اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

الأعوام الخمسة _ مقطع الزّاغ | قصتان بقلم : مصطفى الحاج حسين

1
قصة الأعوام الخمسة ...
2
مقطع الزّاغ ...
___________
أمن المعقول أن أكون قد تراجعت ؟! ، منذ سنوات وأنا أتأنّى وأدرس هذه القصة بنت الخمس سنوات .
منذ ذلك الحين ، كنت في نظر الكثيرين
أفضل قاص في البلد ، وكان الجميع يتوقّع
لي مستقبلاً عظيماً ، وكان يرحّب بي أينما
حللت ، ويتهافت عليّ المهتمّون بالأدب .
ويوم منحت الجائزة الأولى في مسابقة القصة ، قررت أن أعتكف في غرفتي ، يجبُ
عليّ أن أخطط لمستقبل عظيم ، أن أكون القاص الأوّل في بلدي هذا ليس كلّ شيء ..

حلمي أن أكون أعظم كاتب في العالم .
سأمتنع عن مقابلة الأصدقاء والمعارف ،
سأكفّ عن المشاركة في المهرجانات والنشر،
كلّ هذا مضيعة للوقت ، سأستثمر وقتي .. أغيب عن الأنظار مدّة ثمّ أفاجئ العالم بعمل
عظيم يكون خطوة باتّجاه العالمية .
سأتوقّف أيضاً عن الكتابة ريثما أطّلع وبعمق على الآثار الأدبية العظيمة ، عربيّة وعالميّة ، فإذا كنت - ولم أقرأ بعد أكثر من
خمسمائة كتاب - في مستوى مدهش ، فماذا
سيحدث إن قرأت آلاف الكتب ؟ .. حينها تتضافر الموهبة العظيمة التي أملكها مع الثقافة العميقة الواسعة ، لتكوّنا الشّيء الرّائع الذي أحلم به .
من أجل كلّ ماذكرت ، انقطعتُ عن العالم ، وانكببتُ في غرفتي الصّغيرة على
القراءة ليلاً ونهاراً ، التهمتُ كلّ كتبي ، واندفعتُ إلى المكتبة الوطنيّة ، والمركز الثّقافي .
وطرق الأصدقاء بابي مرّات عديدة ، لكنّني لم أفتح ، وحين ملّوا لم يعكّر صفو
وحدتي أيّ واحد منهم .
وزّعتُ وقتي على هذا النّحو : أستيقظ صباحاً لأذهب إلى وظيفتي ، ولكوني أعمل موظّفاً إدارياً لم يسند إليه أيّ عمل ، أخذتُ أقرأ الجّرائد والمجلّات الأدبية هناك ، وحين
أعود إلى غرفتي ، أتناول طعامي وأنا أقرأ ،
أجلس إلى طاولتي المهترئة ، أحتسي الشّاي
وأنا غارق في المطالعة لساعات عديدة متواصلة ، ثمّ أنهض إلى سريري المنهك .. وأنام ساعتين ، وأعاود الأكل وشرب الشّاي
مع القراءة ، ثمّ أعود إلى النّوم حتّى الصّباح.
كانت فكرة الكتابة تراودني ، فأردع نفسي وأطوي رغبتي وأقول :
- أنا الآن في مرحلة التّخزين ، وقريباً ستأتي
لحظة الإبداع الرّائعة ، ولذلك لن أستنزف قريحتي ، سأرتوي من الأدب العظيم لأكتب
أعظم منه ، لن أسمح لفكرة الكتابة أن تسيطر عليَّ ، أنا صائم عن الكتابة ، وهو صوم ضروري وصحّي ، ولن أضعف أمام
شيطان الإبداع .
رميتُ بالقلم في سلّة المهملات ، وقررتُ
ألّا أدخل إلى غرفتي قلماً .. وفي الوظيفة
سأترك القلم في درج المكتب .
كنتُ أطّلع أحياناً على مايكتبه النّقاد عن
قصصي السّابقة في الجّرائد والمجلّات ، فأضحك في سرّي :
- إنّهم لم ينسوني .. ولكن ماذا سيفعلون حين سيقرؤن قصصي العظيمة غداً ؟ .
لم أمتنع عن الكتابة فحسب ، بل امتنعت
عن الحبّ أيضاً ، أليس الحبّ مضيعة للوقت ؟.. لم أعد أمنح ( رهام ) زميلتي في
الوظيفة ، أيّ فرصة للكلام ، حتى لا تعطّلني
عن قراءة الصّحف والمجلات وحين سألتني
مستفسرة ، نهرتها .. وحين أصرّت على توضيح موقفي منها ، أجبتها بصراحة تامة:
- آنسة( رهام ).. كلّ مافي الأمر أنّني أعتذر عن تضيعة الوقت معك في ثرثرة لا طائل
وراءها .
وكبتُّ كلّ شعور بالتّعاطف معها ، حين
رأيت وجهها يمتقع ويشحب ، وطلائع الدّموع تسيل على خدّيها .
وبعد أيام انتقلت إلى الغرفة المجاورة ،
ولم تلبث أن أعلنت خطبتها على الأستاذ ( عامر ) شريكها في الغرفة .. ومع أنّ قلبي
بكى ، إلّا أنّني أقنعت نفسي بأنّ مافعلتهُ كان
خيراً لي .
كلّ هذا في سبيل الهدف النّبيل ، الذي
أقدمُ عليه .. غداً حين أصبح أكبر كاتب في
العالم ، سوف يتهافت عليّ النّسوة ، حينها
سأختار فتاة أوربّية ، شقراء بعيون خضر
وقوام رشيق .
كلّ ما أخشاه الآن سوء التّرجمة ، المترجم
السّيء يقتل أعظم النّصوص ، يجب أن لا أسمح لكلّ من هبَّ ودبَّ بترجمة أعمالي .
قرأت كلّ شيء صدر من قصّة ورواية
في الأدب العربي ، إلى جانب الدّراسات النّقديّة ، واطّلعتُ على أهم المنجزات العالمية في القصّة والرّواية والنّقد .
ولم يبقَ أمامي سوى الكتب التي تصدر
حديثاً ، ولذا سأرجئ التّفكير في الكتابة ريثما أنتهي من الإطّلاع على ما يصدر هذه
الأيام .
تمنيّتُ أن تتوقّف المطابع عن إصدار الكتب
الجّديدة ، حتى أستريح وأكتب قصّة واحدة
على الأقل ، كم ستكون القصّة عظيمة بعد هذا الإنقطاع الطّويل .
سأرغم جميع نقّاد العالم على الإعتراف
بي كأعظم كاتب ، ويجب أن بتوّج هذا الاعتراف ، بمنحي جائزة ( نوبل ) في نفس
العام .
فكرة القصّة جاهزة في ذهني منذ سنوات
، وأنا كلّ يوم أؤجّل كتابتها وأقول :
- انتطر .. ريثما تقرأ هذه الرّواية العظيمة ، وكتابتكَ للقصّة بعد قراءتها أفضل .
هكذا .. في كلّ يوم ، أقنع نفسي بالانتظار
، ريثما أنتهي من رواية أو مجموعة قصصيّة
أو كتاب نقدي ، لعلّ،قصّتي تكون أرقى بعد
قراءة هذه الأعمال ، وأقرأ من هنا ومن هناك
، في المسرح والشّعر والملحمة ، فكلّ شيء
يفيد .
وفي ذات يوم .. تنبّهتُ على حقيقةٍ أفزعتني ، فلم تعد الرّغبة في الكتابة تلسع
أعماقي ، إنّ الجّمرة خبت ، بل انطفأت ، أسرعتُ ، واشتريتُ قلماً ودفتراً ، وقرّرتُ
إخراج القصّة التي حبستها طويلاً من سجنها ، إنّها قصّة الأعوام الخمسة .. وخلال
خمس ساعات فرغت من كتابتها ، شعرتُ
بغبطةٍ لا توصف ، لا شكّ،أنّها قصّة عظيمة وخالدة .
تذكّرتُ أصدقائي ، اشتقتُ إلى جلساتهم
الدّافئة ، بودّي أن أصفعهم بقصّتي هذه ، وعندما اجتمعنا والتمّ شملنا ، اغتنمتُ الفرّصة وقرأت قصّتي .
وكم كانت خيبتي مريرة ، حين اتّفقوا
جميعاً على أنّ مستوايّ قد تراجع عمّا كتبته،
منذ خمس سنوات .. أردتُ أن أصرخَ في
وجوههم المقرفة :
- أنتم جهلة .. قصّتي عظيمة .. إنّها تضاهي
أعظم مافي الأدب العالمي ، لقد كتبتها بعد
أن هضمتُ آلاف الكتب ، فأين ذهبت خبرتي
وثقافتي ، أين ذهب لقبي كأفضل كاتب في
بلدي ؟؟!!.

مصطفى الحاج حسين .
ــــــــــــــــــ
2
مقطع الزّاغ ...

كان " سامح " يتقدمنا بعدة أمتار ، حين بدأنا ندخل متسللين إلى" مقطع الزَّاغ " ،
ومنذ أن خطونا إليه ، تسرّبت إلى أجسادنا
برودة عفنة ، فشعرنا بالرّاحة والنّشوة ، لأنّ حرارة الجّو في الخارج كانت خانقة .
اجتزنا الطّريق الضّيقة المتعرّجة مبتهجينَ ، ولكنّ إحساساً داخلياً بالانقباضِ والوحشةِ أخذ يراودنا .
قبعت الظّلمة في المكان ، غير أنّ الجّدران الحوّارية البيضاء خفّفت منها فبدا
المكان أشبه بكهفٍ مسحور .
صاح 'عثمان " :
- انتبهوا من الجنّ والعفاريت .
وتردّد صوته مختلطاً بقهقهات"سعيد الجّدع"
، الذي ظهر من خلال ضحكته شيء غير طبيعي ، يشير إلى خوفه وفزعه . وعندما سكتت الجّدران عن ترديد صدى الضّحكة ..
قال :
- أنا لا أخاف منها .. ففي رقبتي سلسال مكتوب عليه (( الله - محمد )) وهو يحميني من الشّياطين .
قلتُ معلقاً على كلامه ، وقد أخذ الممرّ الضّيق بالاتّساع والعتمة تتضاعف ، بينما الانحدار نحو الدّاخل يزداد حدّة :
- لكنّ سلسالكَ هذا لا يحميكَ من أرواح الأموات المنتشرة قبورهم على سفح الجّبل.
صرخ "عمر" وكان يمشي خلفنا :
- ياأولاد الحرام ، اتركونا من سيرة الأموات والجّن وإلّا سأرجع إلى الحارة .
البرودة تزداد قوّة وحلكة كلّما توغّلنا ،
لدرجة أنّنا شعرنا بقشعريرة البرد تسري في
عروقنا ، بينما كان الماء ينزُّ من السّقوف والجّدران مخرجاً خريراً منبعثاً من الأعماق
يتناهى إلى أسماعنا .
صاح "سامح" أبن عمّي فجأة ، بصوت مليءٍ بالدّهشة والفرح :
- يا جماعة .. أشمُّ رائحة نار .
فأسرعنا نهبط فرحين ، وحقيبة" سامح " المدّرسية كانت تتأرجح خلف ظهري ، فقد
كنتُ أحبّ دائماً حملها معي ، ليظنّ من يراني بأنّي طالب مدرسة .
زعق "عثمان" :
- رائع عندي سيكارتان " ناعورة " ولا أملك
شعلة .
وصلنا إلى ساحة مترامية الأطراف ، يبدو أنّها في القاع تماماً . فسرقت عيوننا نار متأججة يتحلّق حولها ثلاثة شبّان . إلى
جوارهم تناثرت زجاجات العرق .
انكمشنا في أماكننا جامدين ، بينما تتفرسنا أنظار الشّباب بدهشة وبهجة واضحتين .
قال أحدهم ، وكان يدعى" جمعة زقّان " ، بصوت خرجت بحة المشروب معه :
- تفضلوا ياحلوين .. تعالوا .. لا تخافوا ، لا
يوجد بيننا غريب .. كلنا أولاد حارة .
بقينا على وقفتنا خائفين ، ودقات قلوبنا تطرق صاخبة عنيفة .. إنّ " جمعة زقّان " هذا نعرفه تماماً ، ونعرف شلّته أيضاً
، فكلهم مجرمون ، يغتصبون الأولاد . وكثيراً
ما حذرني والدي منهم .
صاح الثاني ، واسمه " حمّود النّازل " ، وهو ذو يد مقطوعة :
- تعالوا .. دخنوا واشربوا العرق . وكرع جرعة من زجاجته ، ثمّ أردف قائلاً :
- "تقبروني ما أحلاكم " .
صرخ الثّالث ، وكان يدعى " لطوف النّابح "
، وكان له صوت يشبه نباح كلب ، يخرج من
تحت شفته المشرومة :
- هربتم من المدرسة يا عكاريت ، جئتم وألله
بعثكم لنا ، الحرارة متوتّرة معنا .
قال ذلك ونهض نحونا . صرخ أحدنا بفزع :
- اهربوا .. اهربوا قبل أن يمسكوا بنا .
انطلقنا راكضين صوب الخلف ، كان الانحدار صعباً هذه المرّة ، وليس من صالحنا
، وبدأت أقدامهم بدبيبها المرعب تضطرب خلفنا ، ونحن نلهث مذعورين، قلوبنا ترتجف
بشدّة لم نعهدها ، وأنفاسنا تضيق حتى كأنها
سوف تتفجر ، والحقائب خلف ظهورنا تزيد
من توترنا وخوفنا بتأرجحها ، مما جعلني أندم على حملها في هذه المرّة ، وخطر لي أن أرميها لإبن عمّي " سامح " ، لكن لا مجال الآن ، ونحن نهرب مذعورين .
انبعثت صرخة ذعر حارقة من خلفي . لقد سقط " سامح ' ابن عمي في أيديهم ، تفاقم الفزع فينا ، أسرعنا بكلّ ما نستطيع ،
صاعدين متوقعين أن تمتد يد غليظة الأصابع فتمسك بنا من ياقاتنا ، كنت الأخير
خلف رفاقي ، وكان صراخ " سامح " وعويله
المجنونان يدفعانني لبذل طاقتي النهائية في الصّعود .
أخيراً وصلنا إلى فوهة " المقطع " ، استدرنا للخلف ، كانت أصوات الأقدام قد انقطعت ولم نر أحداً . لقد عادوا ليفترسوا
" سامحاً " الذي لم نعد نسمع له أيّ صوت.
توقفنا على مسافة غير بعيدة ، وصدورنا تعلو وتهبط مسرعة كخوفنا ، وأجسادنا مغسولة بعرقنا الحارق ، كصوت
" سامح " حين أمسكوا به .
قال " عمر " يخاطبني بصوت متهدّج :
- " رضوان " .. عليك أن تخبر بيت عمّك حتى ينقذوا ابنهم .
قاطعه " عثمان " :
- ماذا ؟ .. إذا قمنا بتبليغهم يافهيم فسوف يعلم أهلنا بهربنا من المدرسة .
قلت وقد بدأ التّعب يزايلني :
- ليس أمامنا وسيلة لانقاذ " سامح " غير تبليغ عمّي ، وبسرعة قبل أن يقوموا باغتصابه .
ضحك " سعيد الجّدع " ( صياد الجرابيع )
وعلّق على كلامي :
- منذ اليوم صار لقب " سامح " ( مفعول به)
قهقه " عثمان " حتّى آلمته خاصرته ، وقال:
- لأوّل مرّة يهرب من المدرسة فيتعرّض للإغتصاب .. وتابع قهقهته .
صرخ " عمر " بانزعاج :
- أنتم حقراء .. أولاد كلب ، تضحكون بينما لا نعرف ماذا جرى " لسامح " .
تخيّلت " جمعة زقّان " صاحب الرأس الكبيرة ، والأنف الممطوط ، وهو يشمّر " كلابيته " وينزّل " شرواله " واضعاً سكينه فوق عنق " سامح " ، بينما يحاول أفراد العصابة جاهدين تثبيت " سامح " .
- أنا ذاهب لإبلاغ " عمّي قدّور " .
قال " عمر " وهو يتبوّل من الرّعبة :
- اذهب بعجلة .. أمّا نحن فسنبقى هنا لنراقب الوضع ، فربما يأخذوا " سامحاً " إلى
مكان آخر .
رميت حقيبة " سامح " من خلف ظهري
وانطلقت كالصاروخ ، منحدراً من قمة الجبل
نحو البلدة .
في غمرة هذه الأحداث ، وهذا الانفعال،
كانت تداهمني موجات من الفرح ، فأنا لا أحبّ " سامحاً " منذ وعيت الدّنيا بسبب امتيازه عنّي بدخوله المدرسة .
غير أنني سرعان ما كظمت فرحي هذا،
وعاودتني حالة الخوف والقلق ، " فسامح "
ابن عمّي قبل أيّ شيء آخر ، وقد هرب من
المدرسة لأوّل مرّة لارضائي بعد أن هدّدته بالزّعل فوافق . ثمّ ماذا سيكون موقفي من
أبي وعمّي " قدّور " إن أعترف " سامح " بأنّي سبب هروبه من المدرسة ؟ .
في الطّريق ، بينما كنت أركض بين الأزقة ، وعند المنعطف تماماً ، برز والدي " بشرواله " وسترته " الكاكية " المعهودة ، توقفت في مكاني ، تجمّدت أمام نظرته الصّارمة .
- هارب من الشّغل " يابندوق " ؟!.
حافظت على صمتي المبدّد بلهاثي ، ماذا أقول ؟..هل أخبره بما يحدث " لسامح"
، لم أكن أتوقّع رؤيته ، فلم أرتّب كذبة في ذهني تنطلي عليه .. وتأكّدت أنّه ترك عمله ليبحث عنّي .
- عاقل باابن " القحبة " ، تتظاهر بالمسكنة ،
والله لأريك نجوم الظّهر .
وهوت كفّه، ثقيلة خشنة ، صفعتني بقوة،
تطاير الشّرر من عينيّ ، ترنّحت ، سقطت ، ركلني ، جاءت ركلته على خاصرتي ، طارت
فردة " الصّرماية " الحمراء من قدمه ، نهضتُ ، فقذفني بها على رأسي .
- آخ يا " يوب " التّوبة . وحق المصحف ماعدت أهرب .
- امشِ إلى الدّار ياابن " الجحشة " بدّي ألعن
أبوك على أبو أمك .
سبقته بعدّة خطوات ، خائفاً من ضربة
مفاجئة ، ولهذا كنت ألتفت خلفي لأتأكّد من
بعد المسافة عنه ، بينما أتنشّق مخاطي المختلط بالدّم المتدفق من أنفي .
سبقني صراخي إلى الدّار ، ففتحت أختي" مريم " الباب ، واستقبلتني أمي بوجهها الشّاحب ، وعينيها الفزعتين ، فتعالى بكائي ،
وتضاعف تأوّهي :
- ياأمّي ... خاصرتي .
وقفت أمّي حائلاً بيني وبين أبي ، وقالت تسأله :
- خير إن شاء الله .. ماذا فعل " رضوان "
حتى تعاقبه ؟.
وأتاها صوته ليرعب " مريم " وتنكمش على نفسها :
- ابن " الصّرماية " هرب من الشّغل . قال ذلك وهو بالكاد يلتقط أنفاسه.
- يلعن " أبو الشغل " ستقتل الصبي ، الولد لا يحبّ صنعة العمارة .
صرخ أبي وقد زاده غضباً كلام أمي :
- كلامك هذا يشجّعه على الهرب ، عليَّ الحرام والطلاق بالثلاثة سأشتري له قيداً وجنزيراً .
توقفتُ عن البكاء برهة ، مددتُ رأسي من وراء أمي ، وقلت :
- أنا لا أريد أن أشتغل في العمارة . أرسلوني
لعند الخياط فلا أهرب .
هجم نحوي ، صوّب ركلة إلى مؤخرتي :
- عليّ الكفر لن أتركك تشتغل إلّا في العمارة ياكلب ، هذه صنعتي وستعمل بها .
ثمّ تابع قوله الصّارخ :
- تحرّك أمامي ألى الورشة .
صاحت أمي :
- ألا ترى دمه .. أتركه ليوم غد .
عدّل أبي " جمدانته " فوق رأسه وقال :
- أنا ذاهب للشغل ، وعندما أرجع سيكون لي
معك الحساب .
سحبتني أمي من يدي ، أدخلتني الغرفة الشّمالية ، أخذت تمسح دموعي ومخاطي الدّامي .. وهي تقول:
- ألم أنصحكَ بعدم الهرب ؟.
صحتُ بصوتٍ مخنوقٍ :
- أنا لا أطيق العمل في العمارة .. لماذا لم تدخلوني المدرسة مثل " سامح " ؟ .
لم أكد أذكر اسم " سامح " حتى قفزتُ من مكاني ، غير عابئ باندهاش أمي ونداءاتها هي وأختي " مريم " ، صرختُ وأنا
أجتاز عتبة الدّار :
- يجب أن أبلّغ عمّي " قدّور " لينقذ ابنه " سامح " .. لقد تأخرت .. لقد تأخرت .

مصطفى الحاج حسين .
حلب

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...