من رواية " ليت شهدا... !
... وقبل أن يُعيدَ إليها دفترها نسخ بعضه وقد رأى فيه مفاتيح ولوج عالمها الخفيّ: "ما زلتُ أذكر قولكَ لي ذات صفاء: " اُكتبيني... اُرسميني... قولي كلاما جميلا يُميتني ثمّ يحييني..." ومازلتُ أذكر ردّي:" ما أنا بكاتبة ولا رسّامة أشباح ولا بائعة هوى ترسم بالحروف كذبا! أَصْغِ إلى ذبذبات الرّوح تسري بكَ إليّ، تبصرْني أيقونة هذا الوجود! تفرّس مليّا طيفي وقد أتاك طوعا، تجدْني خيالا عصيّا عن كلّ القيود! أَسْرِ معي واعرج بي إلى سمواتٍ ذات أبراج، تُدركْ جلال ذاك الخلود! تأمّل جبيني، تَرَك مرسوما بحبر
سرّيّ يتجلّى عند الرّكوع والسّجود! ادخل المحراب آمنا، وسبّح باسم ربّك الأعلى الّذي خلق فسوّى وعلّمنا الحرف الّذي به ننسج خمائل صدق وعرائش ورد ونور تشعّ منّي إليك، لترتدّ منك إليَّ فتعلّمني وتعلّمك أنّا ما التقينا صدفة إلّا لنظلّ نغنّي صفاء هذا الكون العجيب، بدهشة طفلين غريرين لم تدنّسهما الحياة فسارا في درب قلّ فيه العابرون... ولكنّهما سارا مأخوذيْن بروعة بِكْر السّبيل، وهما يعلمان يقينا ألّا تلاقيا إلّا في برزخ لا تسكنه غير الأرواح الشاردة المتمرّدة!
اُرسُم تفاصيل الرحلة ولا تُسرف، فلن يدرك عمق التجربة سوانا وليكن الله على ما بالضمائر شهيدا!
تعهّد روحك واصقلها بكلّ جميل، تجدْ شقيقتها ترتقي بها ومعها سُلّم الجمال اللّامنظور الّذي لا يدركه غير الأصفياء المصطفين! كن توأم روحي الحميم وارْتَقِ، اِرْتَقِ... تدركْ أنّنا ما خُلقنا هباء وما التقينا عبثا! ابحث عن الحكمة تظفرْ بها فينا يتردّد صداها منّي إليك نسيما يحيي فيك موات الأمنيات، فيتضوّع العطر منك ومنّي بأبهى الكلمات... ارفع عن نفسك سجف الطين، وكن فراشا في ربيع العمر قبل أن يأفل، فذي أزهار حديقتي تحتفي بالنيروز وتضمّخ أنفاس الفراشات بأعتق الشذا وأعبقه... كن لي رفيق درب وحرف أكنْ لك الصّدى وصدى الصّدى وما بعد الصّدى، فبالحرف وحده تومض كلّ الدروب فندرك ألغازها.. !
كن ما شئت ومَنْ شئت، فلن أكون غير شعلة ضياء تنير لكَ، لنا الدروب وتلفظ العتمة!
اُرسمني أنتَ كما شئتَ وشاء لكَ المدى، فأنا ما عدتُ أذكر لي شكلا ولا لونا ولا ريحا ولا ميسما! عندما أخاطبك أضحي نيزكا يخترق كلّ أجرام السّماء... وإن عنّ لك أن تسألني من أكون، فأنا غير كلّ من عرفتَ من النّساء! أنا ريشة بقلب طفلة غريرة وعقل بَالَغَ في النضج حتّى عانقت أعمدةُ زنزانتي عنانَ الثريّا!... فهل لك أن تدخل محراب زنزانتي فتُقنع عقلي بفكّ أغلالي حتّى لا يخرّب صخب صوتي جدران ذاكرتي؟! هل لكَ أن ترافقني في رحلتي وقد قطعتُ من الدّغل أعسرَه؟َ! لا أحتاج غير صديق حبيب، صديق حميم، راق جدّا، يقيني تقلّب أمزجة الفصول وأدثّره بمحبّتي الّتي لا تبيد أبدا... فهلّا كنتَ لي هذا الصّديق الرّفيق، فشاركتني نبض الوريد ودفء الجليد وصدق المواعيد؟!
ذي روحي طليقة تحلّق إلى مستقرّها، إلى توأمها وما استطعتُ لها صدّا ولا قيدا! يشهد خافقي وخالقي أنّي ما ارتكبتُ حماقة ولا معصية وما زلّت بي قدم أبدا، فهل تراهما يغفران لي عجزي ونقصاني؟! بربّكَ قُلْ أهو نقصان أم اكتمال وامتلاء؟! بربّك أَفْتِنِي أيّ السبل أصوب وأيّ الدروب أقرب إلى الله؟! بربّك، أفتني أيغضب الله من أن تتلاقى أرواحٌ صفيَّةٌ ما خطّطتْ للّقاء وما قدّرت؟! سبحانك ربّي، ما أتتْ به مريمُ قومَها لم يكن قول إفكٍ ولا فعلا فريّا! وهذا التلاقي، وهذا التّصادي لم يكونا غير قَدَر منك مرسوم! بل إنّ مُرّ التنائي بَعْد عذبِ التداني ليسا إلّا بمشيئتك وبديع حكمتك ! فهل من مهرب إلّا إليك؟!
تريد اختباري... يا الله؟! حسنا! لن يهزمني الشّيطان وسأظلّ كما عهدتني أسبّح بتعاليمك السنيّة... لن أخون عهد من ائتمنني على بيته وأطفاله وعرضه... وإن جفا ونأى ! لن أخسر الرّهان وسأسجّل انتصاري فأفوز برضاك! سجّل إذن، يا الله بدفتري، بدفاترك العليّة أنّي أصفى من الصّفاء وأبهى من البهاء ولا يشوبني ريب الأدعياء... وبماء الذّهب والزعفران اُنقش على جداريّة فؤادي حتّى لا أنسى أبدا: أنا شهد، أنا شهدزاد الصفيّة النقيّة الشّامخة شموخا يطاول عنان السّماء! ولن أندم يوما على أنّي رفضتُ أن أكون سليلة شهرزاد، أميرة قصر تستجدي وجودها من شهريار، سيّدها كما الإماء ! سجّل، يا إلهي أنّك وهبتني عقلا وقلبا فأدركتُ بهما أصناف البهاء وحبوتني بقبس من نور حكمتك فما صدّقتُ كلّ من افترى ولا كلّ من عبس في وجهي وتولّى... بل آمنتُ بجلال نِعَمِك وتدبيرك القاضي بأنّ حوّاء لن تكون غير شريك آدم وندّه وصنوه ! لن تكون أبدا غير ذلك كلّه حتّى تستقيم لهما الحياة ! "
من رواية " ليت شهدا... ! " التي تحت الطبع.
... وقبل أن يُعيدَ إليها دفترها نسخ بعضه وقد رأى فيه مفاتيح ولوج عالمها الخفيّ: "ما زلتُ أذكر قولكَ لي ذات صفاء: " اُكتبيني... اُرسميني... قولي كلاما جميلا يُميتني ثمّ يحييني..." ومازلتُ أذكر ردّي:" ما أنا بكاتبة ولا رسّامة أشباح ولا بائعة هوى ترسم بالحروف كذبا! أَصْغِ إلى ذبذبات الرّوح تسري بكَ إليّ، تبصرْني أيقونة هذا الوجود! تفرّس مليّا طيفي وقد أتاك طوعا، تجدْني خيالا عصيّا عن كلّ القيود! أَسْرِ معي واعرج بي إلى سمواتٍ ذات أبراج، تُدركْ جلال ذاك الخلود! تأمّل جبيني، تَرَك مرسوما بحبر
سرّيّ يتجلّى عند الرّكوع والسّجود! ادخل المحراب آمنا، وسبّح باسم ربّك الأعلى الّذي خلق فسوّى وعلّمنا الحرف الّذي به ننسج خمائل صدق وعرائش ورد ونور تشعّ منّي إليك، لترتدّ منك إليَّ فتعلّمني وتعلّمك أنّا ما التقينا صدفة إلّا لنظلّ نغنّي صفاء هذا الكون العجيب، بدهشة طفلين غريرين لم تدنّسهما الحياة فسارا في درب قلّ فيه العابرون... ولكنّهما سارا مأخوذيْن بروعة بِكْر السّبيل، وهما يعلمان يقينا ألّا تلاقيا إلّا في برزخ لا تسكنه غير الأرواح الشاردة المتمرّدة!
اُرسُم تفاصيل الرحلة ولا تُسرف، فلن يدرك عمق التجربة سوانا وليكن الله على ما بالضمائر شهيدا!
تعهّد روحك واصقلها بكلّ جميل، تجدْ شقيقتها ترتقي بها ومعها سُلّم الجمال اللّامنظور الّذي لا يدركه غير الأصفياء المصطفين! كن توأم روحي الحميم وارْتَقِ، اِرْتَقِ... تدركْ أنّنا ما خُلقنا هباء وما التقينا عبثا! ابحث عن الحكمة تظفرْ بها فينا يتردّد صداها منّي إليك نسيما يحيي فيك موات الأمنيات، فيتضوّع العطر منك ومنّي بأبهى الكلمات... ارفع عن نفسك سجف الطين، وكن فراشا في ربيع العمر قبل أن يأفل، فذي أزهار حديقتي تحتفي بالنيروز وتضمّخ أنفاس الفراشات بأعتق الشذا وأعبقه... كن لي رفيق درب وحرف أكنْ لك الصّدى وصدى الصّدى وما بعد الصّدى، فبالحرف وحده تومض كلّ الدروب فندرك ألغازها.. !
كن ما شئت ومَنْ شئت، فلن أكون غير شعلة ضياء تنير لكَ، لنا الدروب وتلفظ العتمة!
اُرسمني أنتَ كما شئتَ وشاء لكَ المدى، فأنا ما عدتُ أذكر لي شكلا ولا لونا ولا ريحا ولا ميسما! عندما أخاطبك أضحي نيزكا يخترق كلّ أجرام السّماء... وإن عنّ لك أن تسألني من أكون، فأنا غير كلّ من عرفتَ من النّساء! أنا ريشة بقلب طفلة غريرة وعقل بَالَغَ في النضج حتّى عانقت أعمدةُ زنزانتي عنانَ الثريّا!... فهل لك أن تدخل محراب زنزانتي فتُقنع عقلي بفكّ أغلالي حتّى لا يخرّب صخب صوتي جدران ذاكرتي؟! هل لكَ أن ترافقني في رحلتي وقد قطعتُ من الدّغل أعسرَه؟َ! لا أحتاج غير صديق حبيب، صديق حميم، راق جدّا، يقيني تقلّب أمزجة الفصول وأدثّره بمحبّتي الّتي لا تبيد أبدا... فهلّا كنتَ لي هذا الصّديق الرّفيق، فشاركتني نبض الوريد ودفء الجليد وصدق المواعيد؟!
ذي روحي طليقة تحلّق إلى مستقرّها، إلى توأمها وما استطعتُ لها صدّا ولا قيدا! يشهد خافقي وخالقي أنّي ما ارتكبتُ حماقة ولا معصية وما زلّت بي قدم أبدا، فهل تراهما يغفران لي عجزي ونقصاني؟! بربّكَ قُلْ أهو نقصان أم اكتمال وامتلاء؟! بربّك أَفْتِنِي أيّ السبل أصوب وأيّ الدروب أقرب إلى الله؟! بربّك، أفتني أيغضب الله من أن تتلاقى أرواحٌ صفيَّةٌ ما خطّطتْ للّقاء وما قدّرت؟! سبحانك ربّي، ما أتتْ به مريمُ قومَها لم يكن قول إفكٍ ولا فعلا فريّا! وهذا التلاقي، وهذا التّصادي لم يكونا غير قَدَر منك مرسوم! بل إنّ مُرّ التنائي بَعْد عذبِ التداني ليسا إلّا بمشيئتك وبديع حكمتك ! فهل من مهرب إلّا إليك؟!
تريد اختباري... يا الله؟! حسنا! لن يهزمني الشّيطان وسأظلّ كما عهدتني أسبّح بتعاليمك السنيّة... لن أخون عهد من ائتمنني على بيته وأطفاله وعرضه... وإن جفا ونأى ! لن أخسر الرّهان وسأسجّل انتصاري فأفوز برضاك! سجّل إذن، يا الله بدفتري، بدفاترك العليّة أنّي أصفى من الصّفاء وأبهى من البهاء ولا يشوبني ريب الأدعياء... وبماء الذّهب والزعفران اُنقش على جداريّة فؤادي حتّى لا أنسى أبدا: أنا شهد، أنا شهدزاد الصفيّة النقيّة الشّامخة شموخا يطاول عنان السّماء! ولن أندم يوما على أنّي رفضتُ أن أكون سليلة شهرزاد، أميرة قصر تستجدي وجودها من شهريار، سيّدها كما الإماء ! سجّل، يا إلهي أنّك وهبتني عقلا وقلبا فأدركتُ بهما أصناف البهاء وحبوتني بقبس من نور حكمتك فما صدّقتُ كلّ من افترى ولا كلّ من عبس في وجهي وتولّى... بل آمنتُ بجلال نِعَمِك وتدبيرك القاضي بأنّ حوّاء لن تكون غير شريك آدم وندّه وصنوه ! لن تكون أبدا غير ذلك كلّه حتّى تستقيم لهما الحياة ! "
من رواية " ليت شهدا... ! " التي تحت الطبع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق