كثيرة هي المجموعات القصصية التي تصدر يوميا في العالم العربي، كلُّها تتزاحم على إعجاب القارئ، مستخدمة كل الوسائل المشروعة للبقاء تحت دائرة أشعة الشمس الضّيقة: الصورة، واللغة، والأسلوب، والتكنيك، والخيال... عايدة نصر الله الكاتبة الفلسطينية، القادمة من أعماق فلسطين التاريخية- من أم الفحم، المدينة التي صمدت طوال سبعة عقود أمام كل محاولات تذويب ثقافتها، استطاعت في مجموعتها القصصية الجديدة "مهد من ورق الشجر"، الصادرة عن الآن ناشرون وموزعون في عمّان، أن تقدم نموذجا جديدا للإبداع الحقيقي الذي يؤصل للثقافة العربية الفلسطينية، التي تأبى الذوبان أو الضياع.
قصص المجموعة الخمسة والعشرون تخبئ أكثر مما تحكي، تطوف في أماكن كثيرة، تبحث عن شخصيات فريدة، أصيلة، حية، لها مواقف أصيلة وأراء عميقة في الحياة، شخصيات من الواقع، تعيش بيننا، لكنّنا لم نكتشف في أي لحظة جمالها، وانتمائنا لها، وانتمائها لنا، إلا من خلال ريشة الكاتبة (بالمناسبة الكاتبة فنانة تشكيلية أيضا، فهي ترسم بالريشة والقلم)، فمثلا نحن نتعرف في قصة "الجيب" على شخصية المرأة الأم والزوجة من خلال الحديث عن جيب مريلتها ، ذلك الجيب الذي يختزن حياة الشخصية وحياة الشخصيات التي تعيش حولها.
وبالمثل نجدها تسرد حكاية المرأة الوحيدة التي تركها حبيبها في قصة "حجر" من خلال ذاكرة حجر كانت قد احتفظت به، إذ يصبح الحجر الأصم أقرب إليها من كل البشر، وتبرز هنا في هذه القصة قيمة القسوة الإنسانية. ومن خلال لغة شاعرية تتناسب مع حرارة الموضوع نتعرف على قيمة الفقد في قصة "الجارزة السوداء"، وأحيانا نجد نص الكاتبة يشبه تحليق الحمام فوق المكان، فهو يجوب المدينة، أو تحركه بيوت وشوارع المدينة بخيوط غير مرئية. حمامٌ يعيش في المدينة، لكنه دائم التّوق إلى القرية، مكانه الطبيعي، قصة "دقات المهباج".
لا تنفصل الكاتبة في قصصها عن الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي الذي تعيش فيه، فها هي بطلتها في قصة "شهوة اللحم" لا تستطيع التخلص من مشاهد الحروب والموت التي تعاني منها أرضها على مر التاريخ.. منذ كنتَ غطائي مرت على هدبي حروب، جثث، دول تروح وتجيء.. تجيء وتروح، وأنا أحلم بك... لذلك هي تستجدي الحب لإنقاذها من كوابيس الحرب.. محمد.. سي محمد.. أسرع لإنقاذي من العيون النائمة على وجه السماء..
ومن أجواء المجموعة – نختار من قصة "حجر"، تقول الكاتبة: "كانت يدي صغيرة عندما التقطت ذاك الحجر الصغير من الطريق. لم تدرك يدي الصغيرة آنذاك لماذا اختارته. لونه بنّي سكنته الشمس حيث انصهر بلون شفقها، وركنَ عميقًا في الأرض فامتصّ لون تراب معتّق. دحرجته السنون. احتكّت به الحكايات حتّى املسَّ وجهه. كانت يدي صغيرة. كبرت اليد. تعمّقت الأحزان في داخلي، نتف حكايات تناثرت، وذراها الريح في مسيرة الجراح، والحجر ينظر إليّ مستكينًا في حجري". وفي قصة" شهوة اللحم" تقول: "رأيت صورته عبر "النت". ياااااااااااه!. الشامة في مكانها، فضّة زيّنت شعره فأصبح أجمل. كم جميل هذا الغجريّ البربريّ الأمازيغيّ، الشـيلح، المغربيّ! وليكنْ ما يكون. محمّد... سـي محمّد! لك عمري كلّه. منذ تركت نفسـي فيك يوم أن التقيتكَ، واستحلت ضفيرة مشدودة في الحياة الثالثة. نظرت للغيم مرّة أخرى. العيون المحدّقة، أشلاء الجثث، حيفا، غزّة، لبنان، فراشات تحترق. وأنا، أينني؟! وتنهّدت الأرض".
وتقول أيضاً: "أغمضت عينيّ استعدادًا للهزيمة، نظرت جانبي لأشمّ محمّدًا من خلال المغربيّ الجالس في الطائرة.
محمّد.. سـي محمّد... أسـرع لإنقاذي من العيون النائمة على وجه السماء.
لكنّ العيون كثيرة، كثييييييييييرة... كثيييييييييييييرة.
وصلنا كازبلانكا.
نفضت رأسـي الصغير،
نظرت إلى السماء،
ابتسمت للأرض،
لكنّ العيون قفزت فجأة من السماء
ودخلت إلى حيث النمل يحبو في عروقي".
يذكر أن الكاتبة عايدة نصر الله من مواليد سنة 1956، في مدينة أم الفحم في فلسطين، حاصلة على شهادة البكالوريوس في تاريخ الفن واللغة العربية من جامعة حيفا سنة 1998، وشهادة اختصاص في أساليب تدريس الفن التشكيلي سنة 1999، وشهادة الماجستير بتفوق في الفنون التشكيلية حول "فنانات من وادي عارة: مسارهن الفني كانعكاس لنظرتهن الذاتية والاجتماعية" سنة 2004، ونالت إجازة الدكتوراه مع مرتبة الشـرف حول "تجليات الجسد في الفن الآدائي والفن التشكيلي لدى الفنانات الفلسطينيات المعاصـرات من سنة 1998- 2010".
عملت صحفيّة في صحيفة "الاتحاد" في حيفا (1991-1993)، ومدرسة للفنون الجميلة (1998-2004)، وهي تدرس الآن الفنون التشكيلية والمسـرح ضمن مساق تأهيل المعلمين العرب في معهد التربية والتعليم العربي في كلية بيت بيرل في كفار سابا، وتدرِّس موضوع "الفن الآدائي ومسـرح الشارع في العالم العربي" لطلاب الماجستير في جامعة تل أبيب –يافا، منذ 2006. كتبت المسـرح والقصة القصـيرة والشعر والرواية، تُرجمت بعض مسـرحياتها وبعض أشعارها للإنكليزية والعبرية، والإسبانية. ونشـرت كتاباتها في صحيفة "الاتحاد"، ومجلات: "الجديد"، و"اتحاد الكتاب العرب 48"، و"الغد". ولها عديد من المقالات والترجمات في النقد الفني والمسـرحي.
من مؤلفاتها الأدبية: "حفنات"، قصص، و"أنين المقاهي" قصص، و"عزيزي من وراء البحار" رواية، وقد ترجمت إلى الألمانية. وقد مُنحت جائزة التفوق من جامعة تل أبيب- قسم الدراسات النسائية وتلقت منحة التفوق من الجامعة على مدار سنوات تعليمها للقب الماستر والدكتوراه، سنة 1999، وتلقت منحة لمدة ثلاثة أشهر للمشاركة في برنامج الكتاب العالميين في جامعة أيوا سنة 2001، كما وشاركت في مؤتمرات عالمية حول الأدب والفن فمثّلت شعبها في عدة مؤتمرات في الولايات المتحدة، ألمانيا، هولندا، ليفربول، وأقامت معارض فنية عربياً وعالمياً كان آخرها في ألمانيا.
قصص المجموعة الخمسة والعشرون تخبئ أكثر مما تحكي، تطوف في أماكن كثيرة، تبحث عن شخصيات فريدة، أصيلة، حية، لها مواقف أصيلة وأراء عميقة في الحياة، شخصيات من الواقع، تعيش بيننا، لكنّنا لم نكتشف في أي لحظة جمالها، وانتمائنا لها، وانتمائها لنا، إلا من خلال ريشة الكاتبة (بالمناسبة الكاتبة فنانة تشكيلية أيضا، فهي ترسم بالريشة والقلم)، فمثلا نحن نتعرف في قصة "الجيب" على شخصية المرأة الأم والزوجة من خلال الحديث عن جيب مريلتها ، ذلك الجيب الذي يختزن حياة الشخصية وحياة الشخصيات التي تعيش حولها.
وبالمثل نجدها تسرد حكاية المرأة الوحيدة التي تركها حبيبها في قصة "حجر" من خلال ذاكرة حجر كانت قد احتفظت به، إذ يصبح الحجر الأصم أقرب إليها من كل البشر، وتبرز هنا في هذه القصة قيمة القسوة الإنسانية. ومن خلال لغة شاعرية تتناسب مع حرارة الموضوع نتعرف على قيمة الفقد في قصة "الجارزة السوداء"، وأحيانا نجد نص الكاتبة يشبه تحليق الحمام فوق المكان، فهو يجوب المدينة، أو تحركه بيوت وشوارع المدينة بخيوط غير مرئية. حمامٌ يعيش في المدينة، لكنه دائم التّوق إلى القرية، مكانه الطبيعي، قصة "دقات المهباج".
لا تنفصل الكاتبة في قصصها عن الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي الذي تعيش فيه، فها هي بطلتها في قصة "شهوة اللحم" لا تستطيع التخلص من مشاهد الحروب والموت التي تعاني منها أرضها على مر التاريخ.. منذ كنتَ غطائي مرت على هدبي حروب، جثث، دول تروح وتجيء.. تجيء وتروح، وأنا أحلم بك... لذلك هي تستجدي الحب لإنقاذها من كوابيس الحرب.. محمد.. سي محمد.. أسرع لإنقاذي من العيون النائمة على وجه السماء..
ومن أجواء المجموعة – نختار من قصة "حجر"، تقول الكاتبة: "كانت يدي صغيرة عندما التقطت ذاك الحجر الصغير من الطريق. لم تدرك يدي الصغيرة آنذاك لماذا اختارته. لونه بنّي سكنته الشمس حيث انصهر بلون شفقها، وركنَ عميقًا في الأرض فامتصّ لون تراب معتّق. دحرجته السنون. احتكّت به الحكايات حتّى املسَّ وجهه. كانت يدي صغيرة. كبرت اليد. تعمّقت الأحزان في داخلي، نتف حكايات تناثرت، وذراها الريح في مسيرة الجراح، والحجر ينظر إليّ مستكينًا في حجري". وفي قصة" شهوة اللحم" تقول: "رأيت صورته عبر "النت". ياااااااااااه!. الشامة في مكانها، فضّة زيّنت شعره فأصبح أجمل. كم جميل هذا الغجريّ البربريّ الأمازيغيّ، الشـيلح، المغربيّ! وليكنْ ما يكون. محمّد... سـي محمّد! لك عمري كلّه. منذ تركت نفسـي فيك يوم أن التقيتكَ، واستحلت ضفيرة مشدودة في الحياة الثالثة. نظرت للغيم مرّة أخرى. العيون المحدّقة، أشلاء الجثث، حيفا، غزّة، لبنان، فراشات تحترق. وأنا، أينني؟! وتنهّدت الأرض".
وتقول أيضاً: "أغمضت عينيّ استعدادًا للهزيمة، نظرت جانبي لأشمّ محمّدًا من خلال المغربيّ الجالس في الطائرة.
محمّد.. سـي محمّد... أسـرع لإنقاذي من العيون النائمة على وجه السماء.
لكنّ العيون كثيرة، كثييييييييييرة... كثيييييييييييييرة.
وصلنا كازبلانكا.
نفضت رأسـي الصغير،
نظرت إلى السماء،
ابتسمت للأرض،
لكنّ العيون قفزت فجأة من السماء
ودخلت إلى حيث النمل يحبو في عروقي".
يذكر أن الكاتبة عايدة نصر الله من مواليد سنة 1956، في مدينة أم الفحم في فلسطين، حاصلة على شهادة البكالوريوس في تاريخ الفن واللغة العربية من جامعة حيفا سنة 1998، وشهادة اختصاص في أساليب تدريس الفن التشكيلي سنة 1999، وشهادة الماجستير بتفوق في الفنون التشكيلية حول "فنانات من وادي عارة: مسارهن الفني كانعكاس لنظرتهن الذاتية والاجتماعية" سنة 2004، ونالت إجازة الدكتوراه مع مرتبة الشـرف حول "تجليات الجسد في الفن الآدائي والفن التشكيلي لدى الفنانات الفلسطينيات المعاصـرات من سنة 1998- 2010".
عملت صحفيّة في صحيفة "الاتحاد" في حيفا (1991-1993)، ومدرسة للفنون الجميلة (1998-2004)، وهي تدرس الآن الفنون التشكيلية والمسـرح ضمن مساق تأهيل المعلمين العرب في معهد التربية والتعليم العربي في كلية بيت بيرل في كفار سابا، وتدرِّس موضوع "الفن الآدائي ومسـرح الشارع في العالم العربي" لطلاب الماجستير في جامعة تل أبيب –يافا، منذ 2006. كتبت المسـرح والقصة القصـيرة والشعر والرواية، تُرجمت بعض مسـرحياتها وبعض أشعارها للإنكليزية والعبرية، والإسبانية. ونشـرت كتاباتها في صحيفة "الاتحاد"، ومجلات: "الجديد"، و"اتحاد الكتاب العرب 48"، و"الغد". ولها عديد من المقالات والترجمات في النقد الفني والمسـرحي.
من مؤلفاتها الأدبية: "حفنات"، قصص، و"أنين المقاهي" قصص، و"عزيزي من وراء البحار" رواية، وقد ترجمت إلى الألمانية. وقد مُنحت جائزة التفوق من جامعة تل أبيب- قسم الدراسات النسائية وتلقت منحة التفوق من الجامعة على مدار سنوات تعليمها للقب الماستر والدكتوراه، سنة 1999، وتلقت منحة لمدة ثلاثة أشهر للمشاركة في برنامج الكتاب العالميين في جامعة أيوا سنة 2001، كما وشاركت في مؤتمرات عالمية حول الأدب والفن فمثّلت شعبها في عدة مؤتمرات في الولايات المتحدة، ألمانيا، هولندا، ليفربول، وأقامت معارض فنية عربياً وعالمياً كان آخرها في ألمانيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق