اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

الممنوع مرغوب ...*جهاد الدين رمضان

 ⏫⏬
أول رحلة طويلة في حياتي كانت من مدينة حلب إلى دمشق في أوائل الثمانينات ، على صهوة باص "اسكانيا" فاخر، أحد باصات
نقل الركاب المشهورة "بالهوب هوب" ، أرسلني فيها أبي بمهمة عاجلة إلى بيت خالي كمال – رحمهما الله – لتوصيل مبلغ من المال كان قد استدانه منه ، رسم لي أبي خريطة بيت الخال في حي "الفحّامة" بدمشق مع أسماء الشوارع و الأزقة المفضية إليه ، و من باب الاحتياط و للطوارئ فقط ، كتب لي في ورقة أخرى رقم هاتفه المباشر في مكان عمله ، و أعطاني الأمانة و مصروف الرحلة و الجيب و الرفاهية أيضاً ، و قال لي : احذر جيداً من أن يسرقك أحدهم، أو أن تضيع في الشام، إذا حدث معك أي طارئ اتصل بخالك، اذهب بأمان الله و توصل و ترجع بالسلامة يا روحي .
انطلقت من بيتنا في حي "السكري" إلى كراج "الانطلاق" قبل منتصف الليل حسب التعليمات، خبأت المبلغ "المحرز" في ثيابي الداخلية بكل حرص ، و احتفظت بمصروف الطريق في جيوبي، و حال دخولي "الكراج" اشتريت باكيت (علبة) دخان أجنبي فاخر من بسطات "التهريب" العلنية، لأدخنه علناً بعيداً عن أعين الوالدين (كنت حينها في مرحلة الكفاح السري لنيل حرية التدخين) ، كما اشتريت التذكرة و بعض التسالي و الأكلات و ربما مجلة ما، كانت تذكرتي تنص على حصولي على مقعد في منتصف الباص بعيداً عن السائق، لكن في الباص قال لي المعاون : اجلس على غطاء المحرك مقابل "الجيب" يا حباب . قلت له : و الله أمرك عجيب، كيف أجلس على غطاء المحرك و قد كتب عليه ( ممنوع الجلوس على غطاء المحرك)؟ ضحك قليلاً و قال لي : الممنوع مرغوب!
جربت الجلوس فوقه كما طلب مني، لكنني لم أشعر بالراحة، فخرجت و جلست في المقعد الفارغ المزدوج خلف كرسي السائق مباشرة، جاء المعاون بعد أن صرخ قليلاً خارج الباص ( ع الشام، ع الشام راكب واحد) ليشرب "بق ماء" من الحنفية المزروعة في عمود عريض لامع قرب الباب، لمحني جالساً في المكان المكتوب فوقه بالقلم العريض (خصوصي)، فشدني من يدي و أخرجني من مقعدي قائلاً : هذان المقعدان محجوزان، ألا ترى ما هو مكتوب فوقهما؟ قلت : نعم، رأيت و قرأت بأن المكان خصوصي، لكنني رأيت المقعد خالياً من الركاب خصيصاً لي فجلست فيه و توكلت على الرحمن، هل هو ممنوع كمان؟ قال : نعم، و اخرج من الباص إذا لم يعجبك الجلوس على غطاء المحرك.
هممت بالنزول من الباص و أنا أجيل النظر في المقاعد الخلفية، لعلني أحظى بمقعد شاغر غير ذلك المقعد الخصوصي المحجوز ، فأشفق علي أحد الركاب الميسورين، و قال لي : تعال اجلس قربي أيها الشاب، أنا حجزت مقعدين كيلا يزعجني أحد، و يبدو أنك مهذب و لطيف و لا أظنك ستزعجني في كل حال. شكرت الرجل و جلست قربه محاذراً ازعاجه، لكنه لم يتوانَ عن ازعاجي طول الطريق.
كان المعاون في الحقيقة ينتظر "راكبة" جميلة أو اثنتين، لا كما يدعي في صراخه (راكب واحد ع الشام)، و الحمد لله لم يطل انتظارنا لهذا الراكب المأمول، فقد صعدت امرأة بصحبتها بناتها الثلاثة، فأقعدهن المعاون "البشوش" في المقعدين المزدوجين خلف السائق مباشرة، تحت الكتابة العريضة ( خصوصي) تماماً، حينها فهمت معنى الكلمة، و عرفت لماذا تبارى الشباب بالتبرع لهن بالمقعد الثاني، فالجلوس في "الجيب" أو فوق "غطاء المحرك" يمكنهم من رؤية البنات.
بعد الإطمئنان على راحة الشابات و الأم ، دارت عجلات الباص، و أدار السائق شريط كاسيت لأم كلثوم في "مسجلة" الباص، و على أنغام أغنية ( كلموني تاني عنك، فكروني) قضينا وقت الرحلة كله، كلما انتهت أعاد تشغيلها حتى كادت أم كلثوم تخرج من قبرها و تقول له كفى "يا مسهرني " ارحمني أرجوك.. أخذ الرجل الذي تبرع لي بالمقعد المخصص لراحته، يفصفص "بزر الجبس" طول الطريق برغم المنع المكتوب فوق المقاعد ( ممنوع أكل البزورات و رمي القشور تحت المقاعد ) ، و كل فترة ينظر إلى صورة وجهه المنعكس في زجاج النافذة، و يهذب شعر رأسه و حاجبيه و شاربيه ، ثم يستأذن مني لأفسح له المجال كي يذهب لشرب الماء قرب النساء.. أغلب العساكر نائمون لا يأبهون بمن عطش أو ارتوى، فقط جماعة ركاب الجيب و غطاء المحرك ساهرون و يدخنون رغم المنع الآخر ( ممنوع التدخين) المكتوب، و يتكلمون مع المعاون و السائق الذي كتب خلف كرسيه بخط عريض جميل (ممنوع التكلم مع السائق)، و بدوري لم أفوّت فرصتي الذهبية في التدخين بحرية رغم المنع المكتوب للترغيب فقط .
انتهت الرحلة في ثماني ساعات بسبب ظلام الليل، و قلة تكرار مرات التوقف مع كلمة (هوب، هوب )، و ظفر السائق و معاونه بصحبة الأم و البنات في استراحتي "المعرة و النبك" ، و ربما في استراحة أخرى ضمن بيوت دمشق.. و للأمانة أضيف – قبل انتهاء الرحلة - إحدى الممنوعات المكتوبة على جدران الباص الداخلية، التي تقول (ممنوع مدّ الرأس و اليدين من النوافذ) و أقرأها على سبيل السخرية (ممنوع مدّ الرأس و اليدين و الرجلين..)، ذلك المنع لم يخرقه إلا أحد العساكر في الصباح الباكر ، بعد طلوع الضوء و طلوع "التنايا" المشهور ، فقد سأل المعاون : ألم نصل الى معسكر كتيبة "؟" (بالاسم المتعارف عليه) ؟ قال له المعاون : ما بعرف، مدّ رأسك من الشباك و انظر لتعرف.! فلولا أمر المعاون الصارم، لما تجرأ العسكري على فتح الشباك و مدّ رأسه منه، و الشباك الذي يأتيك منه الريح، اغلقه و استريح، فكيف إذا جلب له مع الريح الباردة صرخات الاستهجان من بقية الركاب البردانين : ( سكّر الشباك خيو ، و الله بوّظنا ) ؟.
أما أنا فقد أتممت مهمتي بنجاح و رفاه و سلام، و خرجت من رحلتي بدرس مفاده أن "الممنوع مرغوب" فعلاً و قولاً، و في رحلة الحياة الطويلة وجدت تحذير "المنع" دعوة صريحة لارتكاب ما هو محظور، فعلى سبيل المثال، ترى الناس ترمي زبالتها في الأمكنة المكتوب عليها (ممنوع رمي الزبالة هنا)، و ترى أحدهم يتبول على جدارٍ كتب عليه (ممنوع التبول هنا) و كأن الحائط يقول له : تعال تبول هنا من فضلك!. هذه الممنوعات صارت وسيلة ناجعة لترويج أمرِ ما، فإذا أراد أحدهم أن يروج بضاعته الكاسدة، يكفي أن يعلن بأنها ممنوعة ، مثل شارة 📛 المنع التي يضعونها على أفلام "بايخة" بزعم أنها تحتوي مشاهد مثيرة، أو مثل الكتب التي يشار إلى منعها في البلد الفلاني و كذا بلد، و مثل الفيديوهات "المسربة" قصداً موضة هذه الأيام، و على العموم الممنوعات العالمية الثلاثة ( الدين و الجنس و السياسة) هي أشد طلباً و رغبةً عند الإنسان...

*جهاد الدين رمضان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*فيينا ٢٧ أيار ٢٠١٩
*النص من وحي مذكراتي ، و الصورة لمقصورة باص الهوب هوب من الداخل قرب مقعد السائق، متوفرة في النت لمصدرها الموسوم فوقها.

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...