اليوم كان قراري المفاجئ , ان اكون بقربه , أن استمع اليه , ارتوي من سنين العمر التي ارتسمت على جبينه , و خط الزمن الذي رسم على يديه أوردة زرقاء قاحلة , ظهرت امام عيوني و انا أصافحه.
كان يجلس على ذات المعقد الخشبي القديم , متكئا على جدار في الحي القديم , جلست بقربه , حاولت أن أستمع إليه ... كان يقلب قصاصات من الصحف القديمة بين يديه , مبتسما , وجوه تكررت في صفحات الصحف القديمة , منذ تاريخ جلوسه على هذا المقعد الخشبي , مّد يده باتجاهي لأقرأ بعضا منها .
لم أحاول أن أستفسر أكثر , دهشتي كانت أكبر و انا أرى دمعة تسقط تلو الأخرى على كفيه و هو يحضن وجهه يحاول أن يخفيها عني , أشار بإصبعه على الطرف المقابل , القصر المشيّد في أعلى الجبل .
حتى هذه اللحظة , لم أكن على يقين ماذا تعني كلمة على الطرف المقابل , كلمات نرددها , نعني بها ما نعني , لكن ان تكون على الطرف المقابل للحياة شيء مختلف , شيء جديد , ربما كانت أسهل لو انني عرفت ان الطرف المقابل هو الموت .. ربما سيكون استيعابي لها اكثر من ان الطرف المقابل هو الحياة لعمر قضى و مرّ و انتهى منذ سنوات و هو ينتظر على نفس المقعد .
الغروب يأتي ببطء , مثل حال هذا الرجل , ينتظر منذ سنوات خلت ومضت , أخفت الشمس خدودها في كنف السماء , هّم بالوقوف , بيده عكّاز أبيض حاول ان يستند عليه , كانت المرة الاولى التي ارى بها عكازا أبيض , سمعت كثيرا عنها من قبل , لكنها كان هذا اليوم المرة الاولى في حياتي أراه بقرب .
كان يقبضه بقوة شديدة , يثّبت قاعدته على الأرض بشدّة , يحاول النهوض من انتظار سنوات , لكن ازيزا اثار سمعي , جعلني انحني إلى الارض إلى منتصف عكازه الابيض, أنظر بحذر , بحزن , بثورة ايقظت روحي من سبات الحب و الابوة الشاردة في سنين العمر و في طي النسيان , ايقنت ان الطريق التي نسير بها قد تخذلنا في منتصف العمر , او حتى في نهايته.
نظرت إلى منتصف العكاز الابيض , كان يتمزق , حواف حادة تظهر , أصبحت عكازا هشة لا تسند صاحبها , لا تعينه في مسيره , نهضت من جديد , انظر إلى عينيه التي كاد بريق دمعته ان يخطفني من عمري حتى أنا .
الشارع الخالي , امتلئ بالعابرين , مددت يدي إليه , حتى أعينه , قبل أن يعطيني يده إرتدى معطف الفراء فوق لباسه الرث , وقبل أن يحكم إغلاقه حول جسده النحيل , أخرج من جيبه شاشة بيضاء كبيرة , وضعها في منتصف صدره , اثار دماء لم تجف ...
القاصة و الروائية
فداء الحديدي
الاردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق