⏪⏬
هذا عنوان كتاب لإدوارد سعيد، وبقدر ما هو صادم بقدر ما هو يميط اللثام عن ما لا نحب له أن يتكشف ويسفر عن وجهه الحقيقي
حيث التقط سعيد دور المثقفين بصفة خاصة في مؤازرة السياسيين فكريا للدفع بارتكاب أحداث جسام كانت أقرب للكوارث منها إلى الحماقات، وتناول دورهم في تزيين الفعل كالسحرة فأبرزوا شعارات براقة في ظاهرها الرحمة (نشر الديمقراطية والحرب على الإرهاب) وفي باطنها السحق والفناء ، يبدأ الكتاب بجملة من تعريفات للإستشراق من خلال المستشرقين أنفسهم أو تعريفه هو بصفة شخصية، ونظرا لما انطوت عليه حركة الاستشراق من كونها مؤسسة خدمية للاحتلال قديما وحديثا وإن كان به بعض الإفادة للمسلمين رغما عن الغرب المتآمر، فتلك الأخيرة لا تقارن بما قدم ويقدم لهم، فهو كما انتهى سعيد إلى قوله:
بأنه “هو أسلوب من الفكر القائم على تمييز وجودي ومعرفي بين الشرق الروحي والغرب العقلي كما هو أسلوب سياسي وإداري للسيطرة على الشرق”
ونظرا للوقع السيئ لمفردة”الاستشراق” على أذن المتلقي في بلادنا فإنه ومنذ عام 1973م عقد تجمع في باريس تحت عنوان “مؤتمرات العلوم الإنسانية الخاصة بالعالم الإسلامي”لينتهي التصريح بالمغزى الحقيقي لتلك التجمعات، وأصبح يطلق على المستشرقين في الآونة الأخيرة:
خبراء في شؤون الشرق الأوسط وهؤلاء يقدمون الخدمات المباشرة لصناع القرار في الحلف الإسرائيلي الأمريكي.
يقومون بتبني المواقف والسياسات الإسرائيلية وتبريرها.
تشجيع المعتقدات الصهيونية التوراتية الغيبية تجاه العرب وفلسطين والترويج “للمعجزة اليهودية” في بناء الدولة وجيشها الذي لا يقهر …….. إلخ من هذه الترهات.
ومنذ عام 1973م بدأ حملة منظمة لتبرير تدخل الغرب في شؤون بلادنا الداخلية، فقام المستشرقون بتكثيف الصورة التي رسموها للعرب والمسلمين على مدى تاريخ الاستشراق بأكمله وهي رمينا بالجهل والتخلف والتعصب والشعور بالدونية والإرهاب وكراهية الآخر.
ودون خجل استمرت زمرة من المفكرين الغربيين في نشر صورة بعينها لخصها برنارد لويس في كتابه “عودة الإسلام” وهي أن الإسلام لا يتطور حاله كحال المسلمين، فهم خائفون ويجب أن يوضعوا تحت الرقابة، ويعلق سعيد على ذلك بقوله “واستمر ذلك الشعور لأنه مؤسس على جذور دينية راسخة بعمق، إذ ينظر إلى الإسلام كمنافس للمسيحية”
وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي ونظرا لطبيعة الحضارة الغربية المادية الخالية من معين روحي عقدي يكون ظهيرا يقيها من الزلل والسقوط حال قيامها بحروبها ونهبها لثروات شعوب أخرى فكان ولابد من خلق عدو جديد فتفتق ذهن مفكريها الموتورين عن ابتداع “الخطر الأخضر”، “الإسلاموفوبيا”، “الإرهاب”، وعلى رأس من تلوثت عقولهم بهذا الفكر المريض كان صمويل هنتنجتون، واحد ممن عملوا في الأمن القومي الأمريكي وكاتب كتاب “صراع الحضارات” الذي أصدره في 2002 وللوهلة الأولى والانطباع الأول بعد قراءته تشعر أن الشيطان نفسه هو من أملاه هذا الكتاب أو قل أنها رغبة شياطين الإنس الذين يحكمون هذا العالم وفيه الوصف أو الأكلاشيه الجاهز تجاه المسلمين “غوغاء، رعاع، متخلفون، إرهابيون، متعصبون، كارهون للآخر، منغلقون، لا يتطورون، لا يجيدون التعبير عن أنفسهم، عاجزون عن مواجهة الواقع، وقول الحقيقة، مدمنون الخرافات والأساطير والتاريخ الكاذب………….إلخ”
لينتهي في كتابه إلى أن الحروب القادمة ستكون أيدلوجية بها ستذوب الحدود والفواصل بين الدول بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها وستتفكك ويصبح الحاكم المتحكم في كل بقعة من هذا الكوكب هي الشركات العابرة للقارات التي سيفوق اقتصادها اقتصاد الدول الحالية وأنه لا سبيل إلى التخلص من براثن هذه الحروب وتداعياتها إلا بقبول المنهجية الغربية وماديتها وبمعنى أدق “قبول الرأسمالية في صورتها المتوحشة والمتطرفة الجديدة” وهو رضوخ كامل لفكر الغرب(الماسوني) شكلا وموضوعا وواقعا وإلا فالهلاك المحقق، وأثر هذا الفكر بشكل مباشر في الرئيس الأمريكي بوش الذي قاد جملة من الحروب في الدول الأسلامية بصور شتى (بعد أحداث 11 سبتمبر الهوليودية إذ يتعين علينا أن نصدق أن الأمن في أمريكا عجز عن كشف هذه الحادثة قبل وقوعها ليخرج علينا الموتور جورج دبليو بوش بقوله للأمريكان “إلبسوا بزاتكم العسكرية، سأعلنها حربا صليبية” ثم يتداركه الخبراء في بلاده الذين يرغبون في أن نبقى ماحيينا في التيه والضلال المبين فوصفوه بأنه رد فعل سريع لما حدث وأنه ثور الله في برسيمه لا يعي بما يقول).
أما الكتاب المعنون “تيار الإسلام السياسي” للمستشرق الفرنسي أوليفيه روا والذي صدر في 1992 فإنه استمرار فاضح للتوصيف الجاهز لدى المستشرقين بعامة لعموم المسلمين والذي يتناقلونه فيما بينهم كأمر مسلم به ولا يجب النكوص عنه فقد ارتأى أوليفيه أن الإسلام ليس لدى كل الفرق والحركات على تعددها له ديباجة واحدة وتصور واحد وإنما لكل منهم تصور ما وآلية ما تختلف عن الأخرى، ولأن أوليفيه روا الذي يعمل بالاستشراق لا يعرف العربية ولم يقرأ القرآن فهو ينقل عن السابقين عليه دون دراسة جادة يعتد بها فهو يكتب عن أقوام لم يكلف نفسه للعيش بينهم وتعلم لغتهم ودراسة قرآنهم فلا يحيد عن الموضوعية ولكنه اليمين المتطرف الذي أصابهم جميعا ولوث عقولهم.
وفي المقابل فإن المسلمين لا يوجد إعلام معبر عنهم أو متبني لقضيتهم وشارحا مفندا لتعاليم دينهم ولا المثقفين المتصدرين للمشهد يعبرون عنهم ولا يعنيهم من قريب أو من بعيد القاري في بلادهم وإنما يعنيهم القاري الغربي وذائقته طعما في الترجمة والجوائز، إنها جزء من الخيانة التي تحدث عنها إدوارد سعيد.
ومضى سعيد يسرد لنا تعريفات مختلفة من دول شتى للمثقف وقد أدان هو نفسه بعض هذه التعريفات لأنها تنطوي على جعل المثقف بدلا من الالتصاق بالسواد الأعظم للجماهير بتبني قضاياهم المحلية والدولية ويكون لديه رؤية ومشروع حقيقي به الإلمام بالمشهد الذي يعيش فيه القاعدة العريضة من المجتمع، فإنه على العكس من ذلك يداهن وينافق مقابل بعض الامتيازات والعطايا التي يحصل عليها من الساسة ليصبح بوقهم المخلص، واستمر في إدانته للمثقفين العرب عندما عرج على القضية لفلسطينية التي تفرض نفسها خاصة عندما زار جنوب أفريقيا 1994 وكان نلسون مانديلا قد خرج من سجنه وأصبح رئيسا لجنوب أفريقيا واستمع سعيد لخطبه التي قال فيها أن قضيتهم هي قضية أخلاقية بالأساس وهو ما نجح فيه المثقفين في التعريف بها على مستوى العالم يشرحون قضيتهم من هذا المنطلق حيث أنهم أجادوا مخاطبة الغرب على عكس المثقفين العرب الذين فشلوا في التعبير عن القضية الفلسطينية ثم يتساءل لماذا لا يشرحون هذه القضية كونها أخلاقية كما فعل مثقفي جنوب أفريقيا ورأى أنها تكون مثمرة أكثر من العمليات النضالية التي يراها العالم إرهابية فالصهيونية تروج أن اليهود مجموعة من البشر المسالمين الذين يرتكب ضدهم البدو الفلسطينيين الإرهابيين أعمالا إرهابية.
فهل غاب عن سعيد أن الصهيونية التي تمارس في فلسطين هي عقيدة “إحلال” وليست احتلال وإلا ما معنى القتل والتشريد والتهجير القسري الذي يمارس يوميا في فلسطين من سلطة الاحتلال الغاشم؟ فالعنصرية الصهيونية التي تمارس ضد الفلسطينيين هي جزء من القضية ولكنها ليست كل القضية.
ثم ينتقد سعيد حروب أمريكا التي تدفع بيد المفكرين اليمينيين لأن أمريكا هي التي ألقمت النار التي أشعلوها بين العراق وإيران على مدى ثمان سنوات يمدون صدام حسين بكل أنواع الأسلحة ثم تم مسح هذه السجلات من أجهزة البنتاجون التي تثبت ذلك وعدم ذكرها في وسائل الإعلام للتعتيم والتعمية لاختلاق أعذار من نوع ما لتدمير العراق العريق من بربر زماننا لتنطلق فيما بعد أسراب التفتيش على “أسلحة الدمار الشامل” التي استوردها صدام حسين منهم ويتم فرض الحصار الاقتصادي على العراق لمدة تزيد على اثني عشر عاما لغرض في نفوس شياطين الأنس المدعومين من المثقفين المحبين للتراث الإنساني الحضاري!! والذي نهبته أمريكا الراعي الرسمي للحرية والديمقراطية من العراق العريق في وضح النهار ولم تجد من يقول لها “عينك حمراء” مما دفع السيناتور بيرد أن يقول:
“يوجد إحساس كلي بالاندفاع والمجازفة والأسئلة الكثيرة التي لم تتم الإجابة عليها، حجاب كثيف غطى مجلس الشيوخ، لقد انحرفنا عن واجبنا المقدس في مناقشة الموضوع الرئيسي الذي يشغل كل الأمريكيين بينما العشرات من أولادنا وبناتنا يؤدون الخدمة العسكرية بإخلاص في العراق”
جدير بالذكر أن التوصيف الذي تتبناه آلة الإعلام الغربية وهي صهيونية بالطبع تجاه المسلمين كانت أوروبا قبل سبعين عاما تطلقه على اليهود من كونهم إرهابيين ويمثلون خطرا على دولا كألمانيا وفرنسا وانجلترا وإيطاليا ولذا أطلقوا عليهم “أعداء محتملين” واجب التخلص منهم فتم شحنهم في القطارات ليقودهم قادة الجيوش(على رأسهم هتلر الذي كان يعلم حقيقة اليهود أكثر من غيره) ويلاقوا حتفهم في أفران الغاز بعد أن أدارت أوروبا ظهرها لهم.
من كتاب بروتوكولات صهيون للصحفي الانجليزي فيكتور مارسدن:
أما الجوييم (غير اليهود) الأذكياء فسننجح في اقتلاعهم من تربتهم.
سنمنع الأشخاص ذوي القيمة من أن يلمع نجمهم.
يظل المجال الأدبي مغلقا على عدد محدد من المواهب الكبيرة التي إن لم تخضع لأوامرنا فلن تتمكن من اختراقه”
وبذلك يستمر مسلسل الخيانة التي تحدث عنها سعيد فيصبح قطاع منا ينفذ بنود مؤامرة الحداثة ومابعدها بأيديهم ليعلنوا خضوعهم لابتزاز اليهود القابضين على نواصي الأمور.
يقول ستوري آلن سكرتير الأكاديمية السويدية في حفل توزيع جوائز نوبل :
“”وللقراء الكثيرين الذي اكتسبهم نجيب محفوظ من خلال الثلاثية بخلفيتها الواسعة التي تصور الحياة المعاصرة جاءت “أولاد حارتنا” كالمفاجأة ، فالرواية تمثل التاريخ الروحي للبشرية، وقد قسمت إلى فصول بعدد سور القرآن الكريم ، أي 114 فصلا ، وشخصيات الإسلام واليهودية والمسيحية العظيمة تجيء متخفية لتواجه مواقف مملوءة بالتوتر .
فرجل العلم الحديث يمزج بنفس الجدارة بين إكسير الحب وبعض المواد المتفجرة، وهو يتحمل مسئولية موت “الجبلاوي” أو الإله، ولكنه لا يفنى، فهناك بريق أمل في نهاية الرواية ”
يقول نجيب محفوظ في حوار له بمجلة الشباب عدد إبريل 1989م/1409ه:
“إن الأديب يختار شخصياته لأنه وجدها صالحة للتعبير عن شيء ما في نفسه ، كأن يجدد شخصية تشعر بالضياع أو شخصية ثائر وكان وقتها يعاني من ثورة مكبوتة ……، المهم أن الرواية ككل يجب أن تعبر عن وجهة نظري”
عقدت مجلة الأزمنة البيروتية ندوة حول ظروف منح الجائزة لنجيب محفوظ ، ومما جاء فيها بالعدد 15 مارس وأبريل لسنة 1989والكلام لعلي شلش عن كتاب أدب نجيب محفوظ :
“إن جائزة نوبل تمثل الرؤية الغربية، ولا يمكن أن نتخيل كاتبا عربيا على صراع ضد الإسرائيليين، مستمرا في صراعه معهم يحصل على الجائزة، لأن هذا لا يتفق مع التصور الغربي للأمور، ولا استبعد أن يكون للجنة هذه الجائزة جهاز استخبارات خاص، فقد قررت سنة 1972 منح الكاتب الأرجنتيني “جورجي لويس بورجنس” الجائزة لكنه حرم منها قبل أسبوع واحد من الإعلان عنها لسبب غريب هو أنه يحابي ذكر الزعيم الفاشي موسيليني، ويتحدث عنه بعطف شديد فحرم الجائزة إلى الأبد، والكاتب الإسرائيلي المجهول “عجنون” ينالها ولم تكن له أعمال ذات قيمة ولم تكن له كتب مترجمة إلى لغات أخرى”
وفي نفس العدد قال عيسى بلاطة أستاذ الأدب العربي في جامعة ماكفيل بكندا:
“إن العامل السياسي لعب دورا في قضية منح نجيب محفوظ الجائزة ، فقد ظهر نجيب محفوظ على شاشة التليفزيون الإسرائيلي، وأعطى مقابلات لأدباء ونقاد وصحفيين إسرائيليين، وهذا ما جعله أقرب إلى مفهوم الغربيين عن غيره من الأدباء، كما أن الرئيس أنور السادات أقرب إلى الغربيين من الرئيس عبد الناصر للسبب نفسه، أنا أدخل العامل السياسي وأراه مباشرا، لأنه صار إسرائيليا في نظرته السياسة، أو تجنس إسرائيليا”
في كتاب عداء اليهود للحركة الإسلامية لزياد محمود علي :
“وأخيرا أنقل كلاما لأحد اليهود قاله في ندوة عقدت في جامعة تل أبيب 19/12/1980 حول دعم علاقة السلام بين مصر وإسرائيل وشارك في الندوة مصطفى خليل رئيس وزراء مصر في نظام السادات ، وبطرس غالي وزير خارجيته ومجموعة من أساتذة جامعة تل أبيب اليهود ومنهم البروفوسير “ساسون سوميخ” الذي قال:
“أثناء زيارتي لجامعة عين شمس في مصر ساءني جدا أن أجد مكتبتها بالكتب التي ألفها متعصبون من المسلمين ضد اليهود، لكن الذي آلمني أكثر أنني رأيت هذه الكتب تباع في المكتبات وأكشاك بيع الصحف بحرية تامة، وإنني لا أعتب على أدباء مصر الذين يعطفون على إسرائيل مثل الحكيم ونجيب محفوظ إذا لم يفعلا شيئا لهذه الكتب المناهضة لإسرائيل لأنني أعلم أنهما لا يستطيعان ذلك”
فهل بعد ذلك من شك في أن جائزة نوبل لا تعطى إلا لمن ترضى عنه المجامع اليهودية والصهيونية على وجه الخصوص.
وعن عدم وصول الجائزة لمن يستحقها قبل نجيب محفوظ كتب في الملحق الثقافي بمجلة إقرأ العدد 950 بتاريخ17/10/1986:
هكذا تصل الجوائز لمن لا يستحقونها :
جائزة نوبل لا تعترف بالمبدعين العرب، وبعيدا عن أي ظلال قومية أو وجدانية، فإن نقادا عالميين يعترفون بعالمية عددا من الكتاب العرب ومع ذلك مازال هناك أسماء مثل نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف وأدونيس بعيدة عن التكريم، أبواب نوبل مقفلة أمام العرب ولكن من تراه يكتب تلك التقارير النقدية التي تشكل الطريق إلى الاختيار ؟”
نقلا عن جريدة الرياض العدد 7095 بتاريخ 2/12/1981 ذات يوم كتبت إحدى المجلات الفرنسية النقدية تقول:
“هل يوجد حقا وراء الأكاديمية السويدية رجال مقنعون يحملون مسدسات مجهزة بكاتم للصوت هم الذين يختارون الرجل الذي يتربع على عرش الأدب لمدة عام كامل؟
كثيرون في العالم الثالث قالوا إن أجهزة استخبارات وعلى رأسها “سي أي إي” بالطبع تشارك في الاختيار، في ظل مجرد كلام وإن كان واضحا أن للاختيار دائما ظلالا سياسية مقنعة”
نفس المجلة الفرنسية كتبت ” أسئلة حول ترشيح الحبابي لجائزة نوبل ومشكلات الكتابة بالفرنسية”
فإذا كان الكلام عن جائزة نوبل والعداء آنذاك معلن ضد اليهود والصهيونية، فماذا تتوقع منهم اليوم وموائد السلام تبسط والأكلة على قصعتها من كل المذاهب والمناهج الحديثة والعلمانية.
هذا عنوان كتاب لإدوارد سعيد، وبقدر ما هو صادم بقدر ما هو يميط اللثام عن ما لا نحب له أن يتكشف ويسفر عن وجهه الحقيقي
حيث التقط سعيد دور المثقفين بصفة خاصة في مؤازرة السياسيين فكريا للدفع بارتكاب أحداث جسام كانت أقرب للكوارث منها إلى الحماقات، وتناول دورهم في تزيين الفعل كالسحرة فأبرزوا شعارات براقة في ظاهرها الرحمة (نشر الديمقراطية والحرب على الإرهاب) وفي باطنها السحق والفناء ، يبدأ الكتاب بجملة من تعريفات للإستشراق من خلال المستشرقين أنفسهم أو تعريفه هو بصفة شخصية، ونظرا لما انطوت عليه حركة الاستشراق من كونها مؤسسة خدمية للاحتلال قديما وحديثا وإن كان به بعض الإفادة للمسلمين رغما عن الغرب المتآمر، فتلك الأخيرة لا تقارن بما قدم ويقدم لهم، فهو كما انتهى سعيد إلى قوله:
بأنه “هو أسلوب من الفكر القائم على تمييز وجودي ومعرفي بين الشرق الروحي والغرب العقلي كما هو أسلوب سياسي وإداري للسيطرة على الشرق”
ونظرا للوقع السيئ لمفردة”الاستشراق” على أذن المتلقي في بلادنا فإنه ومنذ عام 1973م عقد تجمع في باريس تحت عنوان “مؤتمرات العلوم الإنسانية الخاصة بالعالم الإسلامي”لينتهي التصريح بالمغزى الحقيقي لتلك التجمعات، وأصبح يطلق على المستشرقين في الآونة الأخيرة:
خبراء في شؤون الشرق الأوسط وهؤلاء يقدمون الخدمات المباشرة لصناع القرار في الحلف الإسرائيلي الأمريكي.
يقومون بتبني المواقف والسياسات الإسرائيلية وتبريرها.
تشجيع المعتقدات الصهيونية التوراتية الغيبية تجاه العرب وفلسطين والترويج “للمعجزة اليهودية” في بناء الدولة وجيشها الذي لا يقهر …….. إلخ من هذه الترهات.
ومنذ عام 1973م بدأ حملة منظمة لتبرير تدخل الغرب في شؤون بلادنا الداخلية، فقام المستشرقون بتكثيف الصورة التي رسموها للعرب والمسلمين على مدى تاريخ الاستشراق بأكمله وهي رمينا بالجهل والتخلف والتعصب والشعور بالدونية والإرهاب وكراهية الآخر.
ودون خجل استمرت زمرة من المفكرين الغربيين في نشر صورة بعينها لخصها برنارد لويس في كتابه “عودة الإسلام” وهي أن الإسلام لا يتطور حاله كحال المسلمين، فهم خائفون ويجب أن يوضعوا تحت الرقابة، ويعلق سعيد على ذلك بقوله “واستمر ذلك الشعور لأنه مؤسس على جذور دينية راسخة بعمق، إذ ينظر إلى الإسلام كمنافس للمسيحية”
وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي ونظرا لطبيعة الحضارة الغربية المادية الخالية من معين روحي عقدي يكون ظهيرا يقيها من الزلل والسقوط حال قيامها بحروبها ونهبها لثروات شعوب أخرى فكان ولابد من خلق عدو جديد فتفتق ذهن مفكريها الموتورين عن ابتداع “الخطر الأخضر”، “الإسلاموفوبيا”، “الإرهاب”، وعلى رأس من تلوثت عقولهم بهذا الفكر المريض كان صمويل هنتنجتون، واحد ممن عملوا في الأمن القومي الأمريكي وكاتب كتاب “صراع الحضارات” الذي أصدره في 2002 وللوهلة الأولى والانطباع الأول بعد قراءته تشعر أن الشيطان نفسه هو من أملاه هذا الكتاب أو قل أنها رغبة شياطين الإنس الذين يحكمون هذا العالم وفيه الوصف أو الأكلاشيه الجاهز تجاه المسلمين “غوغاء، رعاع، متخلفون، إرهابيون، متعصبون، كارهون للآخر، منغلقون، لا يتطورون، لا يجيدون التعبير عن أنفسهم، عاجزون عن مواجهة الواقع، وقول الحقيقة، مدمنون الخرافات والأساطير والتاريخ الكاذب………….إلخ”
لينتهي في كتابه إلى أن الحروب القادمة ستكون أيدلوجية بها ستذوب الحدود والفواصل بين الدول بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها وستتفكك ويصبح الحاكم المتحكم في كل بقعة من هذا الكوكب هي الشركات العابرة للقارات التي سيفوق اقتصادها اقتصاد الدول الحالية وأنه لا سبيل إلى التخلص من براثن هذه الحروب وتداعياتها إلا بقبول المنهجية الغربية وماديتها وبمعنى أدق “قبول الرأسمالية في صورتها المتوحشة والمتطرفة الجديدة” وهو رضوخ كامل لفكر الغرب(الماسوني) شكلا وموضوعا وواقعا وإلا فالهلاك المحقق، وأثر هذا الفكر بشكل مباشر في الرئيس الأمريكي بوش الذي قاد جملة من الحروب في الدول الأسلامية بصور شتى (بعد أحداث 11 سبتمبر الهوليودية إذ يتعين علينا أن نصدق أن الأمن في أمريكا عجز عن كشف هذه الحادثة قبل وقوعها ليخرج علينا الموتور جورج دبليو بوش بقوله للأمريكان “إلبسوا بزاتكم العسكرية، سأعلنها حربا صليبية” ثم يتداركه الخبراء في بلاده الذين يرغبون في أن نبقى ماحيينا في التيه والضلال المبين فوصفوه بأنه رد فعل سريع لما حدث وأنه ثور الله في برسيمه لا يعي بما يقول).
أما الكتاب المعنون “تيار الإسلام السياسي” للمستشرق الفرنسي أوليفيه روا والذي صدر في 1992 فإنه استمرار فاضح للتوصيف الجاهز لدى المستشرقين بعامة لعموم المسلمين والذي يتناقلونه فيما بينهم كأمر مسلم به ولا يجب النكوص عنه فقد ارتأى أوليفيه أن الإسلام ليس لدى كل الفرق والحركات على تعددها له ديباجة واحدة وتصور واحد وإنما لكل منهم تصور ما وآلية ما تختلف عن الأخرى، ولأن أوليفيه روا الذي يعمل بالاستشراق لا يعرف العربية ولم يقرأ القرآن فهو ينقل عن السابقين عليه دون دراسة جادة يعتد بها فهو يكتب عن أقوام لم يكلف نفسه للعيش بينهم وتعلم لغتهم ودراسة قرآنهم فلا يحيد عن الموضوعية ولكنه اليمين المتطرف الذي أصابهم جميعا ولوث عقولهم.
وفي المقابل فإن المسلمين لا يوجد إعلام معبر عنهم أو متبني لقضيتهم وشارحا مفندا لتعاليم دينهم ولا المثقفين المتصدرين للمشهد يعبرون عنهم ولا يعنيهم من قريب أو من بعيد القاري في بلادهم وإنما يعنيهم القاري الغربي وذائقته طعما في الترجمة والجوائز، إنها جزء من الخيانة التي تحدث عنها إدوارد سعيد.
ومضى سعيد يسرد لنا تعريفات مختلفة من دول شتى للمثقف وقد أدان هو نفسه بعض هذه التعريفات لأنها تنطوي على جعل المثقف بدلا من الالتصاق بالسواد الأعظم للجماهير بتبني قضاياهم المحلية والدولية ويكون لديه رؤية ومشروع حقيقي به الإلمام بالمشهد الذي يعيش فيه القاعدة العريضة من المجتمع، فإنه على العكس من ذلك يداهن وينافق مقابل بعض الامتيازات والعطايا التي يحصل عليها من الساسة ليصبح بوقهم المخلص، واستمر في إدانته للمثقفين العرب عندما عرج على القضية لفلسطينية التي تفرض نفسها خاصة عندما زار جنوب أفريقيا 1994 وكان نلسون مانديلا قد خرج من سجنه وأصبح رئيسا لجنوب أفريقيا واستمع سعيد لخطبه التي قال فيها أن قضيتهم هي قضية أخلاقية بالأساس وهو ما نجح فيه المثقفين في التعريف بها على مستوى العالم يشرحون قضيتهم من هذا المنطلق حيث أنهم أجادوا مخاطبة الغرب على عكس المثقفين العرب الذين فشلوا في التعبير عن القضية الفلسطينية ثم يتساءل لماذا لا يشرحون هذه القضية كونها أخلاقية كما فعل مثقفي جنوب أفريقيا ورأى أنها تكون مثمرة أكثر من العمليات النضالية التي يراها العالم إرهابية فالصهيونية تروج أن اليهود مجموعة من البشر المسالمين الذين يرتكب ضدهم البدو الفلسطينيين الإرهابيين أعمالا إرهابية.
فهل غاب عن سعيد أن الصهيونية التي تمارس في فلسطين هي عقيدة “إحلال” وليست احتلال وإلا ما معنى القتل والتشريد والتهجير القسري الذي يمارس يوميا في فلسطين من سلطة الاحتلال الغاشم؟ فالعنصرية الصهيونية التي تمارس ضد الفلسطينيين هي جزء من القضية ولكنها ليست كل القضية.
ثم ينتقد سعيد حروب أمريكا التي تدفع بيد المفكرين اليمينيين لأن أمريكا هي التي ألقمت النار التي أشعلوها بين العراق وإيران على مدى ثمان سنوات يمدون صدام حسين بكل أنواع الأسلحة ثم تم مسح هذه السجلات من أجهزة البنتاجون التي تثبت ذلك وعدم ذكرها في وسائل الإعلام للتعتيم والتعمية لاختلاق أعذار من نوع ما لتدمير العراق العريق من بربر زماننا لتنطلق فيما بعد أسراب التفتيش على “أسلحة الدمار الشامل” التي استوردها صدام حسين منهم ويتم فرض الحصار الاقتصادي على العراق لمدة تزيد على اثني عشر عاما لغرض في نفوس شياطين الأنس المدعومين من المثقفين المحبين للتراث الإنساني الحضاري!! والذي نهبته أمريكا الراعي الرسمي للحرية والديمقراطية من العراق العريق في وضح النهار ولم تجد من يقول لها “عينك حمراء” مما دفع السيناتور بيرد أن يقول:
“يوجد إحساس كلي بالاندفاع والمجازفة والأسئلة الكثيرة التي لم تتم الإجابة عليها، حجاب كثيف غطى مجلس الشيوخ، لقد انحرفنا عن واجبنا المقدس في مناقشة الموضوع الرئيسي الذي يشغل كل الأمريكيين بينما العشرات من أولادنا وبناتنا يؤدون الخدمة العسكرية بإخلاص في العراق”
جدير بالذكر أن التوصيف الذي تتبناه آلة الإعلام الغربية وهي صهيونية بالطبع تجاه المسلمين كانت أوروبا قبل سبعين عاما تطلقه على اليهود من كونهم إرهابيين ويمثلون خطرا على دولا كألمانيا وفرنسا وانجلترا وإيطاليا ولذا أطلقوا عليهم “أعداء محتملين” واجب التخلص منهم فتم شحنهم في القطارات ليقودهم قادة الجيوش(على رأسهم هتلر الذي كان يعلم حقيقة اليهود أكثر من غيره) ويلاقوا حتفهم في أفران الغاز بعد أن أدارت أوروبا ظهرها لهم.
من كتاب بروتوكولات صهيون للصحفي الانجليزي فيكتور مارسدن:
أما الجوييم (غير اليهود) الأذكياء فسننجح في اقتلاعهم من تربتهم.
سنمنع الأشخاص ذوي القيمة من أن يلمع نجمهم.
يظل المجال الأدبي مغلقا على عدد محدد من المواهب الكبيرة التي إن لم تخضع لأوامرنا فلن تتمكن من اختراقه”
وبذلك يستمر مسلسل الخيانة التي تحدث عنها سعيد فيصبح قطاع منا ينفذ بنود مؤامرة الحداثة ومابعدها بأيديهم ليعلنوا خضوعهم لابتزاز اليهود القابضين على نواصي الأمور.
يقول ستوري آلن سكرتير الأكاديمية السويدية في حفل توزيع جوائز نوبل :
“”وللقراء الكثيرين الذي اكتسبهم نجيب محفوظ من خلال الثلاثية بخلفيتها الواسعة التي تصور الحياة المعاصرة جاءت “أولاد حارتنا” كالمفاجأة ، فالرواية تمثل التاريخ الروحي للبشرية، وقد قسمت إلى فصول بعدد سور القرآن الكريم ، أي 114 فصلا ، وشخصيات الإسلام واليهودية والمسيحية العظيمة تجيء متخفية لتواجه مواقف مملوءة بالتوتر .
فرجل العلم الحديث يمزج بنفس الجدارة بين إكسير الحب وبعض المواد المتفجرة، وهو يتحمل مسئولية موت “الجبلاوي” أو الإله، ولكنه لا يفنى، فهناك بريق أمل في نهاية الرواية ”
يقول نجيب محفوظ في حوار له بمجلة الشباب عدد إبريل 1989م/1409ه:
“إن الأديب يختار شخصياته لأنه وجدها صالحة للتعبير عن شيء ما في نفسه ، كأن يجدد شخصية تشعر بالضياع أو شخصية ثائر وكان وقتها يعاني من ثورة مكبوتة ……، المهم أن الرواية ككل يجب أن تعبر عن وجهة نظري”
عقدت مجلة الأزمنة البيروتية ندوة حول ظروف منح الجائزة لنجيب محفوظ ، ومما جاء فيها بالعدد 15 مارس وأبريل لسنة 1989والكلام لعلي شلش عن كتاب أدب نجيب محفوظ :
“إن جائزة نوبل تمثل الرؤية الغربية، ولا يمكن أن نتخيل كاتبا عربيا على صراع ضد الإسرائيليين، مستمرا في صراعه معهم يحصل على الجائزة، لأن هذا لا يتفق مع التصور الغربي للأمور، ولا استبعد أن يكون للجنة هذه الجائزة جهاز استخبارات خاص، فقد قررت سنة 1972 منح الكاتب الأرجنتيني “جورجي لويس بورجنس” الجائزة لكنه حرم منها قبل أسبوع واحد من الإعلان عنها لسبب غريب هو أنه يحابي ذكر الزعيم الفاشي موسيليني، ويتحدث عنه بعطف شديد فحرم الجائزة إلى الأبد، والكاتب الإسرائيلي المجهول “عجنون” ينالها ولم تكن له أعمال ذات قيمة ولم تكن له كتب مترجمة إلى لغات أخرى”
وفي نفس العدد قال عيسى بلاطة أستاذ الأدب العربي في جامعة ماكفيل بكندا:
“إن العامل السياسي لعب دورا في قضية منح نجيب محفوظ الجائزة ، فقد ظهر نجيب محفوظ على شاشة التليفزيون الإسرائيلي، وأعطى مقابلات لأدباء ونقاد وصحفيين إسرائيليين، وهذا ما جعله أقرب إلى مفهوم الغربيين عن غيره من الأدباء، كما أن الرئيس أنور السادات أقرب إلى الغربيين من الرئيس عبد الناصر للسبب نفسه، أنا أدخل العامل السياسي وأراه مباشرا، لأنه صار إسرائيليا في نظرته السياسة، أو تجنس إسرائيليا”
في كتاب عداء اليهود للحركة الإسلامية لزياد محمود علي :
“وأخيرا أنقل كلاما لأحد اليهود قاله في ندوة عقدت في جامعة تل أبيب 19/12/1980 حول دعم علاقة السلام بين مصر وإسرائيل وشارك في الندوة مصطفى خليل رئيس وزراء مصر في نظام السادات ، وبطرس غالي وزير خارجيته ومجموعة من أساتذة جامعة تل أبيب اليهود ومنهم البروفوسير “ساسون سوميخ” الذي قال:
“أثناء زيارتي لجامعة عين شمس في مصر ساءني جدا أن أجد مكتبتها بالكتب التي ألفها متعصبون من المسلمين ضد اليهود، لكن الذي آلمني أكثر أنني رأيت هذه الكتب تباع في المكتبات وأكشاك بيع الصحف بحرية تامة، وإنني لا أعتب على أدباء مصر الذين يعطفون على إسرائيل مثل الحكيم ونجيب محفوظ إذا لم يفعلا شيئا لهذه الكتب المناهضة لإسرائيل لأنني أعلم أنهما لا يستطيعان ذلك”
فهل بعد ذلك من شك في أن جائزة نوبل لا تعطى إلا لمن ترضى عنه المجامع اليهودية والصهيونية على وجه الخصوص.
وعن عدم وصول الجائزة لمن يستحقها قبل نجيب محفوظ كتب في الملحق الثقافي بمجلة إقرأ العدد 950 بتاريخ17/10/1986:
هكذا تصل الجوائز لمن لا يستحقونها :
جائزة نوبل لا تعترف بالمبدعين العرب، وبعيدا عن أي ظلال قومية أو وجدانية، فإن نقادا عالميين يعترفون بعالمية عددا من الكتاب العرب ومع ذلك مازال هناك أسماء مثل نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف وأدونيس بعيدة عن التكريم، أبواب نوبل مقفلة أمام العرب ولكن من تراه يكتب تلك التقارير النقدية التي تشكل الطريق إلى الاختيار ؟”
نقلا عن جريدة الرياض العدد 7095 بتاريخ 2/12/1981 ذات يوم كتبت إحدى المجلات الفرنسية النقدية تقول:
“هل يوجد حقا وراء الأكاديمية السويدية رجال مقنعون يحملون مسدسات مجهزة بكاتم للصوت هم الذين يختارون الرجل الذي يتربع على عرش الأدب لمدة عام كامل؟
كثيرون في العالم الثالث قالوا إن أجهزة استخبارات وعلى رأسها “سي أي إي” بالطبع تشارك في الاختيار، في ظل مجرد كلام وإن كان واضحا أن للاختيار دائما ظلالا سياسية مقنعة”
نفس المجلة الفرنسية كتبت ” أسئلة حول ترشيح الحبابي لجائزة نوبل ومشكلات الكتابة بالفرنسية”
فإذا كان الكلام عن جائزة نوبل والعداء آنذاك معلن ضد اليهود والصهيونية، فماذا تتوقع منهم اليوم وموائد السلام تبسط والأكلة على قصعتها من كل المذاهب والمناهج الحديثة والعلمانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق