⏪⏬
لم أكن أعلم بما يخفيه نور الشمس المنبعث من خلف تلك الرابية العذراء ، حملت حقيبتي بعد أن دسست فيها قلما ودفترا وقطعة من الخبز المحمص ، ثم انطلقت إلى موعدي في ذات المكان ، لكن هذه المرة كان توقيت الموعد باكرا .
الدرب المؤدي إلى مكان اللقاء تغير ، بل أنا من قرر أن يغيره ، فقد تذكرت وصية جدتي ( لا تعد من ذات الطريق يابني ) ...
الخضرة تنتشر على طرفيه فتمنحه جمالا أكبر ، بعض الأشواك تتبعثر هنا وهناك ، تمد رؤوسها من بين الحشائش الخضراء وكأنها تتحين فرصة للانقضاض علي ، أو على ثلة الفراشات اللاهية .
فجأة يظهر جندي بسلاحه الكامل على طرف الدرب ، كان أسمر الوجه ، تنبعث من معالمه براءة طفل ، كان ينظر كثيرا إلى جهة ما لم استطع اكتشافها : ( إلى أين أيها الشاب ) سألني دون أن يرمي التحية ، تلعثمت للحظة قبل أن أعاود قراءة وجهه ( إلى أمي العجوز فهي تنتظرني هناك ) ... وأشرت بأصبعي إلى حيث تقبع شجرة الجوز العجوز ... ( وأنت إلى أين تذهب أيها الجندي ) ... كان سؤالي ساذجا لدرجة أنه استخف بي ( وإلى أين يذهب مثلي أيها الشاب ، يبدو بأنك لم تراني جيدا ... هناك إخوة بانتظاري على جبهة القتال لابد أن أصل إليهم في الموعد المحدد ) ... صمت برهة من الوقت ثم أردف مستطردا : ( بعضهم ينتظر وصولي كي يأتي لرؤية أمه ك أنت ) ... قالها وابتسامة ماكرة ترتسم على شفتيه الغليظتين ( هل عرف بأني كذبت عليه ) ...
تركته ومضيت في طريقي إلى شجرتي الأم .
عصفور يلهو مع رفاقه على غصن طري ، لونه يشبه لباس ذاك الجندي ، قلت ( ما أكثر الجنود في بلدي ) ... فمن هنا مرت جحافل الغزاة قبل أن تعود وهي تحمل أشلائها ، ولعل هذه الأشجار الكبيرة تشهد على أرتالهم المهزومة منذ عقود خلت .
هذا الجندي جعلني أنسى بأني ذاهب للقاء مختلف ، فعدت أسابق الوقت كي أصل قبل انسكابه الأخير .
كان وجه شجرة الجوز بشوشا ، وكان لقاؤنا ساخنا ، أشارت إلى الأسفل وهي تبتسم ، هناك كانت ورقة خضراء تنتظرني ، أمسكت بها بتوجس ، قرأت عبارة قصيرة : ( لقد أتيت ولم أجدك ، وليس لدي وقت كي انتظر أكثر ، أراك في الأسبوع القادم ) ...
طارت الأفكار كلها دفعة واحدة من ذاكرتي ، حتى هذه المرة لم ألتقي بفتاتي ، لابد من الانتظار أسبوعا آخر ...
في طريق العودة شاهدت جمهرة من الناس يحملون نعشا على أكتافهم ، بينما اختلط صوت البكاء بالزغاريد المنبعثة من حناجر النسوة .
كان ذات المكان الذي التقيت فيه الجندي الأسمر ، عندما تلاقت نظراتي مع الشمس لمحت انحنائتها لأول مرة ، تناولت قلمي ودونت على دفتري : ( الحب هو الحب يا صديقي ... وكل منا يحب على طريقته ) ...
*وليد.ع.العايش
لم أكن أعلم بما يخفيه نور الشمس المنبعث من خلف تلك الرابية العذراء ، حملت حقيبتي بعد أن دسست فيها قلما ودفترا وقطعة من الخبز المحمص ، ثم انطلقت إلى موعدي في ذات المكان ، لكن هذه المرة كان توقيت الموعد باكرا .
الدرب المؤدي إلى مكان اللقاء تغير ، بل أنا من قرر أن يغيره ، فقد تذكرت وصية جدتي ( لا تعد من ذات الطريق يابني ) ...
الخضرة تنتشر على طرفيه فتمنحه جمالا أكبر ، بعض الأشواك تتبعثر هنا وهناك ، تمد رؤوسها من بين الحشائش الخضراء وكأنها تتحين فرصة للانقضاض علي ، أو على ثلة الفراشات اللاهية .
فجأة يظهر جندي بسلاحه الكامل على طرف الدرب ، كان أسمر الوجه ، تنبعث من معالمه براءة طفل ، كان ينظر كثيرا إلى جهة ما لم استطع اكتشافها : ( إلى أين أيها الشاب ) سألني دون أن يرمي التحية ، تلعثمت للحظة قبل أن أعاود قراءة وجهه ( إلى أمي العجوز فهي تنتظرني هناك ) ... وأشرت بأصبعي إلى حيث تقبع شجرة الجوز العجوز ... ( وأنت إلى أين تذهب أيها الجندي ) ... كان سؤالي ساذجا لدرجة أنه استخف بي ( وإلى أين يذهب مثلي أيها الشاب ، يبدو بأنك لم تراني جيدا ... هناك إخوة بانتظاري على جبهة القتال لابد أن أصل إليهم في الموعد المحدد ) ... صمت برهة من الوقت ثم أردف مستطردا : ( بعضهم ينتظر وصولي كي يأتي لرؤية أمه ك أنت ) ... قالها وابتسامة ماكرة ترتسم على شفتيه الغليظتين ( هل عرف بأني كذبت عليه ) ...
تركته ومضيت في طريقي إلى شجرتي الأم .
عصفور يلهو مع رفاقه على غصن طري ، لونه يشبه لباس ذاك الجندي ، قلت ( ما أكثر الجنود في بلدي ) ... فمن هنا مرت جحافل الغزاة قبل أن تعود وهي تحمل أشلائها ، ولعل هذه الأشجار الكبيرة تشهد على أرتالهم المهزومة منذ عقود خلت .
هذا الجندي جعلني أنسى بأني ذاهب للقاء مختلف ، فعدت أسابق الوقت كي أصل قبل انسكابه الأخير .
كان وجه شجرة الجوز بشوشا ، وكان لقاؤنا ساخنا ، أشارت إلى الأسفل وهي تبتسم ، هناك كانت ورقة خضراء تنتظرني ، أمسكت بها بتوجس ، قرأت عبارة قصيرة : ( لقد أتيت ولم أجدك ، وليس لدي وقت كي انتظر أكثر ، أراك في الأسبوع القادم ) ...
طارت الأفكار كلها دفعة واحدة من ذاكرتي ، حتى هذه المرة لم ألتقي بفتاتي ، لابد من الانتظار أسبوعا آخر ...
في طريق العودة شاهدت جمهرة من الناس يحملون نعشا على أكتافهم ، بينما اختلط صوت البكاء بالزغاريد المنبعثة من حناجر النسوة .
كان ذات المكان الذي التقيت فيه الجندي الأسمر ، عندما تلاقت نظراتي مع الشمس لمحت انحنائتها لأول مرة ، تناولت قلمي ودونت على دفتري : ( الحب هو الحب يا صديقي ... وكل منا يحب على طريقته ) ...
*وليد.ع.العايش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق