...لم أكن أعلم يا شقيق القلب أن الزمن حين يمضي بنا، يعمّق جذور المحبة، فتصيرشجرة نخيلٍ بحجم غابة، لم أستطع أن أكبح دموعي التي أخفيتها أمامك، وأنا أهبط درج المشفى، وقد تهيّأتَ لعملية جراحية دقيقة، صار لزاماً أن تجريها بعدما أقلقتك شهوراً طويلة.
تبعثرت خطواتي بين الممرات، ثقيلة حائرة..وقد تلبسني قلب أمك الراحلة، كنت أختاً خناسية التعلّق بك وأمّاً أنوء بحمل عواطفها الجيّاشة المضطرمة كالنارخوفاً عليك، حاضرة غائبة.،لقد حمّلتني همومها أمانة ورحلت، وبقيتُ عالقةً بين ممرّ، ودرجٍ، وعيونٍ رغم انشغالاتها تسأل عن فرط اضطرابي..ومبعثه.؟!
عند المساء بدأتْ مسارح الذكريات تشرع ستائرها..مذ طفولتنا كنا نرى منك حناناً، ورعاية يحسبها كل منا تخصّه وحده، لأنك كنت تدخل تفاصيل حياتنا من أدق مشاهدها، دائماً كتفك يلاصق كتفنا، تراعينا وأنت من كابد آلام القلب مذ أبصرتْ عيناك النور، وخضت معه رحلات الوجع :من سريرٍ إلى سرير، ومن مشفى إلى مشفى، من وطن إلى غربة مضيت إليها وحدك تواجه ألماً لا تحمله الجبال.بل وجعلت من أناته جسرا نحو طموحك الذي لم يقف عند حد،فأوفدت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمدة عامين لتميزك، أتذكر كيف صنعت البسكويت الذي تحب ووضعته بحقيبتك؟؟ تشمّ به رائحة أناملي، رغم تزاحم الأصناف هناك..كنت تقدم بعضه متفاخراً لزوارك وتقول : صنع أختي. ونتراسل عبر أشرطة التسجيل بلا توقّف.
على قدر رهافة حسّك كنت صامداً، تقهر جبروته، هادنتَ ذاك القلب الذي أتعبك، فأحببتَه، ورقّقتَ حواشيه، وهذّبت طباعه، فاحببتَ به الكون، وعلّمته كيف ينسى، ويصفح ويسامح..حتى صار طوع يدك..علمته حب الناس والموسيقا والجمال وأدخلت به نور الله فصار ينبض بالخير والعطاء..كيف لا، وأنت أبوالخير؟!
في بداياتك وقد تسلّمتَ مرتبك الأول وأنت طالب علم ..قبل أن تمنح شهادتك بدرجة شرف..سارعت إلينا توزّعه كأبٍ صغير..وتنقد أمك مابقي منه..وارتوت عيناك بمشهدنا ونحن نشري حلوى الأطفال ببهجة لا مثيل لها.
كان لفطورك مذاقه الشهي، وأنغام الموسيقا العذبة تردّد في غرفتك كسحبٍ ماطرةٍ، فأخالني في بيت أسطوري بين مروج ووهاد وشدو عصافير..رغم بساطة أشيائه..لفرط أناقتك وأنت تصب الشاي على سفرة تتسابق أطباقها في النظافة والألوان الجذابة وطريقة الإعداد والتقديم.والدعابات والحكايا لا تتوقف وأمك الحنون بيننا تزيد المكان أنساً.كنت ولا زلت الوسيم الأنيق لطيف المعشر، حييّ العبارة.
كيف لا أخاف عليك وقد حفّزتني على نيل الشهادة الثانوية بعد زواجي في سن مبكرة..وامطرتني بعبارات التهنئة حين أخبرتني بان علاماتي تخولني لدخول كلية الآداب قسم اللغة العربية، وعند مسابقة انتقاء المدرسين..هاتفتني من دمشق لأرسل إليك من حلب أوراقي المطلوبة..ولم أكن أعلم بموعدها إلا منك لفرط اهتمامك..
اعتدت في كل أموري من بعد الله ..أن أقضيها على يديك..تتقبلها برضا ومحبة وبلا تردّد أو تأفف..وقد انتقلت محبتك إلى أولادي على الرتم ذاته..رغم تعدّد وجوه الأحباب حولي ولهفاتهم تبقى لك خصوصيتك.
ولما غادرتُ بيتك يوما غاضبة بنزق الأطفال أقسم بألا أعود..وأنا العارفة بأن جدرانه مسكني.، ومآبي .أحسست بوجع قلبك المقهور للمرة الأولى، أصابك الصمت..وسكن الدمع محجريك..حتى أنك وضعت رنة خاصة على صورتي بجهازك من أغنية تقول: ( كانت عمري، كانت قلبي، كانت إلي،وهلأ صار،ومابقيتي إلي، هيدا فدر) فركضت نحوك أهمي على يديك معتذرة وتسامحني كعادتك، تقبّل رأسي وكأن شيئاً لم يكن..
وما زلت تعاملني كطفلتك..حتى وإن جرفتني الحياة بهمومها، ومضت السنون بي دائماً تدقّ بابي، وتسأل عني..وتسألني حاجتي لتقضيها بذات الروح الطيبة..التي لم تتغير رغم مرور أعتى الظروف..لم تتغير رغم همجية أيدي الضباع التي أحرقت بيتك، وسرقت سيارتك..وعبثت بثمار عمرك..كنت صبورا..تعيد بيديك ترتيب الأزمنة والأمكنة في فكرك النظيف الذي لم يتلوّث..وهو كنز يفتقده الكثيرون ساعة العسرة.
لما اتصلت بي صباحا ً،تخبرني بأنك سوف تخرج اليوم من المشفى إلى دارك بأمر الطبيب.لم أتمالك نفسي من الفرح بعودتك سالماً غانماً إلينا..أقفلت الخط وانا أردد..يا تقبرني يا أخي الحمد لله على سلامتك ياعمري..شكرا لله عودتك إلى زوجك المخلصة، وأسرتك التي جبلت على طباعك حبا وتحنانا وتراحماً
. لقد التقطنا هذه الصورة يوما في رحاب الأموي..وبحق بيتك يا الله تمنّ عليه بالشفاء التام..أدعو له من قلبٍ تداخلتْ فيه مشاعر الأخوة والأمومة..وأنت أدرى به يا الله..
تبعثرت خطواتي بين الممرات، ثقيلة حائرة..وقد تلبسني قلب أمك الراحلة، كنت أختاً خناسية التعلّق بك وأمّاً أنوء بحمل عواطفها الجيّاشة المضطرمة كالنارخوفاً عليك، حاضرة غائبة.،لقد حمّلتني همومها أمانة ورحلت، وبقيتُ عالقةً بين ممرّ، ودرجٍ، وعيونٍ رغم انشغالاتها تسأل عن فرط اضطرابي..ومبعثه.؟!
عند المساء بدأتْ مسارح الذكريات تشرع ستائرها..مذ طفولتنا كنا نرى منك حناناً، ورعاية يحسبها كل منا تخصّه وحده، لأنك كنت تدخل تفاصيل حياتنا من أدق مشاهدها، دائماً كتفك يلاصق كتفنا، تراعينا وأنت من كابد آلام القلب مذ أبصرتْ عيناك النور، وخضت معه رحلات الوجع :من سريرٍ إلى سرير، ومن مشفى إلى مشفى، من وطن إلى غربة مضيت إليها وحدك تواجه ألماً لا تحمله الجبال.بل وجعلت من أناته جسرا نحو طموحك الذي لم يقف عند حد،فأوفدت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمدة عامين لتميزك، أتذكر كيف صنعت البسكويت الذي تحب ووضعته بحقيبتك؟؟ تشمّ به رائحة أناملي، رغم تزاحم الأصناف هناك..كنت تقدم بعضه متفاخراً لزوارك وتقول : صنع أختي. ونتراسل عبر أشرطة التسجيل بلا توقّف.
على قدر رهافة حسّك كنت صامداً، تقهر جبروته، هادنتَ ذاك القلب الذي أتعبك، فأحببتَه، ورقّقتَ حواشيه، وهذّبت طباعه، فاحببتَ به الكون، وعلّمته كيف ينسى، ويصفح ويسامح..حتى صار طوع يدك..علمته حب الناس والموسيقا والجمال وأدخلت به نور الله فصار ينبض بالخير والعطاء..كيف لا، وأنت أبوالخير؟!
في بداياتك وقد تسلّمتَ مرتبك الأول وأنت طالب علم ..قبل أن تمنح شهادتك بدرجة شرف..سارعت إلينا توزّعه كأبٍ صغير..وتنقد أمك مابقي منه..وارتوت عيناك بمشهدنا ونحن نشري حلوى الأطفال ببهجة لا مثيل لها.
كان لفطورك مذاقه الشهي، وأنغام الموسيقا العذبة تردّد في غرفتك كسحبٍ ماطرةٍ، فأخالني في بيت أسطوري بين مروج ووهاد وشدو عصافير..رغم بساطة أشيائه..لفرط أناقتك وأنت تصب الشاي على سفرة تتسابق أطباقها في النظافة والألوان الجذابة وطريقة الإعداد والتقديم.والدعابات والحكايا لا تتوقف وأمك الحنون بيننا تزيد المكان أنساً.كنت ولا زلت الوسيم الأنيق لطيف المعشر، حييّ العبارة.
كيف لا أخاف عليك وقد حفّزتني على نيل الشهادة الثانوية بعد زواجي في سن مبكرة..وامطرتني بعبارات التهنئة حين أخبرتني بان علاماتي تخولني لدخول كلية الآداب قسم اللغة العربية، وعند مسابقة انتقاء المدرسين..هاتفتني من دمشق لأرسل إليك من حلب أوراقي المطلوبة..ولم أكن أعلم بموعدها إلا منك لفرط اهتمامك..
اعتدت في كل أموري من بعد الله ..أن أقضيها على يديك..تتقبلها برضا ومحبة وبلا تردّد أو تأفف..وقد انتقلت محبتك إلى أولادي على الرتم ذاته..رغم تعدّد وجوه الأحباب حولي ولهفاتهم تبقى لك خصوصيتك.
ولما غادرتُ بيتك يوما غاضبة بنزق الأطفال أقسم بألا أعود..وأنا العارفة بأن جدرانه مسكني.، ومآبي .أحسست بوجع قلبك المقهور للمرة الأولى، أصابك الصمت..وسكن الدمع محجريك..حتى أنك وضعت رنة خاصة على صورتي بجهازك من أغنية تقول: ( كانت عمري، كانت قلبي، كانت إلي،وهلأ صار،ومابقيتي إلي، هيدا فدر) فركضت نحوك أهمي على يديك معتذرة وتسامحني كعادتك، تقبّل رأسي وكأن شيئاً لم يكن..
وما زلت تعاملني كطفلتك..حتى وإن جرفتني الحياة بهمومها، ومضت السنون بي دائماً تدقّ بابي، وتسأل عني..وتسألني حاجتي لتقضيها بذات الروح الطيبة..التي لم تتغير رغم مرور أعتى الظروف..لم تتغير رغم همجية أيدي الضباع التي أحرقت بيتك، وسرقت سيارتك..وعبثت بثمار عمرك..كنت صبورا..تعيد بيديك ترتيب الأزمنة والأمكنة في فكرك النظيف الذي لم يتلوّث..وهو كنز يفتقده الكثيرون ساعة العسرة.
لما اتصلت بي صباحا ً،تخبرني بأنك سوف تخرج اليوم من المشفى إلى دارك بأمر الطبيب.لم أتمالك نفسي من الفرح بعودتك سالماً غانماً إلينا..أقفلت الخط وانا أردد..يا تقبرني يا أخي الحمد لله على سلامتك ياعمري..شكرا لله عودتك إلى زوجك المخلصة، وأسرتك التي جبلت على طباعك حبا وتحنانا وتراحماً
. لقد التقطنا هذه الصورة يوما في رحاب الأموي..وبحق بيتك يا الله تمنّ عليه بالشفاء التام..أدعو له من قلبٍ تداخلتْ فيه مشاعر الأخوة والأمومة..وأنت أدرى به يا الله..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق