اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

قصة | النهر الأسود - 2 و3 ... *محمود مسعود

2
⏪⏬
وانصرفوا ، ألقي الثلاثة بأجسادهم المرهقة علي الأسرة واستسلموا لنوم عميق ، انبلج الفجر سريعا واستيقظ أحمد ورجليه علي صوت جلبة غير مألوفة بالنسبة إليهم ،كان مهران متوترا وفي غاية القلق ، لقد اتصل بالمعمل من خلال التليفون الأرضي المعمول
خصيصا لربط النقطة بالمعمل في القرية المتواجدة بمدينة جوبا وأخبره الحارس أن أحمد ومعه عثمان والسائق إدريس غادروا القرية منذ الثالثة عصرا ولا يعلم عنهم أي شيء وهذا ما جعل مهران يبدو في غاية القلق والحيرة خاصة وأنه ليس هناك أي وسيلة اتصال معهم يمكن من خلالها الاطمئنان ومعرفة الأخبار ، ظل مهران طيلة الليل يرقب أي ضوء للسيارة يقترب من النقطة ولكن دون جدوى وتساءل بينه وبين نفسه : ما العمل ؟ وكانت الإجابة تفصح عن نفسها : الانتظار حتي الصباح وإرسال فريق الكشافة للبحث عنهم ولا سبيل آخر غير ذلك مما جعله في النهاية يستسلم للنوم القلق ، مع بزوغ أول ضوء أمر مهران رجال الكشافة بضرورة الذهاب والبحث عن أحمد وعثمان وإدريس علي أن يسلكوا الطريق المؤدية إلي النقطة حتي قرية أصحاب الأنياب البارزة هكذا هو اسمها نسبة للقبيلة المنتمية إليها ، بالفعل غادر الرجال الخمسة النقطة في اتجاه القرية التي تبعد عن النقطة بحوالي ثلاثين كيلو متر عبر الغابة وهم يمتطون الثيران المستأنسة والمدربة علي السير داخل الغابة ، ظل مهران يرقب رجال الكشافة وهم يبتعدون عن النقطة حتي اختفوا عن مدي رؤية المنظار ،استيقظ أحمد ورجليه عثمان وإدريس علي صوت جلبة وضوضاء جعلتهم يقفزون من فوق الأسرة وهم مضطربون ، خرج أحمد يتبعه عثمان ثم إدريس إلي خارج الحجرة قابلهم الرجل المسن وهو يحاول الاعتذار لهم فاليوم احتفال القرية بزواج ابنه الكبير شرواق علي ابنة عمومتهم في نفس القرية وردة الأقحوان وأنه يجب عليهم حضور حفل الزواج الذي بدأت مراسمه مع شروق الشمس هكذا هي طقوس أهل القرية في الزواج وهو يتأسف لهم بسبب عدم معرفة أهل القرية بوجود ضيوف لدي زعيمهم وكبيرهم صاحب الناب الكبير وهذا هو اسمه ، هنأ أحمد صاحب الناب الكبير علي زواج ابنه وطلب منه مساعدته للوصول إلي نقطة الأدغال بأي وسيلة وذلك للأهمية القصوى فتبسم الرجل وهز رأسه بالموافقة ولكنه طلب من أحمد ورجليه أن يحضروا حفل الزفاف وبعد ذلك سيري ما يمكن عمله فوافق أحمد ، كانت القرية التي لا يتجاوز عدد أفرادها الخمسين كلها عن بكرة أبيها في الصحن الكبير الذي يواجه بيوت القرية يتحلقون ويرقصون الرقصات الإفريقية التي تتسم بالعنف الجسدي مع صدور موسيقي من الطرق علي آلات الإيقاع والشخاليل والأجراس في نغمات متناسقة ومحببة للآذان ، كان أحمد ورجليه يرقبون الاحتفال في انسجام وتفاعل حيث بدت مظاهر الاحتفال تمر بمراحل وكل مرحلة لها طقوسها التي يتقنها أهل القرية ، في البداية يحضرون العروس وهي في أبهي زينتها يذبحون تحت قدميها بقرة سمينة وبعد ذلك يضمخون يديها وقدميها بدماء الذبيحة ، ثم يأتون بالعريس وهو في كامل زينته فوق محفة حيث يهبط في الساحة ويتم تمثيل معركة وهمية بينه وبين شباب من المفترض أنهم تقدموا للعروس ولكنها رفضتهم وتدور المعركة التي لابد وأن ينتصر فيها ، وبعد التغلب علي خصومه يتوجه إلي والد العروس ويقدم له سيف الولاء ثم يصطحب زوجته حتي باب البيت الذي سيؤويهما ، وهنا تبارك أم العروس وأم العريس البيت بنثر الزهور والرياحين ، يدخل العريسان إلي بيتهما ويغلقان بابه ثم يتم نصب وليمة ضخمة لكل أهل القرية وينتهي العرس بعد تناول الوليمة ، عقارب الساعة في يد أحمد تشير إلي الواحدة ظهرا وقد مر علي حفل الزفاف أكثر من ساعتين ، كان زعيم القرية صاحب الناب الكبير يحاول مع رجال القرية مساعدة أحمد ورجاله بما تيسر لهم من أدوات لم يكن لديهم في القرية من يقوم بإصلاح السيارات لأنهم لا يملكونها في الأصل وقد استقر الرأي بمد أحمد ورجاله بدواب يمتطونها ويرحلون حيث النقطة التي يريدون الوصول إليها مع التزود بالمؤن والطعام وهذا كل ما يستطيع صاحب الناب الكبير تقديمه لهم هو وأهل القرية ، وافق أحمد مرغما لأنه ليس هناك حلا آخر وقد شرع ورجاله في الاستعداد للرحيل وحمل أغراضهم من السيارة علي الدواب التي أخذوها من أهل القرية ، شكر أحمد ورجليه زعيم القرية وأهلها الذين تجمعوا لوداعهم وقد تعهد صاحب الناب الكبير بالحفاظ علي السيارة لحين العودة وإصلاحها ،بعد وقت ليس بالقصير كان إدريس متقدم القافلة يليه أحمد ثم عثمان الأخير وتركوا الدواب تسير في الاتجاه المؤدي إلي النقطة ( س ) وبين حين وآخر يتبادلا إدريس وعثمان الأماكن بدبتيهما ، كانت ظلال الأشجار الكثيفة تحجب الرؤية علي المدى البعيد وكان يترائي لعثمان من المدى خيال شيئا ما يتحرك علي الأرض كان ضخما وألوانه متداخلة بين البني والأبيض ولكنه فشل في تحديد كنهه ،هل هو فرع شجرة ملقي علي الأرض وحركة ظل الأشجار تجعله يبدو متحركا ؟ أم ماذا عساه يكون ؟؟ أيكون أناكوندا ، أم أصلا عاصرة من ذوات الأحجام الضخمة ، لم يشأ عثمان أن يشغل باله بهذا الموضوع ولم يشأ أن يقلق رفيقيه وترك الأمر إلي حين الاقتراب من هذا الشيء المجهول ،واصل رجال الكشافة طريقهم وقد قطعوا شوطا لا بأس به حيث بدت لهم شواهد القرية من بعيد كأنها أطلال تبزغ من بين الأشجار الكثيفة وقد حدد فرانكلين وهو مسئول الكشافة في النقطة ( س ) المسافة بحوالي خمسة عشرة كيلو متر تقريبا وأخذ هو ورجاله يحثون الثيران علي السرعة للوصول في أقرب وقت قبل حلول الظلام ، وصل أحمد ورفاقه إلي مفترق الطرق في نهاية الطريق المترب حيت اتجاه يؤدي إلي النقطة ( س) في نهايته والاتجاه الآخر إلي قرية الحمر الوحشية وفي كلا الأحوال إذا ما سلكوا أحد الطريقين لن يصلوا مبكرا لأي من النقطة ( س ) أو قرية الحمر الوحشية وفي هذا مخاطرة شديدة ، والمدهش في الأمر أن عثمان لم يجد المخلوق الذي شاهد خياله حينما مروا علي المكان الذي كان متواجدا فيه وقد آثر عدم ذكر هذا الأمر لمرافقيه ،ترجل أحمد وأخذ يتدارس أي الطريقين يسلك وعرض الأمر علي الرجلين عثمان وإدريس فقال عثمان : أنه يفضل سلك الطريق المؤدية للنقطة( س ) لربما يكون الكشافة في الطريق إليهم وبالتالي يكون الأمر أكثر أمانا بينما إدريس فضل سلك الطريق المؤدية لقرية الحمر الوحشية ليمضوا الليل هناك ومن ثم تكملة المسيرة إلي حيث النقطة ولكن هذا الرأي لم يلقي قبولا من أحمد أو عثمان لأن فيه ضياع للوقت واستقر علي رأي عثمان الذي يؤيده منذ البداية ، بدت الغابة تبدو موحشة ولكن لحسن الحظ كانت الليلة مقمرة مما بعث جو من الطمأنينة في نفوس الرجال حيث ضوء القمر ينير الطريق ويبعد الضواري عنه إلي حد ما ،استمر سير الرجال أكثر من ثلاث ساعات حينما لمح إدريس وهو في دور مناوبته قيادة الطريق أشباحا من بعيد تمتطي دواب غير محددة النوع ، صرخ فجأة بصوت عال أري خيالا لأناس يمتطون دواب غير التي نمتطيها ، تنبه أحمد وعثمان لصوت إدريس المفاجئ ونظرا للقادمين من بعيد وقد ظنا أن إدريس قد أصابه الإعياء وقد انتابته موجة من الهستريا والتخيلات ، دقق احمد النظر جيدا فبدا له واضحا أن هناك ثمة أناس تتحرك قادمين نحوهم ولكنهم مجهولين بالنسبة إليهم ، تهللت أسارير الرجال الثلاث وقد تملكتهم الفرحة مؤقتا وأخذوا الثلاثة يحثون دوابهم علي الإسراع في سيرها لملاقاة من هم قادمون نحوهم ، أقل من نصف ساعة اكتشف أحمد والرجلين اختفاء من ظنوا أنهم أناس في طريقهم المقابل ، ملأت الحسرة قلوب الرجال وعادوا مع خيبة ظنهم يضربون الأخماس في الأسداس والسؤال الذي سيطر علي تفكيرهم : أين ذهب هؤلاء الناس وقد كانوا أمامهم ؟ سؤال محير بالفعل تري أين اختفوا ؟ وماذا حدث لهم ؟؟ كانت كل الاحتمالات تترائي أمام أحمد ، قد يكون ما رآه محض خيال وهذا نتيجة طبيعية بسبب الإرهاق البدني والذهني الذي يمر به هو ورجاله ، أو أن يكون هؤلاء الناس تعرضوا لهجوم من مجموعة ضواري قد تكون أسود أو ضباع أو غيرها وقد تم الفتك بهم جميعا ولذلك اختفوا عن نظرهم بهذه الصورة المزعجة ، علي أية حال قرر أحمد ورفيقيه تكملة المسير نحو الهدف الذي يبتغونه ،ظلت الدواب تسير وأصوات الضواري تتنامي إلي مسامعهم كلما تقدموا في طريقهم ، كان الخوف قد حل بالجميع وقد استل كل منهم مسدسا لأي طارئ قد يواجهوه ، لم يغمض لهم جفن ولم يهنأ لهم بال وعلي حين غرة تكهرب الجو وبدت أصوات إطلاق النيران جلية وكأن حربا ضروسا تدور رحاها ، احتمي الرجال بين الأشجار بعد أن ترجلوا من فوق دوابهم وتحلقوا حيث الدواب أمامهم وجذوع الأشجار الضخمة اتخذوها ساترا خلفهم وكانوا علي أهبة الاستعداد لمواجهة السباع التي ارتقي زئيرها عنان الغابة ، لم يمض علي ذلك الأمر الكثير حتي سمع عثمان صوتا يعرفه جيدا أنه هارون زميله في فرقة الكشافة تهللت أساريره وأخبر أحمد بأنه يعرف صاحب هذا الصوت وأن مجموعة الكشافة بجوارهم ، فرح أحمد وكذلك إدريس لهذا النبأ العظيم الذي كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر ، نادي عثمان بعلو صوته : هارون فجاءه الرد علي بعد خطوات قريبة منهم من الذي ينادي فرد عثمان : عثمان مرغني فجاءه الرد : يا مرحب يا رجل أين أنت وهل معك البروفيسور أحمد والسائق إدريس ؟ أجاب عثمان نعم ونحن قريبون منكم فطلب منه هارون المكوث في أماكنهم لحين التخلص من قطيع الأسود الذي هاجمهم ، استفسر عثمان عن الخسائر فكانت الإجابة بالنفي فحمد الله ، كان القمر بدرا وفي كبد السماء ، يسطع نوره فينير الأرجاء وبدت الغابة كأنها في نهار فضي بديع ، وصل هارون ورجاله إلي أحمد ورجليه ،تعانق الرجال بحفاوة بالغة وقد علم أحمد من هارون أن مهران في غاية القلق لتأخره ورجليه من الوصول إلي النقطة ( س ) في الموعد المعتاد وقد علم هارون سبب التأخير من أحمد فهنأه علي سلامة الوصول واستعدوا لرحلة العودة إلي النقطة ( س ) مع تباشير الصباح وأصوت تغريد الطيور المختلفة وصل الرجال إلي بوابة النقطة ( س ) كان في استقبالهم مهران الذي عانق أحمد وصافح إدريس وعثمان بحرارة شديدة وكان يبدو علي وجهه البشر والسعادة وأثناء دخولهم إلي المكان المخصص لكل منهم تناقش أحمد مع مهران في مواضيع شتي منها بالطبع ما حدث لهم أثناء قدومهم من جوبا وما مروا به من عثرات استطاعوا بفضل الله من التغلب عليها وقد أثني علي قبيلة الأنياب الزرقاء وزعيمهم صاحب الناب الطويل الذي أكرم وفادتهم وأمدهم بما يستطيع من إمكانات ساعدتهم في الوصول إلي النقطة سالمين وقد سأل في عجالة عن أخبار شهباء وزمردة وعنتيل فابتسم مهران وأجابه في الغد سيعرف كل شيء عنهم علي الطبيعة وما عليه الآن سوي الراحة والخلود إلي النوم بعد المشقة التي واجهها هو وعثمان وإدريس ، دخل احمد إلي حجرته واستلقي بجسده علي سريره وإحساسه كأن جبل جاثم فوق صدره .....

⏪3.
⏪⏬

النهر الأسود ( الفصل الثالث )
من التعب والإرهاق الذي تعرض لهما في تلك الرحلة العجيبة التي خاضها لأول مرة منذ أن التحق بالعمل في مركز بحوث الحيوان بكلية العلوم بالقاهرة ،وكلما تذكر مدي الخطورة التي تعرض لها هو وزملائه يحمد الله علي الوصول بالسلامة إلي تلك النقطة النائية في هذه الأدغال المترامية الأطراف والتي تحوي بين أشجارها ونباتاتها الكثير من المفترسات والضواري ، كانت الشمس تلوح بسنا ضوئها في سماء الغابة فتتسرب أشعتها الذهبية بين جذوع الأشجار فتبدو أنها قطعة بهيجة من عالم خيالي ، استيقظ أحمد علي صوت حركة عثمان وهو يعد طعام الإفطار ، القي بالتحية ثم اعتدل من رقاده جالسا علي حافة السرير وهو يسأل إن كان مهران استيقظ أم لا فاخبره عثمان بأن السيد مهران استيقظ قبل شروق الشمس وتناول إفطاره ثم توجه إلي البرج الشمالي يرقب الحيوانات كما اعتاد يوميا ، فقال احمد : حسنا لأني أريده في أمر ما وبعد أن تناول طعام الإفطار ارتدي ملابسه ثم توجه إلي حيث البرج الشمالي مصطحبا معه فنجان الشاي الذي أعده له عثمان وما أن شاهده مهران حتي ألقي عليه بالتحية ، التقط أحمد منظاره وأخذ يرقب الحيوانات أيضا وهو يقول : كيف هي أحوال الحيوانات ( شهباء وزمردة وعنتيل ) فأخبره مهران أنهم جميعا بخير فشهباء وضعت مولودها الأول منذ أربعة أيام مضت أما زمردة فتبدو كئيبة حيث أنها تركن للوحدة كثيرا بينما عنتيل يمارس طقوسه السلطوية بشكل مبالغ فيه لدرجة أنه يعتدي عليهما الاثنتين أحيانا وكثيرا ما يطلق صيحاته التي تزعج الجميع وبينما هما يتحدثان صرخ عنتيل صرخة مدوية لم يعهدها أحمد من قبل وشاهده وهو يعتدي علي زمردة بقطعة من غصن مكسور جعل زمردة تئن من الألم وتجري مسرعة تلوذ بأحد الأشجار وتتسلقها هربا من بطش عنتيل الذي يبدو أنه قد أصابه مس من الجن علي حين غرة ، سيطر هذا الأمر علي تفكير احمد وأخذ بطرح الأسئلة التي لم يجد لها إجابات شافية لدي مهران ، تري ما سبب عدوان عنتيل الغير مبرر خاصة وهم أي عنتيل ورفيقتيه شهباء وزمردة لا يوجد من ينافسه عليهما فلما هذا السلوك العدواني ؟؟ لابد هناك سبب قوي جدا لهذا الأمر وسأعمل علي كشفه ، أخذ أحمد ومهران كل منهما يدون الملاحظات التي سيعملان علي دراستها وكتابة التقارير الوافية في شأن القردة الثلاث، كان صاحب الناب الكبير يجلس في صحن القرية وحوله الرجال يناقشون أحوال القرية وكيفية تنمية مواردها والاهتمام بالعمل علي توسعة حجمها وذلك ببناء المزيد من المنازل الجديدة وكذلك التوسع في استصلاح الأرض وزراعتها بما تحتاجه القرية من محاصيل لأن القرية أصبحت محط أنظار الكثير من الناس خاصة الذين يقطنون النقطة الأمامية وذلك لتوسطها الطريق المؤدي إليها وكان الجميع موافقون علي جميع اقتراحات كبيرهم وزعيمهم صاحب الناب الكبير وأثناء ذلك أكد علي الجميع بضرورة الحفاظ علي سيارة البعثة من العبث بها أو بمحتوياتها حتي يأتون وأخذها سليمة في أي وقت يشاءون فهز الجميع رؤوسهم دليل الموافقة ، كانت عقارب الساعة التي يرتديها أحمد تشير إلي العاشرة صباحا حينما هم باصطحاب عثمان ومهران للتجوال في الغابة لم يكن معهم غير مفكرة صغيرة وبندقيتان للحماية وقارورتين من المياه العذبة للاستعمال ، كانوا ثلاثتهم يترجلون غير بعيدون عن النقطة ، واقتربوا من مكان تواجد القرود ، كانت القردة شهباء تحمل وليدها فوق صدرها ترضعه وعنتيل يحوم بالقرب من الرجال الثلاث ويأتي بحركات تدل علي غضبه من تواجدهم حيث كان يضرب الأرض بقبضة يده بشدة ويثير أوراق الشجر ويتعالي صوته بين الحين والحين يقترب من الرجال بمسافة غير بعيدة ثم يعود أدراجه ظل هكذا مدة طويلة حتي هدأ واتخذ مجلسا بجوار زمردة ووليدها ، كان أحمد يدون ما يراه في المفكرة ويضع علامات تحت عبارات محددة ثم يعود لمراقبة الحيوانات التي غابت عنهم فيها زمردة والتي استكانت علي أحد فروع الشجرة التي تسلقتها نائية بنفسها عن أذي عنتيل وشراسته ، كان الوقت يمضي سريعا لم يشعر به أي من الرجال الثلاث حينما قال مهران لأحمد : ألن نكتفي اليوم بما حققناه من عمل لقد أرهقت واشعر بجوع شديد ألا توافقني الرأي فقال أحمد : صراحة العمل وسط الحيوانات ممتع ولا أشعر معه بأي إرهاق قد أكون جوعان ولكن الشغف الذي يملأني يجعلني لا أشعر بذلك ، عامة هيا بنا ولنكتفي اليوم بما حققناه ولنعود غدا لاستكمال ما بدأناه ، عاد الرجال الثلاث إلي داخل النقطة ( س ) توجه مهران إلي حجرته وكذلك أحمد لكن أحمد عكف علي دراسة الملاحظات التي دونها في مفكرته محاولا إيجاد حل للأسئلة التي فرضت نفسها من مشاهدته لسلوك عنتيل اليوم ، علي ضوء قنديل بدأ أحمد عمله كان يسابق الوقت حتي لا يداهمه الإرهاق ويخلد للنوم ويعود مرة أخري لملاحظة الحيوانات عن كثب ، تري لماذا تصرف القرد عنتيل بهذه الوحشية مع القردة زمردة ؟ لابد وأن هناك سر ما ولابد لإزاحة الستار عنه هكذا قرر أحمد ، مر الوقت سريعا ، ولم يشعر أحمد بما حوله فقد خلد للنوم وهو يحاول حل اللغز الذي بدا في سلوك القرد عنتيل علي كرسي الحجرة التي كان يجلس عليه ، كانت هناك مكالمة واردة لأحمد من الكلية وكان علي الطرف المقابل زميله حسن الذي اخذ يطمئن عليه وآخر الأخبار في موضوع بحثه أخبره أحمد بما حدث منذ وصوله وحتى اللحظة التي يحدثه فيها وبعد لحظات أنهي حسن حديثه مع أحمد بأنه في خلال يومين سيلحق به للعمل علي البحث المقدم منه هو الآخر عن سلوك بعض الحيوانات والعمل علي تدجين واستئناس المتوحش منها والاستفادة منها في تهجين بعض السلالات التي تدخل في غذاء الإنسان كالجاموس الوحشي وغيره مما تتناوله أبحاث حسن في الكلية ، تسلق أحمد برج المراقبة وبينما يرقب حيواناته إذ بالبرج يهتز بشدة وكأن هناك زلزالا قد وقع مما جعل جميع المتواجدون في النقطة ( س ) يهرعون وهم فزعون خارج الحجرات المتواجدون بها إلي ساحة النقطة والجميع يتساءل : ماذا يحدث ؟؟ كان كلما تقدم الوقت تزداد حدة الاهتزازات ، كان أحمد ومعه مهران ينظران من حول النقطة وهم أعلي البرج فشاهدا غبارا كثيفا يملأ الأنحاء وصوت دبيب أقدام يأتي نحو النقطة ، صرخ مهران وهو ينادي عمال النقطة ومسئولي الكشافة بسرعة إحكام غلق الأبواب الرئيسية للنقطة وقد أخبروا الجميع بأن ثمة قطعان ضخمة من الجاموس الوحشي آتية مسرعة في اتجاههم وهذا هو سر الاهتزاز الذي أصاب منشآت النقطة ( س ) بالفعل أسرع العمال وأغلقوا جميع الأبواب بالمتاريس الضخمة التي تتحكم في إغلاقها ، كانت جحافل الجاموس الهائجة تثير الرعب والخوف في النفوس ومن قوتها كانت تقتلع أي عقبة أمامها لدرجة أن الذي لا يقوي منهم علي الجري ويتعثر كان يسحق تحت أقدام البقية التي خلفه في صورة وحشية لا ترحم ، إنه موسم هجرة الجاموس تجاه الشمال الذي يواكب بدء موسم الأمطار، كانت قطعان الجاموس ومعها قطعان الحمر الوحشية وكذلك بعض قطعان الغزلان علي دفعات استمرت عدة أيام مما جعل الجميع رهن الإقامة داخل النقطة الحصينة لحين انتهاء القطعان المختلفة من المرور وقد كان ، هدأت الأوضاع وعاد الهدوء الحذر يسيطر علي الجميع ، كان أحمد يبحث بمنظاره عن قروده وطال بحثه دون جدوى ، انتابته موجة من القلق ، أخذ يتساءل هل هاجرت حيواناته مع بقية القطعان إلي الشمال ؟؟ وكيف له التأكد من هذا الأمر ، بدأت الأمطار تهطل في جو من الرطوبة العالية ، وبدت النقطة كجزيرة موحلة نتيجة اختلاط الماء بالتراب فصار طينا ووحلا يحول دون الحركة في حرية ويسر مما زاد الأمور تعقيدا ، وما يثير في الأمر أن الشمس كانت تسطع فترات طويلة رغم هطول الأمطار الغزيرة ! أمر أحمد فريق الكشافة بضرورة البحث عن حيواناته ومعرفة مكان تواجدهم حتي يتسن له إكمال ما جاء من أجله ، مر يومان علي خروج فريق الكشف للبحث عن قرود الأستاذ أحمد وكلما مرت ساعة كان القلق يساور أحمد وهذا ما لاحظه مهران فقال له لما القلق ؟ فرد أحمد : مجهود سنتان سيذهب أدراج الرياح في لحظات ولا تريدني أن أقلق !! فقال مهران إن شاء الله كل شيء سيكون علي ما يرام اهدأ أنت وسيأتيك فريق الكشافة بما يطمئنك ، فقط انتظر ، فرد أحمد : يارب يا مهران وإن لم يأتوني بأية أخبار سوف أقوم بنفسي بالبحث عنهم ،لم يكد ينتهي أحمد من جملته حتي ظهر رجال الكشافة وهم قادمون في اتجاه النقطة ويلوحون بأيديهم ، سارع عمال النقطة بفتح الأبواب وبعد دخول رجال الكشافة قاموا بإغلاقها من جديد ،انفرد أحمد بهارون وأخذ يسأله بلهفة عن أي أخبار عن شهباء أو زمردة أو عنتيل ، كانت إجابات هارون مخيبة بالنسبة لأحمد فقد أخبره بأن نتيجة بحثهم اليومين الماضيين باءت جميعها بالفشل فلم يعثروا علي أي أثر للحيوانات الثلاث وكأنهم اختفوا تماما من الغابة ، لقد ذهبوا لكل الأماكن الخاصة بالقرود وللأسف لم تقع عين أي منهم علي واحد من الحيوانات الثلاث ، ابتلع أحمد غصته وهو يحاول أن يبعد عن بؤرة تفكيره مجرد فكرة فقدانهم للأبد لابد وأن يعثر عليهم بأية وسيلة ، كان حسن قد وصل جوبا في وقت مبكر من اليوم وقد طلب منه مهران أن يستعين بفني الصيانة في المعمل بجوبا وأن يصطحبه معه لإصلاح السيارة في قرية قبيلة الأنياب الزرقاء والإتيان بها إلي النقطة لأنهم في حاجة ماسة إليها ، بالفعل اصطحب حسن داود فني الصيانة معه ووصلا إلي قرية قبيلة الأنياب الزرقاء وبعد الترحيب بهما شرع داود بتغيير الإطار الأمامي للسيارة وقد كان محطما تماما ولا يصلح للاستعمال مرة أخري ثم ركب إطارا آخر واستقل كل واحد منهما سيارة من السيارتين بعد أن زوداهما بالوقود اللازم المصطحبينه معهما في السيارة السليمة واتخذا طريق النقطة وبدءا رحلتيهما نحوها ، في منتصف الطريق شاهد حسن بعض القرود وهي تسير في اتجاه قرية قبيلة الحمر الوحشية وأحس أنه يعرف هذه القرود معرفة تامة حيث أن أحد هذه القرود يحمل صغيرا فوق ظهره وذلك من خلال حديث أحمد المتكرر عنهم ولكنه أبعد هاجسا قد شغله برهة من الزمن ، كان داود يقود في المقدمة لمعرفته الطريق جيدا يتبعه حسن باللاند روفر ،كانت الطريق موحلة والسيارة التي يستقلها داود سيارة عادية مما جعلها تعلق في الوحل كثيرا ويضطر حسن لقطرها باللاند روفر ذات الدفع الرباعي مما جعلهما يتأخران كثيرا ووصلا بعد عناء إلي النقطة ( س ) وقد بلغا من الإجهاد مبلغه حتي أنهما توجها إلي الاستراحة المخصصة لكل واحد منهما وألقيا بجسديهما وأطلقا العنان للنوم الذي كان متربصا بهما واستسلما له وبدا ذلك واضحا من علو شخيرهما المزعج !! في الصباح التقي أحمد بحسن في حجرته ، وبعد السلام والسؤال عن الأصدقاء والأهل كانت نبرة صوت أحمد تنم عن شيء أراد حسن أن يستفسر عنه من أحمد وبعد محاولات صرح أحمد لحسن بأنه يفتقد حيواناته الثلاث شهباء وزمردة وعنتيل حيث أنهم غادروا أماكنهم في ظل هطول الأمطار وهجرة الجاموس الوحشي ويخشي أن يكون أصابهم مكروه ، حتي أن المستكشفون فشلوا ......( يتبع )
-
*محمود مسعود
...

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...