⏪⏬
في يوم من الأيام , جمع والينا أترابهُ , ولا أحد يعرف ما أصابه , وقال لهم : في تثاؤب , وكسل , وعيناه قد أصابها شيء من الإرهاق , وشيء من العسل ...ــ أنا اليوم أشعر بالكسل , وبالفراغ , وبالملل , وأشعر أيضاً بالقرف , وبالسأم "
فقام واحد من إياهم يمدحهُ , ويذم الهم الذي تجرأ ودخل قلب إلى حضرة المفدَّى ولي النّعم , ........
فشكر صنيعه , وباركه , وقرَّبه إليه , وأدناه , وأغدق عليه , وأعطاه , وقال له :
ــ " اجلس يا فتى بجواري , أنت عالم , ولك عندي حظوة , ولك ساق , وقدم , وقد برهنت اليوم عن إخلاصك , سأجعلك من اليوم جليسي , ونديمي الأوحد الأهم , يا صديقي التوأم " .....
ومرت برهة من الزمن , والكل صامت لا يتكلم , وكأن على رؤوسهم الطير ,
ثم طلب من غيره أن يقم , ويتكلم , ويوجز , ولا يسهب , ولا يسب , ولا يذُم , أو يشتم أحداً , وقال له : هذا هو الأهم .........
فقام ثعلب مكَّار , وراح يزور الكلام, ويستف الأفكار , ويزين الحوار , وحديثه مليء بعبارات مثل العسل , وأخذ يظهر تعاطفاً معه , واحترماً له , وبدا وجهه مثل الرمانة , وأبدَى يقول , كلامه المعسول , وهو يدس السم في العسل ,:
ــ " إن كان سيدي يشعر بالألم , فديته بروحي ونفسي , فليستريح من الهم , والتعب , وأنا أقم بما يقوم به سيدي من أعباء , وعمل " .......
فزغر إليه زغرة فاحصة , ثم ابتسم , والغضب على وجهه قد عُلم , وهز رأسه قليلاً , هزة من فهم الحيلة , وراح في نفسه يتمتم .. ويطنطن : ..
ــ " مممم , مممم , أتريد أن تجلس مكاني يا قزم , يا فسل , يا ابن ....." يا قليل الحياء , والأدب , أين العقل منك , والفهم , والعلم " .......
فلما رأي الوجه منه قد أخضرَّ , وأصفرَّ, ومن شدة الغضب أحمرَّ كالجمر, حتى كاد وجهه أن يلتهب من شدة الغضب ......
وبدتّ عليه سحب الغضب , فقام ,واعتذر علي الفور , ثم جلس , وكتم , بل انزوى بعيداً , وانسحب , وأكتف الأيدي , والتزم الصمت , والأدب , وبلم , ولم ينطق ببنت شفة , أو بفم ......
ثم قام ثالث , ورابع , وسابع , ممن هم أتقنوا النفاق , والتطبيل , وتزويق الكلام بالباطل , ليغطوا علي ما ارتكب هذا الأحمق من جرم , فهاجوا عليه وماجوا , وأغلظوا له في القول , مع التأنيب , واللوم , ثم توجهوا له بابتسامةٍ صفراء , لآوين أعناق الكلام , وكان مما قالوا له من مديح , وسناء : ...
ــ " قائدنا الملهم , المفدَّى , السيد المحترم , يا من كله تقوى , وورع , وفهم , وعلم , وحلم , وأياديه علينا لا تعد ولا تحصى , أبانا الذي نفديه بأرواحنا , والدم , وقائدنا الهمام , نرجوا ألا يغضب علينا , ولا يهتم , ولا يغتم , بما قال له هذا الفسل , القزم , التافه , الجرو الأغر , الأخرم , ولا يعتريه ذرة هم , ولا غم " ...
فسُر بكلامهم , ودعا لهم بالتوفيق , ومزيد من العلم , والفهم , ومزيد من الرفعة , وعلو الشأن , ووعدهم بنشر أعمالهم , وبأنه بهم سيهتم , فقد اكتشف فيهم مواهب كثيرة , وأدب جم , قلّ أن توجد في مثلهم , في هذا الزمن الغم , وسيضعهم في دائرة اهتماماته , وفي المكانة والمنبر المحترم , وسيدخلهم التاريخ من أوسع أبوابه , وأعطاهم حزمة من الوعود .. " شُرْم , برم " .........
ثم لما قام من بينهم ناصح أمين مخلص يبغي للناس النفع والخير الأعم , لم يعطه فرصة في الكلام , ليتكلم .. فقط ليقل له :
ــ " يا سيدي : نريد منك الأهم ثم المهم , نحن نريد المساواة , والمساواة في العدل حلم , ولا نريد منك أن تسوقنا كقطيع من الغنم , أين الشفافية يا سيدي ..؟! .. أين المساواة ..؟!.. أين الفهم , وأين العلم ..؟! .. أين العدل ..؟.. " .....
وهنا أعطاه بالقلم , وقال له : من أنت ..؟!.. ومن تكون يا جرو , يا واطي , يا ابن الهرم ... يا ابن الـ ...... " ..........
واخذ يشتمه ويزُم , كُنهك , أصلك , فصلك , وأين أنت من هذا العلم ..؟!..
كيف تجرأت بالإهانة ..؟.. وكيف تجرح , وتذم .. اعتذر عن هذا الكلام , وإلا , وديني ستندم , ولآت حين يفيد الندم , .........
حينها غضب والينا المحترم , وطاش منه العقل , والحلم , والعلم , فقام منتفضا ً, مغضباً , منهزم , قام وانصرف , وخلفه جُل القوم , يهدئونه تارة , وأخرى يقولون له : .. " اطمأن , سنجعله عبرة لمن لا يعتبر , وسيعتذر لك , أو يندم , وإلا سنفصله , ونطرده , من حظيرة الغنم , ومن نادينا العلم , ونجعله عبرة لمن لا يعتبر , وسنمضي علي ذلك ونبصم " .....
فقال لهم : بوركتم يا قوم : وهو يبدي لهم شيئاً من الحزن , والألم ....
ــ " أنا كنت لم أنتوي الترشح ثانية عليكم , فلما يسبني هذا , ويشتم " ....
وقال : الناصح الأمين ....
ــ " ماذا قلت ..؟.. وماذا صنعت , كي أعتذر , أو اُفصل من النادي , ومن عملي
وأقطع , وأصرم " ............
فقالوا له : ــ " أنت لم تدرك حجم ما قلت , وما فعلت يا سيد يا محترم في حق والينا المبجل , العَلَمْ .." ....
ألا تعلم أن هذا ولِيُّنا هو وليُّ النعم , ألا تعلم يا هذا الصعلوك البُرم , بأن والينا المفدَّى الأعظم لا يخطئ في كلامه , ولا في أفعاله يصيبه العطب , ولا يجرم , ولا يمن على من أحسن إليه , ومن غيره لا نعرف أن نتصرف , أو نفعل شيء ,.... وأصر كلٌ علي موقفه من ثمّ ... وهنا انفضَّ السامر , وأسدل الستار , ...
تلك هي القصة يا صاحِ , فلتعي , ولتفهم ...
-
*على السيد محمد حزين
طهطا ــ سوهاج ــ مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق