⏫⏬
١
جلسا يتبادلان اطراف الحديث في احدى المقاهي الشعبية وسط ضوضاء الجمهور و اصوات الجراسين و هم يعيدون طلب الزبائن بأقصى ما في حناجرهم من طاقة ليسمعهم معدّ الطلبات و يعيد نفس الجملة مرة أخرى ليسمعها الشغيلة في الداخل .
المتقاعدان الستينيان اعتادا ارتياد هذا المقهى لتمضية الوقت الذي صار طويلاً إذ لم يعُد لديهما ما يقومان به ، هذه الحقيقة لم تكُن واضحةً في ذهنهما فقد كانا مقتنعان أن لقاءاتهما هذه ستغيّر تاريخ البشرية بما ينتج عنها من أفكار و نظريات لم تخطر ببال علماء السياسة أو الاقتصاد يوماً .
أبو جهاد كان في الثانية و الستين ، تقاعَد عن منصب رئيس دائرة الاحصاء في احدى الوزارات ، أُوكلَت له مهام ضخمة خلال فترة عمله ، لم يكن أهمها على سببل المثال :إحصاء رؤوس الماشية في البلاد و الذي أدّاه بدقّة عالية و بنسبة خطأ حوالي ١٠٪ . صحيح أن الدراسة وُضعَت في الأدراج و لم يسأل عنها أحد ، و لم تُستثمر في أي شيء مثلها مثل غالبية الدراسات و الاحصاءات التي قام بها . و صحيح أنه بالأساس خرّيج أدب عربي ، و لا يمتّ لعالم الحسابات و الأرقام بأي صلة ، بل على العكس فهو يكرهها من أيام الثانوي لذلك دخل الفرع الأدبي لكنه في النهاية أنجز ما أوكل إليه ، بغض النظر عن الطريقة إن كانت مدروسة أم ارتجالية.
أما أبو فراس ابن الخامسة و الستين فقد كان مربّياً فاضلاً تنقّل بين المدارس الثانوية يعلّم طلّابه بنفس الاسلوب الذي تعلّم به ، صحيح أنّه لم يكن يضرب لأن الضرب مُنع من المدارس لا عن قناعة ، لكن الحاجز الذي وضعه بينه و بين طلّابه طوال تلك السنوات جعلت رؤيته داخلاً إلى الصفّ كفيلة بإخراس كل من في الصف ، و ما زال الطلاب يتهامسون بينهم : كيف تجرؤ العصافير في الأشجار المجاورة لنافذة الصف أن تزقزق أو تغرّد في حضرة الاستاذ أبو فراس !!
رغم تدريسه العلوم إلا أن اهتماماته الفكرية و الأدبية تظهر أحياناً في دروسه من خلال طرح مواضيع خارج المنهاج أو الاستطراد في مناقشة موقف أدبي أو حتى حدث سياسي ، لم يكن يلقى تجاوباً كبيراً من الطلبة بسبب خوفهم لا عدم اهتمامهم بما يطرح ، لكنه يجد بعض التعليقات من بعض الطلاب الشجعان و هذا يكفيه فهو من أنصار الديمقراطية النخبوية.
@@@@
كان أبو جهاد من ابتدأ الحديث اليوم بتعليق على أصوات الجراسين:
ألا يستطيعون أخذ طلبات الزبائن في فواتير و ايصالها لمعدّيها !؟
بازعل منك ، أبو جهاد ، لذة هذه المقاهي في حفاظها على التراث القديم ، تستطيع أن تجد في المقاهي الحديثة الهدوء و الموسيقى و أصوات الجراسين الهامسة . لكنّك لن تحسّ بانتماءك للمكان . يا رجل ، تحسّ نفسك في غرفة نومك لا في مقهى !
لا أستطيع التركيز في الجريدة .
كلّه نفس الكلام من قبل أن أتزوج أم فراس (الله يرحمها )
الله يرحمها ، فيه تشكيل حكومة جديدة
و دخلك . فيه وجوه جديدة بالحكومة و الا نفس الأسماء بس غيروا الطرابيش ؟
اسمع لأحكي لك قبل ما أقول لك اللي بافكر فيه :
كُلِّفَت إحدى القانونيات المشهود لهنّ بتشكيل حكومة في احدى الدول المتقدّمة ( مو عنّا يعني )
المهم قدَّم لها مستشارها شخصيتين مؤهلتين لمنصب وزير الخارجية :الأولى بروفيسور في التاريخ ، و رئيس قسم التاريخ في احدى الجامعات العريقة ، و له مؤلفات عدة بعضها نال العالمية ، و كانت حجّته في اختياره أنّه يعرف تاريخ الدول التي سيتعامل معها و يمثلنا فيها ، أما الشخصية الثانية فهي رجل أعمال و أحد أثرياء البلاد المعدودين ممن لديه أعمال و شركات في كل أنحاء العالم و شبكة مصالح و علاقات واسعة ، تنفع بلادنا و توطد علاقاتنا التجارية مع مزيد من الدول ( هكذا برّر المستشار)
على مَن برأيك سيقع اختيار رئيسة الحكومة ؟
أظن رجل الأعمال هو الأنسب ، لأن الدول الرأسمالية تولي اهتمامها للاقتصاد ، و لا تعير التاريخ كبير اهتمام .
أصبتَ في نقطة ، و أخطأتَ في نقاط : صحيح كلامك بخصوص التاريخ إذ ليس من الحكمة أن يستلم رأس الدبلوماسية رجل تاريخ هو الأخبر بصراعات الأمس و أحقاد الماضي التي قد تؤثر في طريقة تعامله مع الدول ، فالسياسة لا تعرف عدواً ثابتاً و لا صديقاً ثابتاً ، كل ذلك يتبدل بتبدّل المصالح ، مما يجعلك تظن أن رجل الأعمال هو الأصلح .
لكن الحقيقة أنّ الآخَر أيضاً لا يصلح لأن رجل الأعمال في العموم يبحث عن مصلحته أولاً قبل مصلحة البلاد ، قد يفيد البلاد بعلاقاته لكن عندما تتعارض المصلحتان فمصلحته هي الأَولى (إلا ما ندر ) و قد رأينا نماذج من التجار دخلوا في السياسة فباعوا و اشتَروا ، و بيعوا و اشتُروا لذلك فهو لا يصلح.
مَن إذاً ؟
اسمع ، هناك حكمتان في هذه الحكاية : أولاهما : لا تدع أحداً يضعك أمام خيارَين لا ثالث لهما ، ابحث دائماً عن حلول خارج المطروح ستجد حلاً مناسباً قد يكون أبعد عمّا يُقدّم لك على أساس أنها الخيارات الوحيدة المتاحة.
أما الثانية : فهي وليدة الأولى و بنتها الوفية .
-كيف ؟
لقد لعبتُ معك اللعبة ذاتها التي لعبها المستشار مع رئيسة الحكومة إذ أوهمها أن لديها خيارين لا ثالث لهما . فأنت تفترض الآن أنها تبحث عن شخص ثالث يكون أكفأ من سابقَيه و أقدر على أداء المهمة ، و لعلّ الأفكار أخذتكَ إلى دوائر أُخرى : رجل اقتصاد ، أو محلل سياسي ، أو أحد المشاهير ، أو .. ربما أحد أصدقاء أو أقرباء رئيسة الحكومة (زوجها مثلاً) ...
فعلاً ، خطر لي هذا الأخير ، قلت : ربما كنتَ تقصد أن تكون نهاية الحكاية كوميدية . من هو الأجدر برأيك ؟
ضحك ضحكة المنتصر و رشف رشفة من كأس الشاي الثقيل و قال بلهجة الواعظ :
يا بُني ، لماذا عليك أن تفترض أن طريقة تشكيل الحكومات في الدول المتقدمة و آليتها هي نفسها المتبَعة عندنا ، صحيح أنني لا أعرف الكثير عن خفاياها ، لكنني سأفترض ببساطة أن في وزارة الخارجية نفسها توجد كفاءات و خبرات عظيمة لم تأخذ فرصتها ، ستختار رئيسة الحكومة الأنسب من وجهة نظرها أو ربما مَن ينتمي إلى حزبها .
-ما مناسبة الحكاية لما تقرأ؟
-الحقيقة ؛ لا شيء فتشكيل الحكومة في بلداننا كما تعلم نادراً ما يأتي بجديد ، و في كثير من الأحيان يكون رئيس الحكومة وحده هو الجديد فيها . يُعطى قائمة بأسماء الوزراء ليعيد ترتيبها في أحسن الأحوال ، هذا إن لم يعطى الترتيب أيضاً ، ثم يُترَك له وزارة الثقافة و البيئة و التعليم على اعتبارها وزارات لا تهمّ أصحاب القرار .
-إذاً ؟
كنتُ أفكّر : أن المسألة تبدأ من مستويات أدنى بكثير ، من قاع المجتمع لتصل إلى قمته لذلك فما يحدث نتيجة ، لا طفرة.
-عمّ تتحدّث ؟
عن اتخاذ القرار الخاطئ ، انظر مثلاً في مجال التعليم كيف يوكل أمر تعليم الصفوف الابتدائية الأولى غالباً لخريجي الثانوية على اعتبار أن الأمر لا يتعدى بعض الأحرف و الأرقام ، متناسين أن هذه هي المرحلة التي يبدأ فيها بناء شخصية الطفل ، و ما نتيجة ذلك ؟ نتيجته أن هذا الطالب يتخرج من الثانوية بمفهوم واحد : أن التعليم يعني حفظ و تلقين .
لا تنسى ، وصايا الأهل و من حوله : لازم تدرس لتدخل طب.
تلك مصيبة أخرى ، فالطالب المجتهد عندنا ليس مَن يُظهر مواهبه و يصقلها ليفيد بها و يستفيد ، إنما ذاك الذي تأقلم مع طبيعة نظام التعليم و قرر أن يلتزم شروطه .
و هذا الطالب عندما يتخرج من الثانوية بتفوّق رغم أن المنطق يقول أن لديه خيارات مفتوحة ليدخل التخصص الذي يحبّه إلا أن الواقع يقول أن لديه خياراً واحداً . فُرِض عليه منذ سنوات ، و أي خيار ثاني قد يفكر فيه سيجعله يدخل في معركة لا نهاية لها مع أهله و محيطه .
و ماذا عنك ؟
سؤال ماكر ، سأحدثك عن ذلك ، و لكن دعنا نخرج من هنا أولاً .
عندما كان يقول ذلك كانت أصوات الصخب تعالت فيما يبدو كمشاجرة بين شركاء الطرنيب بعد انتهاء الدور بطريقة لم ترُق لأحدهم ، فبدأت باتهامات للشريك بالغباء و للطرف الآخر بالتزوير ، لتنتهي بالعراك بالأيدي .
*د. طارق حسن
⏪ يتبع
١
جلسا يتبادلان اطراف الحديث في احدى المقاهي الشعبية وسط ضوضاء الجمهور و اصوات الجراسين و هم يعيدون طلب الزبائن بأقصى ما في حناجرهم من طاقة ليسمعهم معدّ الطلبات و يعيد نفس الجملة مرة أخرى ليسمعها الشغيلة في الداخل .
المتقاعدان الستينيان اعتادا ارتياد هذا المقهى لتمضية الوقت الذي صار طويلاً إذ لم يعُد لديهما ما يقومان به ، هذه الحقيقة لم تكُن واضحةً في ذهنهما فقد كانا مقتنعان أن لقاءاتهما هذه ستغيّر تاريخ البشرية بما ينتج عنها من أفكار و نظريات لم تخطر ببال علماء السياسة أو الاقتصاد يوماً .
أبو جهاد كان في الثانية و الستين ، تقاعَد عن منصب رئيس دائرة الاحصاء في احدى الوزارات ، أُوكلَت له مهام ضخمة خلال فترة عمله ، لم يكن أهمها على سببل المثال :إحصاء رؤوس الماشية في البلاد و الذي أدّاه بدقّة عالية و بنسبة خطأ حوالي ١٠٪ . صحيح أن الدراسة وُضعَت في الأدراج و لم يسأل عنها أحد ، و لم تُستثمر في أي شيء مثلها مثل غالبية الدراسات و الاحصاءات التي قام بها . و صحيح أنه بالأساس خرّيج أدب عربي ، و لا يمتّ لعالم الحسابات و الأرقام بأي صلة ، بل على العكس فهو يكرهها من أيام الثانوي لذلك دخل الفرع الأدبي لكنه في النهاية أنجز ما أوكل إليه ، بغض النظر عن الطريقة إن كانت مدروسة أم ارتجالية.
أما أبو فراس ابن الخامسة و الستين فقد كان مربّياً فاضلاً تنقّل بين المدارس الثانوية يعلّم طلّابه بنفس الاسلوب الذي تعلّم به ، صحيح أنّه لم يكن يضرب لأن الضرب مُنع من المدارس لا عن قناعة ، لكن الحاجز الذي وضعه بينه و بين طلّابه طوال تلك السنوات جعلت رؤيته داخلاً إلى الصفّ كفيلة بإخراس كل من في الصف ، و ما زال الطلاب يتهامسون بينهم : كيف تجرؤ العصافير في الأشجار المجاورة لنافذة الصف أن تزقزق أو تغرّد في حضرة الاستاذ أبو فراس !!
رغم تدريسه العلوم إلا أن اهتماماته الفكرية و الأدبية تظهر أحياناً في دروسه من خلال طرح مواضيع خارج المنهاج أو الاستطراد في مناقشة موقف أدبي أو حتى حدث سياسي ، لم يكن يلقى تجاوباً كبيراً من الطلبة بسبب خوفهم لا عدم اهتمامهم بما يطرح ، لكنه يجد بعض التعليقات من بعض الطلاب الشجعان و هذا يكفيه فهو من أنصار الديمقراطية النخبوية.
@@@@
كان أبو جهاد من ابتدأ الحديث اليوم بتعليق على أصوات الجراسين:
ألا يستطيعون أخذ طلبات الزبائن في فواتير و ايصالها لمعدّيها !؟
بازعل منك ، أبو جهاد ، لذة هذه المقاهي في حفاظها على التراث القديم ، تستطيع أن تجد في المقاهي الحديثة الهدوء و الموسيقى و أصوات الجراسين الهامسة . لكنّك لن تحسّ بانتماءك للمكان . يا رجل ، تحسّ نفسك في غرفة نومك لا في مقهى !
لا أستطيع التركيز في الجريدة .
كلّه نفس الكلام من قبل أن أتزوج أم فراس (الله يرحمها )
الله يرحمها ، فيه تشكيل حكومة جديدة
و دخلك . فيه وجوه جديدة بالحكومة و الا نفس الأسماء بس غيروا الطرابيش ؟
اسمع لأحكي لك قبل ما أقول لك اللي بافكر فيه :
كُلِّفَت إحدى القانونيات المشهود لهنّ بتشكيل حكومة في احدى الدول المتقدّمة ( مو عنّا يعني )
المهم قدَّم لها مستشارها شخصيتين مؤهلتين لمنصب وزير الخارجية :الأولى بروفيسور في التاريخ ، و رئيس قسم التاريخ في احدى الجامعات العريقة ، و له مؤلفات عدة بعضها نال العالمية ، و كانت حجّته في اختياره أنّه يعرف تاريخ الدول التي سيتعامل معها و يمثلنا فيها ، أما الشخصية الثانية فهي رجل أعمال و أحد أثرياء البلاد المعدودين ممن لديه أعمال و شركات في كل أنحاء العالم و شبكة مصالح و علاقات واسعة ، تنفع بلادنا و توطد علاقاتنا التجارية مع مزيد من الدول ( هكذا برّر المستشار)
على مَن برأيك سيقع اختيار رئيسة الحكومة ؟
أظن رجل الأعمال هو الأنسب ، لأن الدول الرأسمالية تولي اهتمامها للاقتصاد ، و لا تعير التاريخ كبير اهتمام .
أصبتَ في نقطة ، و أخطأتَ في نقاط : صحيح كلامك بخصوص التاريخ إذ ليس من الحكمة أن يستلم رأس الدبلوماسية رجل تاريخ هو الأخبر بصراعات الأمس و أحقاد الماضي التي قد تؤثر في طريقة تعامله مع الدول ، فالسياسة لا تعرف عدواً ثابتاً و لا صديقاً ثابتاً ، كل ذلك يتبدل بتبدّل المصالح ، مما يجعلك تظن أن رجل الأعمال هو الأصلح .
لكن الحقيقة أنّ الآخَر أيضاً لا يصلح لأن رجل الأعمال في العموم يبحث عن مصلحته أولاً قبل مصلحة البلاد ، قد يفيد البلاد بعلاقاته لكن عندما تتعارض المصلحتان فمصلحته هي الأَولى (إلا ما ندر ) و قد رأينا نماذج من التجار دخلوا في السياسة فباعوا و اشتَروا ، و بيعوا و اشتُروا لذلك فهو لا يصلح.
مَن إذاً ؟
اسمع ، هناك حكمتان في هذه الحكاية : أولاهما : لا تدع أحداً يضعك أمام خيارَين لا ثالث لهما ، ابحث دائماً عن حلول خارج المطروح ستجد حلاً مناسباً قد يكون أبعد عمّا يُقدّم لك على أساس أنها الخيارات الوحيدة المتاحة.
أما الثانية : فهي وليدة الأولى و بنتها الوفية .
-كيف ؟
لقد لعبتُ معك اللعبة ذاتها التي لعبها المستشار مع رئيسة الحكومة إذ أوهمها أن لديها خيارين لا ثالث لهما . فأنت تفترض الآن أنها تبحث عن شخص ثالث يكون أكفأ من سابقَيه و أقدر على أداء المهمة ، و لعلّ الأفكار أخذتكَ إلى دوائر أُخرى : رجل اقتصاد ، أو محلل سياسي ، أو أحد المشاهير ، أو .. ربما أحد أصدقاء أو أقرباء رئيسة الحكومة (زوجها مثلاً) ...
فعلاً ، خطر لي هذا الأخير ، قلت : ربما كنتَ تقصد أن تكون نهاية الحكاية كوميدية . من هو الأجدر برأيك ؟
ضحك ضحكة المنتصر و رشف رشفة من كأس الشاي الثقيل و قال بلهجة الواعظ :
يا بُني ، لماذا عليك أن تفترض أن طريقة تشكيل الحكومات في الدول المتقدمة و آليتها هي نفسها المتبَعة عندنا ، صحيح أنني لا أعرف الكثير عن خفاياها ، لكنني سأفترض ببساطة أن في وزارة الخارجية نفسها توجد كفاءات و خبرات عظيمة لم تأخذ فرصتها ، ستختار رئيسة الحكومة الأنسب من وجهة نظرها أو ربما مَن ينتمي إلى حزبها .
-ما مناسبة الحكاية لما تقرأ؟
-الحقيقة ؛ لا شيء فتشكيل الحكومة في بلداننا كما تعلم نادراً ما يأتي بجديد ، و في كثير من الأحيان يكون رئيس الحكومة وحده هو الجديد فيها . يُعطى قائمة بأسماء الوزراء ليعيد ترتيبها في أحسن الأحوال ، هذا إن لم يعطى الترتيب أيضاً ، ثم يُترَك له وزارة الثقافة و البيئة و التعليم على اعتبارها وزارات لا تهمّ أصحاب القرار .
-إذاً ؟
كنتُ أفكّر : أن المسألة تبدأ من مستويات أدنى بكثير ، من قاع المجتمع لتصل إلى قمته لذلك فما يحدث نتيجة ، لا طفرة.
-عمّ تتحدّث ؟
عن اتخاذ القرار الخاطئ ، انظر مثلاً في مجال التعليم كيف يوكل أمر تعليم الصفوف الابتدائية الأولى غالباً لخريجي الثانوية على اعتبار أن الأمر لا يتعدى بعض الأحرف و الأرقام ، متناسين أن هذه هي المرحلة التي يبدأ فيها بناء شخصية الطفل ، و ما نتيجة ذلك ؟ نتيجته أن هذا الطالب يتخرج من الثانوية بمفهوم واحد : أن التعليم يعني حفظ و تلقين .
لا تنسى ، وصايا الأهل و من حوله : لازم تدرس لتدخل طب.
تلك مصيبة أخرى ، فالطالب المجتهد عندنا ليس مَن يُظهر مواهبه و يصقلها ليفيد بها و يستفيد ، إنما ذاك الذي تأقلم مع طبيعة نظام التعليم و قرر أن يلتزم شروطه .
و هذا الطالب عندما يتخرج من الثانوية بتفوّق رغم أن المنطق يقول أن لديه خيارات مفتوحة ليدخل التخصص الذي يحبّه إلا أن الواقع يقول أن لديه خياراً واحداً . فُرِض عليه منذ سنوات ، و أي خيار ثاني قد يفكر فيه سيجعله يدخل في معركة لا نهاية لها مع أهله و محيطه .
و ماذا عنك ؟
سؤال ماكر ، سأحدثك عن ذلك ، و لكن دعنا نخرج من هنا أولاً .
عندما كان يقول ذلك كانت أصوات الصخب تعالت فيما يبدو كمشاجرة بين شركاء الطرنيب بعد انتهاء الدور بطريقة لم ترُق لأحدهم ، فبدأت باتهامات للشريك بالغباء و للطرف الآخر بالتزوير ، لتنتهي بالعراك بالأيدي .
*د. طارق حسن
⏪ يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق