⏪⏬
لم يعد الإرهاب مقتصراً على الخطاب الديني الإقصائي الذي يدّعي أصحابه امتلاكهم لناصية الحقيقة دون العالمين، وبأنّهم يمثّلون الله
على الأرض، ويتحدثون باسمه، بل يمكننا اليوم الإشارة إلى العديد من أنواع الإرهاب الأخرى التي ترى أيضاً أنّها تمتلك الحقيقة ولا شيء غيرها، وتحاول اجبار الآخرين على التصديق الكامل لها، وتسخر ممن يختلف معها، ومن ذلك ما أسميه “الإرهاب العلمي” أو القمع باسم العلم..!
توضيحاً لما أشرت إليه دعونا نستذكر العالم الإيطالي غاليليو الذي تبنّى نظرية كوبرنيكوس حول مركزية الشمس وأنّ الأرض جرم صغير يدور حولها، فحتى محاكمته في العام 1632 م من قبل رجال الكنيسة كان الاعتقاد السائد أنّ الأرض هي مركز الكون، وأنها ثابتة، والشمس والكواكب تدور فوقها في الأفلاك، وهذا ما عرفته الشعوب القديمة وتم توثيقه منذ أيام اليونانيين إلى يوم مجاهرة غاليليو بأفكاره وتحمّله المحاكمة ونتائجها تبعاً لذلك، وأن الرجل رفض ما ورد في الكتب السماوية عن مركزية الأرض وأنها ثابتة، وعلينا أن ندرك أن الفاتيكان قد أعاد الاعتبار لهذا الرجل واعتذر له في العام 1992 م بأثر رجعي عن تلك المحاكمة بل أقام له تمثالاً في أروقته.
وبغض النظر اليوم عن مدى صحّة ما جاء به غاليليو أو خطئه فإن محاكمته أمر مرفوض، فالرجل اجتهد في تلك المرحلة المبكرة وبأدوات بدائية صنعها بنفسه للتأمل في صفحة السماء والخروج بنتائج ظلت صامدة حتى يومنا هذا، فيما قامت وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” بتبني هذا الطرح وجعله حقيقة لا شكّ فيها.
والآن لو جاء رجل وقال إن الأرض ثابتة ومسطحة وليست كروية، وأنّ الشمس والقمر وبقية الكواكب تدور فوقها في أفلاكها فهل يحقّ لأحد السخرية منه، أو الادعاء بأنّ ما يقوله غير صحيح، بل وهل ينبغي محاكمته على مثل هذه الأفكار مثلا؟
ولو جاء رجل آخر وقال إن الإنسان لم يصعد إلى القمر في العام 1969 م وأنّ كل ما جرى عبارة عن تمثيلية مكشوفة لوكالة ناسا، فهل علينا أيضاً أن نسخر منه ونتهمه بالكذب فوراً على أساس أن الصعود إلى القمر حقيقة ناصعة لا يحقّ لأحد الشك فيها أو التساؤل حولها؟
من وجهة نظري الخاصّة أقول إنه لا يحقّ لأحد أن يسخر من اجتهادات آخر حول أي قضية حتى لو بدت للآخرين حقيقة علمية أو أمراً لا يدعو للشكّ، فالارهاب باسم العلم مرفوض تماماً، والمعلومات “المعلّبة” الجغرافية والتاريخية والصحية والعلمية وغيرها والتي تقدم للبشر ملفوفة بورق السوليفان، قد تكون غير صحيحة البتّة، فهناك جهات هدفها أن يبقى البشر في تضليل دائم، لا يحقّ لهم اكتشاف أي شيء حقيقي عدا عن التهام “العلف” المعرفي الذي يقدم لهم.
هناك اليوم تيار واسع يرفض فكرة غاليليو ويرى أن القدماء الذين استطاعوا بناء الأهرامات ومعرفة علوم الفلك بدقة متناهية لم يكونوا جهلاء أبداً، ناهيك عن رجال الدين من مختلف التوجهات والمتصوفة والروحانيين، فهل كل هؤلاء كانوا على خطأ واستطاع غاليليو تصحيحهم؟
ثمة كما أشرت تيار واسع يرفض اليوم فكرة دوران الأرض مثلاُ ويقول بثباتها وإنّها مسطحة وشاسعة، وأن القطب الجنوبي يحيط بثلوجه الأرض من كل أطرافها ولا حدود واضحة له، ويمكن لمن يشاء أن يبحث في المواد المبثوثة في الانترنت من دراسات ومشاهدات وفيديوات، بل هناك جمعيات متخصّصة بما يسمى”الأرض المسطحة” ولها مراكز أساسية في الدول الغربية ويتبنى آراؤها علماء وأساتذة جامعات، ولها فروع في شتى أنحاء العالم، وحتى تجد الكثير من العرب من يتحمّس لها، فهل هؤلاء على باطل مثلاً؟؟!
وهذا الأمر ينطبق على قضايا كثيرة من بينها مسألة الصعود إلى القمر التي قيل فيها الكثير، وطالها التشكيك من الأمريكيين أنفسهم، لهذا ما أودّ قوله هنا إنه لا يحقّ لأحد مصادرة رأي أحد أو ارهابه باسم العلم، إذ يحقّ له رفض نظرية ما أو القول بعكسها، بل يجب أن يتم السماح للمجتهدين والباحثين بالتفكير والاجتهاد، فما يكون صحيحاً اليوم قد يكون غير ذلك غداً، وما دمنا نرفض محاكمة غاليليو على أفكاره، فليس علينا أيضاً أن نحاكم من يخالفه الرأي، أو نتيح المجال لمحاكم تفتيش جديدة باسم العلم، ففي زمن التضليل هذا ينبغي وضع كلّ شيء تحت مجهر التحليل الدقيق والتأمل العميق..!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*باحث وروائي أردني مقيم في بريطانيا
لم يعد الإرهاب مقتصراً على الخطاب الديني الإقصائي الذي يدّعي أصحابه امتلاكهم لناصية الحقيقة دون العالمين، وبأنّهم يمثّلون الله
على الأرض، ويتحدثون باسمه، بل يمكننا اليوم الإشارة إلى العديد من أنواع الإرهاب الأخرى التي ترى أيضاً أنّها تمتلك الحقيقة ولا شيء غيرها، وتحاول اجبار الآخرين على التصديق الكامل لها، وتسخر ممن يختلف معها، ومن ذلك ما أسميه “الإرهاب العلمي” أو القمع باسم العلم..!
توضيحاً لما أشرت إليه دعونا نستذكر العالم الإيطالي غاليليو الذي تبنّى نظرية كوبرنيكوس حول مركزية الشمس وأنّ الأرض جرم صغير يدور حولها، فحتى محاكمته في العام 1632 م من قبل رجال الكنيسة كان الاعتقاد السائد أنّ الأرض هي مركز الكون، وأنها ثابتة، والشمس والكواكب تدور فوقها في الأفلاك، وهذا ما عرفته الشعوب القديمة وتم توثيقه منذ أيام اليونانيين إلى يوم مجاهرة غاليليو بأفكاره وتحمّله المحاكمة ونتائجها تبعاً لذلك، وأن الرجل رفض ما ورد في الكتب السماوية عن مركزية الأرض وأنها ثابتة، وعلينا أن ندرك أن الفاتيكان قد أعاد الاعتبار لهذا الرجل واعتذر له في العام 1992 م بأثر رجعي عن تلك المحاكمة بل أقام له تمثالاً في أروقته.
وبغض النظر اليوم عن مدى صحّة ما جاء به غاليليو أو خطئه فإن محاكمته أمر مرفوض، فالرجل اجتهد في تلك المرحلة المبكرة وبأدوات بدائية صنعها بنفسه للتأمل في صفحة السماء والخروج بنتائج ظلت صامدة حتى يومنا هذا، فيما قامت وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” بتبني هذا الطرح وجعله حقيقة لا شكّ فيها.
والآن لو جاء رجل وقال إن الأرض ثابتة ومسطحة وليست كروية، وأنّ الشمس والقمر وبقية الكواكب تدور فوقها في أفلاكها فهل يحقّ لأحد السخرية منه، أو الادعاء بأنّ ما يقوله غير صحيح، بل وهل ينبغي محاكمته على مثل هذه الأفكار مثلا؟
ولو جاء رجل آخر وقال إن الإنسان لم يصعد إلى القمر في العام 1969 م وأنّ كل ما جرى عبارة عن تمثيلية مكشوفة لوكالة ناسا، فهل علينا أيضاً أن نسخر منه ونتهمه بالكذب فوراً على أساس أن الصعود إلى القمر حقيقة ناصعة لا يحقّ لأحد الشك فيها أو التساؤل حولها؟
من وجهة نظري الخاصّة أقول إنه لا يحقّ لأحد أن يسخر من اجتهادات آخر حول أي قضية حتى لو بدت للآخرين حقيقة علمية أو أمراً لا يدعو للشكّ، فالارهاب باسم العلم مرفوض تماماً، والمعلومات “المعلّبة” الجغرافية والتاريخية والصحية والعلمية وغيرها والتي تقدم للبشر ملفوفة بورق السوليفان، قد تكون غير صحيحة البتّة، فهناك جهات هدفها أن يبقى البشر في تضليل دائم، لا يحقّ لهم اكتشاف أي شيء حقيقي عدا عن التهام “العلف” المعرفي الذي يقدم لهم.
هناك اليوم تيار واسع يرفض فكرة غاليليو ويرى أن القدماء الذين استطاعوا بناء الأهرامات ومعرفة علوم الفلك بدقة متناهية لم يكونوا جهلاء أبداً، ناهيك عن رجال الدين من مختلف التوجهات والمتصوفة والروحانيين، فهل كل هؤلاء كانوا على خطأ واستطاع غاليليو تصحيحهم؟
ثمة كما أشرت تيار واسع يرفض اليوم فكرة دوران الأرض مثلاُ ويقول بثباتها وإنّها مسطحة وشاسعة، وأن القطب الجنوبي يحيط بثلوجه الأرض من كل أطرافها ولا حدود واضحة له، ويمكن لمن يشاء أن يبحث في المواد المبثوثة في الانترنت من دراسات ومشاهدات وفيديوات، بل هناك جمعيات متخصّصة بما يسمى”الأرض المسطحة” ولها مراكز أساسية في الدول الغربية ويتبنى آراؤها علماء وأساتذة جامعات، ولها فروع في شتى أنحاء العالم، وحتى تجد الكثير من العرب من يتحمّس لها، فهل هؤلاء على باطل مثلاً؟؟!
وهذا الأمر ينطبق على قضايا كثيرة من بينها مسألة الصعود إلى القمر التي قيل فيها الكثير، وطالها التشكيك من الأمريكيين أنفسهم، لهذا ما أودّ قوله هنا إنه لا يحقّ لأحد مصادرة رأي أحد أو ارهابه باسم العلم، إذ يحقّ له رفض نظرية ما أو القول بعكسها، بل يجب أن يتم السماح للمجتهدين والباحثين بالتفكير والاجتهاد، فما يكون صحيحاً اليوم قد يكون غير ذلك غداً، وما دمنا نرفض محاكمة غاليليو على أفكاره، فليس علينا أيضاً أن نحاكم من يخالفه الرأي، أو نتيح المجال لمحاكم تفتيش جديدة باسم العلم، ففي زمن التضليل هذا ينبغي وضع كلّ شيء تحت مجهر التحليل الدقيق والتأمل العميق..!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*باحث وروائي أردني مقيم في بريطانيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق