رغمَ تقوّسِ ظهرهِ، وخلوِّ قمّةِ هامتهِ من الشّعر، ونحالةِ
جسدهِ، وصحبتهِ لعكّازٍ عجوزٍ مثله، إلّا أنّني عرفْتُه،
أتخيّلُهُ الآن في غرفةِ الصّفّ كما كان، بحيويّتهِ ونشاطهِ
وصوتهِ الجّهوري في الإلقاءِ الشّعريّ، أعودُ بالذّاكرةِ إلى
تأنيبهِ لي يوماً ( لا أعتقدُ أنّكَ ستفلحُ يابنيّ، أنتَ والعلمُ
أعداء، اتّقِ الّلهَ بوالديك العجوزين، تعلّمْ حتى تصبحَ ذا
شأنٍ في المستقبل) .
ولمّا حزتُ الشّهادةَ الاعدايةَ فرحَ كثيراً لي وأهداني قصّةً
من تأليفهِ، وزادَ فرحُه أكثر حين رآني محمولاً على الأكتافِ
من زملائي وأنا أهتفُ معهم لغزّةَ الصّامدةِ في وجهِ العدوانِ
الصّهيوني، وكم أُعجبَ في يومِ طلبتُ منه أن يرافقَنا إلى بيتِ
زميلٍ لنا مات والدُه من أجلِ واجب العزاء فأثنى على ذلك.
تردّدَتُ في التّقدّمِ منه ومصافحتِهِ، ولم أعلم سببَ ذلك التّردّد،
أهو خجلٌ ؟ أهوخوفٌ ؟ أهو احترام ؟ أم حالُ أستاذي التي
وصل إليها ؟
ومع ذلك قرّرتُ أن أصافحَه لكنّ حضورَ بعضِ النّسوةِ إليه
أعادَ إليّ التّردّدَ ثانيةً، نهضَ ومشى مع النّساءِ خارجَ الحديقة
وعينايَ تتابعانِ يدَهُ المرتجفةَ وهي تعانقُ عكّازَه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق