فى بلدة قصية .. مذمومة فى تاريخ البشر .. فى أعاطف الجبال البعيدة .. كان الكفر والإلحاد .. عجوز شمطاء مشعوذة .. تقع بين جبالها التسع .. والخطيئة طيور جارحة تحلق .. ألف مرة فى اليوم .. تتبرز شرا أسود على الجميع
الغنى فيها يطحن الفقير .. فى المعاملات المحرمة .. والعفة تختلط بغبار الحانات .. وأماكن اللهو .. والبيوت المحرمة .. التى رخص لها .. كدخل قومى للبلدة .. والسكر والعربدة .. رداء لكل السكان .. إلا من صلح منهم .. وتعرى طهرا ونقاء .. فى السر .. بسبب الرقابة الصارمة .. على المؤمنين
وفى أحد الأكواخ .. المهملة المهجورة .. كان ثمة رضيع فى المهد .. أمه عجوز عمياء .. حكيمة القوم والزمان .. التى زجرها الجميع .. بسبب إيمانها بالله .. وتركت لتلاقى .. أهوال الفقر والهوان .. والإزدراء والإحتقار والدونية .. والسخرية وتطاول السفهاء .. والرقابة الصارمة .. من بصاصى القوم
فالشيخوخة غدت تزحف .. على أفكارها ومعتقداتها .. حتى كادت تذوى وتفنى .. وكانت قد أنجبت الرضيع .. فى سنوات شيخوختها المتقدمة .. من من أرض التقديس .. التى كانت مهد المصلحين .. وأصحاب دعاوى التوحيد لله .. والتى حرم كبار القوم .. على الجميع وطئها .. بدعوى أنها أرض الشياطين
ففى ليلة مباركة .. ذهبت لتتعبد .. فى تلك الأرض المقدسة .. كسابق عهدها .. سرا ليلا .. فما كان منها .. فى أواخر الليل .. إلا وقد أصابها النعاس .. من فرط الشيخوخة .. فغفت قليلا .. فشاهدت رؤيا مباركة.. أن أرض التقديس .. أخذت تخاطبها .. وقد تحولت إلى رجل حكيم .. فتى عملاق .. يضج بالرجولة .. وأخذ منها .. ما يأخذ الرجل من إمراته .. فإستسلمت كرها وهى متاففة
ثم إستيقظت مرتعبة .. حتى لا تكون الشياطين .. قد تتلاعبت بها .. وإستعاذت بالسماء .. من تلك الأحلام .. التى لا يحلم بها .. إلا العذراوات الصغيرات .. الطامحات فى عالم الرجال .. فهى أبعد كل البعد .. عن التفكير فى الرجال .. وأحاسيس النساء .. فلقد ترهبنت منذ صباها .. تتعبد لله .. ولم يمسسها رجل .. ولن يمسسها احدا ما .. حتى تقضى نحبها .. الذى أوشك ولاح
لكنها وجدت آثار الرجل .. على ملابسها الرثة .. عطرا فواحا .. يذكى الأنوف .. ويتهادى عبيره .. عبر عشرات الفراسخ .. ففزعت كل الفزع .. وناحت .. وناح معها الطير .. والوحش والجبال .. أيكون أحد السفهاء .. قد نال منها .. وهى نائمة ..
لكن السماء أجابتها .. فأمطرت غيثا مباركا .. وأتاها الخبر اليقين .. فلقد تكلمت أرض التقديس .. فى وقت الفجر .. فجر الإصلاح .. بصوت جهورى دافىء .. وقالت لها .. فى طمأنينة
أيا عجوز القوم الضالين .. أيا حكيمة الزمان .. وأخر من يوحد بالله .. فى سفوح الجبال التسع .. لقد حملت من أرض التقديس المهملة .. وواقعك رجل تجسدت فيه الأرض المقدسة .. وابشراه .. وابشراه .. ستحملين برضيع مبارك .. سينطق بالدعوة للتوحيد بالله .. ويهز عرش الشر .. المتمثل فى رجال .. قرية الكفر والإلحاد .. لكن واأسفاه .. سيهزم الكفر والإلحاد دعوته مبكرا .. وسيقتل فى المهد .. فهو ليس نبيا .. ولا قديسا .. هو فحسب رضيع صالح .. لكنه ناقوس خطر .. من علياء السماوات .. بعدها ستباد القرية .. وسيفنى معها نظام الكفر والالحاد .. يوم تنعق الغربان .. تسود الحمائم بعدها .. ويعم الخير
وفجعت العجوز بما سمعت .. أتكذب أذنيها .. إن الأرض تتكلم .. وبعد ليالى من تقريظ النفس .. وعدم تصديق البشرى .. إستسلمت للأمر الواقع .. إنها حبلى .. وقد تعدت نيف وعشرين عاما بعد المائة .. فعادت لكوخها ولزمته
وبعد سبع شهور أنجبته .. فلقد كانت ولادته متعسرة .. ولم تنجبه قيصريا .. فهى ليست بتول .. ولا عذراء ولا قديسة .. هى مجرد عجوز صالحة .. لقد انجبته كما تلد العذراء .. وليدها لأول مرة .. ولم تصبح العجوز عذراء .. بعد الولادة ..
وحاولت إخفاء أمره .. عن القوم الضالين .. حتى لا يقتلوه .. كغريزة أمومة فطرية .. لكن صوت بكاءه تعالى .. لفت إنتباه بصاصى القوم الكافرين .. الذين كانوا يعدون عليها أنفاسها .. خشية الجهر بالدعوة لله
وكان الرضيع .. يتحدث فى المهد .. كآية سماوية .. ينطق بما عجزت .. بصائر القوم الضالين .. من رؤية .. إرهاصات الدعوة الإلهية .. لنثر الخير .. وإعلان الإيمان .. والتوحيد بالله .. دعوة إلهية .. تنبههم إلى ما إنتهوا إليه .. من شر وفسق وسوء
وفى ليلته الأولى .. بعد المخاض .. إلتف حوله عظماء القوم .. وقد إرتعدت فرائصهم .. حدق فيهم الرضيع غاضبا .. ثم تفوه قائلا .. وقد شملته الرحمة الإلهية
أيا قومى .. الويل والثبور .. وعظائم الامور
فصار توجسهم جبالا .. جار عليها الزمن .. فإهتزت معاملاتهم المالية .. وفشا الكساد .. وإرتبك العامة .. وترنحت عقيدة الكفر والإلحاد .. توقفت الحياة .. عسى أن يجد جديد .. وتستقر كفة الميزان .. إما نحو عقيدة كبار القوم الكافرة .. أو دعوة الرضيع السماوية
وفى ليلته الثانية .. تجهم وجه الرضيع .. فأنصت له كبراء القوم .. فى توجس ورعب وهلع .. ثم تفوه الرضيع فى المهد ثانية .. وقال فى إستشراف للمستقبل
إحذروا .. إن لم تثوبوا إلى الله .. وقت القيلولة سوف تهتز الأرض .. إنثروا الخير .. وإعبدوا الله .. بدلا من الأوثان
فهاج وماج القوم .. وتعالت ألسنة لهيب غضبهم .. ثم تفوه رموز الكفر والإلحاد .. وقالوا فى هلع .. ممتزج بالريبة .. والإدعاء الكاذب .. وخلط الحقائق
شيطان تقمص جسده الغض .. ويتحدث بلسانه .. لابد أن الشياطين أنجبته .. من العجوز الغانية المدعية .. التى تصادق المردة والجان .. فى أرض الشيطان .. المسماه بالتقديس
وفى الليلة الثالثة .. صار القمر محاقا .. فتجمع الملاء بالألوف .. حول فراش الرضيع .. المصنوع من القش .. وسط بكاء أمه العجوز .. المستسلمة لقضاء الله
نظر الرضيع إليهم فى شفقة .. ثم حرك شفتيه .. وقال ناظرا إلى السماء
كفوا عن إقتراف المحرمات .. إهرعوا إلى دور العبادة .. بارحوا الوثن وعبادته .. ثوبوا إلى الله ثوبة نصوحة
وهنا إستشاط القوم غضبا .. لقد مس الرضيع صلب الأمر .. وألقاها لهم واضحة جلية .. فنذير النهاية قادم لا محالة .. لقد نزع غطاء كفرهم .. إنهم يستعبدون البشر .. من أدنى منهم .. وتستعبدهم المادة .. تمتطيهم الخطيئة والإلحاد بالله
فصارت بلدتهم .. أم السوء والكافرات .. فى تواريخ البشر .. ونبس الرضيع بآية من آيات السماء .. معلنا بداية النهاية .. لمنظومتهم الدينية والسياسية .. فساد الهرج والمرج بين العامة .. وكثر اللغط .. وعلا صخب الجدال .. وبدئت منظومة الكفر تهتز
بعدها رعد القوم .. فى ثورة المجانين .. إن أعمالهم الفاسقة .. وأموالهم وتجاراتهم المحرمة .. مهددة .. بل إن ديانتهم الوثنية .. سوف تبيد .. وسيفقدون السيطرة .. على العامة الدهماء .. فإستلوا أسلحة كفرهم .. وطفقوا مدعين عليه .. العمالة للشيطان .. الذى هو نديمهم .. وهو براء منه .. براءة الحمل من دم الذئب
قال القوم .. وقد شعروا بالخطر الشديد .. على عالمهم .. وضلالهم ومنظومتهم وهيلمانهم
الرجيم الرجيم .. الملعون الملعون .. لقد تلبسه الشيطان فى ليلة غبراء .. ماذا نفعل معه .. لقد أثار علينا الغوغاء .. وعلا صوت التذمر .. إننا مهددون .. كياننا بأكمله سينهار
وتشبث الرضيع بكلماته .. ولم يحيد عنها .. وصمتت أمه كجبال الصبر .. تلك العجوز العمياء .. حكيمة القوم وناصحتهم .. وبعد أن حاروا فى أمره كيف يسكتون دعوته .. طفقوا ذاهبين .. إلى كاهن البلدة .. ( أباطيل المعوج ) .. رجل السحر الأسود .. من عرك علوم السيمياء .. رأس الشر والفساد
فأفتى بالخلاص منه .. عن طريق الإبرة الذهبية المقدسة .. التى هى سلاحهم القاسى .. ضد كل من يتجرأ على عقيدتهم .. الكفر والإلحاد .. ويهدد مصالحهم .. وسيطرتهم وإستبدادهم
ثم فى الليلة التالية .. غدا القمر بدرا .. فعقدوا العزم .. وأتوا بالإبرة الذهبية .. أسوأ عقاب عند مقدساتهم الوثنية .. وغمدوها فى رأسه حتى الموت .. فى حفل وثنى مهيب .. وقد صخب سفهائهم وهللوا .. فبكى الحيوان والوحش والطير .. إن الرضيع المبارك يحتضر
وصمتت أمه .. العجوز الحكيمة .. لا تلوى على شىء .. بعد أن سالت دمعة كسيرة .. على وجهها المتغضن .. الذى أنهكته .. سنين الكفر والإلحاد .. وظلت شاخصة بوجهها الى السماء
وبعد ثلاث ليالى من الإحتضار .. نظر الرضيع للسماء .. وقال ناظرا إلى بارئه .. حزينا على قومه .. يلفظ أنفاسه الأخيرة
الوداع يا بلدة الخطأ يا مساكين .. إنى لأرثى لكم .. سيكون غضب السماء عليكم شديدا
وبعدها تنفس القوم الضالين الصعداء .. ظانين بأن الأمر إنتهى .. لكن .. بدأت الأرض فى الإهتزاز العنيف .. وقت القيلولة .. كما بشر الرضيع .. وبدأ يتهاوى كل شىء .. مبانيهم المشيدة .. معابدهم .. رمز كفرهم وإلحادهم .. نظامهم السياسى .. لقد غضبت السماء غضبتها
فهلع كل سكان البلدة .. صارخين فزعين .. وهرعوا إلى .. دور العبادة الخاوية المغلقة .. الخاصة بالتوحيد بالله .. التى حرمتهم عليها .. عبادة الأوثان .. كانوا صاغرين نادمين .. وهم ينوحون ويقولون .. فى ثوبة متاخرة
أيا رضيعنا المبارك .. أيا آية السماء المفقودة .. ثبنا إلى الله .. يا إله الرضيع .. يا رب السماوات .. غفرانك .. غفرانك
فوجدوا دور العبادة .. قد أوصدت فى وجوههم .. وبدأ كل شىء فى الإنهيار .. دون دور العبادة .. وسوت السماء البلدة بالأرض .. جعلت سافلها عاليها .. وعاليها سافلها .. فشملت الحسرة القوم الضالين .. وبادوا على آخرهم
وتحسروا على إرهاصات الرضيع .. الذى أضحى فى جوار ربه .. ينعى أطلال مدينة الكفر .. التى سوتها السماء بالأرض .. ليحل مكانها .. الخير والجمال والإيمان بالله .. وذكرى الرضيع .. الآية السماوية .. التى لم يدركها .. سفهاء وكفار القوم الضالين .. إلا بعد فوات الاوان
بعد ذلك .. بعشرات السنين .. عمرت ما بين الجبال التسع .. من جديد .. بمدن التوحيد والإيمان .. ونثرت السماء قوما صالحين .. يعبدون الله .. ويحقق سادتهم العدل .. وحلق الخير والجمال والحمائم .. فى سمائها المباركة .. ولم ينسى أحدا ما .. ذكرى الرضيع .. الذى كان حلقة كونية .. من حلقات .. شروق شموس الإيمان .. على أرض البسيطة
أحمد إبراهيم الدسوقى
الغنى فيها يطحن الفقير .. فى المعاملات المحرمة .. والعفة تختلط بغبار الحانات .. وأماكن اللهو .. والبيوت المحرمة .. التى رخص لها .. كدخل قومى للبلدة .. والسكر والعربدة .. رداء لكل السكان .. إلا من صلح منهم .. وتعرى طهرا ونقاء .. فى السر .. بسبب الرقابة الصارمة .. على المؤمنين
وفى أحد الأكواخ .. المهملة المهجورة .. كان ثمة رضيع فى المهد .. أمه عجوز عمياء .. حكيمة القوم والزمان .. التى زجرها الجميع .. بسبب إيمانها بالله .. وتركت لتلاقى .. أهوال الفقر والهوان .. والإزدراء والإحتقار والدونية .. والسخرية وتطاول السفهاء .. والرقابة الصارمة .. من بصاصى القوم
فالشيخوخة غدت تزحف .. على أفكارها ومعتقداتها .. حتى كادت تذوى وتفنى .. وكانت قد أنجبت الرضيع .. فى سنوات شيخوختها المتقدمة .. من من أرض التقديس .. التى كانت مهد المصلحين .. وأصحاب دعاوى التوحيد لله .. والتى حرم كبار القوم .. على الجميع وطئها .. بدعوى أنها أرض الشياطين
ففى ليلة مباركة .. ذهبت لتتعبد .. فى تلك الأرض المقدسة .. كسابق عهدها .. سرا ليلا .. فما كان منها .. فى أواخر الليل .. إلا وقد أصابها النعاس .. من فرط الشيخوخة .. فغفت قليلا .. فشاهدت رؤيا مباركة.. أن أرض التقديس .. أخذت تخاطبها .. وقد تحولت إلى رجل حكيم .. فتى عملاق .. يضج بالرجولة .. وأخذ منها .. ما يأخذ الرجل من إمراته .. فإستسلمت كرها وهى متاففة
ثم إستيقظت مرتعبة .. حتى لا تكون الشياطين .. قد تتلاعبت بها .. وإستعاذت بالسماء .. من تلك الأحلام .. التى لا يحلم بها .. إلا العذراوات الصغيرات .. الطامحات فى عالم الرجال .. فهى أبعد كل البعد .. عن التفكير فى الرجال .. وأحاسيس النساء .. فلقد ترهبنت منذ صباها .. تتعبد لله .. ولم يمسسها رجل .. ولن يمسسها احدا ما .. حتى تقضى نحبها .. الذى أوشك ولاح
لكنها وجدت آثار الرجل .. على ملابسها الرثة .. عطرا فواحا .. يذكى الأنوف .. ويتهادى عبيره .. عبر عشرات الفراسخ .. ففزعت كل الفزع .. وناحت .. وناح معها الطير .. والوحش والجبال .. أيكون أحد السفهاء .. قد نال منها .. وهى نائمة ..
لكن السماء أجابتها .. فأمطرت غيثا مباركا .. وأتاها الخبر اليقين .. فلقد تكلمت أرض التقديس .. فى وقت الفجر .. فجر الإصلاح .. بصوت جهورى دافىء .. وقالت لها .. فى طمأنينة
أيا عجوز القوم الضالين .. أيا حكيمة الزمان .. وأخر من يوحد بالله .. فى سفوح الجبال التسع .. لقد حملت من أرض التقديس المهملة .. وواقعك رجل تجسدت فيه الأرض المقدسة .. وابشراه .. وابشراه .. ستحملين برضيع مبارك .. سينطق بالدعوة للتوحيد بالله .. ويهز عرش الشر .. المتمثل فى رجال .. قرية الكفر والإلحاد .. لكن واأسفاه .. سيهزم الكفر والإلحاد دعوته مبكرا .. وسيقتل فى المهد .. فهو ليس نبيا .. ولا قديسا .. هو فحسب رضيع صالح .. لكنه ناقوس خطر .. من علياء السماوات .. بعدها ستباد القرية .. وسيفنى معها نظام الكفر والالحاد .. يوم تنعق الغربان .. تسود الحمائم بعدها .. ويعم الخير
وفجعت العجوز بما سمعت .. أتكذب أذنيها .. إن الأرض تتكلم .. وبعد ليالى من تقريظ النفس .. وعدم تصديق البشرى .. إستسلمت للأمر الواقع .. إنها حبلى .. وقد تعدت نيف وعشرين عاما بعد المائة .. فعادت لكوخها ولزمته
وبعد سبع شهور أنجبته .. فلقد كانت ولادته متعسرة .. ولم تنجبه قيصريا .. فهى ليست بتول .. ولا عذراء ولا قديسة .. هى مجرد عجوز صالحة .. لقد انجبته كما تلد العذراء .. وليدها لأول مرة .. ولم تصبح العجوز عذراء .. بعد الولادة ..
وحاولت إخفاء أمره .. عن القوم الضالين .. حتى لا يقتلوه .. كغريزة أمومة فطرية .. لكن صوت بكاءه تعالى .. لفت إنتباه بصاصى القوم الكافرين .. الذين كانوا يعدون عليها أنفاسها .. خشية الجهر بالدعوة لله
وكان الرضيع .. يتحدث فى المهد .. كآية سماوية .. ينطق بما عجزت .. بصائر القوم الضالين .. من رؤية .. إرهاصات الدعوة الإلهية .. لنثر الخير .. وإعلان الإيمان .. والتوحيد بالله .. دعوة إلهية .. تنبههم إلى ما إنتهوا إليه .. من شر وفسق وسوء
وفى ليلته الأولى .. بعد المخاض .. إلتف حوله عظماء القوم .. وقد إرتعدت فرائصهم .. حدق فيهم الرضيع غاضبا .. ثم تفوه قائلا .. وقد شملته الرحمة الإلهية
أيا قومى .. الويل والثبور .. وعظائم الامور
فصار توجسهم جبالا .. جار عليها الزمن .. فإهتزت معاملاتهم المالية .. وفشا الكساد .. وإرتبك العامة .. وترنحت عقيدة الكفر والإلحاد .. توقفت الحياة .. عسى أن يجد جديد .. وتستقر كفة الميزان .. إما نحو عقيدة كبار القوم الكافرة .. أو دعوة الرضيع السماوية
وفى ليلته الثانية .. تجهم وجه الرضيع .. فأنصت له كبراء القوم .. فى توجس ورعب وهلع .. ثم تفوه الرضيع فى المهد ثانية .. وقال فى إستشراف للمستقبل
إحذروا .. إن لم تثوبوا إلى الله .. وقت القيلولة سوف تهتز الأرض .. إنثروا الخير .. وإعبدوا الله .. بدلا من الأوثان
فهاج وماج القوم .. وتعالت ألسنة لهيب غضبهم .. ثم تفوه رموز الكفر والإلحاد .. وقالوا فى هلع .. ممتزج بالريبة .. والإدعاء الكاذب .. وخلط الحقائق
شيطان تقمص جسده الغض .. ويتحدث بلسانه .. لابد أن الشياطين أنجبته .. من العجوز الغانية المدعية .. التى تصادق المردة والجان .. فى أرض الشيطان .. المسماه بالتقديس
وفى الليلة الثالثة .. صار القمر محاقا .. فتجمع الملاء بالألوف .. حول فراش الرضيع .. المصنوع من القش .. وسط بكاء أمه العجوز .. المستسلمة لقضاء الله
نظر الرضيع إليهم فى شفقة .. ثم حرك شفتيه .. وقال ناظرا إلى السماء
كفوا عن إقتراف المحرمات .. إهرعوا إلى دور العبادة .. بارحوا الوثن وعبادته .. ثوبوا إلى الله ثوبة نصوحة
وهنا إستشاط القوم غضبا .. لقد مس الرضيع صلب الأمر .. وألقاها لهم واضحة جلية .. فنذير النهاية قادم لا محالة .. لقد نزع غطاء كفرهم .. إنهم يستعبدون البشر .. من أدنى منهم .. وتستعبدهم المادة .. تمتطيهم الخطيئة والإلحاد بالله
فصارت بلدتهم .. أم السوء والكافرات .. فى تواريخ البشر .. ونبس الرضيع بآية من آيات السماء .. معلنا بداية النهاية .. لمنظومتهم الدينية والسياسية .. فساد الهرج والمرج بين العامة .. وكثر اللغط .. وعلا صخب الجدال .. وبدئت منظومة الكفر تهتز
بعدها رعد القوم .. فى ثورة المجانين .. إن أعمالهم الفاسقة .. وأموالهم وتجاراتهم المحرمة .. مهددة .. بل إن ديانتهم الوثنية .. سوف تبيد .. وسيفقدون السيطرة .. على العامة الدهماء .. فإستلوا أسلحة كفرهم .. وطفقوا مدعين عليه .. العمالة للشيطان .. الذى هو نديمهم .. وهو براء منه .. براءة الحمل من دم الذئب
قال القوم .. وقد شعروا بالخطر الشديد .. على عالمهم .. وضلالهم ومنظومتهم وهيلمانهم
الرجيم الرجيم .. الملعون الملعون .. لقد تلبسه الشيطان فى ليلة غبراء .. ماذا نفعل معه .. لقد أثار علينا الغوغاء .. وعلا صوت التذمر .. إننا مهددون .. كياننا بأكمله سينهار
وتشبث الرضيع بكلماته .. ولم يحيد عنها .. وصمتت أمه كجبال الصبر .. تلك العجوز العمياء .. حكيمة القوم وناصحتهم .. وبعد أن حاروا فى أمره كيف يسكتون دعوته .. طفقوا ذاهبين .. إلى كاهن البلدة .. ( أباطيل المعوج ) .. رجل السحر الأسود .. من عرك علوم السيمياء .. رأس الشر والفساد
فأفتى بالخلاص منه .. عن طريق الإبرة الذهبية المقدسة .. التى هى سلاحهم القاسى .. ضد كل من يتجرأ على عقيدتهم .. الكفر والإلحاد .. ويهدد مصالحهم .. وسيطرتهم وإستبدادهم
ثم فى الليلة التالية .. غدا القمر بدرا .. فعقدوا العزم .. وأتوا بالإبرة الذهبية .. أسوأ عقاب عند مقدساتهم الوثنية .. وغمدوها فى رأسه حتى الموت .. فى حفل وثنى مهيب .. وقد صخب سفهائهم وهللوا .. فبكى الحيوان والوحش والطير .. إن الرضيع المبارك يحتضر
وصمتت أمه .. العجوز الحكيمة .. لا تلوى على شىء .. بعد أن سالت دمعة كسيرة .. على وجهها المتغضن .. الذى أنهكته .. سنين الكفر والإلحاد .. وظلت شاخصة بوجهها الى السماء
وبعد ثلاث ليالى من الإحتضار .. نظر الرضيع للسماء .. وقال ناظرا إلى بارئه .. حزينا على قومه .. يلفظ أنفاسه الأخيرة
الوداع يا بلدة الخطأ يا مساكين .. إنى لأرثى لكم .. سيكون غضب السماء عليكم شديدا
وبعدها تنفس القوم الضالين الصعداء .. ظانين بأن الأمر إنتهى .. لكن .. بدأت الأرض فى الإهتزاز العنيف .. وقت القيلولة .. كما بشر الرضيع .. وبدأ يتهاوى كل شىء .. مبانيهم المشيدة .. معابدهم .. رمز كفرهم وإلحادهم .. نظامهم السياسى .. لقد غضبت السماء غضبتها
فهلع كل سكان البلدة .. صارخين فزعين .. وهرعوا إلى .. دور العبادة الخاوية المغلقة .. الخاصة بالتوحيد بالله .. التى حرمتهم عليها .. عبادة الأوثان .. كانوا صاغرين نادمين .. وهم ينوحون ويقولون .. فى ثوبة متاخرة
أيا رضيعنا المبارك .. أيا آية السماء المفقودة .. ثبنا إلى الله .. يا إله الرضيع .. يا رب السماوات .. غفرانك .. غفرانك
فوجدوا دور العبادة .. قد أوصدت فى وجوههم .. وبدأ كل شىء فى الإنهيار .. دون دور العبادة .. وسوت السماء البلدة بالأرض .. جعلت سافلها عاليها .. وعاليها سافلها .. فشملت الحسرة القوم الضالين .. وبادوا على آخرهم
وتحسروا على إرهاصات الرضيع .. الذى أضحى فى جوار ربه .. ينعى أطلال مدينة الكفر .. التى سوتها السماء بالأرض .. ليحل مكانها .. الخير والجمال والإيمان بالله .. وذكرى الرضيع .. الآية السماوية .. التى لم يدركها .. سفهاء وكفار القوم الضالين .. إلا بعد فوات الاوان
بعد ذلك .. بعشرات السنين .. عمرت ما بين الجبال التسع .. من جديد .. بمدن التوحيد والإيمان .. ونثرت السماء قوما صالحين .. يعبدون الله .. ويحقق سادتهم العدل .. وحلق الخير والجمال والحمائم .. فى سمائها المباركة .. ولم ينسى أحدا ما .. ذكرى الرضيع .. الذى كان حلقة كونية .. من حلقات .. شروق شموس الإيمان .. على أرض البسيطة
أحمد إبراهيم الدسوقى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق