⏪⏬
هكذا جاءت أوامر ضابط المكتب الثاني . فتجمع الأهالي في ساحة القرية رجالا و نساءا . تحت أشعة شمس يونيو الحارقة .و كلهم صوب الضابط الواقف مسندا ظهره الى الشجرة الوحيدة الوارفة الظل . و قد تجهم وجهه و عينه النصف مغمضة تقدح شررا . بإشارة منه سحب الجندي الذي يتوسط الحشد الرجلين المشار اليهما من قائدهالى داخل ساحة الثكنة .و ما هي الا لحظة حتى بدد صوت الرصاص صمت الحشد القابع تحت اشعة الشمس الحارقة . طلقتان . .طلقتين لا غير .
للمرة الثانية و بإشارة منه و قد رسمت على شفته ابتسامة استهزاء و خبث . سحب ثلاثة جنود رجلا آخر الى الداخل بعد ان ابدى مقاومة
طلقة رددت صداها أركان الحوش . طلقة زرعت في القلوب القابعة الرعب . شخصت الأبصار، جفت الحلوق .لفظت الامعاء الخاوية القليل الذي حوته
انفجر الخبيث مقهقها . تبعه الجنود مقلدين . و قد أمر الأكف الملوحة تنش أسراب الذباب الذي غزاها بالإنصراف .
كم كانت دهشتهم كبيرة و هم يرون الموقوفين يغادرون الحوش . ان هي الا نزوة من نزوات هذا الشرير.
لم يكن هذا اليوم المشهود ليمر على الأهالي هكذا . لم تكن هذه الحادثة لتمر هكذا . لم تكن نزوة . صدمة لا شفاء منها . عقدة مركبة . مزيج من الرعب و الذل و الهوان . سكنت العقول المقهورة . سرت في عروقهم . تغلغلت في أحشائهم . جزءا من تركيبتهم صارت . ابدا لم تكن نزوة . مخابرهم لا تعرف النزوات و لا تسيرها الأهواء .
نقشت عميقا في الأذهان . تربعت في العقل الباطن . من المسلمات صارت . لا غيرها النياشين تحيي و تميت . لا غيرها تحل و تربط .
لا لغيرها تبسط السرائر . لا غيرها يطاع .
تحقق الحلم المعجزة . الحلم الذي طال انتظاره . الحلم الذي كان ثمنه باهظا . جحافل من الشهداء و المعطوبين و الأرامل و اليتامى .
كان يوما عظيما . علق في ذاكرة جدي، و كل من عاشه الى آخر يوم في حياته . فكان لا يذكره الا وسبقته دموعه . ما أعظمه من يوم .
شيوخا و نساء و اطفال هذا مهرولا و الاخر راكضا وراء الأبطال الذين نزلوا من الجبال و الأحراش و قد تحققت المعجزة بعون الله و تضحياتهم الجسام . فهذا يقبل الايادي و الاخر معانقا و تلك مولولة بأعلى صوتها .
وقف القائد خاطبا في الحشود . مهنئا اياهم بالنصر العظيم . العيون كلها على هذا الشاب الذي زينت النياشين كتفيه و قد شغفهم حبا و أشياء أخرى ربما .
باشارة هي اقرب للأمر منها لشيئ أخر ، طلب الفاتن من المفتونين الانصراف بعد ان انهى الكلمة التي القاها .
لم تكن النشوة بالنصر لتنسي الحاضرين منازلهم . ولم تكن الهيبة التي أحيط بها القائد لتخفى.و ان ظل مبتسما في وجه المجتمعين . واقفا مسندا ظهره الى الشجرة الوحيدة الوارفة الظلال . والقوم مغادرين على وقع الطبول الى اشغالهم. تصحبهم المتمكنة المتحكمة من دواخلهم .عقدتهم العصية المتوارثة . شفاهم الله .
-
*صلاح احمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق