اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

المغفل | قصة قصيرة ...*متولي محمد متولي بصل

⏪⏬ 
في ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك، خرجت من مسجد ( أبو بكر الصديق )، بعد أن قضينا صلاة التراويح؛ وتوجهت تلقاء المعرض؛ وأنا أقلب وجهي في السماء بعينين دامعتين؛ فحياتي كلها أصبحت على شفا جرف هار يوشك أن ينهار بي؛ ليتني سمعت
كلام أبي؛ وتركت التجارة منذ زمن قبل أن تتراكم علي َّ الديون والهموم؛ حتى أصبحت محني الظهر كالشيخ الطاعن في السن !
رحمة الله عليك يا أبي! لا تزال كلماتك يتردد صداها في أذني؛ وأنت تعبِّر لي عن غضبك النابع من خوفك علي َّ؛ كنت دائما تقول لي :
- أنت فاشل يا بني .. .. التاجر الناجح لا يأخذ قلبه معه إلى السوق !
كنت َ دائما على حق، وكنت ُ أعاند وأكابر؛ وهذه هي النتيجة؛ وصلت إلى حافة الإفلاس !
تجارة الأثاث مربحة جدا؛ وأكثر تجار الأثاث أصبحوا مليونيرات؛ واشتروا الكثير من الأراضي والعقارات؛ بل إن بعضهم دخل في تجارة السيارات! أما أنا فلم أتغير؛ لا أزال أسكن في شقة إيجار قديم؛ وأركب سيارة فيات موديل قديم؛ والمعرض والمخزن كلاهما إيجار! والأعجب من ذلك أنني أعرف السبب؛ ولكنني كما قلت من قبل كنت أكابر! وظللت أكابر حتى جاءت هذه الليلة التي أقسمت فيها أن أطلق التجارة طلاقا بائنا لا رجعة فيه!
في هذه الليلة فتحت المعرض؛ ثم جلست أمام شاشة التلفاز أقلب القنوات؛ أردت أن أشغل قناة تبث القرآن الكريم لتحل البركة؛ وأفلت من الهم، لكن يبدو أن الريموت كان له رأي آخر؛ وأنا أقلب القنوات التي كانت تنضح بالفوازير؛ وبرامج الكاميرا الخفية؛ والترفيه والتسلية؛ فوجئت بنفسي أتوقف عند قناة تذيع أفلاما قديمة؛ وكان الفيلم الذي يُعرض ساعتها هو فيلم ( الأرض)؛ وجدتني أتابع أحداثه بشغف؛ وكأنني لم أشاهده من قبل!
لفت انتباهي الزي الموحد الذي يرتديه معظم الممثلين؛ مجرد جلباب؛ ومعظم الوجوه تبدو عليها التجاعيد والنتوءات واضحة؛ واللهجة الفلاحي المميزة! فجأة وجدت أحدهم يقف أمامي !
كان رجلا من لحم ودم! يرتدي نفس الجلباب؛ وفي جبهته نفس التجاعيد؛ حتى صوته وهو يُلقى السلام يحمل نفس اللهجة الفلاحي! ومن ذهولي نسيت أن أرد عليه التحية! وبينما كنت أحاول أن ألملم حبال أفكاري التي التفت حول بعضها فيما يشبه العقدة؛ سمعته يقول لي :
- محسوبك ابراهيم عبد البر؛ من ( بلقاس ) بيسموني الشيخ ابراهيم؛ ( بلقاس ) كلها تعرفني .
- يا أهلا وسهلا يا شيخ حسونة !
- لا يا ابا .. .. اسمي الشيخ ابراهيم
- لا مؤاخذة يا شيخ ابراهيم .. .. اللي ما يعرفك يجهلك .. .. اتفضل تؤمر بإيه ؟!
- الأمر لله يا ابا .. ..
واقترب بفمه من أذني حتى ظننته سيعضها؛ وهمس قائلا :
- أنا سمسار.. .. والولية الغلبانة اللي قاعدة على الرصيف هناك .. .. دي أرملة بتسعى على يتامى؛ وعندها بنت بتشورها ؛ ودخلتها ع العيد بإذن المولى؛ وقصدتني أنزل معاها دمياط أشتري لها صالون مذهب .. .. ما هو أصل عندنا الصالون من ضمن شوار العروسة .. .. وبصراحة احنا لفينا السوق كله لما كعوب رجلينا دابت .. .. والحمد لله إن ولاد الحلال دلونا عليك .
- يا أهلا وسهلا .. .. دمياط نورت بيكم .. .. والمعرض كله تحت أمركم !
- هو بصراحة الصالون الفرنساوي اللي ف وش المعرض ده عاجبها قوي.. .. نفسها يكون من نصيبها لجل تفرَّح بيه بنتها اليتيمة واخواتها اليتامى اللي في رقبتها.. .. يعمل له كام يعني الصالون ده ؟
- كل المعارض بتبيعه بعشرين .. ..
- عشرين مية .. .. يعني ألفين جنيه ؟
- لا .. .. لا؛ عشرين ألف جنيه !
- يااااه .. .. يا سنة سوخة يا ولاد .. .. ده كتير قوي يا ابا الحاج .. .. بقولك أرملة وبتجري على يتامى.. .. وبتشور بنتها اليتيمة .. ..
- عشان الظروف ممكن نخصم ألفين .. .. إيه رأيك ؟
- يا دين النبي .. .. ألفين بس !
- يا شيخ حسونة اسأل في أي معرض .. .. الصالون ده ماركة مسجلة؛ صالون خشب زان؛ أويما درجة أولى؛ دهب أصلي!
- يا ابا قلت لك ابراهيم .. .. شيخ ابراهيم؛ وبعدين يا محترم احنا ف شهر كريم .. .. وانت أبو الكرم .. .. اكسب فيها وف بنتها اليتيمة ثواب .. .. ما تكسرش بخاطرهم!
- أعمل إيه .. .. تختار بقى صالون أرخص .. .. فيه عندي صالون يعمل سبعة .. ..
- لا يا ابا هي اختارت الصالون ده .. .. حرام عليك تكسر بخاطرها وخاطر بنتها اليتيمة ! اجبر بخاطرهم عشان ربنا يجبر بخاطرك .. .. مشيه بعشرة !
- يا عم انت بتقول إيه .. .. حرام عليك انت جي تخسرني ؟
- حد الله ! حد الله يا ابا .. .. ربنا ما يحكم بخسارة
- انت عارف أصل تمنه كام .. .. ما اقدرش يا شيخ
- طيب إيه رأيك نكسب فيها ثواب .. .. أنا والله مسامح في عمولتي مش بس كده لأ .. .. أنا مستعد أدفع من ناحيتي ألفين تلاتة.. .. وانت يا ابا تسامح في ألفين تلاتة وبكده .. .. دي الليلة باين عليها ليلة القدر .
- ليلة القدر! يا عم احنا لسه في نص الشهر الفضيل .. .. لسه بدري على ليلة القدر!
- اسمعني بس الله يخليك .. .. اعتبر المبلغ اللي ها تسامح فيه زكاة .. .. حلفتك بكل عزيز وغالي عليك ما تكسر بخاطر الغلبانة دي.. .. دي تستحق كل صدقة منك ! والله العظيم انت لو عرفت الفلوس اللي ها تدفعها تمن للصالون ده جايباهم منين مش هاتاخد منها جنيه واحد .. .. دي ما عرفتش يا عيني تجمع من قلوب الخير غير سبعة بس .. ..
- سبع تلاف جنيه !!
- اصطبر بس يا حاج الله يبارك لك .. .. أنا معايا تلاتة كنت ناوي أشتري بيهم نيش لبيتي بس عشان خاطر الولية الأرملة المسكينة دي؛ وبنتها اليتيمة هادفعهم يبقى المبلغ كله عشرة .. .. ده احنا ف شهر مبارك وأيام فضيلة .. .. والله ما تكسفني !
وجذب رأسي يريد تقبيلها؛ في نفس اللحظة التي دخلت فيها المرأة؛ وانحنت تريد أن تقبل يدي؛ وأنا واقف من ذهولي كالتمثال لا أدري ماذا أفعل !
وفي خضم هذه الأحداث؛ انكشف غطاء الرأس عن الجانب الأيمن وراء شحمة أذنها؛ فلمحت عليه آثار حرق قديم تبدو واضحة! لا أعرف كيف يكون حال السكران؛ فلم أذق خمرا من قبل؛ لكنني في هذه الليلة كنت أسوأ حالا من السكارى؛ حملوا الصالون أمام عيني؛ ودفع لي الشيخ إبراهيم عشرة آلاف فقط!
هذا الصالون الذي بعته بعشرة آلاف؛ كنت قد دفعت ثمنا له خمسة عشر ألفا؛ أي أنني خسرت خمسة آلاف دفعة واحدة؛ في ليلة واحدة ! أحسست بالدموع تنساب من عيني؛ وأنا أشاهد الانجليز وهم يسحلون ( محمود المليجي ) بينما كانت أصابعه تحاول أن تتمسك بالأرض! لكن كان عزائي أنني ساعدت هذه المسكينة وابنتها اليتيمة!
أحد أصدقائي من التجار عندما سمع مني حكاية أم اليتامى؛ فوجئت به - ليلة سفره إلى الأراضي المقدسة لأداء مناسك العمرة - يعطيني مبلغا كبيرا من المال؛ ويطلب مني أن أوصله إليها؛ استحييت أن أرفض رغم ضيق الوقت؛ ومرت الأيام والليالي؛ وانقضى رمضان؛ وانقضى أسبوع العيد؛ وقررت أن أذهب لأداء الأمانة؛ فقد أوشك صديقي على أن يعود من رحلته!
في بلقاس لم أتكبد عناء في الوصول إلى منزل الشيخ إبراهيم؛ فالجميع هناك يعرفونه؛ إنه صاحب أراض وأطيان؛ ويتاجر في كل شيء ! وصلت إلى داره التي تشبه قصور الأغنياء في الأفلام الأبيض والأسود! رأيت شابا يفترش الأرض؛ وشخيره لا ينقطع! لمحت صبية فارعة الطول تخرج من الباب؛ تحمل على رأسها لفة كبيرة كالتي كانت تحملها نجوى إبراهيم في الفيلم؛ سألتها:
- مش دي دار الشيخ ابراهيم ؟
- أبويا مش موجود .. .. هو في مشوار !
- طيب ممكن تشوفي لي حد أكلمه !
- الدار مفيش فيها غير العفاريت .. .. أمي واخواتي في الغيط .. .. وانا رايحة لهم بالأكل، ما أقدرش أتأخر؛ وإلا أمي تقتلني من الضرب!
وتركتني وذهبت؛ لكن يبدو أن الشاب النائم كان قد استيقظ؛ أخذ يبحلق في وجهي؛ ويسألني
- انت مين يا عم .. .. وعاوز ايه ؟!
كان يبدو نسخة مصغرة من الشيخ إبراهيم! ربما هو أحد أولاده؛ قلت له :
- أنا رسول من دمياط .. .. معايا أمانة؛ وعاوز الشيخ ابراهيم .. ..
لم يتركني أكمل كلامي؛ واندفع نحوي؛ واحتضنني وكأني قريب له عاد من بعد غيبة طويلة؛ وهو يقول لي مرحبا :
- يا أهلا وسهلا .. .. بتقول معاك أمانة .. .. اتفضل يا ابا الحاج .. .. اتفضل يا مرحبا بك .. .. يا ميت ألف مرحبا !
وجذبني من يدي؛ وأدخلني الدار؛ إنها فعلا قصر! أدخلني حجرة كبيرة ، وفجأة فقدت توازني؛ وكدت أقع على الأرض؛ عندما رأيت الصالون الفرنسي المذهب! إنه هو نفس الصالون الذي خسرت فيه خمسة آلاف جنيه! مددت يدي أملس عليه؛ وكأنه ابني؛ فلذة كبدي، قال لي :
- صالون فرنساوي معتبر.. .. من عندكم من دمياط .. .. أبويا وامي لفوا معارض دمياط كلها حتة حتة ؛ وبعد ما اتأكدوا ان سعره عشرين ألف جنيه اشتروه بعشرة ها ها .. .. أصل أبويا ناصح .. .. تعرف يا محترم .. .. تلاتة بس في بلدنا يتقالهم يا حضرة .. .. حضرة العمدة، وانت عارف ان العمدية اتلغت من زمان؛ وحضرة الصول؛ وابويا .. .. الناس كلها بتناديه يا حضرة الشيخ ابراهيم .. .. اتفضل يا عمنا .. اتفضل تشرب ايه ؟
- شااااااااااااااااااااااااااااااي .. .. شااااااااااااااااااااااااي !
شعرت أن رأسي تدور؛ وانتابني إحساس رهيب بالخوف على الأمانة التي معي! وبمجرد أن ذهب لإعداد الشاي؛ خرجت؛ وأطلقت ساقي َّ للريح؛ ظللت أجري بين الأراضي الزراعية حتى تقطعت أنفاسي؛ ووقعت في الطين أكثر من مرة!
في الميكروباص حسبني الركاب مجنونا؛ فقد كنت أضحك وأبكي في نفس الوقت؛ حتى إن السائق توقف عدة مرات؛ وهم َّ بمساعدة الركاب أن ينزلوني من الميكروباص كنت فعلا أبدو كالمجنون بثيابي الملطخة بالطين؛ وضحكاتي المتقطعة؛ ودموعي التي لا تتوقف  .
-
*متولي محمد متولي بصل
دمياط

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...