⏪عشوائياتٌ في الحب.24
كُنتُ يا شيخيَ قبل أيام في مكتَبِك ، أسألُكَ عمَّا ترى في الحبِّ ما لا يراهُ الجَسد ؟ فأجبتَني : أنَّ جَدلَ الشهوةِ والحبِّ حِكايةٌ رئيس في الشراكات . وتركنا الحديثَ عن هذه الحكاية لمرة قادمة . ونحن نتريض صبيحة هذا اليوم في المدينة الرياضية في عمان ، إسمح لي
بأن أذكِّرُكَ مع هذه الشمس الدافئة ، بأن سُؤالي ما زال قائما ، منتظرا رأيك .
أمْسكتُ بيدِها وتوقفنا أمام مقصفٍ للقهوة . تناوَلْنا ما طَلبنا . إنتحينا جانِباً مُشبعا بالشمسِ ، وجلَسنا على مَقعدَين خشبيَّينِ مُتواجِهين . اعْتدلْتُ في جلسَتي قبلَ أن أقول لها ضاحكا : بين الحبِّ والشهوةِ يا سيدتي علاقةٌ جدلية . في العادة ، مُتَّسقةٌ إلى حدٍّ كبيرٍ ، مع روحِ الشراكة ومضامينِها وتَبعاتِها .
في الشَّراكاتِ السويَّة ، الحب هو الأسبقُ على طريقِها ، والغريزةُ تمشي وراءَه تَتفيَّا ظلالَه ، مُتأكدةً مِنْ حِماياتِه لها. وفي الشراكات المُتورِّمةِ ، ينعكسُ الترتيبُ ، لتُصبحَ الغريزةُ هي الأسبق . والحب زاحفا وراءها ، يَلتقِط فضلاتَ غَزواتها .
سَألَتْ وهي تنحني باتجاهي إلى الأمام : ما الذي يُحدِثُ هذا التّغيُّرَفي الأولويات ؟ أهي ظنونٌ مُضَلِّلَةٌ ، توهمُ القلبَ أنَّه قادرٌ على حماية نفْسه وغيرِه ؟ أمْ .... ؟
قُلتُ بعد أن تَوَقَّفَتْ عنْ إكمالِ سُؤالِها : في عهودِ سطوةِ الميديا ، تَوسَّعتِ الفرديةُ الأنانيةُ ، في غيطانِ الشَّراكة وانتشرَت . سَعَت جاهدةً إلى ضمِّ الغرائزِ تحتَ راياتِها . وسارعت لتعزيز سلطة هذه الرايات ، على أحراشٍ تضم تضاريسَ الشهوةِ ومظانَّ المَشاعر .
عندما انطلقت الشهوةُ إلى مغامراتها الخارجية ، بدأت بالأقرب ، إلى أن جاء الدور على البعيد والأعمق . وباتت دون حسابٍ للتكاليف ، تغتالُ المشاعرَ ، وتُدوِّرُ الحقائق والوعيَ .
لم تكن المغامرة الأولى فريدة من نوعها . بل نموذجا تكرر . ولم تقتصر على عنوان . بل تمددت إلى كلِّ مجالٍ ، ظاهرٍ أو كامنٍ . حتى أكْملَت سيطرتَها على كلِّ ما لمْ يكُنِ القلبُ يتوقَّعه . مِما أثارَ قلقَ المشاعرِ بعد أنْ سكتت مدافعُ القلب . وكان هذا القلقُ ، نقلةً مٍحوريةً على طريقِ الخِلافِ والاختلاف .
عند هذه النقلةُ النوعية ، قررت المشاعرُ التأكيدَ على حقِّها في رسمِ الخطوطِ المُستجدَّةِ على خريطة القِيَمْ ، التي يُعادُ تشكيلُها . وعندما طلبَتْ المشاعرُ الحسابَ ، كان ردُّ الشهوة بعد تردُّدٍ لَمْ يَطُل : أنَّ ما هو في صالح الغرائز ، هو حُكْما في صالح المشاعر . فراحتِ المشاعرُ تستدعي وراءَها جيوشَ التذمُّر وعدم الرضى ، وأساطيلَ التشاكي والتباكي .
ساعتها أدرك أتباعُ الغرائز ، أنَّ عملياتِهم المُباشرة تبدو لكثيرينَ قرصنةً عُدوانية . فبحثوا عن أقنعة . فبدا لهم أنَّ أفضلَ وسائلَ التَّخفي ، تحويلَ قناعاتِهم المُباشرة المَكشوفة ، إلى واجهاتٍ واسعةٍ ، تحملُ لافِتاتٍ تتسترُ وراءَها . وراحت تتقدم خطوة بعد خطوة .
في البداية جربوا على استحياء ، حيث ينفع وحيث لا ينفع ، حين يلزم وحين لا يلزم . وجربوا العمل الخفي . وعندما أتموا تهيئة الظروف وغدت مواتية ، اقتحموا وتوغَّلوا بمستجداتٍ فاقت قدرةَ المشاعرِ على المقاومة . الى أن نجحوا في اختراقِ أولوياتِ الِقيم ، وضوابِطها ومرجعياتِها . مما شجَّعَهم في عرض بعض قناعاتهم على حيارى الناس ، بجسارةٍ تجنحُ نحو الاستعلاء .
في هذه الأجواء التي اختلط فيها الجوهر بالمظهر ، أطلق بعض أصحاب شكليات الإيمان ، هبَّاتا وعظيةً مُتدنيةَ الفعالية . بقيت على حواف بعض اللحظات التجريبية ، بين إقدامٍ وإحجام ، حائرة بين جُموحِ الرَّغبةِ ومحاذيرِ الخطيئة .
وتَجنُّبا لِمزالقِ التعميم ، لا يَصِح لأحدٍ أنْ ينسى أنَّ بعضا مِنَ القِيمِ قد تحول إلى مجرد يُفطٍ وقِشرَ مَوْزٍ ، إنزلقَ عليه كثيرون ، وما زالوا بتسارع فاقع صادم ، حتى بمقاييس أتباع الشهوة .
والحالُ كذلك ، فإنَّ هذا الارتطام الحاصل بين الشهوة والمشاعر، بات أخطر مِنْ أنْ يُترَكَ للتَّشاتُمِ أو للعصبيَّة أو للنَّزَق ، فمهما بلغت قدرتها على تنفيس فورات الغضب ، فهي لن تُحسِنَ صُنعَ بدائلَ قادرة على ترميم منظومات القيم ، وتقليم تطبيقاتها .
إعتَدَلَت رفيقتي في جلستِها وهي تقول : إنَّ عدم قبولِ الشركاء للمساومة ، يتبدى في عجزٍ على صنع أو اقتراح حلولٍ . الخلافُ والاختلاف بطبائعهما ، غيرَ قادرينٍ على ذلك أيضا . وكي لا تضيع الفرصةُ أمام سُجناء الوجَعِ المُؤطَّرِ بالتَّكارُه ، ألا ترى معي يا شيخيَ ، أنَّ مصلحتَهُما في ظلِّ المستقبل ، لا بد لها أنْ تأخذَ في يدِها زِمامَ المُبادرة ، على أساس أنَّ ذكاءَ المَصالِحِ ، قدْ يَتَغلَّبُ على غباءِ التجارب ؟
قُلتُ بعد أنْ أدْرَكتُ أنَّ قهوتَنا قد برَدَتْ قبلَ أنْ نحتسيَ شيئاً مِنْها : جدلُ المَصالحِ الذكيَّةِ في الشراكات ، وغباءُ التجارب فيها ، حكايةٌ أخرى يا سيدتي ، نُكمِلُ حديثَنا عنه في وقت آخر إن شاء الله .
*د. سمير محمد ايوب
الاردن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كُنتُ يا شيخيَ قبل أيام في مكتَبِك ، أسألُكَ عمَّا ترى في الحبِّ ما لا يراهُ الجَسد ؟ فأجبتَني : أنَّ جَدلَ الشهوةِ والحبِّ حِكايةٌ رئيس في الشراكات . وتركنا الحديثَ عن هذه الحكاية لمرة قادمة . ونحن نتريض صبيحة هذا اليوم في المدينة الرياضية في عمان ، إسمح لي
بأن أذكِّرُكَ مع هذه الشمس الدافئة ، بأن سُؤالي ما زال قائما ، منتظرا رأيك .
أمْسكتُ بيدِها وتوقفنا أمام مقصفٍ للقهوة . تناوَلْنا ما طَلبنا . إنتحينا جانِباً مُشبعا بالشمسِ ، وجلَسنا على مَقعدَين خشبيَّينِ مُتواجِهين . اعْتدلْتُ في جلسَتي قبلَ أن أقول لها ضاحكا : بين الحبِّ والشهوةِ يا سيدتي علاقةٌ جدلية . في العادة ، مُتَّسقةٌ إلى حدٍّ كبيرٍ ، مع روحِ الشراكة ومضامينِها وتَبعاتِها .
في الشَّراكاتِ السويَّة ، الحب هو الأسبقُ على طريقِها ، والغريزةُ تمشي وراءَه تَتفيَّا ظلالَه ، مُتأكدةً مِنْ حِماياتِه لها. وفي الشراكات المُتورِّمةِ ، ينعكسُ الترتيبُ ، لتُصبحَ الغريزةُ هي الأسبق . والحب زاحفا وراءها ، يَلتقِط فضلاتَ غَزواتها .
سَألَتْ وهي تنحني باتجاهي إلى الأمام : ما الذي يُحدِثُ هذا التّغيُّرَفي الأولويات ؟ أهي ظنونٌ مُضَلِّلَةٌ ، توهمُ القلبَ أنَّه قادرٌ على حماية نفْسه وغيرِه ؟ أمْ .... ؟
قُلتُ بعد أن تَوَقَّفَتْ عنْ إكمالِ سُؤالِها : في عهودِ سطوةِ الميديا ، تَوسَّعتِ الفرديةُ الأنانيةُ ، في غيطانِ الشَّراكة وانتشرَت . سَعَت جاهدةً إلى ضمِّ الغرائزِ تحتَ راياتِها . وسارعت لتعزيز سلطة هذه الرايات ، على أحراشٍ تضم تضاريسَ الشهوةِ ومظانَّ المَشاعر .
عندما انطلقت الشهوةُ إلى مغامراتها الخارجية ، بدأت بالأقرب ، إلى أن جاء الدور على البعيد والأعمق . وباتت دون حسابٍ للتكاليف ، تغتالُ المشاعرَ ، وتُدوِّرُ الحقائق والوعيَ .
لم تكن المغامرة الأولى فريدة من نوعها . بل نموذجا تكرر . ولم تقتصر على عنوان . بل تمددت إلى كلِّ مجالٍ ، ظاهرٍ أو كامنٍ . حتى أكْملَت سيطرتَها على كلِّ ما لمْ يكُنِ القلبُ يتوقَّعه . مِما أثارَ قلقَ المشاعرِ بعد أنْ سكتت مدافعُ القلب . وكان هذا القلقُ ، نقلةً مٍحوريةً على طريقِ الخِلافِ والاختلاف .
عند هذه النقلةُ النوعية ، قررت المشاعرُ التأكيدَ على حقِّها في رسمِ الخطوطِ المُستجدَّةِ على خريطة القِيَمْ ، التي يُعادُ تشكيلُها . وعندما طلبَتْ المشاعرُ الحسابَ ، كان ردُّ الشهوة بعد تردُّدٍ لَمْ يَطُل : أنَّ ما هو في صالح الغرائز ، هو حُكْما في صالح المشاعر . فراحتِ المشاعرُ تستدعي وراءَها جيوشَ التذمُّر وعدم الرضى ، وأساطيلَ التشاكي والتباكي .
ساعتها أدرك أتباعُ الغرائز ، أنَّ عملياتِهم المُباشرة تبدو لكثيرينَ قرصنةً عُدوانية . فبحثوا عن أقنعة . فبدا لهم أنَّ أفضلَ وسائلَ التَّخفي ، تحويلَ قناعاتِهم المُباشرة المَكشوفة ، إلى واجهاتٍ واسعةٍ ، تحملُ لافِتاتٍ تتسترُ وراءَها . وراحت تتقدم خطوة بعد خطوة .
في البداية جربوا على استحياء ، حيث ينفع وحيث لا ينفع ، حين يلزم وحين لا يلزم . وجربوا العمل الخفي . وعندما أتموا تهيئة الظروف وغدت مواتية ، اقتحموا وتوغَّلوا بمستجداتٍ فاقت قدرةَ المشاعرِ على المقاومة . الى أن نجحوا في اختراقِ أولوياتِ الِقيم ، وضوابِطها ومرجعياتِها . مما شجَّعَهم في عرض بعض قناعاتهم على حيارى الناس ، بجسارةٍ تجنحُ نحو الاستعلاء .
في هذه الأجواء التي اختلط فيها الجوهر بالمظهر ، أطلق بعض أصحاب شكليات الإيمان ، هبَّاتا وعظيةً مُتدنيةَ الفعالية . بقيت على حواف بعض اللحظات التجريبية ، بين إقدامٍ وإحجام ، حائرة بين جُموحِ الرَّغبةِ ومحاذيرِ الخطيئة .
وتَجنُّبا لِمزالقِ التعميم ، لا يَصِح لأحدٍ أنْ ينسى أنَّ بعضا مِنَ القِيمِ قد تحول إلى مجرد يُفطٍ وقِشرَ مَوْزٍ ، إنزلقَ عليه كثيرون ، وما زالوا بتسارع فاقع صادم ، حتى بمقاييس أتباع الشهوة .
والحالُ كذلك ، فإنَّ هذا الارتطام الحاصل بين الشهوة والمشاعر، بات أخطر مِنْ أنْ يُترَكَ للتَّشاتُمِ أو للعصبيَّة أو للنَّزَق ، فمهما بلغت قدرتها على تنفيس فورات الغضب ، فهي لن تُحسِنَ صُنعَ بدائلَ قادرة على ترميم منظومات القيم ، وتقليم تطبيقاتها .
إعتَدَلَت رفيقتي في جلستِها وهي تقول : إنَّ عدم قبولِ الشركاء للمساومة ، يتبدى في عجزٍ على صنع أو اقتراح حلولٍ . الخلافُ والاختلاف بطبائعهما ، غيرَ قادرينٍ على ذلك أيضا . وكي لا تضيع الفرصةُ أمام سُجناء الوجَعِ المُؤطَّرِ بالتَّكارُه ، ألا ترى معي يا شيخيَ ، أنَّ مصلحتَهُما في ظلِّ المستقبل ، لا بد لها أنْ تأخذَ في يدِها زِمامَ المُبادرة ، على أساس أنَّ ذكاءَ المَصالِحِ ، قدْ يَتَغلَّبُ على غباءِ التجارب ؟
قُلتُ بعد أنْ أدْرَكتُ أنَّ قهوتَنا قد برَدَتْ قبلَ أنْ نحتسيَ شيئاً مِنْها : جدلُ المَصالحِ الذكيَّةِ في الشراكات ، وغباءُ التجارب فيها ، حكايةٌ أخرى يا سيدتي ، نُكمِلُ حديثَنا عنه في وقت آخر إن شاء الله .
*د. سمير محمد ايوب
الاردن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ملحوظة : أتمنى أن تُقرأ العشوائية 23 قبل هذه العشوائية ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق