معلمي (أسعد) أشيب الشعر، ذو قامة مديدة نوعاً ما، يرتدي أفخر الملابس وربطات العنق، كنا صغاراً نحبه ويحبنا ويعلمنا كل شيء عن التاريخ والجغرافية، والأدب والشعر، كل جمعة كان يجمعنا في حديقة منزله نتساجل في الشعر والأدب. كنا صغاراً ولكن كباراً في العقول والسلوك، لم يتخلف أحدنا عن مجموعة معلمنا (أسعد)، بعضنا صار معلماً والآخر أديباً أو قائداً عسكرياً في الإدارة أو في الميدان وحتى حين أصبحنا بوظائفنا كان معلمنا (أسعد) يتفقدنا فنزهو به
ويزهو بنا. مرَّ أسبوع وشهر وشهران لم نشاهد فيهما معلمنا (أسعد) وعلمنا أن معلمنا طريح الفراش، لقد أنهكه تقدم السن وأنهكه التفكير وهو يرى الفساد وتدمير العقول، مات معلمي (أسعد) كمداً وحسرةً على البلاد وعلى الطلاب، معلمي أسعد لن أبكيك، فأنت الأسعد منا حين تذوقت فاكهة الموت، معلمي أسعد أبكي شفتيك الذابلتين الناطقتين بالحروف، أبكي عينيك التي كنت أرى من خلالها الحياة عينيك التي أطفأها الغزاة، لن أبكيك يا معلمي لكي لا أزعج جنتك وفردوس هدوءك الأعلى، سيدي معلمي (أسعد) لن أبكيك أخاف أن تسقط دموعي وتصبح حجراً، حاجزاً، تعترض هيبة مسيرة صعودك إلى طلابك البيض الجدد فأحرمهم من لذة وشوق لقاءك بهم، سيدي معلمي (أسعد) لقد كنت بيننا طويلاً واقفاً مهيباً واليوم مسجى لأقرأ بهدوء على سريرك وحيداً بغرفتك لقد غادرتك شيخوخة النهاية وهاهي ريح وعطر صفك في المدرسة يهب نسيماً عليلاً يحرك خصلات شعر رأسك الأبيض وكأنها تريد لك أن لا ترحل، معلمي (أسعد) وهل تغفو، ألم تُحزنك وتؤلمك ذكريات المدرسة، ذكرى الصف والسبورة، وأيام الامتحان و(نعيق) المشرف و(نباح) المدير. سيدي معلمي، أريد البقاء، أحرس موتك، يعذبني الرحيل، يعذبني أني لم أكن العصا التي تتوكأ عليها حين احدودب ظهرك، سيدي معلمي، كل شتاء أجلس قرب موقد النار أتدفأ ثم أبتعد، لأنك تشكو من برد الشتاء ولأني لم أكن الدثار ليحميك من برد الشتاء، أتحسس خصلات شعري بيدي التي مرت عليها يدك الحنون، عندما كنت أخطئ في درس الحساب وأتلعثم بقراءة القرآن، وتسقط حبات دمعي على السور والآيات وتسقط معها حبات دمعك على شعر رأسي، أيَّ معلمٍ أنت يا سيدي أنبيٌّ أنت أم ملاك؟، نجهش بالبكاء معاً حتى لا تغيب اللحظات، سيدي معلمي (أسعد)، الآن أنت بعيد عني، مَنْ يجهش معي بالبكاء من يواسيني من القهر والذل المُعاش، سأبكي وحدي، سأنتحب وحدي، وأعاشر أيامي وحدي لأنها ستكون أكثر ألماً ووجعاً، يا آخر المعلمين، يا آخر الشرفاء في النهاريات الآمنة تنام مسجىً وحدك ومن حولك تتردد أصوات الأناشيد المدرسية المباركة.
يا سيدي يا معلمي (أسعد) لقد نورتنا في حياتك وفي لحظة أعتم جسدك وعاد مضاءً بنور باهر انحنى ظهرك واحدودبت قواك وأهداك ملك الموت زهوراً وعطوراً، وها هم طلابك الأوفياء ينتظرون ويتهيؤون للقائك.
د.المفرجي الحسيني
ويزهو بنا. مرَّ أسبوع وشهر وشهران لم نشاهد فيهما معلمنا (أسعد) وعلمنا أن معلمنا طريح الفراش، لقد أنهكه تقدم السن وأنهكه التفكير وهو يرى الفساد وتدمير العقول، مات معلمي (أسعد) كمداً وحسرةً على البلاد وعلى الطلاب، معلمي أسعد لن أبكيك، فأنت الأسعد منا حين تذوقت فاكهة الموت، معلمي أسعد أبكي شفتيك الذابلتين الناطقتين بالحروف، أبكي عينيك التي كنت أرى من خلالها الحياة عينيك التي أطفأها الغزاة، لن أبكيك يا معلمي لكي لا أزعج جنتك وفردوس هدوءك الأعلى، سيدي معلمي (أسعد) لن أبكيك أخاف أن تسقط دموعي وتصبح حجراً، حاجزاً، تعترض هيبة مسيرة صعودك إلى طلابك البيض الجدد فأحرمهم من لذة وشوق لقاءك بهم، سيدي معلمي (أسعد) لقد كنت بيننا طويلاً واقفاً مهيباً واليوم مسجى لأقرأ بهدوء على سريرك وحيداً بغرفتك لقد غادرتك شيخوخة النهاية وهاهي ريح وعطر صفك في المدرسة يهب نسيماً عليلاً يحرك خصلات شعر رأسك الأبيض وكأنها تريد لك أن لا ترحل، معلمي (أسعد) وهل تغفو، ألم تُحزنك وتؤلمك ذكريات المدرسة، ذكرى الصف والسبورة، وأيام الامتحان و(نعيق) المشرف و(نباح) المدير. سيدي معلمي، أريد البقاء، أحرس موتك، يعذبني الرحيل، يعذبني أني لم أكن العصا التي تتوكأ عليها حين احدودب ظهرك، سيدي معلمي، كل شتاء أجلس قرب موقد النار أتدفأ ثم أبتعد، لأنك تشكو من برد الشتاء ولأني لم أكن الدثار ليحميك من برد الشتاء، أتحسس خصلات شعري بيدي التي مرت عليها يدك الحنون، عندما كنت أخطئ في درس الحساب وأتلعثم بقراءة القرآن، وتسقط حبات دمعي على السور والآيات وتسقط معها حبات دمعك على شعر رأسي، أيَّ معلمٍ أنت يا سيدي أنبيٌّ أنت أم ملاك؟، نجهش بالبكاء معاً حتى لا تغيب اللحظات، سيدي معلمي (أسعد)، الآن أنت بعيد عني، مَنْ يجهش معي بالبكاء من يواسيني من القهر والذل المُعاش، سأبكي وحدي، سأنتحب وحدي، وأعاشر أيامي وحدي لأنها ستكون أكثر ألماً ووجعاً، يا آخر المعلمين، يا آخر الشرفاء في النهاريات الآمنة تنام مسجىً وحدك ومن حولك تتردد أصوات الأناشيد المدرسية المباركة.
يا سيدي يا معلمي (أسعد) لقد نورتنا في حياتك وفي لحظة أعتم جسدك وعاد مضاءً بنور باهر انحنى ظهرك واحدودبت قواك وأهداك ملك الموت زهوراً وعطوراً، وها هم طلابك الأوفياء ينتظرون ويتهيؤون للقائك.
د.المفرجي الحسيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق