بوادينا…
جلسنا نغني للأطلال
بوادينا…
تذكرناك وتذكرنا…
ليالينا…
لم تكن سعادتي توصف حينما تنازل والدي ووافق على زواجي من ( محمود) ولأن محمود كان من دولةً آخرى شقيقة كانت عاداته غير عاداتنا وهذا ما كان يخاف منه والدي كثيراً فزواجي من (محمود ) لا مستقبل له كما كان يقول لي…
لكنني لم اقتنع كثيراً فمنذ بداية معرفتي به وانا اتمنى الزواج منه وحيث كانت علاقتي بة ككل العلاقات الجميلة، حينما حضرت الى الجامعة لأول مرة أحمل شهادة الثانوية ومعي كثيراً من الطموح الذي كان مثال التفكير الناجح.. وجدته يقف على باب العمادة لكي يسجل في الجامعة. كان وجهه يضيئ كالشمس وانا اقف بجانبه أنظر إليه واركز في تصرفاته آمل من الله بأن يتحدث معي ولو كلمة واحدة
مرت أكثر من ساعتين ولكن لم يتفوه ولو بكلمةً واحدة ما جعلني أبادر بالحديث معه فسألته عن جنسيته فتقاسيم وجهه التي الهبتها حرارة الشمس لتنير حول خده توضح انه ليس سوداني الجنسية فقال لي أنه عربي من والدة المانية..
فرحت كثيراً للحديث معه ولم أحس بالوقت كان الحديث ممتعاً جداً وتكسر اللهجة جعلني أحبه جداً وما أجمله حينما يتحدث عن السودان والأكل السوداني والعطور وووو عن كل شئ .. كان يقول انه جاء ليعمل في السودان والدراسة فيه لضيق العيش في بلاده.. والحروب والدمار التي حلت بهم.. وانا من طرفي رحبت به كثيراً بصورة غير متوقعة فقال لي انه يخطط للعمل بعد إنتهاء فترة الجامعة.
انتهى الحديث بيننا بإستكمال اجراءات التسجيل ومع كثرة انبهاري به نسيت حتى أخذ رقم هاتفه.. مر الوقت جميل جداً ولم يشدني شيء في الجامعة سوى وجود هذا الشخص فيها….
بدأ العام الدراسي وأنا لم انسى ذلك الرجل الجميل الذي اخذني حديثه الى دنيا أخرى ومازال يرن صداه في أذني… بحثت عن (محمود) كثيراً وانا راجيةً ان يكون معنا ولكن يؤسفني انه ليس في نفس تخصصي وانما تخصص في دراسةً آخرى مرت اكثر من شهرين ولم اسمع عن ذلك الوسيم خبر الاّ حينما وصلت صديقتي (ذات) وسبق وحدثتها عنه لتخبرني انها وجدت محمود يجلس مع شلة شباب هناك..
ذهبت معها ولكن لم ينتابني الشوق القديم لأنني عرفت اصناف واصناف من الرجال ولكن اخذني الفضول لمعرفة هذا الشخص الذي اول من تعرفت عليه حين وصولي الى الجامعة… وحينما وجدته يجلس مع شلته لم احب ان الفت نظر أحد سواه وانا مقتنعةً تماماً انه لم يتذكرني.. جلسنا انا وصديقتي نحتسي كوب قهوة لنرتاح بها من عناء المحاضرة الطويلة…. وحينما نظر إلي محمود تذكرني وجاء راكضاً الي وحتى سلامه كان ملفت للنظر. فالكل كان يريد ان يعرف من انا التي ترك اصدقائه للحديث معي…
مرت الأيام واصبحت علاقتنا اكبر مما يكون كانت دافعاً لي للنجاح ..تخرج محمود من الجامعة بعد عناء وكون نفسه وانا بقت لي سنة واحدة. للتخرج…
جاء وطلبني من والدي وبعد مشاورات طويلة لم يوافق والدي فعاداتهم ليس كعاداتنا ولكنني كنت مثال للفتاة التي ترفض التخلي عن حبيبها وبعد مرور سنة من رفضه رجع يطلبني مرةً اخرى حتى وافق والدي واخيراً تزوجنا…
تزوجنا واصبح خاتم الخطوبة بيدي اليسرى زواجي من محمود كان مثال رائع لتمازج الثقافات والحضارات فما أجمل محمود بلباس السوداني زاده جمال على جمال..
حملت بطفلي الأول وكانت حياتنا تجري ونحن في قمة التفاهم كنت اسكن في منزل تعبنا كثيراً لشرائه عش زوجية هادئ وجميل ولكن لا أنكر أن كان يعكر صفوه هذا العش بعض الأمور مثل شراب الخمر ولانني كنت احبه كثيراً حاولت معه مرات ومرات وكنت اتغاضى عن أمور كثيرة مرت الايام وتبقى لولادة طفلي ثلاثة اسابيع فقط ..
وفي ذاك الحين جاء لمحمود عقد عمل في المانيا وما ساعده في ذلك الجواز الألماني رفض التخلي عني والسفر بل أصر على ان يحضر ولادتي، انجبت ابني ناصيف وسبحان الله احسن الخالقين اخذ عينا والده ولونه الابيض وشعره الاشقر كان في منتهى الجمال… ولطالما والدي كان يفتخر بصهره وانه مثال الرجل المحترم الخلوق ..
ولم يتم ناصيف اسبوعه الثالث الا وتركنا محمود ليلهث وراء المال وليؤمن ل(ناصيف ) وانا حياة كريمه.. فطالما كان وجوده يغني عن العالم حتى انني لم احتاج الى شهادتي مثال للرجل المسؤول(حب حياتي وتؤام روحي) ولكن بدأ الوضع يضيق والمادة لاتكفي لمستقبل بل حتى صارت عدة ازمات اصابت اقتصاد البلاد بالدمار.. سافر. (ابو ناصيف.. محمود ) لم استطيع وداعه ولا هو حاول ان يمسك نفسه واكتفى بكلمتين إن شاء الله سأعود بأقرب وقت…
وها هو دخل عامه الخامس كان في بداية الأمر يرسل لي خطابات ومعها مصاريف ولكن سرعان ما مرت الايام ولم يذكرنا حتى برسالة اصبح ناصيف في بداية مشواره وبدأ يدرك الأمور ويسأل عن والده وانا لا أعرف ما أجيب… مرت الأيام وانا أحاول اعرف اي خبر كثير ماسمعته من أخبار الناس أنه ارتد ودخل النصرانية واصبح راهباً اشياء كثيرةً جداً كانت تقال ولكن لم اهتم بها فثقتي به كانت اكبر.
فترة طويلة وانا ابحث عنه في المانيا سألت عنه السفارة هناك وكانت تبحث هي بالنيابة عني ولكن لا فائدة … كنت انتظر في المطار كلما يأتي موعد رحلة قادمة من المانيا.. ارتقب بشغف لحظة ينزل من الطائرة الى صالة الإستقبال.. اهلكني الحزن . فكثيراً من الأفكار كانت تراودني هل تزوج وكون اسرةً غيري سألت عنه القاصي والداني وانا لي الآن سبعة سنوات انتظره بلهفة فتاة الجامعة التي ترتقب خروجه ليتقابلا… كثير من الصديقات نصحنني بأن أنساه وابدأ حياتي من جديد فأنا مازلت صغيرة ويجب علي الإستمتاع بالدنيا من حولي.. ولكن كنت ارفض تماماً وبينما كان والدي يحترق قلبه من أجله لم يضغط علي ابداً بإن أنساه …
سمعت خبر كاد يصعقني حينما جائتني منه رسالة شعلت بصيص الأمل في قلبي من جديد.. فرحت كثيراً حينما عرفت انه مازال يذكرني وانه بخير لا بل وانه لم يرتد كما سمعت… وانه ترك المانيا من سنتين واصبح داعية في آحدى الدول العربية.. سعدت لدرجة الجنون بل وارتد النظر بصيراً سبحان الله وارتدت الروح الي على أمل غداً سيأتي ولكن شئ غريب ارتابني حينما نظرت الى صورته انه ملامحه تغيرت تماماً فاللحية غطت وجهه كلياً بل وشحوب عيناه ولونه الاصفر كأنه لم يكن هو… عموماً غير مهم فرسالة منه تكفيني لأنه حب حياتي فأنا كذلك تغيرت ملامحي واصبحت عجوز فهي عشرة سنوات الاّ اربعة شهور …
رجعت الى البيت احمل صورته لأُرِيها الى ابني وسبحان الله تقاسما الجمال فناصيف يشبهه تماماً … سعد كثيراً بالصورة بل وطلب مني ان يتركها في غرفته لم اعترض .. فأنا مازلت احتفظ بصور الجامعة ورسائله وكتبه وقميصه الأخضر المخطط بالبيج وباقي فتيل يحمل ذرات عطر يحبه….
بدأ الأمل يتلاشى مني شيئاً فشيئاً من اخر رسالة لي فهو لم يرسل مرةً أخرى انقضت الأربع شهور كباقي السنوات والعمر يمر واطفأت الشمعة العاشرة من رحيلة وهو لم يحضر ولم يرسل. عذاب الشوق رجع الي من جديد والوجع المحفور داخلي اهلكني ما كان يسليني في عز حزني انه ترك لي ذكرى جميلة وهو ناصيف… فتركتها للاقدار ستجمعنا..
. وانا في طريقي العودة الى المنزل ذات يوم كنت مجهدةً كثيراً وكنت اعاني من الحمى اوقفت لي سيارة أجرة لأرى من يقودها نفس الرجل الذي بعثه لي زوجي من شهور وحينما نظرت اليه كدت ان اصعق صرخت بصوت عالٍ جداً وهو الذي نسى انه من احضر لي رسالة من زوجي… وحينما تذكرني بعد ما خرت قواي وتوقف النبض من قلبي قال لي انه أخاه الذي يعمل معه في بلاد المهجر نسيت تعبي وألمي ومشقة الأيام واصبحت في مشقة شئ واحد هو ان اذهب لهذا الرجل لأسأله عن محمود… لم يخيب أملي صاحب سيارة الأجرة بل تعاطف معي كل العطف وذهبنا سوياً الي أخاةه رجوته ان يعطيني هاتفه ولكنه رفض لأنه استحلفه على ذلك وبعد عذاب طويل ورجاء كثير اعطاني هاتفه…. لم افكر في شئ سوى حب حياتي بعت منزلي واسكنت ابني ذو الاحدى عشر عاماً مع اختي …
وأما أنا استكملت بالمال اجراءات الجواز وتذاكر السفر والتأشيرة وركضت لاهثةً ابحث عنه.. اتصلت عليه ولم اقول له اني انا حب حياته… اتصلت عليه وانتحلت شخصية زوجة صديقه لكي اعرف عنوانه ولكن كانت الصاعقة الكبرى حينما قال لي انه من ست شهور وهو ينام في المستشفى (الحجر الصحي) لم اتفوه بكلمة واحدة غير انني اخذت منه العنوان وركضت اليه… المؤلم في الأمر حينما وصلت إليه أنه قد عرفني بعدما غير الزمن من أشكالنا بل وحرقنا الشوق والمرض فهو ليس كما كان اسود وجهه تماماً وغير النحول الذي أبرز عظامة كلها ..يا ليتني لم اراه في هذا الحال.. واما انا فأشتعل الرأس شيباً من الفراق والشوق.. حينما نظرنا الى بعضنا جلسنا نبكي بحرقة شديدة بل وكأننا وجدنا انفسنا بعد الموت .. محمود كان حريصاً بأن لا أقترب منه فهو مريض بفيروس نقص المناعة المكتسب ( الإيدز) جراء دم ملوث انتقل اليه حينما تبرع لاحدهم.. لم يخبرني هو بل اخبرني الطبيب الذي يشرف على حالته لم اكترث لأحد فقد كنت انتظر لحظة وجودي معه ..احتضنته بشدة لم تستطيع يداه الهزيلتان اللتان ارهقهما المرض بإبعادي… جلست معه طويلاً بل كنت اقضي كل وقتي معه في المستشفى حتى سمح لنا الطبيب بالسفر الى بلدي وهو كان مرٌحباً بذلك وكان يتمنى لو يرى ناصيف ففي معظم الوقت كنا نتحدث معاً عنه وماساعدنا في ذلك المادة التي طالما فرقت بيننا فمحمود لديه مال وفير والحمدلله… سجل جميع امواله بإسم ناصيف وكان يقول لي ان الظروف غير معروفة وانا كنت أود أن أؤمن لكم حياة كريمة
انتهت اجراءات السفر وفي حوذتي مال يكفيني انا وابني امد الدهر ومعي حبيب عمري في يدي.. وجاء موعد السفر وانا في الفندق استيقظت باكراً لأن الحضور كان الساعة التاسعة صباحاً وجدت محمود على سجادته يصلي قربت اليه لأقول له أن موعد الرحلة قد حان ونحن تأخرنا ولكن للأسف لم يمهلنا الموت بل كان اسرع مننا وخطفه مني.. امسكت يده ووجدتها باردةً عرفت انه قد مات.. وقف بي الزمان الى هذا الحال ولم اعرف شيئ ً سوى انه شريط حياتي قد رجع في تلك اللحظة حينما وقفت انا في باب العمادة ارتقب منه كلمةً واحده ..تذكرت كل شئ جمعنا سوياً مؤلم جداً وجوده بعد غياب طويل وفقدانه من جديد،
فرجعنا على متن طائرةً واحدة كما كنا نحلم دائماً
أنا فوقها وهو اسفلها نائماً على النعش..
ــــــــــــــــــــــــــ
هويدا حسين احمد
hawydia2017@gamil.com
جلسنا نغني للأطلال
بوادينا…
تذكرناك وتذكرنا…
ليالينا…
لم تكن سعادتي توصف حينما تنازل والدي ووافق على زواجي من ( محمود) ولأن محمود كان من دولةً آخرى شقيقة كانت عاداته غير عاداتنا وهذا ما كان يخاف منه والدي كثيراً فزواجي من (محمود ) لا مستقبل له كما كان يقول لي…
لكنني لم اقتنع كثيراً فمنذ بداية معرفتي به وانا اتمنى الزواج منه وحيث كانت علاقتي بة ككل العلاقات الجميلة، حينما حضرت الى الجامعة لأول مرة أحمل شهادة الثانوية ومعي كثيراً من الطموح الذي كان مثال التفكير الناجح.. وجدته يقف على باب العمادة لكي يسجل في الجامعة. كان وجهه يضيئ كالشمس وانا اقف بجانبه أنظر إليه واركز في تصرفاته آمل من الله بأن يتحدث معي ولو كلمة واحدة
مرت أكثر من ساعتين ولكن لم يتفوه ولو بكلمةً واحدة ما جعلني أبادر بالحديث معه فسألته عن جنسيته فتقاسيم وجهه التي الهبتها حرارة الشمس لتنير حول خده توضح انه ليس سوداني الجنسية فقال لي أنه عربي من والدة المانية..
فرحت كثيراً للحديث معه ولم أحس بالوقت كان الحديث ممتعاً جداً وتكسر اللهجة جعلني أحبه جداً وما أجمله حينما يتحدث عن السودان والأكل السوداني والعطور وووو عن كل شئ .. كان يقول انه جاء ليعمل في السودان والدراسة فيه لضيق العيش في بلاده.. والحروب والدمار التي حلت بهم.. وانا من طرفي رحبت به كثيراً بصورة غير متوقعة فقال لي انه يخطط للعمل بعد إنتهاء فترة الجامعة.
انتهى الحديث بيننا بإستكمال اجراءات التسجيل ومع كثرة انبهاري به نسيت حتى أخذ رقم هاتفه.. مر الوقت جميل جداً ولم يشدني شيء في الجامعة سوى وجود هذا الشخص فيها….
بدأ العام الدراسي وأنا لم انسى ذلك الرجل الجميل الذي اخذني حديثه الى دنيا أخرى ومازال يرن صداه في أذني… بحثت عن (محمود) كثيراً وانا راجيةً ان يكون معنا ولكن يؤسفني انه ليس في نفس تخصصي وانما تخصص في دراسةً آخرى مرت اكثر من شهرين ولم اسمع عن ذلك الوسيم خبر الاّ حينما وصلت صديقتي (ذات) وسبق وحدثتها عنه لتخبرني انها وجدت محمود يجلس مع شلة شباب هناك..
ذهبت معها ولكن لم ينتابني الشوق القديم لأنني عرفت اصناف واصناف من الرجال ولكن اخذني الفضول لمعرفة هذا الشخص الذي اول من تعرفت عليه حين وصولي الى الجامعة… وحينما وجدته يجلس مع شلته لم احب ان الفت نظر أحد سواه وانا مقتنعةً تماماً انه لم يتذكرني.. جلسنا انا وصديقتي نحتسي كوب قهوة لنرتاح بها من عناء المحاضرة الطويلة…. وحينما نظر إلي محمود تذكرني وجاء راكضاً الي وحتى سلامه كان ملفت للنظر. فالكل كان يريد ان يعرف من انا التي ترك اصدقائه للحديث معي…
مرت الأيام واصبحت علاقتنا اكبر مما يكون كانت دافعاً لي للنجاح ..تخرج محمود من الجامعة بعد عناء وكون نفسه وانا بقت لي سنة واحدة. للتخرج…
جاء وطلبني من والدي وبعد مشاورات طويلة لم يوافق والدي فعاداتهم ليس كعاداتنا ولكنني كنت مثال للفتاة التي ترفض التخلي عن حبيبها وبعد مرور سنة من رفضه رجع يطلبني مرةً اخرى حتى وافق والدي واخيراً تزوجنا…
تزوجنا واصبح خاتم الخطوبة بيدي اليسرى زواجي من محمود كان مثال رائع لتمازج الثقافات والحضارات فما أجمل محمود بلباس السوداني زاده جمال على جمال..
حملت بطفلي الأول وكانت حياتنا تجري ونحن في قمة التفاهم كنت اسكن في منزل تعبنا كثيراً لشرائه عش زوجية هادئ وجميل ولكن لا أنكر أن كان يعكر صفوه هذا العش بعض الأمور مثل شراب الخمر ولانني كنت احبه كثيراً حاولت معه مرات ومرات وكنت اتغاضى عن أمور كثيرة مرت الايام وتبقى لولادة طفلي ثلاثة اسابيع فقط ..
وفي ذاك الحين جاء لمحمود عقد عمل في المانيا وما ساعده في ذلك الجواز الألماني رفض التخلي عني والسفر بل أصر على ان يحضر ولادتي، انجبت ابني ناصيف وسبحان الله احسن الخالقين اخذ عينا والده ولونه الابيض وشعره الاشقر كان في منتهى الجمال… ولطالما والدي كان يفتخر بصهره وانه مثال الرجل المحترم الخلوق ..
ولم يتم ناصيف اسبوعه الثالث الا وتركنا محمود ليلهث وراء المال وليؤمن ل(ناصيف ) وانا حياة كريمه.. فطالما كان وجوده يغني عن العالم حتى انني لم احتاج الى شهادتي مثال للرجل المسؤول(حب حياتي وتؤام روحي) ولكن بدأ الوضع يضيق والمادة لاتكفي لمستقبل بل حتى صارت عدة ازمات اصابت اقتصاد البلاد بالدمار.. سافر. (ابو ناصيف.. محمود ) لم استطيع وداعه ولا هو حاول ان يمسك نفسه واكتفى بكلمتين إن شاء الله سأعود بأقرب وقت…
وها هو دخل عامه الخامس كان في بداية الأمر يرسل لي خطابات ومعها مصاريف ولكن سرعان ما مرت الايام ولم يذكرنا حتى برسالة اصبح ناصيف في بداية مشواره وبدأ يدرك الأمور ويسأل عن والده وانا لا أعرف ما أجيب… مرت الأيام وانا أحاول اعرف اي خبر كثير ماسمعته من أخبار الناس أنه ارتد ودخل النصرانية واصبح راهباً اشياء كثيرةً جداً كانت تقال ولكن لم اهتم بها فثقتي به كانت اكبر.
فترة طويلة وانا ابحث عنه في المانيا سألت عنه السفارة هناك وكانت تبحث هي بالنيابة عني ولكن لا فائدة … كنت انتظر في المطار كلما يأتي موعد رحلة قادمة من المانيا.. ارتقب بشغف لحظة ينزل من الطائرة الى صالة الإستقبال.. اهلكني الحزن . فكثيراً من الأفكار كانت تراودني هل تزوج وكون اسرةً غيري سألت عنه القاصي والداني وانا لي الآن سبعة سنوات انتظره بلهفة فتاة الجامعة التي ترتقب خروجه ليتقابلا… كثير من الصديقات نصحنني بأن أنساه وابدأ حياتي من جديد فأنا مازلت صغيرة ويجب علي الإستمتاع بالدنيا من حولي.. ولكن كنت ارفض تماماً وبينما كان والدي يحترق قلبه من أجله لم يضغط علي ابداً بإن أنساه …
سمعت خبر كاد يصعقني حينما جائتني منه رسالة شعلت بصيص الأمل في قلبي من جديد.. فرحت كثيراً حينما عرفت انه مازال يذكرني وانه بخير لا بل وانه لم يرتد كما سمعت… وانه ترك المانيا من سنتين واصبح داعية في آحدى الدول العربية.. سعدت لدرجة الجنون بل وارتد النظر بصيراً سبحان الله وارتدت الروح الي على أمل غداً سيأتي ولكن شئ غريب ارتابني حينما نظرت الى صورته انه ملامحه تغيرت تماماً فاللحية غطت وجهه كلياً بل وشحوب عيناه ولونه الاصفر كأنه لم يكن هو… عموماً غير مهم فرسالة منه تكفيني لأنه حب حياتي فأنا كذلك تغيرت ملامحي واصبحت عجوز فهي عشرة سنوات الاّ اربعة شهور …
رجعت الى البيت احمل صورته لأُرِيها الى ابني وسبحان الله تقاسما الجمال فناصيف يشبهه تماماً … سعد كثيراً بالصورة بل وطلب مني ان يتركها في غرفته لم اعترض .. فأنا مازلت احتفظ بصور الجامعة ورسائله وكتبه وقميصه الأخضر المخطط بالبيج وباقي فتيل يحمل ذرات عطر يحبه….
بدأ الأمل يتلاشى مني شيئاً فشيئاً من اخر رسالة لي فهو لم يرسل مرةً أخرى انقضت الأربع شهور كباقي السنوات والعمر يمر واطفأت الشمعة العاشرة من رحيلة وهو لم يحضر ولم يرسل. عذاب الشوق رجع الي من جديد والوجع المحفور داخلي اهلكني ما كان يسليني في عز حزني انه ترك لي ذكرى جميلة وهو ناصيف… فتركتها للاقدار ستجمعنا..
. وانا في طريقي العودة الى المنزل ذات يوم كنت مجهدةً كثيراً وكنت اعاني من الحمى اوقفت لي سيارة أجرة لأرى من يقودها نفس الرجل الذي بعثه لي زوجي من شهور وحينما نظرت اليه كدت ان اصعق صرخت بصوت عالٍ جداً وهو الذي نسى انه من احضر لي رسالة من زوجي… وحينما تذكرني بعد ما خرت قواي وتوقف النبض من قلبي قال لي انه أخاه الذي يعمل معه في بلاد المهجر نسيت تعبي وألمي ومشقة الأيام واصبحت في مشقة شئ واحد هو ان اذهب لهذا الرجل لأسأله عن محمود… لم يخيب أملي صاحب سيارة الأجرة بل تعاطف معي كل العطف وذهبنا سوياً الي أخاةه رجوته ان يعطيني هاتفه ولكنه رفض لأنه استحلفه على ذلك وبعد عذاب طويل ورجاء كثير اعطاني هاتفه…. لم افكر في شئ سوى حب حياتي بعت منزلي واسكنت ابني ذو الاحدى عشر عاماً مع اختي …
وأما أنا استكملت بالمال اجراءات الجواز وتذاكر السفر والتأشيرة وركضت لاهثةً ابحث عنه.. اتصلت عليه ولم اقول له اني انا حب حياته… اتصلت عليه وانتحلت شخصية زوجة صديقه لكي اعرف عنوانه ولكن كانت الصاعقة الكبرى حينما قال لي انه من ست شهور وهو ينام في المستشفى (الحجر الصحي) لم اتفوه بكلمة واحدة غير انني اخذت منه العنوان وركضت اليه… المؤلم في الأمر حينما وصلت إليه أنه قد عرفني بعدما غير الزمن من أشكالنا بل وحرقنا الشوق والمرض فهو ليس كما كان اسود وجهه تماماً وغير النحول الذي أبرز عظامة كلها ..يا ليتني لم اراه في هذا الحال.. واما انا فأشتعل الرأس شيباً من الفراق والشوق.. حينما نظرنا الى بعضنا جلسنا نبكي بحرقة شديدة بل وكأننا وجدنا انفسنا بعد الموت .. محمود كان حريصاً بأن لا أقترب منه فهو مريض بفيروس نقص المناعة المكتسب ( الإيدز) جراء دم ملوث انتقل اليه حينما تبرع لاحدهم.. لم يخبرني هو بل اخبرني الطبيب الذي يشرف على حالته لم اكترث لأحد فقد كنت انتظر لحظة وجودي معه ..احتضنته بشدة لم تستطيع يداه الهزيلتان اللتان ارهقهما المرض بإبعادي… جلست معه طويلاً بل كنت اقضي كل وقتي معه في المستشفى حتى سمح لنا الطبيب بالسفر الى بلدي وهو كان مرٌحباً بذلك وكان يتمنى لو يرى ناصيف ففي معظم الوقت كنا نتحدث معاً عنه وماساعدنا في ذلك المادة التي طالما فرقت بيننا فمحمود لديه مال وفير والحمدلله… سجل جميع امواله بإسم ناصيف وكان يقول لي ان الظروف غير معروفة وانا كنت أود أن أؤمن لكم حياة كريمة
انتهت اجراءات السفر وفي حوذتي مال يكفيني انا وابني امد الدهر ومعي حبيب عمري في يدي.. وجاء موعد السفر وانا في الفندق استيقظت باكراً لأن الحضور كان الساعة التاسعة صباحاً وجدت محمود على سجادته يصلي قربت اليه لأقول له أن موعد الرحلة قد حان ونحن تأخرنا ولكن للأسف لم يمهلنا الموت بل كان اسرع مننا وخطفه مني.. امسكت يده ووجدتها باردةً عرفت انه قد مات.. وقف بي الزمان الى هذا الحال ولم اعرف شيئ ً سوى انه شريط حياتي قد رجع في تلك اللحظة حينما وقفت انا في باب العمادة ارتقب منه كلمةً واحده ..تذكرت كل شئ جمعنا سوياً مؤلم جداً وجوده بعد غياب طويل وفقدانه من جديد،
فرجعنا على متن طائرةً واحدة كما كنا نحلم دائماً
أنا فوقها وهو اسفلها نائماً على النعش..
ــــــــــــــــــــــــــ
هويدا حسين احمد
hawydia2017@gamil.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق