اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

متحابان إلى الأبد ـ قصة قصيرة ـ بقلم : فؤاد حسن محمد ـ سورية

هجس في سره :
- السقوط ....السقوط
دومت ورقة صفراء في الهواء هابطة نحو الأسفل ، كان صوت ارتطامها بالأرض قد احدث دوياً هائلاً .
وهنا وهناك انتشرت أصوات أخرى ، أصوات غريبة ورهيبة تئن بهلع وفق إيقاع واحد، تعلو وتنخفض كما لو كانت عواء ثعالب ، لكن البعض قال أنها صرخات جرحى الإرهابيين .
استمر المطر الخريفي يهطل ثلاث أيام مستمرة ، المطر هنا يحمل القسمات الفريدة للساحل السوري ، انه غزير يشبه الفرسان المنطلقين على صهوات الخيل ، وفيه نفساُ من طيبة مزارعي الحقول ولطف وعذب بساطتهم .
كان معسكر للجيش قد نقل لتوه إلى سفح تله ، حيث يتاح لمجندي الدفاع الوطني أن ينطلقوا لتحرير جبل ال 45.كان هذا هو الحل الذي توصل إليه المقدم عصام ورؤساء المجموعات، الذين يقودون الرجال لأداء المهمة .
على ارض المعركة لا مجال للخطأ ،لذلك يجب على القائدين الانتهاء من وضع خطة الهجوم ، وإعداد المجندين نفسياً ، وتأمين الأسلحة اللازمة ، واختيار الطريق الأمن للوصول إلى الجبل ،بيد إن المجندين المشتاقين للنوم كانوا يشخرون شخيراً عالياُ ، ويغرقون في أحلام العودة إلى زوجاتهم ، أما الشبان فكانوا يتبادلون النكات من أجل التسلية ، ويقول واحدهم للأخر :
- إذا مازلت على قيد الحياة
الآن دوي المدافع تلاشى ، وأزيز الرصاصات أضحى متقطعاً ، وعالياً توقفت الغادة السماوية عن دلق المطر ، في هذه الأثناء خرج الضابطان من الخيمة لشرح الخطة للمجندين ، المقدم عصام يثير العجب بالنظر إلى وجهه الفلاحي الوسيم، ذي الحسب والنسب بكل تأكيد٠ حاجباه الكثان أعطت ملامحه الجدية دون تحريف، وشاربه حاد الهيئه٠ جانبا شفتيه وذقنه تثير الاحترام، وتعبر عن قوة الإرادة .
قسم الضابطان الجنود إلى خمس مجموعات ، كل واحدة تضم اثنا عشر فرداً ، ثلاثة مجموعات بقيادة عصام للهجوم ، ومجموعتان تقومان بالتغطية النارية الغزيرة أثناء اقتحام موقع العدو ،وحددا ساعة الصفر الرابعة صباحاْ .
العام الفائت كانوا يحاربون في القصير ، وهذا العام يقاتلون في كسب ، لكي يصدوا الهمج الوهابيين المتوحشين ، والقتال والزحف لا يتوقف أبدا منذ ثلاث سنوات ،وقد اشتبكوا مرات عديدة وجهاْ لوجه ، قتلوا أعداد هائلة من الإرهابيين ، واستشهد منهم رجال كثيرون ، وعيون الباقين كانت تصهل بكبرياء وترنوا إلى السماء ،إن فقدان رفيق في المعركة حزن يحيط بالأوقات ، تلك الذكريات ستبقى في القلوب تشتعل دمعاً ، لقد شابت الجيوش من مناظر القتل ، إن الحرب شيء ملعون ، لا يستخدمه الشرفاء إلا مضطرين .
منذ عهد ليس ببعيد ،سنة تقريباً ،زارتهم مراسلة حربية لمرافقتهم في تحرير موقع من سيطرة العدو ، فاتنة وزاهية، شعرها أسود وجميل وحاجباها مقوسان ، طويلة وممتلئة ، حسناء بين النساء ، فلماذا عليها أن تصعد نحو السماء ، ولماذا تعرضّ نفسها للوقوف أمام الله ،وقع كل منهما في غرام الأخر ، كانت نظرات المقدم عصام المشعة كناية حبه لها ، وكانت ابتسامتها كناية عن قبولها ،وكان لسان حاليهما يقول ( ننتظر إلى أن نحرز النصر )، كان اتفاق ضمني فهمه الاثنان.
اقتربت المراسلة الحربية من عصام ، وأجرت معه مقابلة تلفزيونية ، سألته أسئلة معتادة ، وأجابها بإلفه واعتياد إننا سنسحق الإرهابيين ...وسنطهر سوريا من رجس هؤلاء الأنجاس الوهابيين ، بعدها دعاها لشرب كاس شاي في مقر القيادة ، وهناك سردت له حكاية مؤلمة
قالت له بصوت أنثوي يطوي في اهتزازاته غريزة الأمومة :
-عمرها سنة واحدة ، زهرة نادرة ، بيضاء كالضوء ،أجمل أطفال العالم ، انتزعوها من صدر أمها الشابة ، التي كانت ضمن أسرى قرية من قرى كسب ،لقد قذفتهم الأقدار إلى هؤلاء الحثالة ، نظرت الأم بعينين حزينتين مملئتين بالحب إلى طفلتها ، في محاولة يائسة لمنعهم ، لكن احدهم رفسها بحافره ، مشيراُ إلى عدم جدوى الاحتجاج، ثم قيدها من يديها وقدميها ، ورفسها مرة ثانية ، وبدم بارد اخرج سكين من خصره ، وفصل رأس الطفلة عن جسدها الطاهر ،جاهدت الأم أن تصرخ ،لكن الهواء احتبس في صدرها ، فماتت دون صراخ .لقد صنعت من عجزها جناحان ، وطارت بابنتها عبر الزمان الأبدي .لتشكي فاجعتها إلى الله .
اغرورقت عينا المراسلة الحربية بدمعتين ،فمد عصام يديه الخشنتين ومسحهما برقة،كل منهما يشد من أزر الأخر بطريقته ، ابتسم فبدا وجهه الساحلي أكثر قدرة في منح الثقة بالنصر ،وفي روحه عواصف حزن على رفاق امتلأت قلوبهم القوية بحب الوطن ، ولهذا غاصت إلى أعماق أرضه ، بعضهم ترك في أرض المعركة للغربان تنهش جثثهم ،وقد رآها تحمل بمناقيرها أشلاءهم وتحلق بها في السماء ، أو تعلقها على أغصان الأشجار ، لكنهم لم يموتوا إنهم مازالوا يسبحون في أوقيانوس أفكارنا .
أحزنها أن ترى وجه هذا الإنسان الضخم تعتليه نظرة أسى فخفضت رأسها مفكرة برهة:( لاحق لي أن أحمله أثقالاْ فوق أثقاله )، فقالت بلطف :
- استميحك عذرا ، ما كان يجب....
ولمست يده الكبيرة مسترضية إياه ولتضّيق الهوة بينهما .
أجابها وعلى شفتيه ابتسامة فيها ثقة ( سترافقيننا ..وسترين كيف يهربون كالجرذان ، إنهم جبناء..أنهم بلا جذور ...وسنطهر عما قريب هذه الأرض الطاهرة من قذارتهم)،التمعت عيناها كالماء ، لا أثر للخوف فيهما ،الضابط الشاب سيجد من الصعوبة عليه أن ينجو من حب هذه الفتاة ، ذلك المحظوظ.
التقط عصام بحرص البندقية الروسية ، بعد أن ربط بحرص الجعبة على كتفيه بمهارة ،هذه الجعبة استراحت على كتفيه ثلاث سنوات ، وألان يشعر أن له كتفين اقوي وأكثر اتساعاً ،كان القرار قد اتخذ ، وكان الجنود قد تبلغوا بالأمر ، لم تضغط عليه مشاعر الخوف من المغامرة ،إن الموت لا يأتي من الحرب بل من تجاهل أن ترسل النور لمن تحب ،امسك عصام بيد المراسلة متضرعاً إلى الله أن يجعله حارساً لروحها . نظر إليها برقة ورأفة ، ولوهلة رأى في وجودها معهم ضعفاً يثير الشفقة ،فما أغرب أن تمشي دون شيء على كتفيك ، الجنود يحملون أثقالا من الأسلحة إلا هي ، هل ساهم هذا الحمل بإعطائهم رباطة جأشهم ، وجعلهم أكثر إحساسا بقوة.
كانا يسيران جنباً إلى جنب ، وأخذ يتفحص لها الدرب من اجل مساعدتها ، فكان يراقب خطواتها ، الممرات الجبلية الضيقة ، والمنحدرات الزلقة ، أراد أن يحذرها لكنه امسك لسانه ( دعها تتمتع بهذه الجبال إلى أن تقع في حبها ).
عندما بزغ الفجر، بدأت تتحدد ملامح الجبال ،توجد مساحات شاسعة من الغابات ،هنا أشجار الصنوبر ولأرز والبطم والسنديان ،ومن بين الطحالب والأوراق المتساقطة المبللة بالمطر التي تدوسها أحذية المجندين ،ارتفع عطر الأرض ورائحتها الممزوجة برطوبة التراب والصخور ،لكأن الأرض تطلق زفيراً ، استنشقته المراسلة بعمق واضح ، فأصدرت صوتاً أشبه بتنهيدة من اكتشف أن هذه الروعة الطبيعية حقيقة وليس وهماً. قال لها : يبلغ طول الطريق أكثر من اثنا عشرة كيلو متر
أومأت برأسها ناظرة إليه بسرور،
:إنني لا أفكر بطول الطريق ...
: بماذا تفكرين بعريس
أجابته وقد احمرت خجلا:
-أتأمل روعة هذه الجبال
في هذه الرفقة أصبح جلياً لهما إن الشيء الوحيد الذي يعادل متعة الحب هو المغامرة بأرواحهما من اجل بقاءه ، وثمة شئ أخر لم يجرؤ عليه إلا الأبطال ، وهو الشعور بالرضي والارتياح من الموت بكرامة ، عندما يجدون أنفسهم مهددين بالموت جوعاُ.
كانت تراقبه كما يراقب طفلا قائد الجيش ،لم تعزم على البوح الذي كان من الممكن أن يحطم شيئا مقدسا ،فوضعت يدها في كفه ، دافئة كالجمر ،شعر بإحساس غريب يتسلط عليه بقوة ، فحرك أصبعه في راحتها ،وفي ذهنه أن الوقت غير مناسب للتشتت ،وعليه أن يتذكر في كل دقيقة انه ليس مستجدا بل قائدا له خبرة طويلة جدا ،فأفلت يده بلطف ،لقد شعر كل واحد منهم بشعور الاستعجال المندفع ، وهم يزحفون إلى مكان المعركة بلا هوادة .
كان السكون الغريب يتمدد بموجات واسعة ، فلم يصدر ولا أزيز واحد لرصاصة ،وفي هذا السكون الغير مفهوم سببه في ارض معركة لم تحسم ،كانت تعلوا أكثر وأكثرا نفاس الجنود إلى وهي تصعد المرتفع ،قال أحد الجنود :
-ماذا قلت يا غدير
- كما سمعت ؟؟؟
-هل تريد أن تشرب المتة مع خطيبتك ؟؟ فكر جيدا قبل أن تتكلم !
- خذ لها قصعة برغل ؟؟؟ وقهقه - إذا دعوتها لذلك فسوف تتركك يا مسكين !
ثرثرة نفوس حزينة على شفا الموت ،وعادة ما يركز عصام أذنيه على أحاديث تأتي بها السنة الجنود ،فالحديث يكشف الكثير من المكنون ، يتلمس الاستعداد الملازم للنصر في المهمة ،نظر عصام بطرف عينيه إلى المراسلة فابتسمت عيناها تحملان خوفا خفيا ، وتساءلت كيف يمكن أن يضحك الجنود وهم ذاهبون بشكل مجتمع إلى نهاية منفصلة،وعلى الرغم من الألم الذي يسببه التفكير في غير أوانه،انزلق عصام في حلم اليقظة ،فتخيل ظلين يمشيان حافيي القدمين على رمال الشاطئ الأزرق،تداعب وجهيهما الشمس والأمواج والملوحة والنسمات الرطبة وكلها رقة وحب ،ويهيم في تفكيره ،لكنه فجأة شعر أن انزلاقه شيئا رومانسيا في غير مكانه،كمن يضع باقة زهر في زاوية ليست مناسبة لها في البيت ،فيعطي الجنود انطباعا سيئا انه غير ناضج ، ولا يليق بضابط يقود عملية في الجبال أن يمشي مشيته على هواه، فصرخ في الجنود :
_ توقفوا ... استراحة ربع ساعة .
سأله أحد الجنود :
-هل هم بعيدون ؟كم يا سيادة المقدم ..ساعة ....ساعتين ؟؟؟؟
كان عصام يريد إبعاد رومانسيته عن عيون الجنود ،فابتعد مسافة كبيرة عن المراسلة ، وتقدم إلى الأمام ،وطلع على شجرة سنديان ،محدقا بالمنظار في قمة الجبل ، هناك بعيدا في الأفق انشق شرط من الضوء القرمزي تحت أطراف السحب الواطئة ،كل شيء اصطبغ بلون الشفق القرمزي ، لكن صمت ثقيل سيطر على الجنود الذين أضجعوا على الأرض واضعين أيدهم خلف رؤوسهم يحدقون بقمة الجبل.
قال عصام:
- نحن على مسافة قريبة ...شغلوا عقولكم إثناء الاشتباك ،وعلموا أن الحذر الشديد يضعف القلب ،وأنا أعرف شجاعتكم ،لكن يجب أن نكون يقظين فالإرهابيين لم يكونوا نائمين ... نحن لا نخاف الموت ....ولا نهاب الوهابيين الصعاليك ...نموت ونحن نخدم وطننا مدافعين عنه .
هذه هي المرة الوحيدة التي تنبأ أن لا أحد يريد الموت ،لكن الآن الكل يواجه مصيره على هذا الطين ،قد يبدوا غريبا أن لا يترك الفقراء الوطن يموت ، الوطن الذي لن يغير الانتصار فيه شيء .
أحست المراسلة بلحظة تأبين غير مفتعلة على أرواح بالجملة ،أمسكت عينيها بالجنود التي قد لا ينظر إليها أحد بعد،قالت " مازالوا يشعرون بالحياة ، وما زالوا ينتظرون الموت في أي لحظة .

فؤاد حسن محمد
جبلة -سوريا

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...