⏫⏬
تذكر منقذ بأن الطبيب أخبره في آخر زيارة بألا يتناول الملح ، لكنه ماذا سيفعل بعد أن أصبح في جوفه العميق ، لم يشأ أن يخبر
زوجته أو أي من أفراد أسرته بذلك ، نظر إلى الساعة المعلقة على الجدار الذي جاوز السبعين عاما من العمر : ( لم لم تصب أنت أيضا بالمرض أيها الجدار ) ... هل كان ينتظر جوابا ما !!! ...
عقارب الساعة تبطئ في تحركها إلى منتصف الليل ، في مثل هذا الوقت يمر القطار من جوار بيته ، اعتاد على صفيره اليومي ، النوم لا يأتي إلا بعد أن يحضر القطار ثم يغادر المكان .
انتصبت الزوجة الأولى لمنقذ فجأة : ( سأذهب إلى النوم ... ألن تذهب أنت أيضا ) ، كلماتها حملت الكثير من المعاني المختبئة خلف شفتيها ، رقص قلبه للحظة لكنه ما لبث أن أومأ لها برأسه نحو الأعلى ، أولاده الثلاثة مازالوا حوله في الصالة الكبيرة ، كان التلفاز حاضرا أمام الجميع .
تنامى لمسامعه صراخ بومة تقطن على الشجرة القريبة من النافذة : ( يالك من بومة ، سوف أتخلص منك ذات يوم ) .
اقتربت العقارب من بعضها وكأنها تحن لسهرة من نوع آخر ، صفير القطار يعلو شيئا فشيئا ، كسر سكون الظلمة ، القمر أصبح بدرا هذه الليلة ، أم وحيد لاتزال تحتفظ بعينيها المفتوحتين ك أسطوانة مشروخة ، خرج منقذ إلى مدخل البيت ، كان يراقب القطار وهو يجرجر عرباته بعناء ، أكمل سيجارته الثخينة التي تشبه جارته في الحي ، أطلق تنهيدة طويلة سمعها ابنه الأصغر فلحق به : ( مابك يا أبي ) ... ربما لم يعجبه تصرف الصبي فعاود الدخول إلى البيت دون أن يتلفظ بكلمة .
( هيا يا أولاد ... إلى النوم ) ...
عندما داست قدماه أرض الغرفة ، أغمضت الزوجة عينيها ، رمقها بنظرة سريعة : ( يالدهاء النساء ... رأيتك مستيقظة ) طبعا كان يحدث نفسه ، ابتسم ودس جسده في السرير بشيء من الهدوء .
حاولت أم وحيد التحرش به عبر حركة تعمدت أن تكون ( عفوية ) لكنه أدار ظهره للتو وأغمض عينيه : ( غدا سوف أذهب إلى طبيب آخر ، أنا لست بخير ) ...
تمتم ببعض الكلمات التي اعتاد عليها قبل أن يستسلم للنوم ، نكز ساق زوجته لكنها غرقت في نومها هذه المرة.
استيقظ فجأة مذعورا ، هب واقفا ، كان يلهث ، صدره يرتفع وينخفض بقسوة ، حتى أن ضربات قلبه تسمع من مسافة قريبة : ( يا إلهي ما هذا ... هل هو ملك الموت ) ... الفجر ينسج خيوطه الأولى ، الصمت مازال صغيرا ، صياح الديكة تهشم أضلع الفجر : ( إنا لله وإنا إليه راجعون .... ) ، وصل صوت مؤذن الجامع مع رياح الصباح ، ازدادت ضربات قلبه ، وكز زوجته بقوة : ( استيقظي يا امرأة لقد توفي ابن جارنا أبو أمجد ... هيا ) ...
قفزت المرأة وكأن بها مس من جنون : ( أمجد !!! ... أمجد شاب في أول عمره ، كيف مات ... ) .
لم يسمعها منقذ ، فقد خرج مهرولا نحو بيت جاره : ( مات أمجد الشاب ، وأنا المريض مازلت على قيد الحياة ، إنها سخرية القدر ) آه نسيت أن أخبركم بأنه جاوز العقد الخامس من عمره ، لكنه كان وسيما جميلا ، ذو ابتسامة ساحرة ...
قبل أن تميل الشمس إلى محراب نومها في مساء ذلك اليوم انطلق مع ابنه الأصغر ( لقد كان مدللا جدا ولا يفارقه أينما ذهب ) ... أفكار كثيرة تلهو برأسه ، تشبه طبول الحرب الباردة ، وأخيرا وصل إلى عيادة الطبيب .
العديد من المرضى في غرفة الانتظار ، درسهم واحدا واحدا ، لم ينج أيا منهم من نظراته ، امتعض كثيرا من منظر صبية جميلة صبغت وجهها بمكياج فاقع : ( هل أنت في عرس أيتها الفتاة ) ، تحركت شفتاه دون أن يدري ، قبل أن ينقل نظراته إلى مكان آخر صرخت عليه الممرضة الحسناء : ( تفضل يا سيدي ... تفضل ) فتحت له باب العيادة بينما كان يرمق قوامها الجميل .
شاهد الطبيب المنظر : ( يبدو بأنها أعجبتك ، هل تتزوجها ) ... ضحك الجميع ، ( لدي اثنتين يا دكتور ... ألا يكفي ) ...
دقائق مرت عصيبة عليه ، لم يدر مايقول ، وجه الطبيب يبدو اعتياديا ، الصبي يمسك بيد أبيه ، طلب الطبيب من الممرضة أن تدخل !!! .
( من أخبرك بأنك مريض يا أبو وحيد ، أنت لا تشكو من شيء ، كل ما لديك طبيعي ، بل أنت بحال ممتازة ) ... وقف منقذ ، طلب من الطبيب أن يعيد كلامه : ( نعم نعم أنت سليم مئة بالمئة يا صديقي ، لا تحتاج إلى دواء ، بإمكانك أن تأكل ما تشاء ) ...
إذن لماذا منعه الطبيب السابق من تناول الملح ، ولماذا وصف له دواء ، وكيف مرت كل هذه الأيام عليه وهو يراقب حركات جسده ...
مضت الليلة تلك دون أي طارئ ، كان سعيدا جدا ، هذه المرة سبق زوجته إلى غرفة النوم ، لم ينتظر صفير القطار ، ولا صراخ البومة ... لدى حضور الفجر لم يسمع منقذ ماذا قال مؤذن الجامع ...
*وليد.ع.العايش
تذكر منقذ بأن الطبيب أخبره في آخر زيارة بألا يتناول الملح ، لكنه ماذا سيفعل بعد أن أصبح في جوفه العميق ، لم يشأ أن يخبر
زوجته أو أي من أفراد أسرته بذلك ، نظر إلى الساعة المعلقة على الجدار الذي جاوز السبعين عاما من العمر : ( لم لم تصب أنت أيضا بالمرض أيها الجدار ) ... هل كان ينتظر جوابا ما !!! ...
عقارب الساعة تبطئ في تحركها إلى منتصف الليل ، في مثل هذا الوقت يمر القطار من جوار بيته ، اعتاد على صفيره اليومي ، النوم لا يأتي إلا بعد أن يحضر القطار ثم يغادر المكان .
انتصبت الزوجة الأولى لمنقذ فجأة : ( سأذهب إلى النوم ... ألن تذهب أنت أيضا ) ، كلماتها حملت الكثير من المعاني المختبئة خلف شفتيها ، رقص قلبه للحظة لكنه ما لبث أن أومأ لها برأسه نحو الأعلى ، أولاده الثلاثة مازالوا حوله في الصالة الكبيرة ، كان التلفاز حاضرا أمام الجميع .
تنامى لمسامعه صراخ بومة تقطن على الشجرة القريبة من النافذة : ( يالك من بومة ، سوف أتخلص منك ذات يوم ) .
اقتربت العقارب من بعضها وكأنها تحن لسهرة من نوع آخر ، صفير القطار يعلو شيئا فشيئا ، كسر سكون الظلمة ، القمر أصبح بدرا هذه الليلة ، أم وحيد لاتزال تحتفظ بعينيها المفتوحتين ك أسطوانة مشروخة ، خرج منقذ إلى مدخل البيت ، كان يراقب القطار وهو يجرجر عرباته بعناء ، أكمل سيجارته الثخينة التي تشبه جارته في الحي ، أطلق تنهيدة طويلة سمعها ابنه الأصغر فلحق به : ( مابك يا أبي ) ... ربما لم يعجبه تصرف الصبي فعاود الدخول إلى البيت دون أن يتلفظ بكلمة .
( هيا يا أولاد ... إلى النوم ) ...
عندما داست قدماه أرض الغرفة ، أغمضت الزوجة عينيها ، رمقها بنظرة سريعة : ( يالدهاء النساء ... رأيتك مستيقظة ) طبعا كان يحدث نفسه ، ابتسم ودس جسده في السرير بشيء من الهدوء .
حاولت أم وحيد التحرش به عبر حركة تعمدت أن تكون ( عفوية ) لكنه أدار ظهره للتو وأغمض عينيه : ( غدا سوف أذهب إلى طبيب آخر ، أنا لست بخير ) ...
تمتم ببعض الكلمات التي اعتاد عليها قبل أن يستسلم للنوم ، نكز ساق زوجته لكنها غرقت في نومها هذه المرة.
استيقظ فجأة مذعورا ، هب واقفا ، كان يلهث ، صدره يرتفع وينخفض بقسوة ، حتى أن ضربات قلبه تسمع من مسافة قريبة : ( يا إلهي ما هذا ... هل هو ملك الموت ) ... الفجر ينسج خيوطه الأولى ، الصمت مازال صغيرا ، صياح الديكة تهشم أضلع الفجر : ( إنا لله وإنا إليه راجعون .... ) ، وصل صوت مؤذن الجامع مع رياح الصباح ، ازدادت ضربات قلبه ، وكز زوجته بقوة : ( استيقظي يا امرأة لقد توفي ابن جارنا أبو أمجد ... هيا ) ...
قفزت المرأة وكأن بها مس من جنون : ( أمجد !!! ... أمجد شاب في أول عمره ، كيف مات ... ) .
لم يسمعها منقذ ، فقد خرج مهرولا نحو بيت جاره : ( مات أمجد الشاب ، وأنا المريض مازلت على قيد الحياة ، إنها سخرية القدر ) آه نسيت أن أخبركم بأنه جاوز العقد الخامس من عمره ، لكنه كان وسيما جميلا ، ذو ابتسامة ساحرة ...
قبل أن تميل الشمس إلى محراب نومها في مساء ذلك اليوم انطلق مع ابنه الأصغر ( لقد كان مدللا جدا ولا يفارقه أينما ذهب ) ... أفكار كثيرة تلهو برأسه ، تشبه طبول الحرب الباردة ، وأخيرا وصل إلى عيادة الطبيب .
العديد من المرضى في غرفة الانتظار ، درسهم واحدا واحدا ، لم ينج أيا منهم من نظراته ، امتعض كثيرا من منظر صبية جميلة صبغت وجهها بمكياج فاقع : ( هل أنت في عرس أيتها الفتاة ) ، تحركت شفتاه دون أن يدري ، قبل أن ينقل نظراته إلى مكان آخر صرخت عليه الممرضة الحسناء : ( تفضل يا سيدي ... تفضل ) فتحت له باب العيادة بينما كان يرمق قوامها الجميل .
شاهد الطبيب المنظر : ( يبدو بأنها أعجبتك ، هل تتزوجها ) ... ضحك الجميع ، ( لدي اثنتين يا دكتور ... ألا يكفي ) ...
دقائق مرت عصيبة عليه ، لم يدر مايقول ، وجه الطبيب يبدو اعتياديا ، الصبي يمسك بيد أبيه ، طلب الطبيب من الممرضة أن تدخل !!! .
( من أخبرك بأنك مريض يا أبو وحيد ، أنت لا تشكو من شيء ، كل ما لديك طبيعي ، بل أنت بحال ممتازة ) ... وقف منقذ ، طلب من الطبيب أن يعيد كلامه : ( نعم نعم أنت سليم مئة بالمئة يا صديقي ، لا تحتاج إلى دواء ، بإمكانك أن تأكل ما تشاء ) ...
إذن لماذا منعه الطبيب السابق من تناول الملح ، ولماذا وصف له دواء ، وكيف مرت كل هذه الأيام عليه وهو يراقب حركات جسده ...
مضت الليلة تلك دون أي طارئ ، كان سعيدا جدا ، هذه المرة سبق زوجته إلى غرفة النوم ، لم ينتظر صفير القطار ، ولا صراخ البومة ... لدى حضور الفجر لم يسمع منقذ ماذا قال مؤذن الجامع ...
*وليد.ع.العايش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق