لوحة سريالية ناطقة ، مزجت لون الحزن بلون الفرح ، فكانت سنبلة الغد الملاذ المعطر المنسوج بالأمل والتمني لأرواح مثمرة منتظرة عودة الغائبين ....
سنابل الملح صوت شعري نابع من قلب وجداني يدقّ عالم الوجود ، لتتراءى نصوصه على موائد الثقافة دلالات وإيحاءات ورموزاً ليضفي عليها الشوق إلى تعرف معاني قصائدها ...
افتتح الشاعر ديوانه بقصيدة تحت عنوان ( أشباح الصقيع ) يهديها إلى غزة التي لم يُرهقها وجع الليل أو لفح الجليد رغم الحصار والجوع ، رغم
الدمار والقتل ، فتبقى غزة في عين الشاعر قنديل الفجر والورد الذي يكتب اسمها شامخاً ،
فأشار بتعبيره ( لو أن للحجارة جذوراً لاقتلعتها من أمام كل مارق) ، أيدل على القوة والتصميم ، ونلاحظ كثرة الأفعال المضارعة التي غلبت على النص لتدل على الحركة والحياة والاستمرار ( ألبستُها ، يهطلُ ، تفتشُ ، تسألها ، تنسجُ ، أمشي ، أعدُّ ، يهزُّ ، يخرج ) يقول :
أمشي فأقتلع الحجارة
من أمام المارقين
فلا حياة ، ولا ممات
وضعوا على بصري غبار
الراكضين
إلى الحتوف
وأنا أعدُّ كتائب الأطفال
مرّوا من أمامي
بالألوف
جسدٌ على جسد
على نتن ٍ
على أرتال أجداث
بقايا من حطام القتل
دانية القطوف
أراد الشاعر أن تكون هناك سنبلتان من بين كل السنابل ، هاتان السنبلتان ليستا إلا لون الحياة والعطاء والفرح جاءت تحت عنوان ( ليس كمثلها قمر ) ولون البراءة والطفولة ، لون الأعجوبة والنبض الذي يتدفق حباً ودفئاً جاءت تحت عنوان ( كاجين ) .
ففي قصيدته ( ليس كمثلها قمر ) يطلب الشاعر من ابنته ( لمى) أن تطير كالفراشة أن تحلق أن تكون نجمة تعلو أن ترسم الدنيا بصوتها الطفولي المشرق ، فالنص جميل والصور فيه واضحة ، فالقصيدة ينبوع من الحب المتدفق فيها صور أجنحة السنين وبستان أشرعة تسافر ، أفق الحكايا ، لغة السماء ، ولغة النص عذبة تنساب بعفوية بعضوية وبساطة يخلو من الانكسارات والصراع وظهور ضمير الغائب وضمير المخاطب مع بروز الغائية ( طيري ، كوني ) وطغيان العاطفة يقول :
فأقول : (( هيّا ))
يا (( لمى))
طيري فراشاً
في مسافات
ابتدائي
طيري على أفق الحكيا
وارسميني موجة خلف
المرايا الرّاكضات
إلى الوراء
كوني أمامي شعلة الميلاد
والشمع المعطر
بالبقاء
كوني قبيلة حالمين
بروعة الآتي
وكوني نجمة (( تعلو))
وتعلو ثم تركض
في فضائي
أما قصيدة ( كاجين) الوجع المقدس ، الشيء العجيب ، فنجد بناء نص داخلي نفسي ذهني ، يُدهش ويسأل ويتعجب من إكسير الحياة ( كاجين ) ، النص قدم حالة فاستعان بعناصر سردية والحدث المتنامي الذي نراه يتطور نحو التحول من خلال رمزية الأضواء وتحول عبرها إلى اسم يرمز إلى لون جديد خارج من عروق الفجر ، ليكون رمزاً للطهر والنقاء هي الطفولة التي تنبض بها الأرض عجباً في لغة السماء.
ثم تنتقل الحالة إلى رؤية تدل على حالة نفسية حزينة تستدعي التساؤل مروراً بصرخة مؤلمة معبرة عن الألم الداخلي ( بكاء النزف ، براكين ، تغلي دماء الوقت ، يصهل ) وصولاً إلى نداء الطفولة ذلك المخلوق الطاهر النقي ، فختام القصيدة جاءت ومضة خبرية متألقة نابعة من معاني المقدمة في حين أن النص الأول يتفاخر بحركة رشيقة ( يبدأ – يظلُّ – يدهش – يقسم ) ليستقر أخيراً ويستريح عند ذلك المخلوق العجيب فهو المحور وهو الختام ، فغلب عليه الطابع الإخباري وكثرت فيه الأفعال المضارعة .
وجاءت في نهاية النص لتدل على الحياة والتفاعل ( تصنع – تسكب – تُعدُّ – تغطي – ترعى ) يقول :
(( كاجين )) تصنع أضلعي وتراً
وتسكبُ في شراييني
دماء
وتعدُّ للمجهول ألعاباً
تغطي عتمة الآلام
ترعى في تخوم الأنبياء
في قصيدة ( كبرياء المدى) يكشف الشاعر مدى علاقته بوطنه ، علاقة وطيدة قوية تكشف عن قيمة إنسانية سامية .
لقد جاءت معاني القصيدة تتراوح بين المعاناة والتفاؤل من خلال تصويره بعض الصور التي جاءت في النص ذاكراً مظاهرها ونبرة التفاؤل التي أعقبها .
يجسد النص حالة الوطن الجريح فجاءت الكلمات دالة على الحزن والألم والمعاناة والتعبير فكان لها الحضور وقوة التأثير في نفس لمتلقي ، وعلى لغة انفعالية عمادها اشتراك الشاعر مع القصيدة في المعاناة ، مما يجعل المعاناة أوسع وزاد من جمال الصورة أن الفعل ( يرسم ) مبني على التتابع الانفعالي ، وتكرار الصيغة الفنية بصور معبرة لا على التفسير أو التقليل العقلي ، فالوطن يرسم على وجع الخريطة ، وأنا في ضفاف العمر أطهر بقعة ، فلم يقل مثلاً ليعلل أو يفسر : على ضفاف العمر سأظهر بقعة لأجل مغانيها .
هناك في النص لفظة تستدعي دهشة المتلقي ( أرضعتني صفحة ) ليقف عندها متأملاً متعمقاً ، جمال هذه الصورة كمحسنة بديعية بين مدى تعلق الشاعر بوطنه الحبيب يقول :
وطنٌ على وجع الخريطة يُرسم القلب ضاغ له القصائد والدّمُ
وطنٌ تفورُ على الرمال جراحهُ وتلوب عطشى في السماء الأنجم
أنا في ضفاف العمر أطهر بقعة ٍ ضحكت مغانيها ، وصاح البرعم
هذي جدائل أرضعتني صفحة من سفر أجدادي ، وإني مع مغرم
وطنٌ بعطر الكبرياء عجينة تتحطم الدنيا ولا يتحطم
لا بد لسفر ذات الشاعر أي روحه أن تبحث عن المعنى إنه فردوس الشاعر المسافر الذي لا ييأس من البحث عنه ، والمتعة هنا في أن يبقى فردوسه مفقوداً ، لتبقى المسافة حاضرة بين الشاعر والشعر مستمرة قائمة ، ومن هنا يوجه الشاعر خطاباً لذاته وليخرج من السياق العام إلى السياق الخاص دالاً على تجربته الشعرية وهذا ما نجده في قصيدته ( رسالة شاعر ) يقول فيها:
لو تقتفي أثري فلست تراني فأنا أعتق صورتي بدناني
سكت الصباح ، وكنت أحسب صوته طيراً يردد أجمل الألحان
عاقرت صمت الليل فاعتكف الدجى في مهجتي وأقام في وجداني
ثم تحضر تساؤلات الشاعر والحيرة ، أنه حال الشاعر في عصره ، إنه القلق الإنساني الذي يجعل أفكاره والرؤى الذاتية تتصارع ، ثم ينتقل من عتبة السؤال وما يحمله من انكسارات ليصل إلى عتبة الجواب التي تستشف من الواقع المرير فتشكل لدى المتلقي صورة جميلة معبرة أراد الشاعر أن ينقل من خلالها أحاسيسه ومشاعره وعواطفه ويظهر الغرض الذي ترمي إليه من وراء صوره الفنية .
يقول :
دمعٌ يجفُّ على مداد قصائدي فيثرنا السخط من بركاني
طوراً تقاذفه الظنون فينتشي بلهيب جرح ٍنازفٍ هتّان
فرّت خط الآمال من أرق السرى واستسلمت لمواكب الحرمان
أنا شاعر شدّت على أعصابه أوتار قلب غرائب الأكوان
وفي الختام ، نرى أن مهارات الشاعر الإبداعية كانت قادرة على احتواء المتلقي والـتأثير فيه من خلال تشخيص المعاني وإثارة الاستجابة الفنية بتحريك مخيلته وما يختزنه من أفكار ودلالات للكشف عن جماليات الصورة ومكوناتها .
رزان القرواني
سنابل الملح صوت شعري نابع من قلب وجداني يدقّ عالم الوجود ، لتتراءى نصوصه على موائد الثقافة دلالات وإيحاءات ورموزاً ليضفي عليها الشوق إلى تعرف معاني قصائدها ...
افتتح الشاعر ديوانه بقصيدة تحت عنوان ( أشباح الصقيع ) يهديها إلى غزة التي لم يُرهقها وجع الليل أو لفح الجليد رغم الحصار والجوع ، رغم
الدمار والقتل ، فتبقى غزة في عين الشاعر قنديل الفجر والورد الذي يكتب اسمها شامخاً ،
فأشار بتعبيره ( لو أن للحجارة جذوراً لاقتلعتها من أمام كل مارق) ، أيدل على القوة والتصميم ، ونلاحظ كثرة الأفعال المضارعة التي غلبت على النص لتدل على الحركة والحياة والاستمرار ( ألبستُها ، يهطلُ ، تفتشُ ، تسألها ، تنسجُ ، أمشي ، أعدُّ ، يهزُّ ، يخرج ) يقول :
أمشي فأقتلع الحجارة
من أمام المارقين
فلا حياة ، ولا ممات
وضعوا على بصري غبار
الراكضين
إلى الحتوف
وأنا أعدُّ كتائب الأطفال
مرّوا من أمامي
بالألوف
جسدٌ على جسد
على نتن ٍ
على أرتال أجداث
بقايا من حطام القتل
دانية القطوف
أراد الشاعر أن تكون هناك سنبلتان من بين كل السنابل ، هاتان السنبلتان ليستا إلا لون الحياة والعطاء والفرح جاءت تحت عنوان ( ليس كمثلها قمر ) ولون البراءة والطفولة ، لون الأعجوبة والنبض الذي يتدفق حباً ودفئاً جاءت تحت عنوان ( كاجين ) .
ففي قصيدته ( ليس كمثلها قمر ) يطلب الشاعر من ابنته ( لمى) أن تطير كالفراشة أن تحلق أن تكون نجمة تعلو أن ترسم الدنيا بصوتها الطفولي المشرق ، فالنص جميل والصور فيه واضحة ، فالقصيدة ينبوع من الحب المتدفق فيها صور أجنحة السنين وبستان أشرعة تسافر ، أفق الحكايا ، لغة السماء ، ولغة النص عذبة تنساب بعفوية بعضوية وبساطة يخلو من الانكسارات والصراع وظهور ضمير الغائب وضمير المخاطب مع بروز الغائية ( طيري ، كوني ) وطغيان العاطفة يقول :
فأقول : (( هيّا ))
يا (( لمى))
طيري فراشاً
في مسافات
ابتدائي
طيري على أفق الحكيا
وارسميني موجة خلف
المرايا الرّاكضات
إلى الوراء
كوني أمامي شعلة الميلاد
والشمع المعطر
بالبقاء
كوني قبيلة حالمين
بروعة الآتي
وكوني نجمة (( تعلو))
وتعلو ثم تركض
في فضائي
أما قصيدة ( كاجين) الوجع المقدس ، الشيء العجيب ، فنجد بناء نص داخلي نفسي ذهني ، يُدهش ويسأل ويتعجب من إكسير الحياة ( كاجين ) ، النص قدم حالة فاستعان بعناصر سردية والحدث المتنامي الذي نراه يتطور نحو التحول من خلال رمزية الأضواء وتحول عبرها إلى اسم يرمز إلى لون جديد خارج من عروق الفجر ، ليكون رمزاً للطهر والنقاء هي الطفولة التي تنبض بها الأرض عجباً في لغة السماء.
ثم تنتقل الحالة إلى رؤية تدل على حالة نفسية حزينة تستدعي التساؤل مروراً بصرخة مؤلمة معبرة عن الألم الداخلي ( بكاء النزف ، براكين ، تغلي دماء الوقت ، يصهل ) وصولاً إلى نداء الطفولة ذلك المخلوق الطاهر النقي ، فختام القصيدة جاءت ومضة خبرية متألقة نابعة من معاني المقدمة في حين أن النص الأول يتفاخر بحركة رشيقة ( يبدأ – يظلُّ – يدهش – يقسم ) ليستقر أخيراً ويستريح عند ذلك المخلوق العجيب فهو المحور وهو الختام ، فغلب عليه الطابع الإخباري وكثرت فيه الأفعال المضارعة .
وجاءت في نهاية النص لتدل على الحياة والتفاعل ( تصنع – تسكب – تُعدُّ – تغطي – ترعى ) يقول :
(( كاجين )) تصنع أضلعي وتراً
وتسكبُ في شراييني
دماء
وتعدُّ للمجهول ألعاباً
تغطي عتمة الآلام
ترعى في تخوم الأنبياء
في قصيدة ( كبرياء المدى) يكشف الشاعر مدى علاقته بوطنه ، علاقة وطيدة قوية تكشف عن قيمة إنسانية سامية .
لقد جاءت معاني القصيدة تتراوح بين المعاناة والتفاؤل من خلال تصويره بعض الصور التي جاءت في النص ذاكراً مظاهرها ونبرة التفاؤل التي أعقبها .
يجسد النص حالة الوطن الجريح فجاءت الكلمات دالة على الحزن والألم والمعاناة والتعبير فكان لها الحضور وقوة التأثير في نفس لمتلقي ، وعلى لغة انفعالية عمادها اشتراك الشاعر مع القصيدة في المعاناة ، مما يجعل المعاناة أوسع وزاد من جمال الصورة أن الفعل ( يرسم ) مبني على التتابع الانفعالي ، وتكرار الصيغة الفنية بصور معبرة لا على التفسير أو التقليل العقلي ، فالوطن يرسم على وجع الخريطة ، وأنا في ضفاف العمر أطهر بقعة ، فلم يقل مثلاً ليعلل أو يفسر : على ضفاف العمر سأظهر بقعة لأجل مغانيها .
هناك في النص لفظة تستدعي دهشة المتلقي ( أرضعتني صفحة ) ليقف عندها متأملاً متعمقاً ، جمال هذه الصورة كمحسنة بديعية بين مدى تعلق الشاعر بوطنه الحبيب يقول :
وطنٌ على وجع الخريطة يُرسم القلب ضاغ له القصائد والدّمُ
وطنٌ تفورُ على الرمال جراحهُ وتلوب عطشى في السماء الأنجم
أنا في ضفاف العمر أطهر بقعة ٍ ضحكت مغانيها ، وصاح البرعم
هذي جدائل أرضعتني صفحة من سفر أجدادي ، وإني مع مغرم
وطنٌ بعطر الكبرياء عجينة تتحطم الدنيا ولا يتحطم
لا بد لسفر ذات الشاعر أي روحه أن تبحث عن المعنى إنه فردوس الشاعر المسافر الذي لا ييأس من البحث عنه ، والمتعة هنا في أن يبقى فردوسه مفقوداً ، لتبقى المسافة حاضرة بين الشاعر والشعر مستمرة قائمة ، ومن هنا يوجه الشاعر خطاباً لذاته وليخرج من السياق العام إلى السياق الخاص دالاً على تجربته الشعرية وهذا ما نجده في قصيدته ( رسالة شاعر ) يقول فيها:
لو تقتفي أثري فلست تراني فأنا أعتق صورتي بدناني
سكت الصباح ، وكنت أحسب صوته طيراً يردد أجمل الألحان
عاقرت صمت الليل فاعتكف الدجى في مهجتي وأقام في وجداني
ثم تحضر تساؤلات الشاعر والحيرة ، أنه حال الشاعر في عصره ، إنه القلق الإنساني الذي يجعل أفكاره والرؤى الذاتية تتصارع ، ثم ينتقل من عتبة السؤال وما يحمله من انكسارات ليصل إلى عتبة الجواب التي تستشف من الواقع المرير فتشكل لدى المتلقي صورة جميلة معبرة أراد الشاعر أن ينقل من خلالها أحاسيسه ومشاعره وعواطفه ويظهر الغرض الذي ترمي إليه من وراء صوره الفنية .
يقول :
دمعٌ يجفُّ على مداد قصائدي فيثرنا السخط من بركاني
طوراً تقاذفه الظنون فينتشي بلهيب جرح ٍنازفٍ هتّان
فرّت خط الآمال من أرق السرى واستسلمت لمواكب الحرمان
أنا شاعر شدّت على أعصابه أوتار قلب غرائب الأكوان
وفي الختام ، نرى أن مهارات الشاعر الإبداعية كانت قادرة على احتواء المتلقي والـتأثير فيه من خلال تشخيص المعاني وإثارة الاستجابة الفنية بتحريك مخيلته وما يختزنه من أفكار ودلالات للكشف عن جماليات الصورة ومكوناتها .
رزان القرواني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق