كلّما نظرت في مرآة أجدني شظايا مبعثرة هنا وهناك، أغيّر وضعيّة الوقوف إلى الاتّكاء على حوافّ شظاياي علّني ألملمها؛ فأسترجع ثباتي واقفا في حيّز لا تتجاوز مساحته فتحة العين لحظة هلع مفاجئ. أتخيّلك يا سعيد معي الآن، محشورا في زاوية العين وأنا في الزّاوية الأخرى منها، كيف سنتصافح وأشدّ بقبضتي علّ كفيك؟ أو حتّى كيف سنتعارك بعد كلّ حوار يدور بيننا، نخرج بعده مهشّمين؟ عليك أن تلتزم الصّمت فلا مجال هنا لتباين آرائنا. سنتحاور عن بعد ولن نصاب بأذًى جرّاء اختلافنا على نقطة البداية ولا حتّى على نقطة النّهاية. آه! إنّها “نشوى” تتمايل في مشيتها وأنا وأنت نكاد نلتهمها بنظراتنا، ربّما كانت هي سبب خلافاتنا وليس الوطن الذي جعلنا منه ذريعة لنزاعاتنا. “نشوى” البضّة الطّريّة جعلتنا صديقين عدوّين. انظر إليها جيّدا يا “سعيد” إنّنا لا نليق بكلّ هذا الياسمين القادم نحونا؛ فأنا وأنت فقدنا حاسّة الشّمّ ولم نعد نهتمّ إلاّ بملء البطون والجيوب. أنت أخطبوط تمتدّ أذرعه لتطال كلّ شيء وأنا بالكاد أسدّ رمقي بفتات ما ترمي به. كيف لكلّ هذا الياسمين أن يرضى بأمثالنا؟ حذار يا صديقي من عبقه، سيتحوّل يوما ما إلى سكاكين تنغرز في جسدك رايات تشبه تلك التي كنّا ننشد لها في المدرسة مع فارق بسيط هو أنّك لن تشهد هذا الحدث الجلل أبدا. ابق معي لحظة واحدة كي ترى ماذا سيحدث عندما ستصل”نشوى”. تلك العين الفزعة التي تضمّنا الآن على وشك أن تطبق الجفنين كي لا يرانا الياسمين الآتي على حقيقتنا، مسخان يتناوبان على اغتصابها.
-
*ريتا الحكيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق