قرر أن ينبذ اليأس الذي عشعش في داخله عناكب في غرفة مهجورة ، وأن يدفن حزنه حياً بين طيات جروحه ، رمى بكل آلامه في غياهب الذاكرة.
خرج ليبدأ حياة جديدة في وحل الذكريات المنسية ، إستقل سيارة عامة وهو يرسم على وجهه إبتسامة تعبر عما في داخله من فرح ، فرح لإنتصار على كل ما يؤلم أو ما يوُقظ الأشجان ، ناسياً وفاة زوجته الشابة ، وغرق إبنه الذي لم يتعدى العام في بالوعة المنزل نتيجة إهماله ، فُصل من العمل لإصابته بحالة نفسية عصبية.
جلس على المقعد مواجهاً الركاب ، أخذ يبحث بين خلجاتهم عن الأمل والفرحة ولكن إزداد فرحاً ، لأنه يختلف عن كل الجالسين ، أتت إمرأة أبنوسية اللون زنجية التقاطيع ، وإستوائية الملامح ، ذات شلوخ في شكل نجمة كثيرة التفرعات تزّين خدودها الذابلة تحمل رضيعاًَ لا يقل عنها نحولاً وهزالاً .
نهض من مقعده أسندها حتى جلست ، يداها خشنتان ، عمل فيهما الشقاء ما عمل ، أحس بأنه يريد توزيع تلك الغبطة التي يشعر بها على كل الركاب ، أعاد النظر إليها ، شفاة جافة حزن أصفر معتلياً عرش وجهها ، عيون منكسرة ، قرار آخر أراد معرفة أسباب حزنها وإسعادها مهما كلفه ذلك. حدّس أن الطفل مريض ولابد أنها ذاهبة به إلى المستشفى ، ولا تملك نقود كافية .
في تلك اللحظة تحسس جيبه ليطمئن على نقوده ، قال بينه وبين نفسه : سوف أكون معها حتى تعالج الطفل ، وسوف يتغذى جيداً ، وسوف تعود صحته وعافيته ، لابد أنه طفل جميل ذو خدود مثل ثمرة الطماطم ، سوف أقبله كثيراً حينها ، وأدغدغه كثيراً لأسمع ضحكة طفل متقطعة ذات شهققات صارخة.
رقصت أساريره عندما مرت هذه الأفكار برأسه ، توقفت العربة لإنزال أحد الركاب ، أتى بائع متجول يحمل أنواع شتى من الحلويات ينادي بمشترياته حتى إنزعج الركاب ، هو الوحيد الذي أطربه البائع ، أخرج فئة مالية وإشترى مجموعة كبيرة من الحلوى ذات ألوان كثيرة أصفر وأحمر ، أخضر ، وأشكال بيضاوية ودائرية. تحركت السيارة ومروحة سعادته تزداد إضطراباً ، قدم لها الحلوى وهو يخاطبها بطريقة ذات ركاكة مفعمة بالرجاء: خذي هذا من أجل الطفل ، كان مبتسماً إبتسامة مضطربة خوفاً من الرفض ، قالت بلغة أكثر ركاكة: جنا دي موتو كلاص .. (لقد توفى هذا الطفل) ، رشحت طفلها بنظرات تحمل كل الأسى ، ثم دموع ساخنة تنهمر نحو الجثة الصغيرة كأنها تريد إغتساله ..
دارت الدنيا أمام عينيه وأظلمت ، أصبح يرى كل شئ عبارة عن أشباح تسبح في دموعه التي أستقرت على مقلتيه دون إنحدار ، نزل عن العربة وأخذ يسير في خطى متعثرة هائماً على وجهه في شوارع العاصمة المزدحمة والمليئة بأبواب السيارات القادمة كالأصداء من بعيد .. بعيد جداً. ساقته قدماه إلى شاطئ النيل ، وقف يحدق في الماء ، أمواج تولد فجأة وتموت منتحرة تحت قدميه ، صور لطيور رسمت على صفحة النيل فاردة أجنحتها مرفرفة معلنة بالرحيل ، أسماك تضرب أحشاء النيل بزعانفها سابحة نحو الرحيل ، شمس منحنية في الأفق تجمع أشعتها عن وجه الدنيا إرهاصاً بإنتهاء يوم لتحبل بيوم جديد.
إجتاحه حزن ذا جذور ضربت في أعماقه لهذا اليوم الراحل ، شعر أن أصابعه قد إلتحقت ببعضها البعض ، فتح كفه فإذا بالحلوى ما زالت هناك ، كان مطبقاً عليها بقوة عجيبة ، حتى عرقت كفه وذابت ألوانها وأختلطت أصفر في أحمر ، أخضر في أزرق ، أحمر في أخضر ، أقامت الحلوى مأتماً بدموعها الملونة على كفه ، قال من خلال إبتسامة ساخرة يائسة تحتضر في جانب ثغره ، هذه أيضاً حلوى لطفل رحل.
خرج ليبدأ حياة جديدة في وحل الذكريات المنسية ، إستقل سيارة عامة وهو يرسم على وجهه إبتسامة تعبر عما في داخله من فرح ، فرح لإنتصار على كل ما يؤلم أو ما يوُقظ الأشجان ، ناسياً وفاة زوجته الشابة ، وغرق إبنه الذي لم يتعدى العام في بالوعة المنزل نتيجة إهماله ، فُصل من العمل لإصابته بحالة نفسية عصبية.
جلس على المقعد مواجهاً الركاب ، أخذ يبحث بين خلجاتهم عن الأمل والفرحة ولكن إزداد فرحاً ، لأنه يختلف عن كل الجالسين ، أتت إمرأة أبنوسية اللون زنجية التقاطيع ، وإستوائية الملامح ، ذات شلوخ في شكل نجمة كثيرة التفرعات تزّين خدودها الذابلة تحمل رضيعاًَ لا يقل عنها نحولاً وهزالاً .
نهض من مقعده أسندها حتى جلست ، يداها خشنتان ، عمل فيهما الشقاء ما عمل ، أحس بأنه يريد توزيع تلك الغبطة التي يشعر بها على كل الركاب ، أعاد النظر إليها ، شفاة جافة حزن أصفر معتلياً عرش وجهها ، عيون منكسرة ، قرار آخر أراد معرفة أسباب حزنها وإسعادها مهما كلفه ذلك. حدّس أن الطفل مريض ولابد أنها ذاهبة به إلى المستشفى ، ولا تملك نقود كافية .
في تلك اللحظة تحسس جيبه ليطمئن على نقوده ، قال بينه وبين نفسه : سوف أكون معها حتى تعالج الطفل ، وسوف يتغذى جيداً ، وسوف تعود صحته وعافيته ، لابد أنه طفل جميل ذو خدود مثل ثمرة الطماطم ، سوف أقبله كثيراً حينها ، وأدغدغه كثيراً لأسمع ضحكة طفل متقطعة ذات شهققات صارخة.
رقصت أساريره عندما مرت هذه الأفكار برأسه ، توقفت العربة لإنزال أحد الركاب ، أتى بائع متجول يحمل أنواع شتى من الحلويات ينادي بمشترياته حتى إنزعج الركاب ، هو الوحيد الذي أطربه البائع ، أخرج فئة مالية وإشترى مجموعة كبيرة من الحلوى ذات ألوان كثيرة أصفر وأحمر ، أخضر ، وأشكال بيضاوية ودائرية. تحركت السيارة ومروحة سعادته تزداد إضطراباً ، قدم لها الحلوى وهو يخاطبها بطريقة ذات ركاكة مفعمة بالرجاء: خذي هذا من أجل الطفل ، كان مبتسماً إبتسامة مضطربة خوفاً من الرفض ، قالت بلغة أكثر ركاكة: جنا دي موتو كلاص .. (لقد توفى هذا الطفل) ، رشحت طفلها بنظرات تحمل كل الأسى ، ثم دموع ساخنة تنهمر نحو الجثة الصغيرة كأنها تريد إغتساله ..
دارت الدنيا أمام عينيه وأظلمت ، أصبح يرى كل شئ عبارة عن أشباح تسبح في دموعه التي أستقرت على مقلتيه دون إنحدار ، نزل عن العربة وأخذ يسير في خطى متعثرة هائماً على وجهه في شوارع العاصمة المزدحمة والمليئة بأبواب السيارات القادمة كالأصداء من بعيد .. بعيد جداً. ساقته قدماه إلى شاطئ النيل ، وقف يحدق في الماء ، أمواج تولد فجأة وتموت منتحرة تحت قدميه ، صور لطيور رسمت على صفحة النيل فاردة أجنحتها مرفرفة معلنة بالرحيل ، أسماك تضرب أحشاء النيل بزعانفها سابحة نحو الرحيل ، شمس منحنية في الأفق تجمع أشعتها عن وجه الدنيا إرهاصاً بإنتهاء يوم لتحبل بيوم جديد.
إجتاحه حزن ذا جذور ضربت في أعماقه لهذا اليوم الراحل ، شعر أن أصابعه قد إلتحقت ببعضها البعض ، فتح كفه فإذا بالحلوى ما زالت هناك ، كان مطبقاً عليها بقوة عجيبة ، حتى عرقت كفه وذابت ألوانها وأختلطت أصفر في أحمر ، أخضر في أزرق ، أحمر في أخضر ، أقامت الحلوى مأتماً بدموعها الملونة على كفه ، قال من خلال إبتسامة ساخرة يائسة تحتضر في جانب ثغره ، هذه أيضاً حلوى لطفل رحل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق