كاتبة وقاصة سورية، من مدينة دمشق، تعمل مدرّسة للغة العربية، تكتب القصة القصيرة والقصيرة جداً والدراسات النقدية في المسرح والأدب والشعر، ناشطة في مجال الثقافة والأدب نظمت العديد من المهرجانات والأمسيات الأدبية والموسيقية في المراكز الثقافية التابعة للبلديات في بيروت، تنشر نتاجها في الصحف والمجلات العربية والعالمية.
تقول عن نفسها: إن كتابتي للقصة القصيرة جدا، ودراساتي النقدية في المسرح والأدب، وما أنظمه من مهرجانات وأمسيات أدبية لا يشتت المبدعة في داخلي، بل على العكس تماما يعزز شعلة الابداع ويطورها، بل ويحميها من الانطفاء أو الخمول، وضف على ذلك اهتمامي بالفن التشكيلي، صحيح أنني لا أرسم سوى "خربشات" لكني أستطيع ان أحلل لوحة رسمتها ريشة إبداع وقد كان لي عدة دراسات في لوحات تشكيلية أقيمت في معارض داخل بيروت، وقد نشرت تلك الدراسات في عدة مواقع الكترونية وصحف ورقية.
تضيف: هذا لا يعني أبداً أن المبدع لا يحتاج الى عزلة كي يحلّق في فضاءات تخييله لرفد انجازاته، بل على العكس تماماً، لكن ولأن لا عزلة دون ضجيج، ولا ضجيج دون عزلة يبقى خلق التوازن بين الثنائيتين هو ما يحتاجه المبدع، وهذا ما أعمل على اعتداله في مسيرتي الأدبية، وكل قارى هو ناقد بالذائقة، لكن تتفاوت النسب بامتلاك ذائقة حصيفة وعميقة في آن، وأنا وقبل كل شيء قارئة نهمة، فالكتب أجنحة الإنسان التي لا تتكسر.
وعن لغتها أثناء الكتابة تقول الكاتبة مشلين بطرس: للبعد اللغوي في القصة القصيرة جداً خصوصية أكبر من باقي الأجناس الأدبية الأخرى، لأنها البؤرة الأساسية التي تنطلق منها الأبعاد الأخرى في القصة وترتكز عليها. ففي قصصي القصيرة والقصيرة جداً التي أكتبها تقترب اللغة فيها من لغة الشعر سواءً أكان على صعيد الجملة التي تنتج رمزاً وإيحاءات وانزياحات، أو على صعيد الدلالة العامة التي تنتجها قصتي كاملة، ولأن اللغة في الـ ق. ق. ج هي أداة إنتاج وليست أداة اتصال، تكون اللغة من داخل القصة وليست من خارجها، لذا أكتب بلغة مبسطة وشعرية مكثفة في آن معاً، وكما يقول رولان بارت: إن اللغة ليست زاداً من المواد بقدر ما هي أفق.
وتضيف: تطرقنا آنفاً لأهمية التكثيف في لغة القصة القصيرة عموما، والقصيرة جدا خصوصاً، ولأنها ميزة هذا النوع الأدبي السردي، تجدني دائمة البحث عن كيفية تكثيف الفكرة بلغة مبسطة منها يولد نصي، وبعد صراع تبادلي بين (اللغة والفكرة) ينتصر فن القصّ، ويكون الأسلوب هو بطل قصتي.
وعن العناصر الأساسية للقصة الناجحة؟ وكيف على القاص أن يطور لغته الأدبية وأدواته القصصية؟ تقول الكاتبة السورية: كتب الروائي أرنست همنغواي "قصة" من ست كلمات اعتبرها أفضل أعماله على الاطلاق. تقول القصة: "للبيع حذاء طفل، لم يرتده أحد!" أعتقد أن أهم عناصر القصة القصيرة جدا الناجحة هو الحدث، بالإضافة الى التكثيف والإيجاز، فالقصة القصيرة جدا تقوم على وجهين هما:
أـ الحركة الداخلية التي عليها يقوم النص، وذلك بالعلاقة التبادلية بين الاختزال والتكثيف دون إغفال عنصر الإيجاز فالتكثيف كما يقول د. يوسف حطيني "يدفع السرد نحو الاكتفاء في تقديم الشخصية الواحدة في بعض الاحيان.
ب ـ اما عن الحركة الخارجية فهي تعتمد على تركيب الجملة بدءاً من اللحظة التي بها تبدأ الـ ق. ق. ج، وهي لحظة الفعل والذروة معاً وصولاً إلى قفلتها. ومنه على كاتب الـ ق. ق. ج ألا يغفل عنصر الدهشة أو الصدمة، وعليه ان يطور أدواته الأدبية بالقراءة والقراءة، ومن ثم القراءة، وألا يهمل موهبته لكل الدراسات النقدية التي تتناول القصة القصيرة جداً، حتى تنتهي القصة الناجحة بنهاية غير نمطية تفتت وحدة الصورة بما هو غير متوقع أصلاً.
يقول يوجين اونيسكو: "كل أدب جديد عدائي"! فالعدائية تمتزج بالأصالة وهي تقلق ما اعتاد عليه الناس من أفكار. تكون القصة القصيرة تدريبات تسبق الرواية عندما لا تكون قصة قصيرة، بمعنى ان النص لم يرتق بعد ليصبح قصة قصيرة، إنما هو نص يتأرجح ما بين الخاطرة والسرد المباشر، أو الحكاية والوصف، ففي بناء القصة القصيرة والقصيرة جدا يجب أن يؤدي حذف كلمة واحدة منها الى خلخلة البناء السردي بأكمله" والمبدع الحقيقي في الـ ق. ق. ج هو وحده من يمنح هذا النوع الادبي مشروعيته، وفرضه بقوة على مستوى الساحة الادبية.
وتوضح أن "الفن وحده ينقذنا من الجنون" وهذا ما قالته الروائية غادة السمان "فالفن خطوة من خطى الطبيعة الى اللانهائية" كما يراه جبران، والـ ق. ق. ج هي فن القصّ، إنها من أصعب الأنواع الأدبية وأكثرها عمقا ومعرفة، لها استقلاليتها التي تؤكدها توالي النماذج الجيدة التي تكتبها، والنقد الذي يدرسها بجدية, إنها فنّ قائمّ بحد ذاته، فهي بمثابة انفجار كوني يضفي التمييز والاستثناء على موهبة المبدع.
وترى مشلين بطرس أن القصة القصيرة جدا فن قائم بحد ذاته، من الممكن جدا ان تصنع اسما لكاتب لأنها إبداع استثنائي يحمل كل مقومات الفن، مفعم بالعمق والفلسفة والسخرية اللاذعة، والنقد البناء.
وإذا أردنا البحث في انطولوجيا القصة القصيرة جدا سنجد العديد من الاسماء التي برزت في كتابة هذا الشكل من السرد، إذ بدأ التأسيس لها اصطلاحيا في الادب الغربي ابتداءً من أوائل العقد الأخير من القرن العشرين، وإن كان لهذا الشكل جذور قديمة تعود الى "خرافات ايسوب" وإلى "جولستان" لسعدي الشيرازي، أو هنري، وكافكا، همنغواي، ليديا ديفير، خوليو كورتاثار، وآرثر كلارك، راي برادبري، وفردريك براون.
كما كان لها انتشار في العالم العربي وخاصة سوريا وفلسطين ومصر، فإلى جانب نجيب محفوظ الذي كتب في هذه الشكل عمله "رأيتُ فيما يرى النائم" نجد ايضا اسم زكريا تامر في أكثر من مجموعة له، والكثير من الاجيال المتنوعة من المبدعين والمبدعات في الوطن العربي، كان ولا يزال اهتمامهن واهتمامهم الأساسي بكتابة القصة القصيرة جداً.
وترى مشلين بطرس أننا الشعب المثقف الذي يمسح الزجاج بالجرائد، ويقرأ من الفنجان، وقد صدق نزار قباني فيما قاله، فعالمنا العربي لم يدرك الأحداث بعد، لأنه عالم أناني يتخبط في الموروث الديني، ينجذب الى مغناطيس العادات والتقاليد، إنه عالم منغلق على ذاته، لا يتقبل الآخر فليس للمحبة محل من الإعراب ومع الأعراب بمكان، لأن الثقافة الحقيقية هي ثقافة الإنسانية أولاً وآخراً؟
وفي هذا الصدد أقول: فالماء التي كونتنا عطشى للمحبة، ولن يطفئ ظمأها سوى الانسانية الحقة،، والنور الكامن فيك لا يحتاج إلى غواصة، لأنه يطفو على سطح تلامس وجهه أنامل الشمس والحياة، فلتكن عميقاً أعمق من عمق المحيطات حتى ترى نورك ويلمسه الآخرون فيك.
وعن العملبة النقدية تشير مشلين بطرس إلى المثل الفرنسي القائل "إن الانتقاد سهل أما الفن فصعب"، وتقول إن الابداع لا وطن له كما يقول اندريه جيد، وأنا أقول ما قاله جون شتايبنك "إن الزمن هو الناقد الوحيد الذي لا طموح له.
وتركز مشلين بطرس على القراءة، فالقراءة فعل وفاعل في ذات الوقت من خلالها يتحقق النص، فعندما يمتص القارئ النصوص التي يقرؤها يكون أكثر "نصوصية" من النصوص. وكما نعلم ان العنوان هو أول علامة سيميائية للنص، وهو اول مرحلة من مراحل التلقي، وقد عرّفه ليوهوك بأنه مجموعة من العلامات اللسانية (كلمة، جملة، نص) التي يمكن أن تدرج على رأس نص لتحدده، وتدل على مستواه العام وتعرّف الجمهور بقراءته.
وقد أصبح العنوان علماً قائماً بحد ذاته يسمى علم "العنونة" لأنه يؤدي دور المنبه في إيقاظ فعل القراءة، وأنا كمتلق يؤجج العنوان في داخلي شعلة الإبداع في القراءة ودراسة النص، فأقرأ النصوص الأدبية قراءة ثقافية عميقة، ومن العمق والإبداع في النص ينهمر يراعي بالكتابة مع النص وعنه، "فعلى الانسان ان يكون مخترعا إذا أراد القراءة الجيدة" كما يقول رالف أمرسون.
وعن تدخل الذوق الشخصي في الدراسة النقدية تقول: إن الذوق عند المتصوفة يحتل مكانة متميزة في الآداب والفنون، وهو لدى العارفين منزل من منازل السالكين، أنه أثبت وأرسخ منزلة من الوجد كما جاء في تاج العروس، وهناك ذوق سليم، وذوق فاسد بحسب ما قاله الأديب الفرنسي لابروبير، وقد عرّفه الدكتور جبور عبدالنور "بأنه ملكة الاحساس بالجمال والتمييز بدقة بين حسنات الأثر الفني وعيوبه وإصدار الحكم عليه"، ومع الاستعانة بأية معارف أو علوم، وبالارتقاء بالثقافة وبالذائقة العميقة، وتراكم القراءات سيشعر القارئ بلذة النص.
وتقول: "أنا أظن" كتب كافكا عام 1904 إلى صديقه اوسكار بولاك" على المرء ألا يقرأ إلا تلك الكتب التي تعضه وتوخزه. إذا كان الكتاب الذي نقرأه لا يوقظنا بخبطة على جمجمتنا فلماذا نقرأ الكتاب إذاً؟ كي يجعلنا سعداء كما كتبت؟ يا إلهي، كنا سنصبح سعداء حتى لو لم تكن عندنا كتب، كموت من نحبه أكثر مما نحب أنفسنا الكتب التي تجعلنا نشعر وكأننا قد طردنا الى الغابات بعيداً عن الناس، مثل الانتحار. على الكتاب ان يكون كالفأس التي تهشم البحر المتجمد في داخلنا. هذا ما أظنه".
ولأن الجميع في تهافت كي يصبح كاتبا ومؤلفا في فضاءات الأدب الرحبة، ولأن دور النشر تنشر أي عنوان ما دام المؤلف هو من سيتكفل بطبع كتابه، ها نحن اليوم نقف أمام "تلوث إبداعي" وزيادة المعروض الأدبي وتراكمه كماً وليس نوعاً في عالمنا العربي تجعل "الأنا" عند البعض تتضخم وتصبح كالبالونات المنفوخة أمام ما ينتجونه من كتب أغلبها لا تصلح ولا تفيد، وظاهرة الكتب المترهلة والركيكة، السطحية منها والساذجة. وهي الظاهرة في ثقافتنا العربية، وذلك يعود الى الاستسهال في الكتابة وبالتالي نرى سيلاً عارماً من الرداءة، في ظل غياب حركة نقدية قوية تقف بالمرصاد لتغربل الجيد من الرديء.
تقول عن نفسها: إن كتابتي للقصة القصيرة جدا، ودراساتي النقدية في المسرح والأدب، وما أنظمه من مهرجانات وأمسيات أدبية لا يشتت المبدعة في داخلي، بل على العكس تماما يعزز شعلة الابداع ويطورها، بل ويحميها من الانطفاء أو الخمول، وضف على ذلك اهتمامي بالفن التشكيلي، صحيح أنني لا أرسم سوى "خربشات" لكني أستطيع ان أحلل لوحة رسمتها ريشة إبداع وقد كان لي عدة دراسات في لوحات تشكيلية أقيمت في معارض داخل بيروت، وقد نشرت تلك الدراسات في عدة مواقع الكترونية وصحف ورقية.
تضيف: هذا لا يعني أبداً أن المبدع لا يحتاج الى عزلة كي يحلّق في فضاءات تخييله لرفد انجازاته، بل على العكس تماماً، لكن ولأن لا عزلة دون ضجيج، ولا ضجيج دون عزلة يبقى خلق التوازن بين الثنائيتين هو ما يحتاجه المبدع، وهذا ما أعمل على اعتداله في مسيرتي الأدبية، وكل قارى هو ناقد بالذائقة، لكن تتفاوت النسب بامتلاك ذائقة حصيفة وعميقة في آن، وأنا وقبل كل شيء قارئة نهمة، فالكتب أجنحة الإنسان التي لا تتكسر.
وعن لغتها أثناء الكتابة تقول الكاتبة مشلين بطرس: للبعد اللغوي في القصة القصيرة جداً خصوصية أكبر من باقي الأجناس الأدبية الأخرى، لأنها البؤرة الأساسية التي تنطلق منها الأبعاد الأخرى في القصة وترتكز عليها. ففي قصصي القصيرة والقصيرة جداً التي أكتبها تقترب اللغة فيها من لغة الشعر سواءً أكان على صعيد الجملة التي تنتج رمزاً وإيحاءات وانزياحات، أو على صعيد الدلالة العامة التي تنتجها قصتي كاملة، ولأن اللغة في الـ ق. ق. ج هي أداة إنتاج وليست أداة اتصال، تكون اللغة من داخل القصة وليست من خارجها، لذا أكتب بلغة مبسطة وشعرية مكثفة في آن معاً، وكما يقول رولان بارت: إن اللغة ليست زاداً من المواد بقدر ما هي أفق.
وتضيف: تطرقنا آنفاً لأهمية التكثيف في لغة القصة القصيرة عموما، والقصيرة جدا خصوصاً، ولأنها ميزة هذا النوع الأدبي السردي، تجدني دائمة البحث عن كيفية تكثيف الفكرة بلغة مبسطة منها يولد نصي، وبعد صراع تبادلي بين (اللغة والفكرة) ينتصر فن القصّ، ويكون الأسلوب هو بطل قصتي.
وعن العناصر الأساسية للقصة الناجحة؟ وكيف على القاص أن يطور لغته الأدبية وأدواته القصصية؟ تقول الكاتبة السورية: كتب الروائي أرنست همنغواي "قصة" من ست كلمات اعتبرها أفضل أعماله على الاطلاق. تقول القصة: "للبيع حذاء طفل، لم يرتده أحد!" أعتقد أن أهم عناصر القصة القصيرة جدا الناجحة هو الحدث، بالإضافة الى التكثيف والإيجاز، فالقصة القصيرة جدا تقوم على وجهين هما:
أـ الحركة الداخلية التي عليها يقوم النص، وذلك بالعلاقة التبادلية بين الاختزال والتكثيف دون إغفال عنصر الإيجاز فالتكثيف كما يقول د. يوسف حطيني "يدفع السرد نحو الاكتفاء في تقديم الشخصية الواحدة في بعض الاحيان.
ب ـ اما عن الحركة الخارجية فهي تعتمد على تركيب الجملة بدءاً من اللحظة التي بها تبدأ الـ ق. ق. ج، وهي لحظة الفعل والذروة معاً وصولاً إلى قفلتها. ومنه على كاتب الـ ق. ق. ج ألا يغفل عنصر الدهشة أو الصدمة، وعليه ان يطور أدواته الأدبية بالقراءة والقراءة، ومن ثم القراءة، وألا يهمل موهبته لكل الدراسات النقدية التي تتناول القصة القصيرة جداً، حتى تنتهي القصة الناجحة بنهاية غير نمطية تفتت وحدة الصورة بما هو غير متوقع أصلاً.
يقول يوجين اونيسكو: "كل أدب جديد عدائي"! فالعدائية تمتزج بالأصالة وهي تقلق ما اعتاد عليه الناس من أفكار. تكون القصة القصيرة تدريبات تسبق الرواية عندما لا تكون قصة قصيرة، بمعنى ان النص لم يرتق بعد ليصبح قصة قصيرة، إنما هو نص يتأرجح ما بين الخاطرة والسرد المباشر، أو الحكاية والوصف، ففي بناء القصة القصيرة والقصيرة جدا يجب أن يؤدي حذف كلمة واحدة منها الى خلخلة البناء السردي بأكمله" والمبدع الحقيقي في الـ ق. ق. ج هو وحده من يمنح هذا النوع الادبي مشروعيته، وفرضه بقوة على مستوى الساحة الادبية.
وتوضح أن "الفن وحده ينقذنا من الجنون" وهذا ما قالته الروائية غادة السمان "فالفن خطوة من خطى الطبيعة الى اللانهائية" كما يراه جبران، والـ ق. ق. ج هي فن القصّ، إنها من أصعب الأنواع الأدبية وأكثرها عمقا ومعرفة، لها استقلاليتها التي تؤكدها توالي النماذج الجيدة التي تكتبها، والنقد الذي يدرسها بجدية, إنها فنّ قائمّ بحد ذاته، فهي بمثابة انفجار كوني يضفي التمييز والاستثناء على موهبة المبدع.
وترى مشلين بطرس أن القصة القصيرة جدا فن قائم بحد ذاته، من الممكن جدا ان تصنع اسما لكاتب لأنها إبداع استثنائي يحمل كل مقومات الفن، مفعم بالعمق والفلسفة والسخرية اللاذعة، والنقد البناء.
وإذا أردنا البحث في انطولوجيا القصة القصيرة جدا سنجد العديد من الاسماء التي برزت في كتابة هذا الشكل من السرد، إذ بدأ التأسيس لها اصطلاحيا في الادب الغربي ابتداءً من أوائل العقد الأخير من القرن العشرين، وإن كان لهذا الشكل جذور قديمة تعود الى "خرافات ايسوب" وإلى "جولستان" لسعدي الشيرازي، أو هنري، وكافكا، همنغواي، ليديا ديفير، خوليو كورتاثار، وآرثر كلارك، راي برادبري، وفردريك براون.
كما كان لها انتشار في العالم العربي وخاصة سوريا وفلسطين ومصر، فإلى جانب نجيب محفوظ الذي كتب في هذه الشكل عمله "رأيتُ فيما يرى النائم" نجد ايضا اسم زكريا تامر في أكثر من مجموعة له، والكثير من الاجيال المتنوعة من المبدعين والمبدعات في الوطن العربي، كان ولا يزال اهتمامهن واهتمامهم الأساسي بكتابة القصة القصيرة جداً.
وترى مشلين بطرس أننا الشعب المثقف الذي يمسح الزجاج بالجرائد، ويقرأ من الفنجان، وقد صدق نزار قباني فيما قاله، فعالمنا العربي لم يدرك الأحداث بعد، لأنه عالم أناني يتخبط في الموروث الديني، ينجذب الى مغناطيس العادات والتقاليد، إنه عالم منغلق على ذاته، لا يتقبل الآخر فليس للمحبة محل من الإعراب ومع الأعراب بمكان، لأن الثقافة الحقيقية هي ثقافة الإنسانية أولاً وآخراً؟
وفي هذا الصدد أقول: فالماء التي كونتنا عطشى للمحبة، ولن يطفئ ظمأها سوى الانسانية الحقة،، والنور الكامن فيك لا يحتاج إلى غواصة، لأنه يطفو على سطح تلامس وجهه أنامل الشمس والحياة، فلتكن عميقاً أعمق من عمق المحيطات حتى ترى نورك ويلمسه الآخرون فيك.
وعن العملبة النقدية تشير مشلين بطرس إلى المثل الفرنسي القائل "إن الانتقاد سهل أما الفن فصعب"، وتقول إن الابداع لا وطن له كما يقول اندريه جيد، وأنا أقول ما قاله جون شتايبنك "إن الزمن هو الناقد الوحيد الذي لا طموح له.
وتركز مشلين بطرس على القراءة، فالقراءة فعل وفاعل في ذات الوقت من خلالها يتحقق النص، فعندما يمتص القارئ النصوص التي يقرؤها يكون أكثر "نصوصية" من النصوص. وكما نعلم ان العنوان هو أول علامة سيميائية للنص، وهو اول مرحلة من مراحل التلقي، وقد عرّفه ليوهوك بأنه مجموعة من العلامات اللسانية (كلمة، جملة، نص) التي يمكن أن تدرج على رأس نص لتحدده، وتدل على مستواه العام وتعرّف الجمهور بقراءته.
وقد أصبح العنوان علماً قائماً بحد ذاته يسمى علم "العنونة" لأنه يؤدي دور المنبه في إيقاظ فعل القراءة، وأنا كمتلق يؤجج العنوان في داخلي شعلة الإبداع في القراءة ودراسة النص، فأقرأ النصوص الأدبية قراءة ثقافية عميقة، ومن العمق والإبداع في النص ينهمر يراعي بالكتابة مع النص وعنه، "فعلى الانسان ان يكون مخترعا إذا أراد القراءة الجيدة" كما يقول رالف أمرسون.
وعن تدخل الذوق الشخصي في الدراسة النقدية تقول: إن الذوق عند المتصوفة يحتل مكانة متميزة في الآداب والفنون، وهو لدى العارفين منزل من منازل السالكين، أنه أثبت وأرسخ منزلة من الوجد كما جاء في تاج العروس، وهناك ذوق سليم، وذوق فاسد بحسب ما قاله الأديب الفرنسي لابروبير، وقد عرّفه الدكتور جبور عبدالنور "بأنه ملكة الاحساس بالجمال والتمييز بدقة بين حسنات الأثر الفني وعيوبه وإصدار الحكم عليه"، ومع الاستعانة بأية معارف أو علوم، وبالارتقاء بالثقافة وبالذائقة العميقة، وتراكم القراءات سيشعر القارئ بلذة النص.
وتقول: "أنا أظن" كتب كافكا عام 1904 إلى صديقه اوسكار بولاك" على المرء ألا يقرأ إلا تلك الكتب التي تعضه وتوخزه. إذا كان الكتاب الذي نقرأه لا يوقظنا بخبطة على جمجمتنا فلماذا نقرأ الكتاب إذاً؟ كي يجعلنا سعداء كما كتبت؟ يا إلهي، كنا سنصبح سعداء حتى لو لم تكن عندنا كتب، كموت من نحبه أكثر مما نحب أنفسنا الكتب التي تجعلنا نشعر وكأننا قد طردنا الى الغابات بعيداً عن الناس، مثل الانتحار. على الكتاب ان يكون كالفأس التي تهشم البحر المتجمد في داخلنا. هذا ما أظنه".
ولأن الجميع في تهافت كي يصبح كاتبا ومؤلفا في فضاءات الأدب الرحبة، ولأن دور النشر تنشر أي عنوان ما دام المؤلف هو من سيتكفل بطبع كتابه، ها نحن اليوم نقف أمام "تلوث إبداعي" وزيادة المعروض الأدبي وتراكمه كماً وليس نوعاً في عالمنا العربي تجعل "الأنا" عند البعض تتضخم وتصبح كالبالونات المنفوخة أمام ما ينتجونه من كتب أغلبها لا تصلح ولا تفيد، وظاهرة الكتب المترهلة والركيكة، السطحية منها والساذجة. وهي الظاهرة في ثقافتنا العربية، وذلك يعود الى الاستسهال في الكتابة وبالتالي نرى سيلاً عارماً من الرداءة، في ظل غياب حركة نقدية قوية تقف بالمرصاد لتغربل الجيد من الرديء.
ميدل ايست أونلاين
حاورها: بسام الطعان
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق