*بقلم: ميَّادة مهنَّا سليمان
القصّة
هلوسة
أستقل بساطي السحري، أطير فوق المدينة، هالني منظر شيخ يقتات من القمامة، و آخر ينام على الرصيف، نزلت من عليائي متذمرا، قدمت شكواي لدى الحاكم، سُحب مني البساط لمخالفة الحد المسموح به في التحليق..
- من الظّريف أنّ بعض معاني (البساط) في الحلم
حسب تفسير (ابن سيرين) أنّه يدلّ على عزّة، أو رفعة
وعلى مجالسة الحكّام والرّؤوساء.
فهل هذا ماحدث مع كاتب القصّة؟
سنرى بعد هذه القراءة الّتي سافرت عبر
( البساط الإبداعيّ) للكاتب (عبد العليّ الجناتي)
- نبدأ من العنوان (هلوسة)
مصدر هلوسَ
أخيِلة يظنّها الإنسان وقائعَ في حين أنّها اختلاق ذهنيّ مرضيّ ينتج عن اختلال عقليّ أو نتيجة لإدمان المخدّرات.
- متن القصّة:
يبتدئ الكاتب قصّته ب(أستقِلُّ بساطي السّحريّ)
وهنا بداية الرّحلة الخياليّة الّتي قام بها
ولا ندري هل هي في حلمه ( مايراه النّائم)
أم في يقظته( أحلام يقظة)
وقد ترك الكاتب للقارئ حريّة التّخيّل ليسافر معه
عبر بساطه ويرى مارآه.
هذه الرّحلة الّتي جعلته يرى أشياء ماكان يراها
على أرض الواقع نستنتج ذلك من قوله:
(هالني منظر شيخ يقتات من القمامة)
وهنا الأفضل( يقتات بالقمامة، أو يقتات القمامة)
وكلمة (شيخ) لها مفهومان:
شاخ في اللغة: أسنَّ وكبرَ
شاخ يشيخ شيخوخةً وشيخًا
والشّيخ من أدرك الشّيخوخة
وهو فوق الكهل، ودون الهرم
الشّيخ في بعض الدّول العربيّة لقب رئاسيّ
وشيخ القبيلة: رئيسها القائم على شؤونها.
ولا ندري ما الّذي قصده الكاتب:
هل هو الرّجل المسنّ، أم الرّجل المتديّن؟
وفي الحالتين هي مأساة بحقّ الإنسانيّة
أن يكون طعام ذلك الرّجل (فضلات القمامة)
ثمّ يتمّ الكاتب وصف مارآه في رحلته:
(وآخر ينام على الرّصيف)
إشارة ثانية إلى المستوى المعيشيّ البائس الّذي رآه من علٍ، وهنا لديَّ ملاحظة، فبرأيي لو كتب بدلًا من
(وآخر ينام على الرّصيف)
و(طفلٌ ينام على الرّصيف)
لكانت أجمل وأكثر تأثيرًا، وإثارة لمشاعر القارئ
ولكان الكاتب سلّط الضّوء على جانب ثانٍ مظلم في الحياة ألا وهو الطّفولة ومآسيها وحرمانها من أبسط حقوقها في العيش الكريم.
وبعد ذلك ينزل الكاتب منزعجًا ممّا شاهده ويقدّم شكواه إلى الحاكم، ونحن متعاطفون معه ننتظر العدالة الإنسانيّة ممّن يملك زمام الأمر، تأتينا الخاتمة المأساويّة المنطقيّة لحكّامٍ تقمع شعوبها:
(سُحب منّي البساط لمخالفة الحدّ المسموح به في التّحليق).
ونلحظ استخدام الفعل المبني للمجهول(سُحِبَ)
فالحاكم لم يفعل ذلك، وإنّما إشارة خفيّة لأعوانه الّذين ينفّذون أوامره الظّالمة ليزيد الكاتب من حجم الظّلم الوارد في خاتمته والّتي وإن كانت طويلة، لكنّها جميلة، مؤثّرة، ولا توجد كلمة يمكن الاستغناء عنها.
وهنا يدلّل الكاتب على كيفيّة معالجة الحكّام لمشاكل وقضايا بلادهم المصيريّة، فالحلّ دومًا يكون بالقمع، والسّطوة، والتّرهيب، فحتّى الأحلام ممنوعة، وحين تتجلّى الحقائق أمام الأعين تصبح مجرّد هلوسات
وهنا نضيء على العنوان البارع الّذي اختاره الكاتب
فما رآه من حقائق موجعة، لم تكن إلّا أوهامًا اختلقها
خيالُه المريض حسب زعم الحاكم وحاشيته.
أوليس هذا واقع الشّعوب المظلومة منذ بدء التّاريخ؟
وأستحضر هنا مقطعًا من قصيدة للشّاعر أحمد مطر:
نحن لسنا فقراء
وحده الفقر لدينا
كان أغنى الأغنياء
بيتنا كان عراء
والشّبابيك هواء قارس
والسّقف ماء
فشكونا أمرنا عند ذوي الأمر
فاغتمّ، ونادى الخبراء
ثمّ بعد الأخذ والرّدّ
أصدر الحاكم مرسومًا
بإلغاء الشّتاء!
- مفردات النّصّ:
جاءت بسيطة لا غرابة فيها، ولا تعقيد
والتّراكيب منسجمة مع بعضها فلا طلاسم ولا ألغاز
وكانت كلماتها قريبة من حياتنا اليوميّة:
(مدينة، شيخ، رصيف، قمامة… )
- الأفعال:
استخدم الكاتب ثمانية أفعال (ماضية ومضارعة)
وهنا لديَّ ملاحظة أُخرى، فقد بدأ بالفعل المضارع:
أستقلُّ، أطيرُ، ثمّ انتقل إلى الماضي:
هالني، وعاد إلى المضارع (يقتات، ينامُ)
ثمّ عاد مجدّدًا إلى الماضي:
(نزلتُ، قدّمتُ، سُحِبَ)
وهذا أحدث إرباكًا في نسيج القصّة، وقلّل من جماليّة ترابط الحدث فيها، ولو التزم صيغة الماضي في بدايتها ( استقلّيتُ…) و (طرتُ… )
وترك باقي الأفعال على حالها، لكان أجمل، وأكثر
قوّة وسبكًا لأحداثها، ولجعل القصّة حدثت، وانتهت، ثمَّ أخبرنا بما جرى معه فيها.
- الشّخصيّات:
الكاتب، الشّيخ الأوّل، الشّيخ الثّاني، الحاكم،
أعوانه، أو حاشيته الّتي لم يصرّح بها بل لمّح إليها.
- علامات التّرقيم:
لم توضع بشكلها الدّقيق وسأورد هنا النّصّ
مع تصحيحها، وتغيير ما أشرتُ إليه،
وحذف كلمة(عليائي) من الجملة:
(نزلتُ من عليائي متذمّرًا)
إذ لا ضرورة لها كونه قال:
(أطير) فالطّيران يدلّ على العلوّ
ونحن في هذا الجنس الأدبيّ (ق.ق.ج)
أحوج ما نكون إلى الاختزال، والتّكثيف.
وبهذا يصبح النّصّ بعد التّعديل كما يلي:
هلوسة
استقلَلْتُ بساطي السّحريّ، طرتُ فوق المدينة..
هالني منظر شيخ يقتاتُ القمامة، وطفل ينام على الرّصيف. نزلتُ متذمّرًا..
قدّمتُ شكواي للحاكم، سُحب منّي البساط، لمخالفة الحدّ المسموح به في التّحليق!
في الختام تحيّتي للكاتب المبدع
وتمنّياتي له بدوام الألق والتّوفيق.
*ميَّادة مهنَّا سليمان
القصّة
هلوسة
أستقل بساطي السحري، أطير فوق المدينة، هالني منظر شيخ يقتات من القمامة، و آخر ينام على الرصيف، نزلت من عليائي متذمرا، قدمت شكواي لدى الحاكم، سُحب مني البساط لمخالفة الحد المسموح به في التحليق..
- من الظّريف أنّ بعض معاني (البساط) في الحلم
حسب تفسير (ابن سيرين) أنّه يدلّ على عزّة، أو رفعة
وعلى مجالسة الحكّام والرّؤوساء.
فهل هذا ماحدث مع كاتب القصّة؟
سنرى بعد هذه القراءة الّتي سافرت عبر
( البساط الإبداعيّ) للكاتب (عبد العليّ الجناتي)
- نبدأ من العنوان (هلوسة)
مصدر هلوسَ
أخيِلة يظنّها الإنسان وقائعَ في حين أنّها اختلاق ذهنيّ مرضيّ ينتج عن اختلال عقليّ أو نتيجة لإدمان المخدّرات.
- متن القصّة:
يبتدئ الكاتب قصّته ب(أستقِلُّ بساطي السّحريّ)
وهنا بداية الرّحلة الخياليّة الّتي قام بها
ولا ندري هل هي في حلمه ( مايراه النّائم)
أم في يقظته( أحلام يقظة)
وقد ترك الكاتب للقارئ حريّة التّخيّل ليسافر معه
عبر بساطه ويرى مارآه.
هذه الرّحلة الّتي جعلته يرى أشياء ماكان يراها
على أرض الواقع نستنتج ذلك من قوله:
(هالني منظر شيخ يقتات من القمامة)
وهنا الأفضل( يقتات بالقمامة، أو يقتات القمامة)
وكلمة (شيخ) لها مفهومان:
شاخ في اللغة: أسنَّ وكبرَ
شاخ يشيخ شيخوخةً وشيخًا
والشّيخ من أدرك الشّيخوخة
وهو فوق الكهل، ودون الهرم
الشّيخ في بعض الدّول العربيّة لقب رئاسيّ
وشيخ القبيلة: رئيسها القائم على شؤونها.
ولا ندري ما الّذي قصده الكاتب:
هل هو الرّجل المسنّ، أم الرّجل المتديّن؟
وفي الحالتين هي مأساة بحقّ الإنسانيّة
أن يكون طعام ذلك الرّجل (فضلات القمامة)
ثمّ يتمّ الكاتب وصف مارآه في رحلته:
(وآخر ينام على الرّصيف)
إشارة ثانية إلى المستوى المعيشيّ البائس الّذي رآه من علٍ، وهنا لديَّ ملاحظة، فبرأيي لو كتب بدلًا من
(وآخر ينام على الرّصيف)
و(طفلٌ ينام على الرّصيف)
لكانت أجمل وأكثر تأثيرًا، وإثارة لمشاعر القارئ
ولكان الكاتب سلّط الضّوء على جانب ثانٍ مظلم في الحياة ألا وهو الطّفولة ومآسيها وحرمانها من أبسط حقوقها في العيش الكريم.
وبعد ذلك ينزل الكاتب منزعجًا ممّا شاهده ويقدّم شكواه إلى الحاكم، ونحن متعاطفون معه ننتظر العدالة الإنسانيّة ممّن يملك زمام الأمر، تأتينا الخاتمة المأساويّة المنطقيّة لحكّامٍ تقمع شعوبها:
(سُحب منّي البساط لمخالفة الحدّ المسموح به في التّحليق).
ونلحظ استخدام الفعل المبني للمجهول(سُحِبَ)
فالحاكم لم يفعل ذلك، وإنّما إشارة خفيّة لأعوانه الّذين ينفّذون أوامره الظّالمة ليزيد الكاتب من حجم الظّلم الوارد في خاتمته والّتي وإن كانت طويلة، لكنّها جميلة، مؤثّرة، ولا توجد كلمة يمكن الاستغناء عنها.
وهنا يدلّل الكاتب على كيفيّة معالجة الحكّام لمشاكل وقضايا بلادهم المصيريّة، فالحلّ دومًا يكون بالقمع، والسّطوة، والتّرهيب، فحتّى الأحلام ممنوعة، وحين تتجلّى الحقائق أمام الأعين تصبح مجرّد هلوسات
وهنا نضيء على العنوان البارع الّذي اختاره الكاتب
فما رآه من حقائق موجعة، لم تكن إلّا أوهامًا اختلقها
خيالُه المريض حسب زعم الحاكم وحاشيته.
أوليس هذا واقع الشّعوب المظلومة منذ بدء التّاريخ؟
وأستحضر هنا مقطعًا من قصيدة للشّاعر أحمد مطر:
نحن لسنا فقراء
وحده الفقر لدينا
كان أغنى الأغنياء
بيتنا كان عراء
والشّبابيك هواء قارس
والسّقف ماء
فشكونا أمرنا عند ذوي الأمر
فاغتمّ، ونادى الخبراء
ثمّ بعد الأخذ والرّدّ
أصدر الحاكم مرسومًا
بإلغاء الشّتاء!
- مفردات النّصّ:
جاءت بسيطة لا غرابة فيها، ولا تعقيد
والتّراكيب منسجمة مع بعضها فلا طلاسم ولا ألغاز
وكانت كلماتها قريبة من حياتنا اليوميّة:
(مدينة، شيخ، رصيف، قمامة… )
- الأفعال:
استخدم الكاتب ثمانية أفعال (ماضية ومضارعة)
وهنا لديَّ ملاحظة أُخرى، فقد بدأ بالفعل المضارع:
أستقلُّ، أطيرُ، ثمّ انتقل إلى الماضي:
هالني، وعاد إلى المضارع (يقتات، ينامُ)
ثمّ عاد مجدّدًا إلى الماضي:
(نزلتُ، قدّمتُ، سُحِبَ)
وهذا أحدث إرباكًا في نسيج القصّة، وقلّل من جماليّة ترابط الحدث فيها، ولو التزم صيغة الماضي في بدايتها ( استقلّيتُ…) و (طرتُ… )
وترك باقي الأفعال على حالها، لكان أجمل، وأكثر
قوّة وسبكًا لأحداثها، ولجعل القصّة حدثت، وانتهت، ثمَّ أخبرنا بما جرى معه فيها.
- الشّخصيّات:
الكاتب، الشّيخ الأوّل، الشّيخ الثّاني، الحاكم،
أعوانه، أو حاشيته الّتي لم يصرّح بها بل لمّح إليها.
- علامات التّرقيم:
لم توضع بشكلها الدّقيق وسأورد هنا النّصّ
مع تصحيحها، وتغيير ما أشرتُ إليه،
وحذف كلمة(عليائي) من الجملة:
(نزلتُ من عليائي متذمّرًا)
إذ لا ضرورة لها كونه قال:
(أطير) فالطّيران يدلّ على العلوّ
ونحن في هذا الجنس الأدبيّ (ق.ق.ج)
أحوج ما نكون إلى الاختزال، والتّكثيف.
وبهذا يصبح النّصّ بعد التّعديل كما يلي:
هلوسة
استقلَلْتُ بساطي السّحريّ، طرتُ فوق المدينة..
هالني منظر شيخ يقتاتُ القمامة، وطفل ينام على الرّصيف. نزلتُ متذمّرًا..
قدّمتُ شكواي للحاكم، سُحب منّي البساط، لمخالفة الحدّ المسموح به في التّحليق!
في الختام تحيّتي للكاتب المبدع
وتمنّياتي له بدوام الألق والتّوفيق.
*ميَّادة مهنَّا سليمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق