اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

رسمٌ على جدارٍ عازل | قصص قصيرة ...* منال الشريفي

⏬1
⏪رسمٌ على جدارٍ عازل

تجد نفسَكَ متورِّطًا في علاقةٍ أبديّةٍ مع وطنٍ جريح. والسؤالُ يُلحّ عليك: أيكون الحبُّ بلا ألم؟ أثمّة طريقةٌ كي نحبَّ من دون سخطٍ على الحبيب؟

قد تتغيّر ملامحُ العلاقة مع الحبيب، فتنتقلُ من ألم الحبّ إلى غضبٍ يحرِّض على الابتعاد عن هذا الحبيب.

أمّا في حالة الوطن، فسرعان ما تدنو منه ولو بعينيْكَ؛ فالبعدُ يَشقُّ عليك. وفي غمرة التداني، في لحظة حبٍّ عامرة، تَغفر. وهكذا دواليْك.
أجل، هذه هي حالُ مَن يَرحل: مسيرةٌ تُعلِّق فيها نظرَكَ نحو القادم، لا تلتفتُ حتى يتلاشى ما تركتَ خلفَكَ في الأفق، علَّ الحيادَ يعتري قلبَكَ، ويَبْهت الحنينُ الغائرُ في مقلتيْك.
تغسل وجهَك كلَّ صباح، وتتفحّصه مبتلًّا. قطراتٌ تتناثر، وأخرى تتشكّل. تكبُرُ، تثقلُ، تنسكبُ عن وجهِكَ الآن.

لا شيء. لا شيء يغادرُكَ منه. لن يغادرَكَ ولو حاولتَ. تجدُه أينما ولّيْتَ قلبَك. بل هو ينبعث منه أخضرَ ريّانًا، وأحيانًا يوقِد عذابًا تعجز عن إخماده.
يُقلقك الفراقُ، وإنْ حللتَ في دارٍ جديدة، كما أقلقكَ أثناء سيرِكَ نحو الاستغناء. وفي دارِكَ الجديدة، تعود فتمعنُ في ذلك الجنون، بل تطلبُه حين يحرِّضُكَ كلُّ ما حولكَ على الاستغناء، ويحاولُ أن يقْنِعَكَ بأنّ التخلّص أبسطُ الخيارات وأسهلُها.
تتجلّد. غمدُكَ لم يزل فارغًا.

تقاتل ولا تستريح.
لأجلِ ماذا؟

من أجل وطنٍ ترنو إليه، في نشرٍة إخباريّةٍ تجتزُّ أعصابَكَ وتُنْبتُ خدرًا جديدًا في ساعديْك؟
أنا مثلك، أعيش بين هنا وهناك، ولم يرضخْ فؤادي إلى أبسط الحلول.
وكيف يرضخ فؤادٌ بلغ منتصفَ العمر؟

كيف تُنقل التجاربُ، وتُرَحَّل المشاعرُ والأفكارُ، بين عالميْن يفصلهما جدارٌ عازلٌ، أصطدمُ به كلمّا أمعنتُ في ممارسة الحياة، كالحياة التي خلفَ الجدار؟
كيف تشقُّ العودةَ إلى خلف الجدار؟
لا بأس، سأرسم أمنياتِ الوصْل، وإنْ بدوتُ مجنونةً للعابرين.

كيف للبعيد أن يعرفَ أنّ الرسم على جدارٍعازلٍ مساحةٌ يلتقي فيها الحلمُ بالحقيقة، ويتحايل فيها الأمل ُعلى العجز والشقاء؟
سيأتي صغيري وتلتقي أعينُنا. سيلتقط أحدَ أقلامي ويباشر الرسمَ معي. هو يرسم ما يرى منّي ويعرف، لا ما أعرفُه أنا. يختلج صدري وأنا أراقبُه. تعرج بي مشاعرُ نحو أملٍ لا يُطال، لكنّي أحاولُ ألّا أُغشيَ ضياءه بشقائي.
أراقبُ أفكارَه ترتسم بعيدًا عن منهلي، وعن الطريق الذي رسمت.
لا بأس؛ فليرسمْ كلٌّ منَّا طريقًا.
سأضع أقلامًا أُحبُّها من دون أن يراها؛ فقد يستخدمُها. وسأضع بضعَ خيوطٍ خلسةً وسط انشغال العالم بغزْل وشاحِ أفكاره. قد أصل إلى شيء وإنْ لم يكن كل َّشيء. لن أُقلِقَ طفولتَه بتفاصيلَ لم أعرفْها إلّا حين كبرتُ.
لكنّه يسألني... ولا يتوانى.
يسألني كثيرًا: لِمَ العالمُ هكذا؟ أين أنا من هذه الخارطة؟ ضعي لي دبّوسًا أغرسُه على اللوحة في أيّ مكان، في أيّ موقعٍ حتى أقولَ: "هذا أنا!"
يلتفت إليّ وفي عينيه أرى: "مَن أنا؟"
أبتسمُ بأسًى، وأقرِّرُ رسمَ الطريق البعيد بزخمٍ، بألوانٍ وحبٍّ وحنين، وكأنّ الألم لم يعترني قبلها.
لا بأس؛علَّ هذا الزخمَ يشفيه من التشظّي. قد يُسْعِفُه في يومٍ يحتاج فيه إلى شيء يُشْبِه الهويّةَ والكينونة؛ إلى يومٍ يحتفي فيه كلُّ طفلٍ في مدرسته بكينونةٍ كالشمس، فأكونُ قد وجدتُ له الدبّوسَ بين رفاتِ ما تَرَكْنا.
ما هي الكينونة؟
كيف عجزتُ أن أكونَ له كالأجداد؟
أيّها المنطقُ اللعين؟

لا، سأظلُّ أرسمُ الطريقَ وأَحْرُسُه.
فأنا لن أكونَ أوّلَ خيطٍ في هذا التلاشي.


⏬2
⏪ بينما... إلى متى؟

تجثو
رهينًا لشوق ٍيغرغرُ فيك
وفي جنبيْكَ جذوةٌ،
وفتيلٌ بين عينيك.
آه لو كنتَ تحكي،
لاخترقتَ أكوانًا،
ولطويتَ مجرّاتٍ براحتيْك.
لكنّك - صامتًا -
تجثو،
والفتيلُ لم يزل يتدلّى بين عينيْك.
---
- ستموتين وأنتِ تقرإين هكذا.
- ...
- حتى ابنُ عبد الرؤوف طار منكِ.

( قرّبتْ صفحةَ الكتاب من وجهها كأنّها تقول: لا أسمعُكِ يا أمّي).

- سيأتي يومٌ نُزوِّجكِ فيه كيفما كان، خوفًا عليكِ من الوحدة.
- أمّاه، عادل لا يكذب. هو عند وعدِه.

شعرتْ بضغط قضبان النافذة على كتفيْها، بعد أن ضيّعتْ كلماتُ أمّها انتشاءَها بالكتاب. بحثتْ في الصندوق عن أحد أثواب جدّتها الراحلة، وكوَّرتْه كي يَحُول بينها وبين تلك القضبان. صمتتْ صابرةً، حتى رحلتْ أمُّها عن الغرفة، وتلاشت في ضوء الفانوس الهزيل.

بعد أيّام تُتمّ عامَها السادسَ والعشرين، وتعاود أمُّها تذكيرَها بأنّها "عانسُ القرية."
حين عادت من شرودها، قرّرت الاقتصادَ في قراءة الكتاب، فأغلقتْه؛ فوالدُها ما عاد قادرًا على شراء الكتب، وهي بلا عملٍ منذ أُغلقت المدرسة.

أطفأت الفانوسَ. تسلّل ضياءُ القمر بهيًّا. امتزجَ بالأسطح، وارتدَّ عنها ظلالًا، وانهمرتْ عليها حواراتُهما التي أبت الأفولَ.

تجول بنظرها في غرفة جدّتها، علّها تتذكّر حكمةً تُطمْئنها. يلُوحُ لها قولُها: "الجميلون يحرسهم اللهُ؛ فإمّا تتلقّاهم الأرضُ وتحضنُهم، أو يحلّقون إلى السماء." وفكّرتْ: لِمَ لَمْ تَصْدُقْني القولَ إنّنا ملزَمون بالمكوث، فلا حضنٌ ولا تحليقٌ حتى الرحيل؟

حتى عادل، لم تدرِ إنْ أحبّتْه أمْ أحبّت ما كان يكشفُه لها ببراعة. فهو يفسِّر لها، منذ طفولتهما، العالمَ بعبارةٍ أو اثنتيْن. هل أعاد صياغتَها، هي نفسَها، بحيث يغدو العالَمُ موحشًا من دونه؟

- هَــ هَـ هَلا.
- هَلَّا هَلْ لا ... هلَّا سألتِ الخيلَ يا ابنةَ عامرٍ/ إنْ كنتِ جاهلةً بما لم تعْلمي!
ويبتسم.

- يا ابنةَ مالكٍ!
- مالي ومالها؟ أقول لكِ أنتِ، يا ابنةَ عامرٍ.

حين عاد من رحلته الوحيدة أثناء دراسته صيفَ العام 1993، لم يحدِّثْها عن الثلوج أو الأسواق. ليلتَها، جلسا عند حافّة جبلٍ على أطراف القرية. أحضرَ لها الكثيرَ من الكتب، ودميةَ رجلٍ يلبس الكِلت السكوتلنديّ.(1)

- لكِ هذا.
- ما اسم هذا الذي يلبسه؟
- كِلت.

تردِّد بعده:
- كِلت.

ثم تكمل:
- تشبه المعوز.
قهقه.
جثا قبالتَها ووضع الدميةَ على الأرض.

سألتْه:
- أين حبيبةُ هذا المسكين؟
- في علم الغيب، تنتظر التأشيرة.

ابتسمتْ، ثم اقتربتْ منه مرتجفةً، وطبعتْ قبلةً على خدّه، فارتبك. لم تمنحْه فرصةً، وفرّتْ كي لا تتكلَّف ثمنَ اندفاعها.

في الليلة التي تلتها، جلسا في المكان نفسه، وهي تسبر نجومَ الليل تطفو على صفحة خدّه.

- ما خلتُكَ تعود.
- هل تأتين معي في المرّة القادمة؟ سأحصل على عملٍ هناك وتلحقينني.
- ...
- ما بكِ؟
- تذكّرتُ عمّ فؤاد وهو يحمل جديانه الصغار راحلًا. نحن متعبون.
- دعكِ من هذا الآن، أريد قبلةً.
- لا.
- لستِ طفلةً. أشتيكِ!(2) أنا لستُ موسوعةً، وأنتِ امرأةٌ لا كتاب.

شعرتْ بيده تعبث بخصرها. أبعدتها مرتجفةً. أمسك ذراعَها بقوّة هذه المرة، فاحتاجت إلى عزمٍ أكبر كي تفلت منه.

لم يتقَصَّد أحدُهما تجنُّبَ الآخر بقيّة فترة مكوثه. لكنّ ذلك ماحدث، ونما بينهما ضبابٌ كثيف يَحُول بين لقاء العينين. لم تكن ساذجةً كشعورها حين التقت عيونُهما لحظة فرارها. لكنّ شيئًا دفعها، بعد خوفها منه، نحو حماقات الطفولة. فراحت تُطعم المواشي بسعادة، وترعى الدجاجَ، ثم تنكفئ على نفسها.

ربّما لأنّها انتظرتْه سنواتٍ طوالًا، على الرغم من فشل محاولات الحصول على تأشيرة. غالبت الانتظار، وصبرتْ، وإنْ بدا حبُّه لها ترفًا، وسط أوضاعٍ متقلّبةٍ زحفتْ على النفوس فتصدَّعتْ.

لكنّ جدبَها الآن بات أعتى.

حين أتى يودّعها، مرّر عينيه على كلّ شيء في باحة منزلها إلّا يديْها. كانتا تحملان شالًا، ولوحةً صغيرةً لوردةٍ حصلتْ على ألوانها بجهدٍ كبير.

بدا باردًا. أخذ الأشياء منها وقال: "شكرًا." ثم أكمل: "أنتِ عنيدة وتعيشين مثاليّةً لا يقبلُها أحد."
شعرتْ بجفنيها يرتخيان، وبرأسها يدور، وبالعالم يَسْخر منها.
- انتبهْ لنفسك.
لم تستردّ منه شيئًا.
---
كان يقلّب الورقةَ الممزّقةَ في الهواء، من دون أن يمنحَها ضوءُ المصباح بُعدًا جديدًا. لم يجد ما يفسِّر تمزّقَ الأوراق من دفاتره. يلملمها وقد ضاعت ملامحُها الأصليّة - - بين لُعابٍ يخالط بقعَ حبرٍ، وتعرّجاتِ مَضْغٍ واضحة.

لم يرغبْ في تلاشي الغموض الذي كَسَر اعتيادُه رتابةَ أيامه. يصحو، ثم يبتلع الليلُ انهماكَ الكائنات في النهار. لذا لم يشعرْ بإلحاح الكشف عن ضيفٍ يعبث بأشيائه. اتّجهَ إلى المطبخ يحضّركوبًا دافئًا، تحسّبًا للوقت الذي تتحرّك به عقاربُ ساعته كلَّ يوم. ضحك لبلاهة الثواني وهي تمضي. تحرّكت العقاربُ آلافَ المرّات هذا العام من دون أن تغدو "جميلة" أبعدَ من ذي قبل.

ظنّ أنه سمع خشخشةً. تزايدت الأصواتُ لتصير حوافرَ تخمش الأرضَ. التفت نحو غرفته من باب المطبخ، فوجدها تحطّ على الأرض بركبتيْها، وتفرد قوائمَها الأربع. كانت تلوك إحدى ورقات دفاتره. انتبهت الظبيةُ إلى وجوده وأصدرتْ نَغْيًا ناعمًا حين التقت عيونهما.

استقامت تهمُّ بالفرار منه.

حاول مساومتَها بورقةٍ أخرى، لكنّها كانت أسرعَ منه، وراحت تثب هنا وهناك. لاحقَها. وما إنْ أمسك بها حتى أصدرتْ صوتًا عاليًا، فرأف لحالها وأطلق سراحَها.

تتبّع وثباتها. تمنّى لو لم تخف منه وبقيتْ.
---
فَرَدَتْ "جميلة" ثوبَ جدّتها على الفراش، لعلّ أحدَهم يصحو فتُوهمه هيئتُها الممدَّدة. تسلّلتْ من السطوح، كدأبها كلّ ليلةٍ، ترمق بيتَ عادل منذ رحل.

لم يزل الوقتُ يساومها على الاستسلام. بيْد أنّ هزيمتَها كانت أشبهَ بمطاردةِ ظبيةٍ تهرع إلى الشاهقات: ظبيةٍ تفرّ من صائدها كلّما تجاهل عينيها المبسوطتيْن نحو حديثٍ يغالب ضجيجَ العالم.

ترنو إلى شيء تسكن إليه الروحُ. لم تكن تعلم إنْ كان عادل قد عاملها بقلبٍ جامدٍ كي لا يشقى كما شقيتْ.

وعلى الرغم من انقطاعه عنها، فقد ظلّت كلَّ ليلة تعرج إلى سطوح منزلها حين يدلف الكونُ إلى السكون. تتسارع وثباتُها، ويتناثر من خلفها غبارُ نجومٍ، علّ قلبَه يعود أدراجَه إليها.
ظلّ ينتظر ليلةً يشاركها فيها كلَّ شيءٍ سوى عقله.
أمّا هي، فظلت تصنع دُمى القش، وتهرع إلى صغار الحيوان، ولا تخشى نيْلَ الوحل من ملابسها.
-
* منال الشريفي
اليمن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكِلت: زيُّ قبائل الكلتك وسكوتلندا الوطنيّ. يشبه "المِعْوَز" أو "المَقْطَب،" زيَّ الرجال في مناطق اليمن الوسطى والجنوبيّة.
(2) أشتيكِ: أُريدكِ، باللهجة اليمنيّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
➤كاتبة يمنيّة، مهتمّة بالقضايا التنمويّة واللغويّات وصعوبات التعلّم. تدرس في مجال التعليم الشامل. صدر لها رواية نور زين (2017).

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...