اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

المُقَرَّبون | قصص قصيرة ...* محمد أبوالدهب

⏬⏪
كان ذلك بعد أن انفضّ العزاء في السرادق المنصوب أمام البيت. صعد المقرّبون إلي الدور الثاني، وكنت منهم لأن المرحوم كان
زميلي في العمل بالنهار وجليسي في المقهي بالليل لمدة ثلاث وعشرين سنة. وبرغم حزنها الباطن والظاهر -المتخيَّل لحظيّاً كداءٍ ليس له دواء والمدعوم بثوبٍ أسود أصغر بكثير من مقاس جسمها حتي أن النظر ناحيتها لم يعد يتناسب مع واقعة موت مفاجيء لصديق إلا كتلصّصٍ متدبَّر- رأيت أنها تتعمّد إسباغ حالة من التشويق علي الموقف: لا أجد كلاماً، ما الذي يمكن أن أقوله؟.. كنا متلهّفين لمعرفة ما حدث، تفاصيل الطلوع الخاطف للروح، ربما ليصير لدينا ما نحكيه لغير المقرّبين، أو لئلا نستبعد مصيراً مشابهاً ليلةً ما. تساءلتْ هي كالتي تكلّم نفسها، ثم حجبت وجهها بكفّيها، تحميه من وقدة ذكري جائرة، فلمع بياضهما فجأة، وأصابعها النحيلة المتناسقة مقصوصة الأظافر، فهششتُ رغبةً خائبةً في أخذ الكفّين ولثم أطراف الأصابع. لم يطُلْ ضياع الكلام منها فبدأت تحكي بطلاقةٍ لم تتأثر بالفواصل القصيرة المخصّصة لضبط إيقاع البكاء، والمقرّبون ينصتون بانتباهٍ حزينٍ متحيّز. لم أستقبل كل ما أمكنها قوله، لأني أصلاً لا أطيق المثول أمام امرأةٍ تبكي وهي تتكلم أو تتكلم وهي تبكي، لكني مع ذلك حصلت علي الخلاصة: المسكين قام من أحلي نومة، قعد علي السرير، أمسك صدره وقال (آه) ثم غادر الفراش، طاف بالصالة مرتين ثلاثة كالماشي أثناء النوم، بعدها فتح شيش البلكونة، وراح يضرب السور ويتعلّق به، يبصّ للسماء ويصرخ (ياربّ) إلي أن سكت تماماً، تخلّل ذلك اتصال بالمستشفي، وردّوا عليها بأن سيارة الإسعاف عند الميكانيكي.
لم يخلُ حديثها، طبعاً، من المؤثرات السمعيّة والبصرية، والتي تمّ تقديمها ببراعةٍ وتلقائيّة، وتسبّبتْ في تحوّل رغبتي الخائبة المهشوشة إلي بادرةِ غزوةٍ جنسية، متكاملة الدوافع، سرعان ما نششتُها -تقديراً للموقف وعشان عضم التُّربة- لما تراءي لي الكيميائي يحيي الفخراني يوبّخ شقيقه المزاجنجي محمود عبدالعزيز: يا مختلّ الإدراك!.. كان فيلم (الكيف) الذي شاهدته ما يزيد علي المائة مرة، ومازلت أخطط لمشاهدته، دون أن يتعلّق الأمر بشغفٍ خاص بفن السينما. ولم أكن سكران، لأني لم أشرب، قبل مجيئي لأداء الواجب، سوي زجاجتيْ بيرة، حتي لو لم أعرف أبداً لماذا حرص اثنان من المقرّبين علي اصطحابي، غصباً، إلي الشارع، حيث كان عمال الفِراشة يرفعون أنقاض السرادق.
الزُّومبي
عندما اتصلتْ بي، وقالت إنه نُقل إلي العناية المركّزة، كان الفيلم قد بلغ مرحلةً لا ينفع فيها التراجع. جماعة الأموات الأحياء، الزومبي، في نسختهم الأحدث بالرّقصة المعدّلة، السذّج منذ دقائق، كانوا قد أطلقوا غضبهم، واندفعوا يأكلون ناس المدينة المنزوعي السلاح، بعد أن هربت الكتائب. حتي لو زهدتُ في كل هذا الغضب وذهبت، فلن أتمكّن من رؤيته، لأن ساعة الزيارة انتهت قبل ساعة ونصف، فقد حفظتُ المواعيد من كثرة ما فعلها الأصدقاء في السنوات الأخيرة، صاروا لا يتساهلون مع غزوات المرض المباغتة، ينتقلون بها مباشرة إلي ساحة العناية المركّزة، دون المرور بالغرف المفتوحة علي مصراعيها لهواة التثاؤب. قالت أيضا إنه سقط مهموداً بعد فراغه من استعمال مبولة المقهي، وطال سقوطُه حرفَ منضدةٍ قريبة، فانفتح فخذ الجالس بطريقةٍ مقزّزة، كما لو أن أنياب أسد هبشتْ لحمه بغرض التسلية، خارج دورة الجوع والشبع. والمشاهدون لا يفهمون!
-
خلعتُ الجزمة، تبعاً للطقوس التي صرتُ أتقنها، ودسستُ قدميَّ في زوجٍ من أكياس سماويّة اللون، شفّافة، ومثل كل مرّة وجدتُ أنه لونٌ لا يناسب الحالة. ألبستُ دماغي واحداً، وشَعري المغطّي منكوش، ومشيت، خجلان كالعادة، في النفق القصير، المضاء بشكلٍ مبالغ فيه، حتي أن شعوراً فاتراً بالعداوة ساورني تجاه القائمين علي المكان. هيّأتُ روحي، مستحضِراً طابوراً طويلاً من المحتضرين السابقين، الذين لم أتأخّر عن زيارتهم كلقاءٍ وداعيّ محسوم، وهم من ناحيتهم لم يتأخّروا عن الموت.
-
كان متربّعاً علي سرير نظيف، يأكل سندوتش كُفتة. جسده غير متّصل بالأجهزة، خلافَ الآخرين الذين بدا من نظرتي المضطرّة أنهم سبقوه بمراحل. وكنت أظن أني سأجده مسافراً إلي بعيدٍ عَبْر غيبوبة. سريعاً، صار لديّ مخزون لا بأس به من الأشياء التي يمكن أن تقال، والتي قد تساهم في قشع التوتّر الحتميّ، الحاصل بين القادم يتخاطر بعافيته التي لم تزل موفورة، والآخَر الحبيس بسبب زحف زوالها. وكان أول الأشياء التي بقيت مخزّنة؛ السؤال المندهش عن الكيفيّة التي وصل بها سندوتش الكفتة إلي هذه القلعة الحصينة. قطعَ هو لقمةً، ولوّح بها، مصمّماً علي أن آكُل، وكأنّ سؤالي الأخرس أوحي بأني أشتهي طعامه. صممتُ علي الرفض، فوضعها في فمه باستسلامٍ جالبٍ للمؤازرة.
-
ابتسمتُ له كما ينبغي بزائرٍ عطوف، فرأيت وجهه وقد غيض منه الدم، انعدم تماماً كأنما فجأة، واستحال لونه بين الأصفر والأخضر، تشفّ من تحت صفحته شقوقٌ رفيعة، أو لعلها شعيرات دموية سوداء. واندلقتْ نظرتي من الوجه إلي ما تبقي من السندوتش في يده، فأبصرته محشوّاً بقطعةٍ من اللحم النيّيء، والدم يقطر من أسفله علي الملاءة النظيفة. اختطفني ذعري إلي النفق، الذي صار الآن طويلاً معتماً، واستدرت فعرفت أنه لن يتركني، رغم أن طيف جسده كان يتحرّك بطيئاً، وبرقصةٍ معدّلة كالتي كانت في فيلم الأمس. لم أتوقّف إلا أمام مقابر عائلته التي كانت شمس ظهيرة حارّة تعزلها عن المدينة!
الدَّقائِق
سيُنهيني بعد دقائق مثلما بدأني قبل دقائق.
يبقي للنهاية سحرها، المقدّس تقريباً، كطوْطمٍ لا يَبلي، مع أن البداية أشدُّ مباغتةً واستدراجاً، بخلاف المتَّفق عليه. لن أُبالي، ولن أكون متحجّر الرأي، خاصة عندما تصير مسألة دقائق، حتي لو كانت دقائق عديدة جداً.
-
يمكنني، محتالاً، أن أواصل مشاهدة المباراة، مثلما فعلتُ مع مئات المباريات من قبل، وكأنّ الفكرة لا يصيبها عطب. بل وأقوم، خفيفاً مبسوطاً، وكأنني لا أقاسي هَجْمة شعورٍ بالانقباض، بَلغَ تُخومَ نوبةِ هلَع، لأتنقّل، متقافزاً، بين التليفزيون والبوتاجاز، أُعدّ النسكافيه، لتكتمل قواعد الاستمتاع بالدقائق الأخيرة، خاصة بعد أن تعادَلَ الفريقان، وقد كان أحدهما متأخِّراً بهدفَيْن. الاستمتاع الذي سأتحصّل عليه، بأقلّ مجهود، رغم الجيش المنتصب بكامل العتاد، ثم أتركه يتبخّر، سريعاً، ليصير الأمر خطيراً بالتدريج، وفصاميّاً كالمعتاد.
-
لم أكن وحدي، أبداً، لأن زوجتي كانت هناك، ترسلُ علي البعد رائحةَ تقليّةٍ ما. ولم تكن ثمة مباراة، لأن المظاهرات كانت قريبةً جداً من محيط الاستاد الدوليّ، وتمّ إيقاف البطولة إلي أجلٍ غير مسمّي. ما الذي حدث إذن؟ الذي حدث أني طلبتُ قهوة سُكّر زيادة، وتهيّأتُ لجلسةِ قراءةٍ طويلة، ولا تزال معدتي تنبض من فرحةِ العثور علي الكتاب، دون أن تتأثّر بعادةِ أن جلساتي المطوَّلة، التي أخطّط لها بدقّة، والتي تأكل بنَهَمٍ من دقائق الوقت الأصليّ، لا تعني إلا محاولتي، الفاشلة علي الدوام، للنكوص. ويشمل ذلك، إضافةً إلي ادّعاء القراءة، وترقّب مباراة كرة هامة، ليست أقلّ من "قبل نهائي"، التحفّزَ لمشاهدةِ فيلمٍ قديم، أُعلِن عن عرضه علي قناة الكلاسيك، بِزَعْم الاشتياق إلي استعادة لحظاتٍ آمنةٍ منسربة. ولن أخوضَ في الملابسات التي استوجبت النّكوص، لتظلّ لي دخائلي.
-
أتكلّم مع نفسي دون حِيطة، ودون توقّفٍ، وباندماجٍ يُجبر المتفرّج علي التصديق البهيج. تعوّدتُ علي هذه الطريقة منذ آلاف الدقائق. منذ تأكّدتُ أن الآخرين لم يعودوا بنفس الكفاءة التي تسمح بمواصلة الكلام معهم. قد يعني هذا أني لم أقرأ ولم أشاهد، إذا لم أتجاسر وأضيف أني لم أتزوج، أو تزوجتُ ثم قتلتُ الزوجة كما تجري العادة. مع أن إقراري الأول لم يمضِ عليه إلا القليل جداً من نفس الدقائق. وقد يعني أيضاً أني مضطرٌّ لنسخ بعض ما سبق، واستبداله حسب مستجدّات الكلام مع النفس، كي لا أترك مساحةً فارغة، مثلما نسخ الله أحكاماً قديمة حسّاسة، واستبدَلها بمتوائمةٍ لم تفقد حساسيتها.
-
تمّ سحب عيّنة الدم من وريدٍ بارزٍ بالذراع الأيسر قبل خمس عشرة دقيقة (ما صنع رُبعَ ساعة، قضيتُها في الضغط علي قطعة القطن كما أُمِرتُ).. سبقها بدقائق، غيرها وأكثر منها، بلغتْ ساعتين علي الأرجح، أنْ حضرتُ حفلة الإفطار الجماعيّ، والذي اشتمل علي اللبن والشاي والبيض والمربّي ونوعين من الجبن وثلاثة أقراص من الدواء الموصوف.. سبقها بلحظاتٍ آهلةٍ بالدقائق (ما رَاكَمَ أحد عشر عاماً وزيادة) وفاةُ أمي، وحيدةً، داخل غرفة فقيرة بالعناية المركّزة التابعة لنقابة المعلمين (أنفقتُها في قراءةِ كتب: "تعليم انتظار الموت بدون معلّم"، وفي الوقت المخصّص للفسحة أشاهد المباراة أو أسافد الزوجة).. قبلها بدقائق، أكثر من التي كانت كثيرة، وكأنها أسرع (ما أكملَ ستّةً وأربعين عاماً كافيةً لعدم الإجابة عن سؤال النكوص) كان قد بدأني هو للتوّ، من أجل أن أنسي معظم الذي سيحدث.. ربما لم تفعل المراجعة سوي أن أوصلتْني قُرْبَ دقيقة النهاية. لم أفلح، مرةً، في ضبط السُّرعة.
-
لم يبدُ علي أعضاء اللجنة الارتياح لردوده علي أسئلتهم الخمسة، فقرّروا بالإجماع مَدّ حجزِه ستّةَ شهورٍ أخري علي المادة الإلزامي، بنفس التشخيص المبدئي. ولم ينظر أحدهم خلفه، حيث الأخصائي الاجتماعي، المتأهّب بمِهنيّةٍ ليناولهم أوراق الملفّ الطبيّ أولاً بأول، والذي لم يتوقّف عن تحسّس عدّاد دقائقه.

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...