا من أجلك على نظير زوجك .))

و بينما كانت دماغها تحت تأثير دوار خفيف ، تلقت بإيمان للمرة الأولى معرفة جديدة و سرا من أسرار الحياة الخطيرة ، أوصاها الشيخ أبو النور بكتمانه في أعماق الأعماق : ذلك أن لكل إنسان نظيره من إخواننا الجان يشبهه في كل شيء و يحاكيه في كل تصرفاته ، فإذا استطاعت قوة السحر ممزوجة بصدق الأيمان استدراج النظير تتحقق المعجزات !

خجلت بادئ الأمر عندما أنبأها الشيخ أبو النور أنها ستقابل الساعة نظير زوجها و نبهها إلى ضرورة طاعته طاعتها لزوجها ، و خلال انتظاره عليها أن تكون مغمضة العينين مرددة دعاء حفظته جيدا : (( يا مولد العذراء بدون دنس ، و رازق زكريا بعد يأس ، أنا أمتك و جاريتك، و مؤمنة بملائكتك و جانك ، أغثني في محنتي و فرج كربتي و ارزقني بولد ذكر يكون قرة عيني و يعزز مكانتي في أسرتي. ))
ثم قام الشيخ وأناص السراج و تركها في ظلام شبه دامس و مضى ، و كان من ثم أن قابلت النظير !
و في طريق العودة إلى المنزل كانت تتأبط ذراع حماتها و تضع بعض ثقلها ، عليه فهي لا تزال تعاني من آثار الدوار الذي علله الشيخ المبروك أبو النور برهبة الموقف (!).
و بعد أن قطعتا مسافة كبيرة من الطريق ، سألتها حماتها بصوت مرتجف متردد :- (( هل قابلت اللي ما بينذكر اسمهم )) فأجابتها بصوت فيه رنة تحد (( إنني محلفة بعدم الرد )) فصمتت الحماة ، فقد أوصاها أبو النور بعدم السؤال أيضا .

*****

و مضت من ثم سبعون يوما و هي تقابل النظير كل ثالث يوم .

و ببركة الشيخ أبو النور حصل الحمل ، و ما أن تأكدت منه الحماة حتى بشرت ولدها فانهمرت دموعه من شدة الانفعال !!

و منذئذ و لطيفة ترفل بأثواب السعادة ، أما حماتها التي هزتها الفرحة فقد ذهبت إلى الشيخ أبو النور فمنحته مؤخر أتعابه ليرة ذهبية رشادية و أهدته خروفا ، و نحرت آخر بين ساقي كنتها لتوزعه على فقراء الحي ، ثم قامت برفقة ( لطوف ) بجولة إلى مقامات الأولياء لتفي بنذورها الكثيرة .

***

بعد أقل من سنة قبض على الشيخ أبو النور و معاونه بتهمة الشعوذة ، و أصبح حديث الصحف لعدة أسابيع ، و إذ سمعت أم حسين ( والدة أبي عادل ) بالخبر صعقت ، و إذ همت بلوم كنّتها ، صاحت هذه في وجهها :

- بيدك صحبتيني إليه !!!

ثم ما لبثت أم حسين أن أصيبت بالشلل الدماغي .



* نزار بهاء الدين الزين

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...