من ذاكرة الأيام ..
فطريٌ من الأعماق.. غامضٌ؛ قريبٌ وبعيد.. رحالٌ.. يُقدِّرُ الانسجامَ الطبيعي والمكان .. لأنه يُؤمن أن الطبيعة مصدر الهامه.. صديقٌ للبحر.. يتجرع من كأس الحياة رغم موته البطيء.. كان يعشق المرأة والوطن .. لهذا أمضى حياته بالانفعالات والقلق.. لم يكن يهتم بالحب المديد.. كان ذلك حلمٌ نافل.. لذا كانت علاقته بالبشر مغايرة؛ فهو شديدُ الإخلاص والمحبة.. ولكن في لحظات تعبه ينتهك الغضب هدوءه و بعصبية بالغة يرفض الجميع ليبقى وحيدا مع نفسه.. مع حلمه السرمدي، وتبدأ المعاناة الإنسانية.. فلا يشعر بالنشوة ولا يغرد بحضن الوطن.. فكرة الزواج من قبطان لسفينة مجحفة بحق النفس.. حيث لا توجد
سعادة في هذه الحياة.. كما أن الموت لا يفهم الحب.. اعتاد أن يشق البحر لاهثا ليصل في الوقت المناسب للمكان المطلوب.
أمام هذا الميناء الضخم لمرسيليا وقفت سفينته.. لتحط الرحال وكالعادة يباشر العمال بتنظيف وصيانة المركب.. فينبعثُ من الأرضية الخشبية وآلات التنظيف أصواتٌ مزعجة .. لحسن حظه أنه قبطان سفينة رحلتها ممتعة وقصيرة. كان يبحر ما بين ميناء الجزائر إلى مرسيليا المدينة الساحلية لفرنسا؛ حصل على شهرة واسعة .. لكنه مُدرك أنه لم يعد باستطاعته التحرك على سجيته.. المجازفة والتعرض للمخاطر جعلته يقلل من أهمية المشاعر وتَتَبُعْ مصداقيتها.. كما أنه لم يعد يستهويه نقل مشاعر نبضه إلى أية فتاة أحبها؛ لخبرته من خلال تجاربه الطويلة الأمد بالنهاية المحتومة.
هنا في هذا الممرّالضيق كان يسير بخطا ثابتة يحط قدمه بهدوء يستطلع الوجوه المسافرة في سفينته.. فقد اعتادت عيناه أن تُمشّط الوجوه الهادئة غير الآثمة الملائمة لقضاء سهرة عشاء رائعة وممتعة.. توقفت عيناه حين تلاقت الأحداق و أقدامه عن السير.. قادته الرغبة لسؤالها عن جواز سفرها.. هي ليست ساذجة لتقع فريسة مشاعر عاصفة تجاه رجل مجهول فقط لأنه قبطان سفينة بحرية.. بالرغم من أنها تعشق مِهنته وزيها الأبيض.. إلا أنها ليست كـ معجباته الحمقاوات.. لن تتركه يُسقطها في حبائله.. كان في الثلاثين من العمر.. يبدو نَحيلا؛ أسْمر اللون يتمتعُ بلياقةٍ جسدية أقرب إلى الطول منه إلى القصر.. بعينين ساحرتين كبساطٍ سُندسي اللون. ولكن..!! هل تستطيع أن تقاوم جاذبيته وأناقة مظهره.. آنذاك لا يمكن لأميرة مثلها تُقدّر جمالها أن توقظها قُبلة مسحورة.. فكيف لنظرة..!!.. أشارت بإصبعها على والدها.. ثم قالت بإمكانك أن تسأله ما شئت.. تهربت من نظراته الساحرة.. وتابعت مسيرتها معلنة تمردها .. بعد أن أغلقت أبواب القلب كي لا يطير عصفور النبض ويحط على كوكب العشق. ارتبك القبطان لأنه لم يعتد على الصد.. سأل الوالد عن جوازات السفر.. كان همه أن يعرف عمرها وجنسيتها.. فوجئ أنها تحمل إقامة جزائرية وهي من أصول سورية.. وأنها في الثالثة والعشرين من العمر.. لكنه ارتاح لأن الفارق بينهما أصبح معتدلاً كان يعتقدها أصغر.. لم يكن الانتظار طويلا.. سرعان ما تسلم الركاب مفاتيح غرفهم.. أما هي سارعت لِتتفقد المكان كالعادة كان لوالدها جناح؛ وغرفة لأختيّها؛ وواحدة لها مع شريكةَ سكن فرنسية.. وضعت أمتعتها عند اختيها واتجهت لسطح السفينة.. كان لابد أن تجد الزاوية المناسبة لرؤية البحر من كلّ الاتجاهات.. بانتظار حفل العشاء الفاخر على أنغام الموسيقى الساحرة وصخب الرقص الممتع.. جلست بالمكان المطلوب قد لا ترى كل الاتجاهات لكنّها تلحظ أثر سير السفينة في البحر.. كيف لا وهي تعشق هذا الأثر الذي يحدّثها لساعات طويلة دون ملل .. كانت تتوق دائما لأن تعرف ماذا يقول البحر.
ها هي الموسيقا تعلن جمع الركاب ليتعارفوا في حفل العشاء ..كان لكل غرفة طاولة محجوزة حسب أهمية درجة الحجز.. تعرفت العائلة على طاولتهم.. لكن قبطان السفينة قال أنتم ضيوفي على طاولتي بعد أن رمقها بنظرة عَجولة.. شعرت بحاجته الماسة للحبْ.. وكأنه يعوض بها ما أفقدته السنين.. تعارف المدعوين وسرعان ما انخرط والداها في الحديث معهم وبما أن دوار البحر اختار اختيّها ليكون النوم حليفهما. بقيت هي وحيدة.. أما قبطان السفينة فكانت عيناه لا تغادر عينياها.. أغبطت فيه القدرة الفائقة على الغواية .. وبدأت تُشاغل نفسها بحديث الجسد للموسيقا.. كان يتفحصها تحت ضوء المصباح الخَفيف؛ ينسابُ شعرها الكستنائي على كتفها.. بوجه ملائكي لا تفارقه الابتسامة أبدا.. تجرأ ودعاها للرقص.. كان يحسن فن غواية الفتيات.. وكانت خجولة لكنها تُحسن الفرار كلما ورطها بنغم النبض .. قبلت الدعوة.. بدت له قصيرة الطول لكنها بارعة بالرقص بكل فنونه.. رمقته بنظرة .. أسقطت كل قَرارته الحاسمة ليعيد ترتيب حياته.. بشغف سألها عن كل ما تحب أحس وكأنه يعرفها منذ زمن لشدةِ شَفافيتها.. انتهت الحفلة.. وكان على الجميع أن يتوجه للنوم.. برقة.. وبحة تكسِرُ صوتها تُحييّ الجميع وتغادر للنوم.. وفي الصباح استيقظت على أنغام موسيقى ساحرة تعشقها لزامفير مونامور "حبي".. ازدادت سعادتها.. وبدأت ترتب يومها لئلا تضيع ثانية منها ففي مساء اليوم تصل السفينة لميناء الجزائر. توجهت إلى حمام السباحة وبدأت تمارس هوايتها.. أما هو فلم يترك مكاناً إلا وبحث فيه عنها كان في الطابق العلوي يتفحص الجميع .. وإذ به تخرج من الماء؛ وكأنها حورية.. بدت عليه الدهشة من وجودها هناك لبست ثوبها لتُجفف جسدها.. لم يكن أمامه إلا أن يناديها من بعيد لتُرافقه في احتساء فنجان قهوة.. جلست برفقته تتأمل البحر مانعة نفسها من التفكير.. تغلغل ضوء الشمس في بشرتها لِيُشرق وجهها.. وبدا لون العين مائلاً للصفرة ساحراً.. رآها ممتلئة بالحيوية والحياة.. انتهكت حرمة القلب.. وبدأت لحظات وجوده.. إنها الدقائق الأخيرة التي تفصل بينهما.. أخذ يحدثها عن رداء الأرض الأخضر المشتهى.. وعن حلمه في عطر الأنثى.. ثم همس في أذنها.. هل تقبلين بي زوجا..!!
أما هي فكانت تجاهد نفسها لمنعها عن التحديق به.. لتخفي ذلك اللون الملتهب الذي ربما صبغ وجهها.. فقد كانت الصدمة شديدة.. لم تكن تفكر بحال الحياة لقبطان سفينة البحر.. وحال الانتظار الطويل الممل.. والمسؤوليات الملقاة على عاتقها وحدها وحال وحدتها وقلقها الدائم عليه .. بينما هو رجل تتهافت النساء جميعهن للوصول إليه.. يقضي كل أوقاته بمرح كبير بين طرب ورقص.. لقد كانت مضطربة.. لن يكون حالها بالتأكيد أفضل من الآن فهي كثيرة الترحال ودوام الحال من المحال.. أخذت تنظر إليه وملامح الوجه لا توحي بالفرح .. فقد أربك قرارها الابتسامة.. اعترفت له بقصور تفكيرها وأنها لم تدرك حياة زوجة القبطان.. كانت تعتقد أنها سَتقضي العمر معه في هذه السفينة وهذا هو الجانب الممتع في الحياة .. لم تكن تدرك أن الزواج يعني أطفالاً ووجودهم يعني التضحية ولسوف تطالبها الحياة بتلك التضحية.. وأن زواجها يعني أحلامها المؤجلة.. بل بتأبينها إلى الأبد.. كانت تراقب وجهه كان متعبا نفسيا ..يظهر عليه الضيق والكدر.. شعرت بأن كل خلاياها تمددت في عقله حتى استولت عليه.. وأنها ستكون البوابة إلى حياة أجمل وأكثر استقرارا .. لكنها ستصبح امرأة غير معترف بوجودها.. ولا تضحياتها .. وأن الأحزان ستطرق كل أبوابها.. لن يكون لكيانها ولا لأحزانها أية قيمة.. سَتتلبدُ الطمأنينة والجمال سحبا عجيبة وراء البحر وتقدم لنا عاصفة غاضبة شديدة الصخب.. تطفئ الضوء الكامن بين البحر والسهول الخضراء..
وقفت وقالت هامسة سلاما سيدي.. لن أخاف عليك.. سيكون دعائي لك بالفرح الدائم .. وسيكون حديثنا والبحر رسائل لن تنتهي.. تركته وحيدا مع مأساته مبتعدةً.. لعله يجد نفسه ..
تغير لون السماء.. اختفى اللون الذهبي؛ ليحل مكانه ياقوت اللون مع لمسة حمراء.. إنه موعد رحيل الركاب.. غَادرتْ الفتاة.. رَحلتْ عبر أزمنة موازية.. ثم انخرطت في بكاء مالح من هول القرار.. لا زالت تتلمس موضع قدمها.. قد أثقلها قرار الماضي ؛ وسراب الحاضر.. لعلها الآن تتمنى لو كانت قبلت تلك التضحية.
*سمر الكلاس
فطريٌ من الأعماق.. غامضٌ؛ قريبٌ وبعيد.. رحالٌ.. يُقدِّرُ الانسجامَ الطبيعي والمكان .. لأنه يُؤمن أن الطبيعة مصدر الهامه.. صديقٌ للبحر.. يتجرع من كأس الحياة رغم موته البطيء.. كان يعشق المرأة والوطن .. لهذا أمضى حياته بالانفعالات والقلق.. لم يكن يهتم بالحب المديد.. كان ذلك حلمٌ نافل.. لذا كانت علاقته بالبشر مغايرة؛ فهو شديدُ الإخلاص والمحبة.. ولكن في لحظات تعبه ينتهك الغضب هدوءه و بعصبية بالغة يرفض الجميع ليبقى وحيدا مع نفسه.. مع حلمه السرمدي، وتبدأ المعاناة الإنسانية.. فلا يشعر بالنشوة ولا يغرد بحضن الوطن.. فكرة الزواج من قبطان لسفينة مجحفة بحق النفس.. حيث لا توجد
سعادة في هذه الحياة.. كما أن الموت لا يفهم الحب.. اعتاد أن يشق البحر لاهثا ليصل في الوقت المناسب للمكان المطلوب.
أمام هذا الميناء الضخم لمرسيليا وقفت سفينته.. لتحط الرحال وكالعادة يباشر العمال بتنظيف وصيانة المركب.. فينبعثُ من الأرضية الخشبية وآلات التنظيف أصواتٌ مزعجة .. لحسن حظه أنه قبطان سفينة رحلتها ممتعة وقصيرة. كان يبحر ما بين ميناء الجزائر إلى مرسيليا المدينة الساحلية لفرنسا؛ حصل على شهرة واسعة .. لكنه مُدرك أنه لم يعد باستطاعته التحرك على سجيته.. المجازفة والتعرض للمخاطر جعلته يقلل من أهمية المشاعر وتَتَبُعْ مصداقيتها.. كما أنه لم يعد يستهويه نقل مشاعر نبضه إلى أية فتاة أحبها؛ لخبرته من خلال تجاربه الطويلة الأمد بالنهاية المحتومة.
هنا في هذا الممرّالضيق كان يسير بخطا ثابتة يحط قدمه بهدوء يستطلع الوجوه المسافرة في سفينته.. فقد اعتادت عيناه أن تُمشّط الوجوه الهادئة غير الآثمة الملائمة لقضاء سهرة عشاء رائعة وممتعة.. توقفت عيناه حين تلاقت الأحداق و أقدامه عن السير.. قادته الرغبة لسؤالها عن جواز سفرها.. هي ليست ساذجة لتقع فريسة مشاعر عاصفة تجاه رجل مجهول فقط لأنه قبطان سفينة بحرية.. بالرغم من أنها تعشق مِهنته وزيها الأبيض.. إلا أنها ليست كـ معجباته الحمقاوات.. لن تتركه يُسقطها في حبائله.. كان في الثلاثين من العمر.. يبدو نَحيلا؛ أسْمر اللون يتمتعُ بلياقةٍ جسدية أقرب إلى الطول منه إلى القصر.. بعينين ساحرتين كبساطٍ سُندسي اللون. ولكن..!! هل تستطيع أن تقاوم جاذبيته وأناقة مظهره.. آنذاك لا يمكن لأميرة مثلها تُقدّر جمالها أن توقظها قُبلة مسحورة.. فكيف لنظرة..!!.. أشارت بإصبعها على والدها.. ثم قالت بإمكانك أن تسأله ما شئت.. تهربت من نظراته الساحرة.. وتابعت مسيرتها معلنة تمردها .. بعد أن أغلقت أبواب القلب كي لا يطير عصفور النبض ويحط على كوكب العشق. ارتبك القبطان لأنه لم يعتد على الصد.. سأل الوالد عن جوازات السفر.. كان همه أن يعرف عمرها وجنسيتها.. فوجئ أنها تحمل إقامة جزائرية وهي من أصول سورية.. وأنها في الثالثة والعشرين من العمر.. لكنه ارتاح لأن الفارق بينهما أصبح معتدلاً كان يعتقدها أصغر.. لم يكن الانتظار طويلا.. سرعان ما تسلم الركاب مفاتيح غرفهم.. أما هي سارعت لِتتفقد المكان كالعادة كان لوالدها جناح؛ وغرفة لأختيّها؛ وواحدة لها مع شريكةَ سكن فرنسية.. وضعت أمتعتها عند اختيها واتجهت لسطح السفينة.. كان لابد أن تجد الزاوية المناسبة لرؤية البحر من كلّ الاتجاهات.. بانتظار حفل العشاء الفاخر على أنغام الموسيقى الساحرة وصخب الرقص الممتع.. جلست بالمكان المطلوب قد لا ترى كل الاتجاهات لكنّها تلحظ أثر سير السفينة في البحر.. كيف لا وهي تعشق هذا الأثر الذي يحدّثها لساعات طويلة دون ملل .. كانت تتوق دائما لأن تعرف ماذا يقول البحر.
ها هي الموسيقا تعلن جمع الركاب ليتعارفوا في حفل العشاء ..كان لكل غرفة طاولة محجوزة حسب أهمية درجة الحجز.. تعرفت العائلة على طاولتهم.. لكن قبطان السفينة قال أنتم ضيوفي على طاولتي بعد أن رمقها بنظرة عَجولة.. شعرت بحاجته الماسة للحبْ.. وكأنه يعوض بها ما أفقدته السنين.. تعارف المدعوين وسرعان ما انخرط والداها في الحديث معهم وبما أن دوار البحر اختار اختيّها ليكون النوم حليفهما. بقيت هي وحيدة.. أما قبطان السفينة فكانت عيناه لا تغادر عينياها.. أغبطت فيه القدرة الفائقة على الغواية .. وبدأت تُشاغل نفسها بحديث الجسد للموسيقا.. كان يتفحصها تحت ضوء المصباح الخَفيف؛ ينسابُ شعرها الكستنائي على كتفها.. بوجه ملائكي لا تفارقه الابتسامة أبدا.. تجرأ ودعاها للرقص.. كان يحسن فن غواية الفتيات.. وكانت خجولة لكنها تُحسن الفرار كلما ورطها بنغم النبض .. قبلت الدعوة.. بدت له قصيرة الطول لكنها بارعة بالرقص بكل فنونه.. رمقته بنظرة .. أسقطت كل قَرارته الحاسمة ليعيد ترتيب حياته.. بشغف سألها عن كل ما تحب أحس وكأنه يعرفها منذ زمن لشدةِ شَفافيتها.. انتهت الحفلة.. وكان على الجميع أن يتوجه للنوم.. برقة.. وبحة تكسِرُ صوتها تُحييّ الجميع وتغادر للنوم.. وفي الصباح استيقظت على أنغام موسيقى ساحرة تعشقها لزامفير مونامور "حبي".. ازدادت سعادتها.. وبدأت ترتب يومها لئلا تضيع ثانية منها ففي مساء اليوم تصل السفينة لميناء الجزائر. توجهت إلى حمام السباحة وبدأت تمارس هوايتها.. أما هو فلم يترك مكاناً إلا وبحث فيه عنها كان في الطابق العلوي يتفحص الجميع .. وإذ به تخرج من الماء؛ وكأنها حورية.. بدت عليه الدهشة من وجودها هناك لبست ثوبها لتُجفف جسدها.. لم يكن أمامه إلا أن يناديها من بعيد لتُرافقه في احتساء فنجان قهوة.. جلست برفقته تتأمل البحر مانعة نفسها من التفكير.. تغلغل ضوء الشمس في بشرتها لِيُشرق وجهها.. وبدا لون العين مائلاً للصفرة ساحراً.. رآها ممتلئة بالحيوية والحياة.. انتهكت حرمة القلب.. وبدأت لحظات وجوده.. إنها الدقائق الأخيرة التي تفصل بينهما.. أخذ يحدثها عن رداء الأرض الأخضر المشتهى.. وعن حلمه في عطر الأنثى.. ثم همس في أذنها.. هل تقبلين بي زوجا..!!
أما هي فكانت تجاهد نفسها لمنعها عن التحديق به.. لتخفي ذلك اللون الملتهب الذي ربما صبغ وجهها.. فقد كانت الصدمة شديدة.. لم تكن تفكر بحال الحياة لقبطان سفينة البحر.. وحال الانتظار الطويل الممل.. والمسؤوليات الملقاة على عاتقها وحدها وحال وحدتها وقلقها الدائم عليه .. بينما هو رجل تتهافت النساء جميعهن للوصول إليه.. يقضي كل أوقاته بمرح كبير بين طرب ورقص.. لقد كانت مضطربة.. لن يكون حالها بالتأكيد أفضل من الآن فهي كثيرة الترحال ودوام الحال من المحال.. أخذت تنظر إليه وملامح الوجه لا توحي بالفرح .. فقد أربك قرارها الابتسامة.. اعترفت له بقصور تفكيرها وأنها لم تدرك حياة زوجة القبطان.. كانت تعتقد أنها سَتقضي العمر معه في هذه السفينة وهذا هو الجانب الممتع في الحياة .. لم تكن تدرك أن الزواج يعني أطفالاً ووجودهم يعني التضحية ولسوف تطالبها الحياة بتلك التضحية.. وأن زواجها يعني أحلامها المؤجلة.. بل بتأبينها إلى الأبد.. كانت تراقب وجهه كان متعبا نفسيا ..يظهر عليه الضيق والكدر.. شعرت بأن كل خلاياها تمددت في عقله حتى استولت عليه.. وأنها ستكون البوابة إلى حياة أجمل وأكثر استقرارا .. لكنها ستصبح امرأة غير معترف بوجودها.. ولا تضحياتها .. وأن الأحزان ستطرق كل أبوابها.. لن يكون لكيانها ولا لأحزانها أية قيمة.. سَتتلبدُ الطمأنينة والجمال سحبا عجيبة وراء البحر وتقدم لنا عاصفة غاضبة شديدة الصخب.. تطفئ الضوء الكامن بين البحر والسهول الخضراء..
وقفت وقالت هامسة سلاما سيدي.. لن أخاف عليك.. سيكون دعائي لك بالفرح الدائم .. وسيكون حديثنا والبحر رسائل لن تنتهي.. تركته وحيدا مع مأساته مبتعدةً.. لعله يجد نفسه ..
تغير لون السماء.. اختفى اللون الذهبي؛ ليحل مكانه ياقوت اللون مع لمسة حمراء.. إنه موعد رحيل الركاب.. غَادرتْ الفتاة.. رَحلتْ عبر أزمنة موازية.. ثم انخرطت في بكاء مالح من هول القرار.. لا زالت تتلمس موضع قدمها.. قد أثقلها قرار الماضي ؛ وسراب الحاضر.. لعلها الآن تتمنى لو كانت قبلت تلك التضحية.
*سمر الكلاس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق