كل ما نسمعه هذه الأيام عن أمراض واقتصاد وحروب وأسر مفككة... يضاعف من يأسنا ! فهل نستطيع أن نبقى متماسكين رغم هذا الاعوجاج والخلل ؟...
لقد علمتني الحياة بأن للشر انعكاسات مضيئة، فاللهب سيقلب الصورة حين تأكلها النيران، معاناتنا ربما تحتاج إلى حرق يقضي على أشواكها وجراثيمها وحشراتها، نحتاج إلى مسح كل هذه الأضاليل والأكاذيب وبعض النظريات والشعارات التي لم تثمر غير الحقد والكراهية بيننا.
من الواضح أن العادات تحكمنا أكثر من الأصل والضرورة، ومن الواضح أن كل ما نفعله هو تقليد أعمى، وكل ما نسمعه هو ترداد أو صدى لفراغ نتبعه كما الوهم، وهذا الزحف الأرعن لن يقودنا إلا باتجاه الهاوية. أسئلة وضبابية تحتاج إلى حرارة المعاناة لنفك قيودها فإذا لم نعاني من ثقلها لن نفكر في تبديلها عشرات البدع نتبعها ولا نعرف إلى أين سنصل من خلالها من أبسط الأمور حتى أكبرها مثلاً أمر في غاية الأهمية والكل يتبعه بدون أدنى شك في مقدار نفعه : يتمنى الآباء أن يرسلوا أولادهم إلى مدرسة مميزة ويبذلون كل طاقاتهم لدفع التكاليف، ولكن المشكلة تبدأ حين لا تأتي النتائج كما يتمنون، ماذا سيكون الحال إذا جعلت هذه المدارس من أطفالهم ضعفاء أو بلا أمل؟ لأن التلقين هو سياسة معظم هذه المؤسسات، وهذه السياسات قد لا تحاكي مزاج الكثيرين من الطلاب أو قد تُحبط من عزيمة بعضهم حين تكرس مبدأ رصد العلامات وحساب المعدلات فتحرك منابع الحسد والغيرة بينهم وتجفف كل منبع إبداع في داخلهم.
ومثل آخر: إعطاء الفرصة لبعض الناس للتعبير والظهور ورفع الصوت وترك أغلبية مهمشة بعيدة عن الضوء، فهل نستطيع أمام هذا الكم من الأصوات المخنوقة التي لا تجيد التعبير أو التي لم تحصل على فرصة للحديث أن نعرف حقيقة الأمور، وهل يمكن من خلال كل هذا الزخم والصراخ العبثي أن نستعيد أيام الولاء والانتماء للوطن ولقيم الخير والجمال والعدالة؟ هل نستطيع أن نبتعد عن كل هذه الفوضى الصارخة التي تفرز الناس على أساس المكاسب المادية والمناصب ؟ لن يكون المرء راضياً إلا إذا توقف عن مقارنة أوضاعه بأوضاع الآخرين فالحسد كان ولا زال السبب الأول لإثارة الفتن، فهل نستطيع أن نتحرر من نير العادات التي تجرنا كما القطعان؟ وهل نستطيع أن نعي مقدار الفائدة من بعض التوجهات ؟ هل نستطيع أن نتجنب كل انفعال وغضب ؟ هل نستطيع ردم هذه الفجوات بين المحرومين والمرفهين ؟ لقد قلت يوماً بأن الرفاهية أفسدت العالم وستدمره وهذا ما ستأكده كل الوقائع لنراقب فقط وسنعرف معظم الإجابات...
هل سأل أحدنا لماذا نذهب إلى واجب العزاء ؟ ولماذا لم نسأل عن الفقيد يوم كان يعاني الوحدة أو المرض أو الحرمان ... وهل هو بحاجة لنا الآن ؟ هل سأل أحدنا لماذا نشارك في أفراح أشخاص لا تجمعنا بهم قرابة أو صداقة ؟ هل نذهب فقط لنتعلم فنون الإسراف ؟ وهل سأل أحدنا لماذا يتقاطر الناس للعيش في ضوضاء المدن ويخضعون لرتابة العمل وتحمل مصاريف السكن الباهظة ويتجاهلون حياة الطبيعة والصحة والهدوء ؟ كيف لا ننظر إلى حياة البسطاء الذين يفترشون الأرض ويأكلون ما يزرعون والبسمة لا تفارقهم ورغم الفقر لا ينظرون إلى كل هذه المتاهات فهم أحرار أكثر من كل الذين ينشدون الحرية وسط قيود المادة وثقافة الاستعلاء والشر والأنانية، ونفوسهم أقوى وأغنى من نفوس لا تعرف غير هوس المقتنيات والمطالب. عشرات الأسئلة يمكن أن تُطرح...
ألا يحق لنا أن نسأل حتى نتجنب كل هذه الرتابة؟!
-
*ندا ذبيان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق