اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

كان يفاضل بين المناعى ــ قصة قصيرة || محمد أبوالدهب ـ مصر

ما إن فَرَد طوله حتى ارتدّ ساقطاً. تسمّر مصدوماً، فاهماً -رغم ذلك- أن الدوخة المفاجئة ليست برهاناً على مرضٍ خطير. استبق الأمور فتخيّل الحال التى يكون عليها عزاؤه. مَن سيتدبّر لأجله سرادق عزاء؟ زوجته، ضعيفة البصر، قليلة الحِيلة، التى لا تعرف السما من العمى، أم أبناؤه الذين لم يزوروا الدنيا، برغم زيجاتٍ ثلاث. لا أمل فى الجيران. لم يعاصر أحداً تكفّل بمأتمٍ -من
بابه- لجارٍ ميّت، ثم إن علاقته بهم محدودة، محايدة، على الرغم من -أو ربما بسبب- أنه لم يغِبْ أبداً عن مناسباتهم الحزينة. مسّه اكتئابٌ عابر لما أحسّ انعدام الفرصة، خاصة أن آلافاً من الذين عزّاهم فى وفاة أحبّائهم، طوال ثلاثين عاما، لابد سيرغبون فى مجاملته، عند وفاته!

كان مُصرّاً على عدم تفويت عزاء الليلة. فكّر بأنه قد يكون الأخير. طرد الوسواس، وغالب الخشونة المتنامية بركبتيْه منذ أكثر من عام، متجاهلاً الحَجَر الثقيل -الجديد عليه- الذى يطرق الآن جدار صدره، وأقام صُلبه مرة أخرى، وكان قد أتمّ ارتداء ملابسه قبل سقوطه المباغت. خطر له أنه ضرب رقماً قياسياً فى التواجد بمآتم الآخرين، بلا شُبهة رياء أو مجاملة، وأنه يستحق تكريماً من نوعٍ خاص -لم يفكّر فى مسألة التكريم من قبل- إنهم يكرّمون من يشرب أكبر كمّية من الخمر، ومن يأكل أضخم قطعة بيتزا!

لم يجد تفسيراً ملائماً لانجذابه الذى لم يتزعزع، يوماً، على مرّ السنين، إلى تجمّعات الحزانى: هل يحب أنباء الموتى، بدافع الفضول المتعاطف أو حتى المتشفّى، مثلما يدمن البعض قراءة صفحة الحوادث، أَم ليزداد اطمئناناً إلى دناوة الصراع، وفراغ العِيشة اللذيْن لا يستحقان وجع القلب والدماغ؟ ومَنْ أجدر منه ليطمئن، هو الفاشل فى جمع المال، ومعرفة الناس، وترويض الزوجات، وحتى فى إنجاب العيال!

بلا روح، وبلا أدنى طمع فى إجابة، سألته الزوجة، التى ضربت، هى الأخرى، رقماً قياسياً فى الانتظار: رايح تعزّى؟.. تنحنح كمن لا يرى ضرورة لاستنزاف الكلمات.
*
المكان، هذه المرّة، يبعد قرابة العشرين كيلو متراً. سيحتاج إلى ساعةٍ من التنقّل بين ثلاث سيّارات أجرة. لم يعد يراعى التوزيع الجغرافى. صار يفضّل العزاءات البعيدة التى يرجّح ألا يقابل بها أحداً يعرفه، بغض النظر عن صعوبة المواصلات أحياناً، وخشونة المفاصل مؤخراً، وهياج صدره حالياً. الخبثاء مُتاحون دائما: بَلَغتْه نميمة بعضهم أنه يعزّى ليتمسّح فى أصحاب المناصب، ويصافح المشاهير، وربما ليأكل!.. فيتعجّب، ويضحك من اغترارهم البائس بدنياهم.

تنوّعت مصادره فى معرفة حالات الوفاة، بعضها يعتمد على المصادفات. ليس صعباً أن يسمع بموت فلان، وموعد عزائه، وعنوان دار المناسبات: نداءات المساجد فى منطقة سكنه، ومحلّ عمله.. ثرثرة الرائحين فى المواصلات والشوارع. استقر، فى النهاية، على صفحة الوفيات فى جريدة الأهرام، التى لم تزل تحافظ على أرستقراطيتها القديمة على خلاف الصحف الأخرى. يطالع النعى بدقّة، يتحقّق أن المرحوم لا تربطه قرابة من أى درجة، ولا مصاهرة، بأحدٍ من الناحية. يفاضل بين المناعى: لا بأس دائما بأقرب البعيدين. وإذا كان الراحل موظفاً سابقاً بالأزهر أو الأوقاف، فلَهُ الأولوية، سيعفيه ذلك من الاستغراق فى توهّم موقف المغفور له، فى قبره، وعما إذا كان مشويّاً -الآن، وعزاؤه منصوب- فى تابوتٍ من نار، أو متروكاً -لوحده- مع الثعبان الأقرع، على افتراض أن الأزهرى أو بتاع الأوقاف -أقلّه- مواظب على الصلاة، ويتقرب إلى الله بقدر ما تسمح به أشغاله، وإلا فقُلْ على الخير السلام "يؤجّل -عادةً- مسألة التوهّم إلى ما بعد عودته للبيت ليُحسن ختام الليلة!"

عندئذ يتفرّغ لأهل الميت:

عندما يقارب الصوان، ماشياً، يتناهى إليه صوت المقرىء -يكون، على الأغلب، فى كامل لياقته- مُعذِّباً كوخزات إبرة، ثم رويداً كطعنات سكّين، فيلفّه خشوع لا افتعال فيه، ويخنقه الرعب من فكرة أن تؤخذ الحياة غصباً ممن لم يشبع منها، وأن يُدَسّ الواحد فى حفرة ويُردَم عليه، علامةً على الاكتفاء منه. يلاقى أهل الميت - الواقفين، متكاتفين فى جدّية، كفريق كرةٍ مقبل على مباراة مصيريّة، موجوعين، وفى أبهى زينة! - متأثّراً. يصافحهم ويعزّيهم، بوقار وخبرة، ثم يتخيّر موضع جلوسه، يحرص دائما على أن يكون موازياً لهم، فى الجهة الأخرى، ليراقبهم بتمعّنٍ غير لافت للنظر، وحتى لو أرشده واحد من كذّابى الزفّة، إيّاهم، المتوفّرين فى كل عزاء، إلى مقعد آخر، فإنه لا يرى ولا يسمع!.. لديه القدرة -أو هكذا يحسب- على فرزهم، بواطن وظواهر: البدين يصطنع الحزن، يدارى فرحته بمستقبلٍ، يتعشّمه أفضل.. الواقف آخر الصفّ مُجامل -قد يكون زوج بنت واحدٍ من أقارب المتوفّى- يعانق الوافدين بملامح موشكة على البكاء، ربما لم يتناول طعاماً منذ الصباح، مع أنه لابد ألحّ على الآخرين أن يأكلوا.. الضخم طولاً وعرضاً، المتلفّع بعباءة سعوديّة غالية على البدلة الغامقة اللامعة، ممتنٌّ لموت الفقيد لسبب غامض غير متعلّق بالأمور الماليّة.. القصير الوسيم الشاب كان أحبّهم، على الإطلاق، إلى قلب الفقيد.. الأصلع النحيل الذى لم يتعب من التلويح للقاعدين مردّداً (شكر الله سعيكم) مُسَيَّرٌ لا مُخَيَّر.. هؤلاء سيتقاتلون على الميراث من بعد انفضاض العزاء وحتى مطلع الفجر، دون حسم.

كل ليلة، تغمره شفقة جارحة عليهم، جميعا، أشرارهم كأخيارهم، ليس لأنهم مصابون فى العزيز الراحل، إنما لأنهم سيموتون مثله، عمّا قريب. ألا يجدر بكل حاضر أن يندب حظّه فى ساعة كتلك؟.. كان مقتنعاً أن المتعوس، الذى يموت فى بيته حىّ، لن ينشغل بعدها إلا بموته، هو، نفسه. لهذا عرف -تمام المعرفة- أن التحديق فى وجوه أهل الميت، وقت انتصابهم لأخذ العزاء، أكثر تشويقاً من كل حوادث الدنيا.

"الحاج إللى عايز العزا"

هتف سائق الميكروباص كما لو أنه يحذّره من الذهاب. نزل متعباً بطيئاً. آلام صدره تضطرم. تردد فى أن يرتاح قليلاً على الرصيف. وصلته لعلعة المقرىء، بصدى صوت مُزَلزِلٍ، ملتاع، عبر السمّاعات، فقال إنه، حتماً، سيستريح هناك. كلما اقترب، غشيته الأضواء القوية الكثيفة، التى حوّلت ليلَ الذين جاءتْهم مصيبةٌ نهاراً. مع كل خطوة يحسّ -مسروراً- أنه يلج، عميقاً، داخل دائرة من نور مُصفّى.. سرعان ما فقدها لما تخيل -ثانيةً- ليلة عزائه، غير المأمول بها. يمكنه التعاقد مع محل فِراشة مقدّماً. يجهز هو عزاءه بنفسه. انهزم مشروعه فى الحال إذ استرجع كونه سيّد الفاشلين: هل يضمن المعزّين إذا ضمن فِرقة الفِراشة؟..كاد يسقط وهو يأخذ بخاطر أهل الميت -طابورهم طويل، يالها من عائلة كبيرة مترابطة!- لولا أن أحدهم ساعده، ورافقه إلى أقرب مقعد. لم يكن موقعه الأثير. همّ بالقيام. لم يقدر، كأنه معتقل فى المقعد بأثقالٍ من حديد، وعيونهم تحاصره، تتساءل عمّن يكون هذا المجهول الوحيد المهدود. لم يبالِ، لأنها، تقريباً، عيون كلّ يوم. ألقى نظرة شاملة، وأخيرة، على الصوان. شاهد -بالضبط- عزاءه الذى طالما أراد.

محمد ابراهيم فرج أبوالدهب 
مصر – القليوبية – بنها – ورورة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعريف بالكاتب :
صدر له :
  • أوراق صفراء ، قصص ، جمعية المواهب 1997 
  • آخر الموتى ، قصص ، هيئة قصور الثقافة 1999 
  • نصف لحية كثيفة ، قصص ، طبعة خاصة 2001 
  • نزهة فى المقبرة ، قصص ، دار الناشر 2008 
  • البر الآخر ، قصص ، هيئة قصور الثقافة 2009 
  • نصوص الأشباح ، قصص ، دار الناشر 2011 
  • يليق بسكران ، متتالية قصصية ، دار الناشر 2012 



 mohameddahab1174@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...